بوابة الحركات الاسلامية : مستقبل "طالبان" بين الانشقاقات و"داعش" (طباعة)
مستقبل "طالبان" بين الانشقاقات و"داعش"
آخر تحديث: الثلاثاء 20/10/2015 02:55 م
مستقبل طالبان بين
تشهد حركة "طالبان" الأفغانية انقسامًا حادًّا عقب إعلان وفاة زعيمها الملا عمر وتعيين الملا أختر محمد منصور زعيمًا جديدًا للحركة، وهو ما وضعها أمام تحدٍّ مصيري يُهدد تماسكها، خاصةً في ظل تهديدات تنظيم "داعش" ومساعيه لفرض السيطرة على الساحة الأفغانية، واستقطاب عناصر وكوادر الحركة للقتال في صفوفه، بشكل بات يفرض تساؤلات عديدة حول مستقبل "طالبان" في ظل القيادة الجديدة، ومدى قدرة القائد الجديد على تجاوز محاولات الانشقاق داخل الحركة؛ الأمر الذي دعا المعهد الإقليمي للدراسات الاستراتيجية إلى نشر تقرير طرح فيه الوضع الحالي للحركة ومستقبلها بين الانشقاقات والقيادة الجديدة وتهديد داعش لها جاء فيه: 

أسباب متعددة

أسباب متعددة
بمجرد إعلان وفاة الملا عمر، تصاعدت حدة الانقسام حول من سيخلفه في المنصب الذي يحظى بأهمية خاصة، لا سيما وأن الملا عمر كان يمثل قيمة رمزية ومكانة روحية لدى أعضاء الحركة جعلته يلقب بـ"أمير المؤمنين"؛ مما جعل تأثيره يتجاوز حركة "طالبان"، حتى إن أسامة بن لادن الزعيم السابق لتنظيم "القاعدة" أعلن ولاءه للملا عمر، وفي العام الماضي، جدد تنظيم "القاعدة" القسم بالولاء للأخير. ويضاف إلى ما سبق ما بذله الملا عمر في السنوات الماضية من جهود لتوحيد مجموعة مشتتة من التنظيمات الجهادية في جنوب آسيا. ومن هنا بدأت الأزمة؛ حيث لم يكن يوجد في حركة "طالبان" من يحظى بنفس مكانة الملا عمر.
ورغم أن الملا منصور يُعد- وفقًا لاتجاهات عديدة- من أقوى الشخصيات المؤثرة في حركة "طالبان"، إلا أن إعلان تعيينه قائدًا للحركة أثار ردود فعل متباينة من جانب أطراف عديدة. فقد أعلنت عائلة الملا عمر، ممثلة في نجله الملا يعقوب وشقيقه الملا عبد المنان، رفضها مبايعة خلفه، ودعت القادة الدينيين إلى التحكيم في الخلافات المتزايدة حول انتقال السلطة داخل الحركة، عوضًا عن مبايعة أي طرف، وهو ما أيده "مجلس إمارة أفغانستان الإسلامية"، الذي أعلن رفضه تسمية الملا منصور زعيمًا للحركة، بموجب ما وصفه بـ"قرار فردي"، وأكد أنه "لن يتم تسمية خليفة للملا عمر حتى الانتهاء من فترة الحداد، واجتماع كل المجموعات.
كما عارض كل من الملا محمد حسن رحماني والي قندهار، والملا عبد الرزاق وزير داخلية "طالبان" وأنصارهما، واللذان يشكلان كتلة لا يستهان بها داخل الحركة، تعيين الملا منصور زعيمًا للحركة؛ حيث اعتبرت هذه الكتلة اختيار منصور انقلابًا على الشرعية، وحاولت أن تستقطب عناصر الحركة لتأييد الملا يعقوب ابن الملا عمر (26 عامًا) الذي تخرج قبل سنوات في إحدى المدارس الدينية في مدينة كراتشي الباكستانية، لكنها لم تنجح في الضغط على قادة الحركة لتحقيق ذلك. بينما وصف محمد طيب أغا رئيس المكتب السياسي لحركة "طالبان"، اختيار زعيم جديد للحركة "من قبل أفغان خارج البلاد"-على حد قوله- بأنه "خطأ كبير"، وذلك في بيان أعلن فيه استقالته، وقال فيه: إن "اختيار الملا أختر منصور زعيمًا جديدًا خطأ كبير، لأن كل الزعامات التي انتخبت في الخارج جرّت عواقب وخيمة على الشعب الأفغاني".

التحديات

التحديات
تواجه حركة "طالبان"، في ظل أزمة القيادة الجديدة بعد وفاة الملا عمر، تحديين رئيسيين يُمكن أن يؤثرا بشكل ملحوظ على مستقبلها، وهما:
1- الحفاظ على تماسك الحركة، والذي يظل رهنًا بقدرة القائد الجديد على احتواء الخلافات الداخلية، وهو المنحى الذي بدا في خطاب الملا منصور عقب إعلان تعيينه زعيمًا للحركة؛ حيث نشرت حركة "طالبان" عبر صفحتها الرسمية تسجيلا صوتيًّا لزعيمها الجديد يدعو فيه جميع قيادات الحركة وفصائلها إلى التماسك والتوحد ونبذ التفرقة، ويؤكد فيه "المضي قدمًا على الخطط التي رسمها الزعيم السابق، بغية تطبيق الشريعة الإسلامية في أفغانستان، والقضاء على الاحتلال"، وقد حذر الملا منصور أتباعه وقيادات الحركة من "الجهود التي تبذلها بعض الجهات لتمزيق صف طالبان"، مشددًا على أنه "سيبذل جهودًا حثيثة لإرضاء جميع قيادات وأعضاء الحركة".
وبالطبع، فإن ذلك لا يبدو مهمة سهلة، في ظل تصاعد حدة الخلافات بين قيادات الحركة؛ مما يثير المخاوف من أن يتحول التيار المتشدد في الحركة الذي يقوده الملا عبد القيوم ذاكر وبعض أعضاء أسرة الملا عمر، إلى تأسيس جناح مسلح جديد ضد الحكومة والحركة ربما يكون مدعومًا من بعض الأطراف المستفيدة من استمرار الصراع في أفغانستان، وهو ما سيترتب عليه تزايد حدة الانشقاقات في صفوف الحركة والتي تعاني من هذا الأمر منذ سنوات، بشكل يمكن أن يضعف من دورها تدريجيًّا خلال المرحلة القادمة.
2- وقف "التمدد الداعشي"، حيث لم يتوقف تنظيم "داعش" عن التمدد في أفغانستان منذ ظهوره في بداية عام 2015، لا سيما في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الأفغانية، بل أخذ يتمدد في المناطق التي تخضع لنفوذ "طالبان"، وتمكن من السيطرة على عدد من معاقل الحركة في هلمند، وبعض المناطق من إقليم زابل المجاور لقندهار التي تمثل معقلها الرئيسي. واللافت في هذا السياق، هو أن نشاط التنظيم لم يقتصر على الأقاليم الجنوبية البعيدة عن العاصمة كابول، بل شهدت الأقاليم المجاورة لها تحركات للمقاتلين المنتسبين إلى التنظيم، على غرار إقليم لوجر، كما بدأ التنظيم في تأسيس معسكرات في المناطق الجبلية النائية.
وأخيرًا، وفي ظل التطورات التي تشهدها حركة "طالبان"، فإن نجاح الملا منصور في قيادة حركة "طالبان" في هذه المرحلة الراهنة الحرجة، سوف يرتبط بقدرته على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الحركة، وهي مهمة لا تبدو سهلة، في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها أفغانستان خلال الفترة الحالية.