بوابة الحركات الاسلامية : أمير الصراف: كشفت النقاب عن التاريخ المجهول ل"منقريوس بن ابراهيم " (طباعة)
أمير الصراف: كشفت النقاب عن التاريخ المجهول ل"منقريوس بن ابراهيم "
آخر تحديث: الثلاثاء 07/03/2023 12:21 م روبير الفارس
أمير الصراف: كشفت
-    اسرار وزير شيخ العرب همام وزراعه اليمين في دولة الصعيد

في كتابه المؤسس " منقريوس بن ابراهيم  وزير ومباشر الشيخ همام الهواري امير الصعيد " الصادر مؤخرا عن دار المرايا  وفي رحلة بحث مضنية سلط الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الصعيد " امير الصراف " الضوء علي  أحد أهم أفراد رجال الإدارة الأقباط وعائلته في صعيد مصر، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر؛ وهو "منقريوس بن إبراهيم المكنى في بعض وثائق وحجج المحاكم الشرعية بـ "بولس منقريوس،" وزير الأمير همام ابن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن سبيك، وذراعه في الإدارة. وقد تزامن اشتغال منقريوس بإدارة الأمير همام زعيم قبيلة هوارة مع تولدِ فكرة الدولة المستقلة في الصعيد، والموازية للسلطة المركزية في القاهرة ذات الجناحين المتمثلين في الوالي العثماني وشيخ البلد الذي كان بحوزة البكوات المماليك، واصطلح رفاعة الطهطاوي عليها جمهورية همام الالتزامية التي كانت مترامية بعمق الوادي من المنيا إلى أسوان، وهو السياق ذاته الذي تحدث عنه علماء الحملة الفرنسية في شروحاتهم عن دولة همام؛ كونها مشابهة للجمهورية الفرنسية، من حيث العدالة الاجتماعية والمساواة. ..الكتاب قدم حلقة مفقودة في تاريخ مصر ويعد نموذجا مهما في التنقيب في المناطق المظلمة في التاريخ  وفي هذا الحوار يحدثنا "الصراف " عن منهجه البحثي ورحلته الطويلة للبحث عن منقريوس حيث اكد أنّ رجالَ الإدارة الأقباط في العاصمة لم يحظوا بالسردِ الكافي بالمراجعِ إلا في استثناءاتٍ معدودة، رغم حساسيّة أدوارِهم، وتعاظمِ نفوذِهم في فتراتٍ كثيرة، كذلك فإن الصّعيدَ في هذه الفترة أيضًا لم يحظَ بالذِّكر الكافي؛ أما التفاصيلُ المطوّلة التي ترد في هذه المراجعِ المتّصلة عن الصعيد، كانت جزءًا من حوادثَ متعلقةٍ بالمركزيّة بالأساس. أضف إلى ذلك أن الحقبة ذاتها كانت زاخمة بالأحداث والحوادث فى العاصمة. والي نص الحوار
منذ متي جذبتك شخصية منقريوس ولماذا؟
بدأت قبل ثلاث سنوات، العمل فى مشروع البحث والكتابة حول رجال الإدارة فى جمهورية شيخ العرب همّام أو إقطاعيته التي ضمت الوادي من  المنيا إلى أسوان في منتصف القرن الثامن عشر، إبّان صراع جناحا السلطة المركزية فى العاصمة، ممثلين فى مندوب إستانبول فى القاهرة أو الوالي العثماني وطغمة البكوات المماليك، على حكم البلاد، ذلك الصراع الذي استغله همّام بن يوسف ليوُسع أملاكه فى الصعيد.
بالنسبة لشخصية منقريوس، فقد كان رجلًا مهمًا محملًا بخبرات كبيرة فى الإدارة، وثقَ همّام بن يوسف، فيه ، ووضعه على قمة الهرم الوظيفي فى إدارته، وجعله ضمن دائرةِ صُنع القرار داخل قبيلة هوّارة في أيّام عُنفوانها، ونائبًا عنه في إدارة الحكومة المؤلَّفة من طبقاتِ الموظفين والمباشرين، التي تديرُ وتباشرُ القطاعاتِ الاقتصاديةَ المختلفة في الإقليم.
كما أدى المستشار القبطي لهمّام مهامًا بالغةَ الحساسيّة في تلك الفترة، المتزامنة مع صراعاتِ همّام مع طبقات المماليك، على رأسِهم علي بك الكبير مدير المشيخة. كان لحاجب شيخ العرب حقوقُ الوكالةِ عن همّام ابن يوسف في بيع وشراء الأراضي وسدادِ الخراج والغلال للحكومة المركزية فى القاهرة، وربمّا جمعِ الجِزيةِ من سكّان الصعيد من المسيحيين، فضلًا عن مهامِه في إدارة شؤونِ الإقليمِ مع همّام بن يوسف.

*ماهي الأهداف من البحث حول هذه الشخصية؟
كان هدف الدراسة، ملء الفراغِ عن هذا الرجل، ودورِه في هذه الفترة؛ فقد كان له دورٌ مفصليٌ ورئيسٌ في إقطاعية همّام التي مدّ حدودها حتى ضمَّت الوادي بأكملِه، وأسّسَ لها جيشًا يزودُ عنها، بعد أن انتهى من وضعِ نُظمٍ لتنظيم مواردِها الاقتصادية، من خلال شبكاتٍ من الموظفين والمديرين؛ كان منقريوس وعائلتُه على رأسهم.
كذلك إيجادُ معلوماتٍ مباشرةٍ ومحققةٍ، عن الوزير منقريوس بن إبراهيم، وأصوله العائلية، ودوره في هذه الفترة المهمّة في تاريخ مصر والصعيد؛ من خلال ترؤسِه للموظفين والمباشرين بحكومة الأمير همّام بن يوسف.
أيضًا تتبع أحفادِه وسلسالِ عائلتِه، منذُ سطوعِ نجمه في حكومة همّام في النصف الثاني من القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر؛ مع تتبع دورِ هذه الأجيالِ المتعاقبةِ في الحياة العامة والسّياسيَّة، والوظائفِ التي تبوَّأها خلال كلِّ عقدٍ أو حقبةٍ تاريخية، ومدى نفوذهم الاقتصادي؛ وكذلك الحياة الاجتماعيّة لهذه العائلة، من خلال صلاتِ النّسب والمصاهرة، وربطِها بالأحداثِ السياسيّة، وتغيّر أنظمة الحكم.

* ماهي أهم الصعوبات التي واجهتك في كتابة البحث؟
واجهت صعوباتٍ تصلُ إلى حدِّ التعقيد، فأغلب المراجعِ التاريخية المتّصلة بتاريخ هذه الحقبةِ ذاتِ الزّخم والحوادث والاضطرابات، لم تمرّر منقريوس ضمن أسماءِ طبقة التكنوقراط الأقباطِ العاملين بخدمَة البكوات المماليك أو مشايخ العربان الحائزين على الالتزاماتِ الزّراعية. سَقطَ منقريوس وأفرادُ عائلته من التدوين بهذه المراجع إجمالًا.
وقد كان غيابُ المعلومات عن منقريوس بن إبراهيم، وعائلته في مراجع ومصادر القرن الثامن عشر، هو المشكلةُ التي واجهتْها الدراسة، في البداية، وكان يأخذُنا إلى فرضيّةٍ قائلةٍ إنّ هذا الرجلَ ربمّا كان موظفًا عاديًا، حظيَ ببعض الثّقة من همّام، فمنحهُ صلاحياتٍ إضافية، غير هذه الفرضية كانتْ تخفتُ أمام الإفاداتِ الواردة بشأن دورِ الأقباط في إدارةِ إقليم همّام، كذلك التبجيل الذي يحْظي به هذا الرجلُ في أدبيات الهمّامية ـ أحفاد الأمير همّام بن يوسف، الشفهية المتوارثة جيلًا بعد جيل.

*ماهو المنهج الذي اتبعته في كتابة البحث؟

اعتمدتِ فى بحثي على عدّة آلياتٍ للوصول إلى نتائج، منها المنهجُ التاريخيّ الاستدلاليّ؛ بهدف تشكيلِ رؤيةٍ عامةٍ عن وضعيةِ القبط ونخبتِهم في هذه الحقبة بشكلٍ عامٍ في مصر، وفق ما وردَ من إفاداتٍ عنهم بالمراجعِ والمصادرِ التاريخية المحققة؛ بوصفها مدخلًا منطقيًا لاستقراءِ أوضاعِ ذاتِ الطبقة في ولاياتِ الصعيد، مع رصد الاختلافات بين الصّعيدِ والقاهرة.
كذلك توسيع البحثِ في إقليم همّام، وعاصمتِه فرشوط، ومجاوراتِها من البلدان، كمسحٍ اجتماعي؛ بالتحقيقِ والاستقصاء في أصولِ النّخبة القبطيّة الموجودة حاليا، أو التي هاجرتْ إلى الخارج، أو نزحَتْ إلى محافظةٍ مصريةٍ أخرى، وعاشت بالمنطقة سلفًا، وتتبع آثارها، التي كانتْ تعتلي الهرمَ الاجتماعي في فتراتٍ سابقةٍ بالنفوذِ الاقتصاديّ، وحيازةِ الأملاك الزّراعية والعقارية، وشغل الوظائف المهمة، أملًا في إيجادِ مصادر معلوماتيةٍ موازيةٍ للمراجع التاريخية التي دّونت بالعاصمة، وأهملتِ الوادي ورموزَه أو ذكرتهم باقتضاب.
 وهذا المسحُ عن أصولِ وتاريخ العائلات الشهيرة، تغذِّيه فرضيةَ امتلاكِ أفرادِها وثائقَ أو مخطوطاتٍ قديمة، تؤرِّخُ لهذه العائلاتِ وسلسالِهم على مَر الحُقب والسّنوات، استنادًا إلى أساسيّة التدّوين العائلي الذي كان شائعًا في الماضي لتوثيقِ تاريخِ العائلات، كحفظٍ عضويٍ لأدبياتها، وتفاصيل كالسير الذاتية لأهم أفرادها، وعلاقات النّسب والمصاهرة بالعائلات الأخرى، إضافةً إلى الأصول والنّسب بالطبع.

*وماهي أهم النتائج التي توصلت لها في رأيك؟
أوُجدت معلومات محققة عن الذراع الإدارية للشيخ همام، منقريوس بن إبراهيم وعائلته، لم تكن موجودة  سلفًا، كذلك توصلت الدراسة أن أفراد عائلة منقريوس تولوا مسؤولية رئاسة ديوان فك الزمام/ المساحة، فى القاهرة، على مر قرن من الزمان ، بالتزامن مع عملهم مع المماليك والمشايخ فى الصعيد، وأن منقريوس بن إبراهيم  توفي فى حياة همّام  الذي  إستعان بشقيقه أسطاسيوس لملء الفراغ  الإداري الذي وقع بوفاة منقريوس.
ونجحت الدرسة في إدراكِ تطوُّراتِ هذا النموذج النَّادر من عائلاتِ النُّخبة القبطيَّة في الصَّعيد ، عبرَ قرنين من الزمان.
تكمنُ هذه الندّرة في هذا النموذج في وجود تدَفُّقٍ محقَّقٍ من خيوطِ المعلومات، عبر مخطوطات تكّلا سيداروس، مقارنةً بشحّ المعلومات عن كثيرٍ من عائلات النُّخبة القبطيَّة التي تبوأتْ مناصب مهمةً في القرنين السابع والثامن عشر ،التي لا نعرفُ مصيرَ أجيالِها بعد وفاة مؤسِّسيها أو كبار أراخنتها، الذين لمع نجمُهم في فتراتٍ سادَها الاضطراباتُ وزخمُ الحوادث التّاريخية.
وقد قدم هذا النَّموذج من التدوين العائليّ ـ رغم انغلاقِه على ذاته، واكتفائه بتقديمِ إفاداتٍ عن السِّير الذاتية لأقطاب العائلة بكل جيلٍ من أجيالها دون تشابكاتٍ مع حوادث كلِّ حقبة، فرصًا للاطِّلاع على حيواتِ أفرادِ هذه العائلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في كل جيلٍ وحقبتِه الزمنيّة، كذلك يمكنُ رصدُ الارتقاء الطَّبقيّ المتصاعد لهذه العائلة عبر تسعة أجيال، وصلاتِ المصاهرة بينها وبين باقي العائلات، التي كان من بينها صلةُ مصاهرةٍ بأسرةٍ تنتسب لسلسال  المعلمَينِ جرجس وإبراهيم الجوهري؛ تمّت هذه المصاهرةُ في الجيل السابع من عائلة بقطر البلوطي، مؤسس هذه العائلة وجد  منقريوس.
وقد نجحتْ عائلة منقريوس في الإبقاء على كيانِها، منذُ تأسيسها على يد بقطر البلوطي بالنصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي حتى منتصف القرن العشرين؛ فمع قيام حركة ضباط الجيش ضد الملك فاروق ـ ثورة 1952، بدأ نجم هذه العائلة في الأفول، إذ تأثرتْ بالتغيُّرات العنيفة التي أحدَثها مجلسُ قيادة الثورة، والرئيسُ جمال عبد الناصر في البلاد اقتصاديًا وسياسيا، كغيرها من عائلاتِ الطّبقة الرأسمالية.
واعتبر هذه العائلة  الأوفر حظًا من بين عائلات النُّخبة القبطيّة في ولايات الصعيد في هذه الحقبة، الذي استطاع حفظَ تاريخِه إجمالًا من خلال التّدوين العائلي كتأريخٍ اجتماعي، كذلك الإبقاء عليهِ رغم الاضطرابات، وخللِ الأمنِ العام، والهجماتِ من الصحارى على المجتمعاتِ الريفية المنتجة؛ للبحث عن الغذاء والأموال، وما كان ينتهجُه المهاجِمون من سلبٍ، ونهبٍ، وإحراقٍ للدور والمباني، في فتراتٍ كثيرةٍ ومتعاقبة.

 *لماذا غابت شخصية منقريوس من التاريخ ؟
يبدو أنّ هذا الغياب مرتبطٌ بفكرة توجُّهات التأريخ وكتّابه، وكذلك وُلاة الأمورِ نحو الأقباطِ من جهةٍ، وهامشيةِ الصّعيد لدى هؤلاء المؤرخينَ من جهةٍ أخرى. نجد أنّ رجالَ الإدارة الأقباط في العاصمة لم يحظوا بالسردِ الكافي بالمراجعِ إلا في استثناءاتٍ معدودة، رغم حساسيّة أدوارِهم، وتعاظمِ نفوذِهم في فتراتٍ كثيرة، كذلك فإن الصّعيدَ في هذه الفترة أيضًا لم يحظَ بالذِّكر الكافي؛ أما التفاصيلُ المطوّلة التي ترد في هذه المراجعِ المتّصلة عن الصعيد، كانت جزءًا من حوادثَ متعلقةٍ بالمركزيّة بالأساس. أضف إلى ذلك أن الحقبة ذاتها كانت زاخمة بالأحداث والحوادث فى العاصمة.

*اعتمدت في البحث علي رواية بقطر لنعيم تكلا لماذا لم تستخدم التراث الشفاهي مع مقارنته بالوثائق؟
لم أعتمد  فى بحثي على راوية نعيم تكلا كعمل أدبي، بل صدرت ما كتبه فى مقدمة الراوية حول جذور عائلة بقطر البلوطي ــــ جد منقريوس، كإثبات أن مخطوطات عائلة تكلا سيداروس الأصلية ظلت بحوزة سلسال عائلة منقريوس حتي ثمانينات القرن الماضي وهي الفترة التي كتب فيها نعيم تكلا روايته (بقطر). اعتمدت فى البحث على مخطوطات التدوين  العائلي لهذه العائلة، التي يُقدر عمرها بنحو قرنين،والتي حققها المؤرخ صالح نخلة فى أوائل أربعينيات القرن الماضي.
بالنسبة للتراث الشفاهي المتصل بعائلة وزير الشيخ همّام فإن منابعه لم تعد موجودة! والمقصود أن هذه الروايات من الصعب تحقيقها لغياب الراوة الأصليون من جهة وعدم الثقة فى النقل العضوي لهذه الروايات خلال قرنين من جهة  أخري، والواقع أن التأريخ مسؤولية كبيرة ولابد أن يقدم حقائق مجردة.


*هل ننتظر دراسات أخرى حول شخصيات مشابهة ؟
نعم هناك مشروعات أخري. سأبدأ مع نهاية فصل الربيع بوضع خطة مشروع بحثي جديد متصل بالصعيد أيضا، وهو  مختلف عما سبقه.

*هل تجاهل التاريخ الكنسي أيضا شخصيات الأقباط العلمانيين مع اهتمامه الأكبر بشخصيات رجال الدين؟
مؤرخو الكنيسة يعتنون دائما ومنذ القدم بسيرة رجال الدين والأراخنة وبعض رجال النخبة أحيانا. ومن غير المنطقي القول إن كتاّب التاريخ الكنسي مطالبين بكتابة سرديات أو تراجم للساسة الأقباط مثلًا، فذلك عمل المؤرخين المعاصرين لكل حقبة!

*في رأيك لماذا توجد حاليا حالة من الاهتمام بالكتابة عن الشخصيات القبطية ودورها في تاريخ مصر ؟
فى رأيي لا يجب أن نضع مسألة التأريخ فى خانة الديانة، الأقباط جزء من  الشخصية المصرية! الأصح أنه فى السنوات الأخيرة ظهر مؤرخين أكاديمين بدأو فى التحقيق والتأريخ لشخصيات كانت فى الظل أو ليست من  دوائر الحكم وصناعة القرار، فقد حققت د. نللي حنا فى سيرة أبوطاقية شهبندر التجاّر ، فى كتاب(تجار القاهرة فى العصر العثماني)، وكذلك د. مجدي جرجس الذي أرخ للمعلم إبراهيم جوهري.