بوابة الحركات الاسلامية : فرج فودة.. والإسلام السياسي (طباعة)
فرج فودة.. والإسلام السياسي
آخر تحديث: الخميس 08/06/2023 11:11 ص حسام الحداد
فرج فودة.. والإسلام
أثارت كتابات د. فرج فودة جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين، واختلفت حولها الآراء وتضاربت فقد طالب بفصل الدين عن السياسة والدولة وليس عن المجتمع، كانت جبهة علماء الأزهر تشن هجوما كبيرا عليه، وطالبت لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه، بل وأصدرت تلك الجبهة في 1992 "بجريدة النور" بياناً بكفره
وكان لفرج فودة مناظرتان شهيرتان أولها كانت مناظرة معرض القاهرة الدولي للكتاب في 7 يناير 1992 تحت عنوان: مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية، وكان فرج فودة ضمن جانب أنصار الدولة المدنية مع الدكتور محمد أحمد خلف الله، بينما على الجانب المقابل كان شارك فيها الشيخ محمد الغزالي، والمستشار مأمون الهضيبي مرشد جماعة الإخوان الإرهابية، والدكتور محمد عمارة الكاتب الإسلامي، وحضر المناظرة نحو 20 ألف شخص.
المناظرة الثانية كانت في نادي نقابة المهندسين بالإسكندرية يوم 27 يناير 1992 تحت عنوان: مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية، وشارك فرج فودة ضمن أنصار الدولة المدنية مع الدكتور فؤاد زكريا، بينما كانت جانب أنصار الدولة الدينية: الدكتور محمد عمارة، والدكتور محمد سليم العوا، وشارك فيها نحو 4000 شخص.
وبصورة عامة، يمكن اعتبار العديد من كتب فرج فودة دراسات تفصيلية للتيارات الثلاثة، "فحوار حول العلمانية" (1987) هو نقد للتيار التقليدي، و"الإرهاب" (1988) نقد للتيار الثوري، و"الملعوب" (1985) نقد للتيار الثروي وتحذير من أثر بيوت توظيف الأموال الإسلامية على الاقتصاد المصري وتدمير مدخرات المصريين وإضعاف السيولة اللازمة للاستثمار وإبخاس قيمة الجنيه المصري. كذلك يعتبر كتابه "النذير" (1989) تأريخا لحركة هذه التيارات الثلاثة والتي بدأت منفصلة شبه متناحرة في انتخابات 1984، ثم متحالفة في انتخابات 1987، ولفشل تعامل الحكومات المصرية مع هذه التيارات.
ومع تزعم أحزاب "التحالف الإسلامي" للمعارضة في برلمان 1987، حاول فرج فودة توثيق تصريحات أعضاء هذا التحالف بحثا عن برنامج سياسي لهم، من مثل رفض إبراهيم شكري (1916-2008) رئيس حزب العمل الاشتراكي لمناقشة الميزانية في البرلمان "لوجود بنود فيها محملة بوزر الفوائد الربوية وموارد المشروبات الروحية،" مما يعني بالضرورة فرار الحكومة من المساءلة، واقتراح مصطفى كامل مراد (1927-1998) حل المشكلة الاقتصادية بالبحث عن كنز قارون في الفيوم، وطلب الحمزة دعبس (1936- ) مرشح التحالف عرض الإسلام على السفير الإسرائيلي فإن رفض فالجزية فإن رفض فالقتل، ودعوة الشيخ يوسف البدري (1938- ) مرشح التحالف إعلان الحرب على بلغاريا وإسبانيا لأنهما من بلاد المسلمين المغصوبة، وهي كلها الآراء التى تنم في رأي فرج فودة عن افتقار التحالف لبرنامج حقيقي.
يرى فرج فودة أن انعدام وجود برنامج سياسي لدى أنصار التيار الإسلامي هو أكبر الأخطار على مستقبل مصر. وهو يعزيه فكريا إلى قصور فكر الاجتهاد لدى أنصار هذا التيار: "هذه الدولة الإسلامية تحتاج إلى برنامج سياسي يعرض تفصيلا وتأصيلا للعموميات والجزئيات، وأنهم أعجز من أن يصيغوا مثل هذا البرنامج أو يتقدموا به، وأنهم يهربون من الرحى برميها فوق رؤوسنا، داعين إيانا إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، التي تقودنا بالحتم إلى دولة دينية إسلامية، نتخبط فيها ذات اليمين وذات اليسار، دون منارة من فكر أو اجتهاد مستنير، وليحدث لنا ما يحدث، وليحدث للإسلام ما يحدث، وما علينا إلا أن نمد أجسادنا لكي يسيروا عليها خيلاء، إن أعجزهم الاجتهاد الملائم للعصر رفضوا العصر، وإن أعجزهم حكم مصر هدموا مصر."
التجربة الإيرانية
اعتبر فرج فودة أن نمو الإسلام السياسي في مصر هو "جزء من اتجاه عام في جميع البلاد الإسلامية الآن يمكن أن يطلق عليه اسم الثورة الإسلامية،" وأن "هذا الاتجاه العام، بنجاحه في إيران، قد أحدث انقلابا جوهريا في أساليب ووسائل الأحزاب السياسية الإسلامية في العالم الإسلامي، حيث طرح منطق الثورة الشعبية، أو التغيير العنيف، كبديل لأسلوب التعايش مع النظم الديمقراطية والعمل في ظلها، كما أنه أحيا الآمال في نفوس أنصار هذه الاتجاهات في جميع البلدان الإسلامية."
رأى فرج فودة أنه باستثناء الاختلاف الفكري بين الشيعة والسنة فيما يتعلق بنظرية الإمامة ومدى اختلاط أمور السياسة بالدين، فإن الظروف الموضوعية الممهدة لإنشاء الدولة الدينية الإسلامية في كل من مصر وإيران تكاد أن تتطابق:
تمثل إيران مركز القيادة للعالم الشيعي لأسباب تتعلق بالقيادة الفكرية والثقل السكاني، رغم وجود المقدسات الشيعية في العراق. وهو نفس موقع مصر في العالم السني بالمقارنة بالسعودية ولنفس الأسباب. وإذا كان اختراق الحكم الديني للعالم الشيعي لا بد وأن يبدأ بطهران، فإن اختراق العالم السني لا بد وأن يبدأ بالقاهرة.
نمو الكيان الاقتصادى المستقل للتيار السياسى الديني نتيجة لما يدفعه الشيعة طواعية للقيادات الدينية كنسبة من أرباحهم في إيران، ولنمو التيار الثروي في مصر.
تمثل الأحياء الفقيرة مرتعا خصبا للتطرف السياسي الديني، وقد لعب سكان هذه الأحياء الدور الرئيسي فى الثورة الشعبية التى اجتاحت قلب طهران. وتمثل القاهرة صورة كربونية تتطابق مع طهران.
ميل الإدارة الأمريكية لسياسة احتواء الثورة الإسلامية في إيران التي قادها وزير الخارجية فانس بدلا من سياسة المواجهة التي دعا إليها بريجينسكي مستشار الأمن القومي. ولقد انتصر تيار الاحتواء وانتهى إلى ما انتهى إليه الحكم المدني فى إيران. وتميل الولايات المتحدة إلى سياسة الاحتواء أيضا بالنسبة للتيار السياسي الديني في مصر.
اعتمدت الثورة الإيرانية على المليشيات الشبابية المسلحة (أقل من 30 عاما) مثل الحرس الثورى، حيث يسهل توجيه طاقات الشباب إلى عنف التغيير، والذى يحقق ذاته من خلال الارتباط بقيم مثالية عليا، والذى تدفعه مشاكله الحياتية المعقدة (أزمة السكان - البطالة - عدم القدرة على الزواج) إلى تدمير الهياكل القائمة المسئولة عن هذا كله، ومحاولة بناء مجتمع جديد تسوده شعارات غير محددة وغير تفصيلية. وتعتمد الجماعات الإسلامية في مصر على الشباب أيضا.
أجاد التيار السياسي الديني في إيران استخدام منابر المساجد من خلال أئمة المنابر المسيسين، كما أجاد توجيه حرب الكاسيتات. وهو ما حدث في مصر منذ نهاية عصر الرئيس السادات، مثل شرائط الشيخ عبد الحميد كشك (1933-1996) والذي أطلق اسمه على أحد شوارع طهران.
اعتماد السلطتين، الشاه في إيران والرئاسة في مصر، على الجيش كصمام أمان أخير إذا عجزت الشرطة عن احتواء الخطر. غير أن درس الثورة الإيرانية أوضح أن أقوى الجيوش التى عرفها تاريخ المنطقة، وأرقاها تسليحا، وأكثرها ولاء للحاكم، وأبعدها ارتباطا بالظاهرة الدينية، وأكثرها ارتباطا بالقيم والدول المتحضرة، عجز تماما عن الحركة فى مواجهة شارع أعزل حين تعدى نمو التيار حدا معينا، أصبحت بعده تكلفة الاستخدام مع إمكانياته وقدرته أكبر بكثير من نتائجه.
خطأ اليسار في البلدين، والذى يتصور أنه في خندق واحد مع التيار السياسي الديني في مواجهة الإمبريالية والصهيونية والنظم العميلة، ويمتد نظره إلى مرحلة تقسيم الغنائم بعد سقوط النظام، وهو ما فعله حزب توده الشيوعي وحركة مجاهدي خلق اليسارية فى إيران ، وهو نفس ما فعلته بعض القيادات اليسارية المصرية مثل وضع حزب التجمع المطالبة بتطبيق الشريعة على رأس مطالبه.
وطالب فرج فودة بأن يعرض التليفزيون المصري "واقع الحياة السياسية في الدول التي تطبق ما تدعي أنه النظام الإسلامي" على الرأي العام لتحذير الناس من أخطار الدولة الدينية: "هم يصورون للشباب أن الدولة الدينية فردوس على الأرض. وفي المقابل لماذا لا تعرض ملفات الحكم الإيراني والإعدامات دون إجراءات والتعذيب دون ضمانات على الرأي العام؟"
ولهذا، وبالرغم من معارضة فرج فودة القوية لغزو العراق للكويت، إلا أنه رأى أن "انهيار العراق الشامل ليس في مصلحة أحد، وليس بالتحديد في مصلحة مصر، ولا في مصلحة دول الخليج، بل إن وجود صدام حسين الآن، برغم كل مساوئه وأخطائه، أهون بكثير من البديل المتاح حاليا، وهو قيام حكم شيعي في العراق أو في جنوبه."
التجربة السودانية
اهتم فرج فودة بتحول السودان إلى دولة إسلامية في سبتمبر 1983 على يد الرئيس النميري كدراسة حالة على الآثار المترتبة على التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية في كتابه "قبل السقوط" (1984). وقارن بين مخاوفه على انفصال السودان طائفيا نتيجة لاندلاع الحرب الأهلية السودانية الثانية بعد تطبيق الشريعة، وبين ابتهاج أنصار تيار الإسلام السياسي خاصة في مصر لتحول السودان إلى دولة دينية من مثل الشيوخ محمد الغزالي، وعبد الحميد كشك ، وعبد اللطيف عبد الغني حمزة (1923-1985) مفتي الجمهورية، وعبد اللطيف مشتهري (1915-1995)، وعمر التلمساني (1904-1986) المرشد العام للإخوان المسلمين، وصلاح أبو إسماعيل، والدكتور يوسف القرضاوي (1926- )، وحتى الملاكم محمد علي كلاي (1942- ). كما اهتم بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي قام بها الحكم الديني في السودان، من مثل إعدام محمود محمد طه (1909-1985) رئيس الحزب الجمهوري السوداني لكتابته منشورا رافضا لقوانين سبتمبر 1983 بصورة متعسفة "تتمثل في المحاكمة لمدة ساعة واحدة، وتنفيذ حكم الإعدام خلال ثلاثة أيام، وعدم مراعاة عمر الرجل الذي بلغ الثمانين، وتنفيذ الحكم أمام هتافات الآلاف، وحضور الأربعة من زملائه المحكوم عليهم بالإعدام للتنفيذ تمهيدا لاستتابتهم،" والأضرار الاقتصادية البالغة التي ترتبت عليه، وأدت إلى المظاهرات الشعبية والانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم النميري عام 1985 وأعاد الحكم المدني إلى السودان، فكتب مخاطبا أنصار الدولة الدينية في السودان: "لا يغني عن ذلك الحديث عن البركة، ذلك الذي ... أثبتت قدرة الله عكسه، حين هلت على السودان بشائر المجاعة، جزاء وفاقا على أفعال من خلت من قلوبهم الرحمة وهي جوهر الإسلام، ... وقادتهم ساديتهم إلى القطع قبل الشبع. ما بالهم صمتوا أمام جفاف السماء بعد أن وعدونا بالسيول؟ وأمام تشقق الأرض بعد أن وعدونا بالجنان؟ وأمام خلع الإمام استجابة لغضبة الشعب بعد أن بايعوه مدى الحياة، وعاهدوه على السمع والطاعة؟ فجازته وجازتهم السماء بالمجاعة."
أدان فرج فودة الانقلاب العسكري الإسلامي الذي أطاح بالحكم المدني المنتخب في السودان عام 1989، لبدء الأخير مفاوضات سلام مع الجنوب ولإلغائه قوانين الشريعة وحالة الطوارئ، وأتى الانقلاب بحسن الترابي إلى السلطة والذي أعاد قوانين الشريعة، وحوّل السودان في رأيه "إلى مستقر للأصوليين والإرهابيين، تحت شعارات الثورة الإسلامية." كتب فرج فودة مقالا يهاجم فيه الترابي لإساءته من وجهة نظره "للحضارة، ولحقوق الإنسان، وللوجه الحضاري للسودان، وقبل ذلك كله للإسلام الحنيف، الذي تحول على يديه إلى إسلام عنيف، يعرف القطع قبل الشبع، ويبرر لحاكم مثل النميري أن يعلق معارضيه على أعواد المشانق، وأن يجمع النظارة ليس لمشاهدة فرقة مسرحية، أو الاستماع إلى أوبرا أو أوبريت، وإنما لمشاهدة قطع الأيدي والأرجل في ساحة سجن كوبر."
اعتبر فرج فودة أن انهيار صدام حسين بعد حرب الخليج الأولى "وبخروج العراق من ساحة التوازنات الإقليمية، أصبحت مصر هي حائط الصد الوحيد، في مواجهة القوة الإيرانية العملاقة بالمقارنة مع الإمارات الخليجية،" وأن "إيران قد تخلت عن منطق الدفاع، وتسلمت زمام المبادرة للهجوم على مصر، واستطاعت أن تخترق نظام البشير في السودان من خلال سيطرة الجبهة الإسلامية عليه، لكي تهدد حدود مصر الجنوبية" على النحو التالي:
انتقال التعاون الإيراني السوداني إلى مستوى جديد يتمثل في الدعم بالفكر والمال والبترول والسلاح، وليس هناك ما هو أشد جاذبية لأنصار تصدير الثورة الإسلامية في إيران، من سقوط مصر، زعيمة العالم الإسلامي السني، في قبضة أفكارهم المتخلفة.
تكريس انفصال الجنوب السوداني من خلال دعم معسكر الشمال السوداني بالسلاح، ومن خلال دفع الشمال إلى الإصرار على تطبيق الشريعة، وهو المدخل المؤكد للانفصال. "وانفصال جنوب السودان ليس هما سودانيا صرفا، بل هو هم مصري في الأساس، ففي جنوب السودان يقع مشروع جونجلي … أخطر مشروع تنموي مستقبلي في التاريخ المصري الحديث. والعائد منه وفق أية حسابات يتجاوز أي قطاع إنتاجي أو خدمي في مصر، … والفاقد من تعطيله خلال السنوات العشرين الأخيرة يتجاوز حجم مديونية مصر، واستمرار تصاعد مشكلة الجنوب يهدد باستمرار توقفه، في حين أن انفصال الجنوب يهدد بإلغائه بالكامل،" كما أنه قد يساعد على إنشاء سدود على النيل في أية دولة من دول المنبع "وهو أمر لا يمكن السماح به دون موافقة دول المصب عليه."
تونس والمغرب العربي
اهتم فرج فودة بدراسة نمو الإسلام السياسي في دول المغرب العربي، والتي تمثل "كتلة الهم الإرهابي المتستر بشعارات الدين الإسلامي ... والهم الأول لهذه الدول هو مواجهة هذا الخطر بعد تصاعده في الجزائر والسودان." وصب اهتمامه بصورة خاصة على تونس التي زارها أكثر من مرة، ودرس حركة حزب النهضة فيها، ولاحظ ازدواجية خطابه السياسي، "فما يقوله الزعماء شيء، وما يقوله الشباب المنتمي للحركة شيء آخر،" حيث توجه قيادتاه راشد الغنوشي (1941- ) وعبد الفتاح مورو (1948- ) خطابا "للمثقفين، والليبراليين، والذي يتبنى معك أي شيء، ويوافقك على كل شيء، وينثني معك أينما انثنيت،" بينما يتبنى الشباب خطابا ثوريا. وهو ما يجعل حزب النهضة "خليطا من أنصار (لا بأس) وأنصار البأس الشديد،" فهو يجمع بين نقيضين "رأس مناور بلا قدمين، وقدمان شرسان عنيفان بلا رأس." وهذه الازدواجية تتعلق بخصوصية الثقافة التونسية عند مقارنتها بمصر.