بوابة الحركات الاسلامية : مواطن القوة والضعف في الجهود الغربية لمكافحة الإرهاب (طباعة)
مواطن القوة والضعف في الجهود الغربية لمكافحة الإرهاب
آخر تحديث: الأحد 15/01/2023 01:22 ص حسام الحداد
مواطن القوة والضعف
على الرغم من أن السياسات التي تركِّز على منع التطرف قد نوقشت منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإن هذه السياسات لم تطبق في الغالب في جميع أنحاء أوروبا حتى عام 2014. لقد كان بإمكانهم خفض عدد المقاتلين الأجانب الذين يسافرون إلى سوريا والعراق. بعد سقوط “الخلافة” في عام 2019، كان بإمكان الحكومات الغربية التوصل إلى حلٍّ لإغلاق هذا الفصل إلى الأبد، وتقديم جميع المقاتلين الأجانب إلى العدالة، ودعم إعادة بناء سوريا والعراق. ومع ذلك، بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات، لا يزال المقاتلون الأجانب الأوروبيون، وكذلك الأطفال، محتجزين في المنطقة. أعتقد أن هذه سقطة أخلاقية، وسياسة سيئة، كونها تجلب عدم الاستقرار بدلًا من أن تحقق الأمن.
كان هذا جزء من حوار البروفيسور توماس رينارد، مدير المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، مع موقع عين أوروبية على التطرف حول كتابه الأخير “تطور مكافحة الإرهاب منذ 11/9”، ويركز ريناردعلى  تطوّر الإرهاب منذ القرن التاسع عشر حتى الوقت الحاضر، ويسّلط الضوء على التطورات المهمة في مجال مكافحة الإرهاب، لا سيّما فيما يتعلق ببداية ظهور تنظيم داعش في سوريا والعراق، وتداعياته، وتأثيره اللاحق على أوروبا.
وتحدث في هذا الحوار عن أوجه التشابه بين الحركات الإرهابية في القرن التاسع عشر والإرهاب الإسلاموي، منذ أواخر القرن العشرين فصاعدًا حيث قال: لا يمكن إغفال أوجه التشابه المثيرة للاهتمام. كان الإرهاب الأناركي جزءًا من “موجة عالمية من الإرهاب” (على حد تعبير ديفيد رابوبورت)، ما أثّر على العديد من الدول في جميع أنحاء العالم في الوقت نفسه، تمامًا مثل الإرهاب الإسلاموي في الوقت الحاضر.
بالنظر إلى المسارات الفردية، يمكن للمرء أن يرصد أوجه تشابه مثيرة للاهتمام أيضًا. يمكن بالفعل رؤية مفاهيم مثل “العلاقة بين الجريمة والإرهاب”، التي شهدت تركيزًا جديدًا للبحث في السنوات الأخيرة. ففي القرن التاسع عشر كان للعديد من الإرهابيين الأناركيين ماضٍ إجرامي، وأشادت الدعاية الأناركية بـ “الحق في السرقة” (لا يختلف عن مفهوم “الغنيمة” الذي يروّج له داعش).
ومن المثير للاهتمام أن بعض أساليب مكافحة الإرهاب الأكثر فعالية اليوم، مثل تسلل الشرطة، أو حظر الدعاية أو حيازة أسلحة معينة، أو التعاون الدولي، كانت تستخدم بالفعل إلى حد كبير ضد الأناركيين في القرن التاسع عشر. وسنّت الدول عددًا من القوانين والتدابير المثيرة للجدل لمكافحة الإرهاب، وأحيانًا بطريقة غير متناسبة (مثل “القوانين سيئة السمعة لعامي 1893 و1894 في فرنسا). وهكذا، يمكن القول إن التاريخ يعيد نفسه من نواحٍ كثيرة.
وحول مدى الإفادة من إنشاء مُجمّع لـ”دراسات الإرهاب”، قال: تعود دراسات الإرهاب إلى الستينيات، وقد شهدت تقدمًا ملحوظًا على مدى العقدين الماضيين. وإلى حدٍّ كبير، تظل معظم الأسئلة التي نطرحها على أنفسنا اليوم هي نفسها التي أثارها “الأعضاء المؤسسون” منذ عقود. وفي غضون ذلك، توسّعت دراسات الإرهاب لتشمل المزيدَ من التخصصات والمنهجيات، وقبل كل شيء، أصبح بإمكاننا الاعتماد على المزيد من البيانات. وعلى الرغم من عدم الوصول دائمًا إلى إجابات مختلفة كثيرًا عن ذي قبل، فإن الطرق الحديثة أكثر تنظيمًا وتطورًا. وفي الوقت نفسه، أعتقد أن العديد من الأسئلة الأساسية في هذا المجال قد لا تتم الإجابة عليها بشكلٍ كامل. هذا ما يجعل مجالنا محبطًا وشيقًا في الوقت نفسه.
وعن أكثر المجالات التي أخطأت فيها الدول الغربية في التعامل مع “خلافة” داعش قال: أعتقد أن النقيصتين الرئيستين في التعامل الغربي تتعلقان بمرحلة ما قبل “خلافة” داعش، وما بعدها. قبل يونيو 2014، عندما أعلن زعيم داعش رسميًا “الخلافة”، كانت الدول الغربية لا تفعل سوى القليل جدًا لاكتشاف التطرف العنيف، ومنع الشباب من السفر إلى منطقة الصراع. على الرغم من أن السياسات التي تركِّز على منع التطرف قد نوقشت منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإن هذه السياسات لم تطبق في الغالب في جميع أنحاء أوروبا حتى عام 2014. لقد كان بإمكانهم خفض عدد المقاتلين الأجانب الذين يسافرون إلى سوريا والعراق. بعد سقوط “الخلافة” في عام 2019، كان بإمكان الحكومات الغربية التوصل إلى حلٍّ لإغلاق هذا الفصل إلى الأبد، وتقديم جميع المقاتلين الأجانب إلى العدالة، ودعم إعادة بناء سوريا والعراق. ومع ذلك، بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات، لا يزال المقاتلون الأجانب الأوروبيون، وكذلك الأطفال، محتجزين في المنطقة. أعتقد أن هذه سقطة أخلاقية، وسياسة سيئة، كونها تجلب عدم الاستقرار بدلًا من أن تحقق الأمن.
أما عن سبب اختياره التركيز على بلجيكا في تحليلاتِه في الكتاب قال: بلجيكا دراسة حالةٍ مثيرةٌ للاهتمام لجملةٍ من الأسباب. أولًا، لديها عدد كبير من السكان الذين سافروا إلى سوريا والعراق منذ عام 2012. في الواقع، لديها أعلى نسبة من المقاتلين الأجانب قياسًا بعدد السكان في أوروبا الغربية. علاوة على ذلك، كانت بلجيكا أول دولة أوروبية يهاجمها مقاتل أجنبي عائد من سوريا (في عام 2014)، وكذلك آخر دولة (في عام 2016). وبالتالي، تأثرت الدولة -إلى حدٍ كبيرٍ- بالموجة الجهادية الأخيرة، ما جعل النظر إلى الاستجابة السياسية أمرًا مثيرًا للاهتمام.
ثانيًا، على عكس بعض الدول الأوروبية الأخرى، تعود تجربة بلجيكا مع الإرهاب الإسلاموي، في الواقع، إلى أواخر فترة الثمانينيات. وهذا يمكننا من دراسة تطور جهود مكافحة الإرهاب، على مدى فترة زمنية أطول. وأخيرًا، بلجيكا أهملت إلى حدٍّ كبير في الأدبيات، على الأقل حتى وقت قريب، ما يبرّر، في حد ذاته، اختيارها كدراسة حالة.
وعن ملامح مكافحة الإرهاب التي أشار إليها في كتابه قال: يكتب كثيرٌ من الباحثين عن مكافحة الإرهاب، في الغالب كممارسة ولكن في بعض الأحيان كسياسة أو عقيدة. ومع ذلك، فهناك عدد قليل جدًا من تعريفات مكافحة الإرهاب: ما هي بالضبط؟ وبالفعل، هناك جهود ضئيلة للغاية لوضع تصوّر أو نظريات لمكافحة الإرهاب. أعتقد أن هذا لا يزال يشكِّل فجوة في البحث، آمل أن يساهم البعض الآخر في سدها.
في كتابي، قررتُ التعامل مع مكافحة الإرهاب كسياسة عامة عادية. على الرغم من أن سياسات مكافحة الإرهاب يمكن أن تكون “استثنائية”، من حيث إنها تخلق العديد من الحالات الاستثنائية (مثل “حالة الطوارئ”، وما إلى ذلك)، فإن هذه السياسات هي في الواقع نتيجة لعمليات صنع السياسات العادية نسبيًا.
وهكذا، في كتابي، استفدت من بعض المفاهيم الأساسية، والدروس المستفادة من أدبيات نظرية السياسة العامة، لفهم عملية صنع سياسات مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، فأعتقد أنه لا يزال من الممكن القيام بالمزيد في هذا الجانب، وهناك حاجة لمعالجة جوانب أخرى في مجال مكافحة الإرهاب بطريقةٍ أكثر نظرية.
وأضاف: في كتابي، أزعم أن توسيع نطاق مكافحة الإرهاب -المزيد من المنبع (الوقاية) والمصب (إعادة التأهيل)- هو في الواقع نقلة نوعيّة مهمة حدثت في وقتٍ ما في العقد الماضي. إن تطوير سياسات منع التطرف العنيف ومكافحته أمر مُرحّب به من وجهة نظري. ويُعد الكشف المبكر عن السلوكيات المنحرفة والوقاية منها ممارسة جيدة. فهي تتيح التدخل قبل فوات الأوان، لكل من الضحايا والجناة المحتملين.
وقد دعا الباحثون -منذ سنواتٍ- إلى التركيز أكثر على معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب، وعلى البيئة المواتية للتطرف. هذه السياسات، وإن كانت غير كاملة، تسعى إلى فعل ذلك. لكن هذا الأمر لا يخلو من احتكاكات. الاحتكاكان الرئيسيان اللذان أوّد تسليط الضوء عليهما هنا هما:
(1) التوفيق بين العقلية الأمنية (مكافحة الإرهاب) والعقلية الاجتماعية (الوقاية الاجتماعية) ليس بالأمر اليسير، حيث تظهر التوترات عندما تتداخل العقليتان أو تُجبران على التعاون، كما يحدث على نحوٍ متزايد في الشكل الجديد لمكافحة الإرهاب.
(2) تتوسّع أجندة مكافحة الإرهاب باستمرار، وتضيف في كل مرة طبقة جديدة إلى جهود مكافحة الإرهاب، وإن كان ذلك مع قيمة مضافة هامشية متناقصة باستمرار لمكافحة الإرهاب، وبتكلفة أعلى على الحقوق الأساسية. وهكذا، في رأيي، هناك العديد من الجوانب الإيجابية في تطوّر مكافحة الإرهاب، ومخاوف خطيرة أيضًا.
وحول تفاؤله بشأن تأثير تكامل الدول على مكافحة الإرهاب قال: مكافحة الإرهاب اختصاصٌ سيادي أساسي، وعلى هذا النحو، فإن معظم هذه الجهود تتم على المستوى الوطني. ومع ذلك، فمن المدهش أن نلاحظ مدى عمق التعاون الدولي-ولا سيّما التعاون الأوروبي- خلال العقد الماضي. لقد ازداد كم البيانات والمعلومات والاستخبارات الذي يُتشارك على المستوى الأوروبي زيادة هائلة على مرِّ السنين.
ومن الواضح أن مستوى التهديد الأعلى، والطابع عبر الوطني للعديد من الخلايا الإرهابية، مثل خلية باريس-بروكسل، قد ساهما في إزالة بعض الإحجام القديم عن التعاون. في أوروبا، يتم التعاون في مكافحة الإرهاب من خلال مؤسسات الاتحاد الأوروبي (تنسيقية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، يوروبول، فرونتكس.. إلخ)، إضافة إلى “منتديات الاستخبارات” غير الرسمية، مثل “مجموعة مكافحة الإرهاب”، وكذلك من خلال التعاون الثنائي بين الوكالات.
هذا تطورٌ مهم، ربما لم يكن ليحدث لولا ظهور عصر “الخلافة”. ومن الصعب التنبؤ بما إذا كانت كثافة ذلك التعاون ستبقى في كل جانب، في سياق انخفاض التهديد الإرهابي. ولكن التطور الجيد هو إنشاء أدواتٍ وبروتوكولات مفيدة، يمكن تفعيلها واستخدامها من قبل الدول الأعضاء على أساس الحاجة. وهذه بلا شك نقطة قوة جديدة في الهيكل العالمي لمكافحة الإرهاب.
وعم تعامل بلجيكا القانوني والمجتمعي، مع مقاتلي داعش الأجانب العائدين قال: الإجابة تنطوي على شقين. أولًا، فيما يتعلق بمقاتلي داعش الذين ما زالوا في سوريا والعراق، فإن بلجيكا الآن مجهزة تجهيزًا جيدًا لمحاكمتهم، وإدارتهم في السجن، والعمل على إعادة تأهيلهم ومراقبتهم بعد صدور الأحكام. ولا أعتقد أن هناك حاجة إلى أكثر من ذلك بكثير. الجانب الآخر، يتعلق بجاهزية بلجيكا لاستباق أي موجاتٍ مستقبلية من المقاتلين الأجانب ومنعها.
وفي هذا الصدد، يشير حشد المتطوعين الأجانب لأوكرانيا إلى أن الأجهزة الأمنية لا تزال في حالة تأهب بالفعل. ومع ذلك، فإن الحفاظ على هذا المستوى من التأهب، والاستثمار على المدى الطويل، عندما تكون هناك أولويات أمنية أخرى، سيشكِّل تحديًا حقيقيًا في حد ذاته، لبلجيكا أو لأي دولةٍ أخرى.