بوابة الحركات الاسلامية : غياب "حمس".. هل يضع اندماج "النهضة" و"جبهة العدالة" في الجزائر على المحك؟ (طباعة)
غياب "حمس".. هل يضع اندماج "النهضة" و"جبهة العدالة" في الجزائر على المحك؟
آخر تحديث: السبت 24/12/2016 08:04 م
غياب حمس.. هل يضع
في محاولة تستهدف بشكل رئيس نظم صفوف التيار الإسلامي في الجزائر، بعدما تراجعت فرص تأيده في الشارع الجزائري على خلفية العديد من الإخفاقات السياسية فضلاً عن إخفاقات التيار في الدول التي وصل فيها إلى الحكم إبان ثورات ما سمي بالربيع العربي، أنهى حزبا "النهضة" بقيادة محمد ذويبي و"جبهة العدالة والتنمية" بقيادة عبدالله جاب الله، الإسلاميان مسار الاندماج التنظيمي بينهما، ووقعا على الوثيقة النهائية للوحدة، تحت مسمى "النهضة التاريخية"، فيما يبدو أن كبرى الأحزاب الإسلامية، حركة "مجتمع السلم" (حمس)، خارج المشروع.
اندمج "النهضة" و"جبهة العدالة والتنمية" في حزب واحد تحت اسم "حركة النهضة"، جاء بالتزامن مع تجهيزات الأحزاب السياسية في الجزائر خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، فيما اعتبر مراقبون خطوة الاندماج بمثابة إعادة المشهد الجزائري إلى ما قبل 1999، أي بعد 17 سنة من الانشقاق الذي شهدته الحركة، بسبب خلافات داخلية بين قياداتها وزعيمها، الشيخ عبدالله جاب الله، ورجّحوا أن تكون خطوة الاندماج بمثابة خطوة نحو الالتئام بعد نحو 17 سنة من الانشقاق والتشرذم، حال عرفت تلك الخطوة طريقها للتجسيد والنجاح. 
 زعيم جبهة العدالة، عبدالله جاب الله، وصف خطوة الاندماج بـ"الإنجاز"، وقال إن "هذا الإنجاز يوجّه رسائل الأمل للأمة، ويدعو أبناء التيار الإسلامي وأحزابه إلى التخلي عن الذاتية والاستفادة من الماضي ومن التجارب المريرة لهذا التيار"، مبرزاً أن اندماج الحزبين "مشروع يعيد حلم الجزائريين في بناء الدولة"، فيما أكد الأمين العام لحركة "النهضة"، محمد دويبي، أن الاندماج "مشروع استراتيجي طالما حلمنا به، وقد جاء ليقوي بناء الدولة ويرقى بالممارسة السياسية، ويعيد التوازن المختل للمشهد السياسي".

غياب حمس.. هل يضع
وبحسب تقارير مُتخصصة فإن محاولة الاندماج لم تكن هي الأولى، فقد سبقتها محاولة مشابهة في عام 2008، غير أنها توقفت في بدايتها بسبب حسابات الزعامة ومرض النرجسية، اللذان تسببا في الانشقاق الكبير الذي وقع في عام 1999، على خلفية الموقف من دعم العهدة الأولى للرئيس بوتفليقة، وتكررت المحاولة مرة أخرى في نهاية 2011 وبداية 2012، وتكللت بتحالف ثلاثة أحزاب هي حركة "مجتمع السلم" و"حركة النهضة" و"حركة الإصلاح الوطني" وتخلفت عنه جبهة العدالة والتنمية (حزب جاب الله)، لكن هذا التحالف كان ظرفيا ومرتبطا أساسا بالانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2012، وهو ما جعله رهينة، بدليل انفراط عقده وعدم قدرته على الاستمرار.
وبدا ان التيار الإسلامي في الجزائر يسعى نحو تجربة الاندماج وهو يضع النجاح الذي حققه نظرائهم في كل من المغرب (حزب العدالة والتنمية)، وتونس (حركة النهضة)، وقبل كل ذلك نجاح تجربة حزب أردوغان في تركيا، صوب عينيه، خاصة أن الوقت الراهن لم يعد في صالح التيار الإسلامي بشكل عام بسبب رفض العديد من قطاعات الشعب وجوده في السلطة بعد التعرف على الجرائم التي يرتكبها الإسلاميون في العديد من الدول المجاورة مثل سورية وليبيا.

غياب حمس.. هل يضع
تحدٍ آخر يواجه الاندماج الجديد، هو عدم تحمس أكبر الأحزاب الإسلامية للمبادرة، فحركة "مجتمع السلم" التي سارعت منذ البداية إلى تأكيد عدم انخراطها في التكتل الذي كانت طرفا فيه في 2012، حتى ولو شجعت التحالف على المستوى المحلي، كما قال رئيسها عبد الرزاق مقري، وهي رسالة فهمها من يتقاسم معه المشروع ذاته، بأن "حمس" غير مستعدة للخوض في تجربة مماثلة، حتى وإن ذابت جميع الأحزاب المنحدرة من حركة النهضة التاريخية (جبهة العدالة والتنمية، حركة الإصلاح الوطني، جبهة الجزائر الجديدة) وتلك المنحدرة من حركة مجتمع السلم (جبهة التغيير وحركة البناء وتجمع أمل الجزائر "تاج")، فإن تخلف حزب بحجم "حمس"، لن يعطي للمشروع الوهج المأمول من قبل أبناء هذا التيار، بالنظر لحجم حزب الراحل محفوظ نحناح في المشهد السياسي وخاصة داخل الإسلاميين.

تحديات أمام التيار الإسلامي في الجزائر

تحديات أمام التيار
والتيار الإسلامي في الجزائر، يواجه العديد من التحديات التي لايمكن التغافل عنها، إذ لم يعد تشرذم الإسلاميين التي لازمتهم منذ الانفتاح السياسي قبل أن تتعقد لاحقا، هي وحدها العائق أمامهم، بل امتدت تلك المعوقات إلى جملة من الاخطاء التي تم ارتكابها خلال الفترة الأخيرة، مثل مشاركة حركة مجتمع السلم في الحكومة (حمس) التابعة فكرياً وتنظيماً لجماعة الإخوان، في السلطة قبل 2012، ما أسقط عن الحركة ورقة "نظافة اليد" التي لطالما لعب عليها الإسلاميون في خطابهم السياسي، فقد تبين أن وزراء تقلدوا حقائب وزارية وهم يرتدون عباءة المشروع الإسلامي، ولم يختلفوا عن غيرهم من بقية الوزراء المحسوبين على السلطة، بل كانت بعض الأسماء أسوأ منهم، والأمثلة يعرفها الجميع.
من كل ما سبق فإن هذا المعطى من الممكن أن يعقد من مأمورية حاملي لواء الدفاع عن المشروع الإسلامي في الاستحقاقات المقبلة حتى ولو دخلوا تحت راية مشروع جديد، لأن عموم الجزائريين، لا يتوفرون على الثقافة والوعي السياسيين اللذان يؤهلانهما للقدرة على التمييز بين الخيارات المعروضة.   
يؤكد الأمين العام لحركة النهضة، محمد ذويبي، في حوار له تم نشره منذ أيام في إحدى الصحف الجزائرية، أن اندماج الحركة مع جبهة العدالة والتنمية عملية مفتوحة، وحركة "حمس" يمكن أن تلتحق بالمشروع إذا توفرت لها الإرادة، كما تحدث عن اتصالات مع أحزاب أخرى على غرار جبهة التغيير وحركة البناء، وشدد على أن التحالف يتعدى الانتخابات، معتبرا الانتخابات التشريعية محطة هامة لتعزيز هذا المشروع.
وبدا ذويبي مدافعاً بقوة عن تجربة 2008 و2012 في الاندماج، إذ قال إن التجربتين لم يفشلا، فتجربة 2012 رائدة أسست لتحالف انتخابي حقق أهدافه على مستوى الكتلة البرلمانية وأهداف التنسيق والعمل أيضا، وأن التجربة الناجحة لـ "تكتل الجزائر الخضراء" هي التي أسست وفتحت الباب لمثل هذه المشاريع والتحالفات السياسية، وتجربة 2008 لم تفشل كذلك.
وأجمعت فعاليات الإسلام السياسي في الجزائر، على المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، رغم الشكوك والاتهامات التي ما فتئت المعارضة توجهها إلى السلطة، باستعمال التزوير والانحياز لصالح الأحزاب الموالية لها، وفشلها في فرض مطلب الهيئة المستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات، وبقاء الهيئة المذكورة على نفس المهمة (المراقبة)، مع توسيع بعض صلاحياتها بموجب نصوص الدستور الجديد، المصادق عليه من طرف البرلمان في أغسطس الماضي.

غياب حمس.. هل يضع
وحسب متابعين للشأن الإسلام السياسي في الجزائر، فإن خلافات التيار عميقة وتاريخية تعود إلى سنوات الظهور الأولى، حيث رفضت في نهاية الثمانينات رموز التيار الإخواني الانخراط في تيار السلفيين المتمثل في جبهة الإنقاذ المحظورة، لأسباب وحسابات ضيقة، حيث لعبت ورقة الزعامة دورا كبيرا في تفجير الحراك، وأعقب ظهور جبهة الإنقاذ، ميلاد كل من حركة النهضة وحركة المجتمع الإسلامي (حماس)، التي تطورت إلى حركة مجتمع السلم (حمس) في منتصف التسعينات.
وإذ حافظ المؤسس التاريخي لحركة النهضة عبدالله جاب الله، وبعض القياديين على هامش معتبر لممارسة المعارضة السياسية، فإن حركة “حمس” انخرطت بشكل علني وفعال في السلطة، خاصة منذ مجيء الرئيس بوتفليقة للسلطة في 1999، حيث كانت طرفا، فيما كان يعرف بـ”التحالف الرئاسي”، وشاركت في مختلف الحكومات المتعاقبة إلى غاية العام 2011، ولا يستبعد تغريدها الآن وحيدة تمهيدا للعودة إلى “بيت الطاعة”. 

غياب حمس.. هل يضع
في كل الأحوال سيبقى اندماج "النهضة" و"جبهة العدالة" تحت المجهر، وستُجيب الأيام المقبلة عن التساؤل حول قدرة ذلك الاندماج على الاستمنرار في ظل غياب خبرتهم السياسية فضلاً عن غياب حركة "حمس" التي تتفوق عنهم في القدرة على المناورة السياسية وخوض الانتخابات التشريعية.