الإخوان المسلمون في السودان (طموحات "الترابي"..ورحلة الصعود والهبوط)

الإثنين 02/يونيو/2014 - 09:28 ص
طباعة الإخوان المسلمون حسام الحداد
 

مدخل

بدأت جماعة الإخوان في السودان، كما بدأ التنظيم الأم في مصر، جماعة دعوية، لكنها سرعان ما نفضت يدها من الدعوة لتنشغل بالعمل السياسي، إذ زعم "إخوان السودان" أنهم أصبحوا في نهايات السنوات الأربعين من هذا القرن، بحاجة إلى التحرر من ربقة التدين التقليدي الخالي من روح الدين وحقائقه، في إشارة إلى أثر النفوذ الاستعماري على التدين الإسلامي في السودان، حيث عمل الاستعمار على تغيير نمط الحياة، ومحاولة إطفاء ذلك التوجه الجديد بكل الوسائل.
ووسط كل ذلك تظهر جماعة "الإخوان" في مصر، حيث أخذ المؤسس حسن البنا، يبشر بها في الأنحاء، حتى انتقلت تلك الدعوة إلى السودان، وشرع انصار الفكر الإخواني في نشره، حتى غمر الفكر الجديد كل أرجاء البلاد خلال سنوات قلائل.

التاريخ والنشأة

في عام 1949م، بدأت جماعة "الإخوان" في مصر تتبادل الزيارات مع مريدي التنظيم في السودان، حيث التقى عبدالحكيم عابدين - شغل منصب الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين، ومستشار رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، السوداني جمال الدين السنهوري، حيث عقدا الكثير من الاجتماعات لشرح أفكر الجماعة وأيديولوجيتهم.

الوفد الإخواني الأول للسودان 1944م:

مؤسس الإخوان حسن
مؤسس الإخوان حسن البنا
أرسل  حسن البنا وفداً من إخوان مصر، لاستطلاع الأمر في السودان ونشر الدعوة، وكان ذلك عام 1944م، ومن بين هذا الوفد الطالب السوداني جمال الدين السنهورى الطالب في كلية الحقوق، حيث طاف بعدة مدن يدعو ويبشر باسم الإخوان المسلمين، شارحاً أفكار الإخوان، وبعد عامين أرسل  البنا إلى السودان وفداً عالي المستوى، برئاسة السكرتير العام للإخوان المسلمين عبد الحكيم عابدين، وطاف هذا الوفد الإخواني كل مدن السودان الكبيرة، رافعاً راية الدعوة إلى الإسلام باسم الإخوان المسلمين.
وخلال تلك الفترة تم اتصال بين  البنا وعلى طالب الله ودارت بينهما مكاتبات، كوّن على أثرها "طالب الله" أول أسرة للإخوان مستوحياً برنامجه إلى حد ما من منهج الإخوان في مصر.
في أبريل 1949، ظهر أول فرع للإخوان في السودان، خلال دراسة الطلاب السودانيين في مصر، حيث تعرف الكثير منهم على أيديولوجيا "الإخوان"، وأخذوا يبشرون بها في السودان، وخلال الأربعينيات بدأ نشاط مجموعات الإخوان داخل الجامعات السودانية وكان الطلاب الجامعيين هم الدعم الأكبر للحركة.
وحاول التنظيم الوليد في السودان توحيد المجموعات المقتنعة بالفكر الجديد، تحت منظمة واحدة، حيث أقيم مؤتمر عام 1954م، وتم تسمية المؤتمرين باسم الإخوان المسلمين، وكان عبارة عن مجموعات مختلفة ممثلة للإخوان لها نفس الفكر، وصوت المؤتمر على إنشاء منظمة موحدة تتبنى أفكار الأب الروحي لجماعة الإخوان حسن البنا، ووقع حينئذ أول انشقاق، حيث رفض البعض إطلاق اسم "الإخوان المسلمين في السوادن" على معتنقي الفكر الجديد، وكان هذا الاعتراض بقيادة "بابَكُر كرار"، حيث تغير اسم المنظمة في عهده أكثر من مرة.

تأصيل الانتشار في المجتمع السوداني:

المفكر السوداني بابُكر
المفكر السوداني بابُكر كرار
يمكن إجمال بداية تأصيل انتشار الفكر الإخواني في المجتمع السوداني، حيث بدأ اتصال الإخوان بأهل السودان عن طريق الشيخ عبدالله حمد، تاجر بأم درمان والأبيض، حيث أعجب بالإخوان المسلمين وجريدتهم أثناء تواجده في القاهرة، فزار مكتب الإرشاد العام، وجلس مع المؤسس حسن البنا في أبريل 1936م، حيث أبدى استعداده لنشر مجلة "الإخوان" الأسبوعية بين مواطنيه السودانيين، فرحب المكتب باستعداده، واعتمده مندوبًا للإخوان بأم درمان"، غير أن الدعوة لم تكن بشكل انتمائي كلى للحركة في مصر.
وبدأت الدعوة في شكلها الحقيقي عام 1943م، حيث يقول صادق عبدالله عبد الماجد: "تعرفنا على  البنا في 1943، حيث دعينا في مدينة حلوان لحضور محاضرة للإمام الشهيد حسن البنا وتحدث الرجل حديثاً طيباً، ملك على الناس القلوب ونحن في تلك السن وتحت تأثير ذلك التيار الذي أنطلق من ذلك الشيخ، وقفت أسأل الرجل وأحدثه عن أهلنا المحرومين في السودان عن مثل ما سمعنا منه وما رأينا فيه، وفي حماس الشباب، وقتذاك ناشدت الرجل بأن يمتد بقلبه إلى السودان، وأسرها الرجل في نفسه بعد أن أطلقت نفسه شرارة التحرك ومد الجسور لهذه الدعوة مع السودان". وذلك حسبما ذكر الموقع الرسمي للإخوان في السودان.
ثم أرسل الإخوان صلاح عبد الحافظ وجمال الدين السنهوري ما بين عامي 1944 ـ 1945، لنشر دعوة الإخوان المسلمين، حيث خطبا في نادي الخريجين، ودعوا لفكرة الإخوان المسلمين، وحسب رواية على طالب الله فإن الفكرة - في تلك الفترة المبكرة - وجدت حماسًا وقبولاً شديدين، ما أدى إلى تكوين أول لجنة للإخوان برئاسة إبراهيم المفتي، وبدوي مصطفي كنائب للرئيس، وعلي طالب الله سكرتيرًا، ومحمد إسماعيل الأزهري -عم إسماعيل الأزهري- وآخرين، وذلك حسب قول حسن مكي ولقد كانت عودة صلاح عبدالحافظ إلى مصر في 23 نوفمبر 1945م.

عبد الحكيم عابدين
عبد الحكيم عابدين
أول هيئة إخوانية سودانية
وبعد عامين – خاصة في أكتوبر عام 1946م- أرسل البنا إلى السودان وفداً عالي المستوى برئاسة السكرتير العام للإخوان المسلمين عبد الحكيم عابدين، حيث تكونت أول هيئة فعالة للإخوان المسلمين برئاسة عوض عمر، إمام مسجد أم درمان الكبير، وعبد الفتاح جلي، ومحمد عبد الراضي زقالي- الذي أصبح مسئولاً عن توزيع الجرائد والمنشورات القادمة من مصر، وأخذت هذه الجماعة تجتمع كل مساء جمعة كجمعية دينية، إلا أن دورة اجتماعاتهم كانت تمثل تحركًا عمليًّا غير مسبوق في سبيل انتقال دعوة الإخوان إلى السودان، وغياب الفكر التنظيمي السليم أدى إلى ضياع مجهودات كثيرة في سبيل انتشار الدعوة.
السودان ملجأ إخوان مصر
وبعد أن حلت جماعة الإخوان في مصر عام 1948، هاجر عدد كبير من الإخوان المصريين إلى السودان من مختلف التخصصات، وأسهم ذلك في تركيز الجهود لبناء حركة إخوانية شاملة لكل قطاعات المجتمع، وأدى ذلك إلى أول تميز تنظيمي قاده رموز حركة التحرير الإسلامي بقيادة بابُكر كرار وميرغني النصري، وتمت تسمية تلك المجموعة باسم الحزب الاشتراكي الإسلامي، وذلك حفاظًا على استقلاليتها عن جماعة الإخوان المسلمين.

انشقاقات داخل التنظيم

انشقاقات داخل التنظيم
أدت كثرة الانشقاقات التي وقعت داخل تنظيم الإخوان في السودان، إلى ظهور العديد من الحركات التي تحمل فكر الإخوان لكن بمسميات مختلفة، حيث تغير اسمها أكثر من مرة، ومنها:
- الحزب الاشتراكي الإسلامي: تأسس عام 1949 - 1954: وهو مجهود طلابى - طلاب جامعة الخرطوم بابكر كرار وميرغنى النصرى وغيرهم- قامت كردة فعل ضد موجة الشيوعية والإلحاد بالجامعة، ولم يكن لهم ارتباط مباشر بجماعة "الإخوان"، ولكنهم تأثروا بالكتيبات والمجلات الصادرة اليهم من مصر.
- الإخوان المسلمين في السودان: 1954 - 1964 كان اختيار الاسم بعد المؤتمر الأول، واختيار المراقب العام الأول الأستاذ محمد الخير عبد القادر.
- جبهة الميثاق الإسلامي: أُسست عام 1964 – 1969، وهي تحالف إسلامي بين "الإخوان المسلمين" و"السلفيين" والطريقة "التيجانية" الصوفية، حيث تكون هذا التحالف لخوض انتخابات 1964، ولم يلغ التحالف اسم الإخوان المسلمين، بل كانوا جزءًا منه، وكان يقود المكتب التنفيذي حينها الشهيد محمد صالح عمر وزير الثروة الحيوانية.
وانتخبت جبهة الميثاق الإسلامي أو "الإخوان" في العام 1969 حسن الترابي، أمينًا عاما للجماعة، لكن خرج البعض على هذا الانتخاب رافضين ذلك، ومن بين هؤلاء محمد صالح عمر، والشيخ محمد مدني سبال، والشيخ جعفر الشيخ إدريس، والشيخ برات الذي كان يكفر الترابي، ويدعو الناس لعدم الصلاة خلفه والشيخ على جاويش، حيث كانو بعد ذلك النواة لجماعة "الإخوان" الموجودة حالياً بعد إنضم إليهم الشيخ صادق المهدي.
- الجبهة الإسلامية القومية: أسسها الدكتور حسن عبد الله الترابي عام 1986 – 1989، ولم يكن كثير من الناس يفرقون فعليا بين "الأخوان" وبين حسن الترابي وفريقه، وذلك لأن الترابي كان المراقب العام لفترة مهمة وكان أغلب تنظيم الجبهة فعلياً من الأخوان المسلمين، كما أصبح الترابي الأمين العام للجبهة لتصبح حزباً إسلامياً عصرياً، وظل الإخوان المسلمون تنظيم الحبر يوسف نور الدايم يحملون اسمهم بعيدا عن الجبهة، وخاضوا باسم "الإخوان المسلمون" انتخابات 1986- لم يفز منهم أحد.
الجبهة التي أسسها الترابي 1986، لا يمكن اعتبارها تابعة لتنظيم "الإخوان" وإن شغل الترابي مراقباً عاماً للجماعة في فترة من الفترات، لكنه انشق وحاول تأسيس الكيان الجديد، الذي كان يستهدف به أسلمة المجتمع، وتأسيس حكم الشريعة الإسلامية في السودان، واستطاع من خلال الجبهة اختراق البرلمان والحكومة والجيش والمنظمات المحلية والإقليمية ومنظمات رعاية المرأة والشباب.
حسن الترابي قام بحل "الجبهة الإسلامية القومية" بعد انقلاب 1989 الذي قام به الرئيس السوداني الحالي عمر حسن البشير، ضد حكومة صادق المهدي، ولكن تبين له بعد ذلك الخطأ الفادح الذي قام به، خاصة في المعركة التي قادها ضد الرئيس البشير في العام 1999.

 حزب المؤتمر الوطني
حزب المؤتمر الوطني الحاكم
- جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة: انشقاق آخر وقع في جماعة "الإخوان" عام 1991 حيث تم انتخاب الشيخ سليمان أبو نارو رئيسًا لجماعة الإخوان، إلا أن الكثيرين ظلوا مع قيادات الإخوان التقليدية صادق عبدالله عبدالماجد، الذي أيدته أيضا الجماعة العالمية والمرشد العام، فقامت جماعة أبو نارو بحل نفسها، وتغيير اسمها إلى جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة.
- حزب المؤتمر الوطني الحاكم: تأسست عام 1994 - حتى الآن- حيث تمكن عمر حسن البشير أحد أبرز قيادات "الجبهة الإسلامية"، من تغيير اسم الجبهة إلى حزب "المؤتمر الوطني"، حيث اعتبر وعاء يضم جميع الطوائف والأديان السودانية، لكن تنازل الإسلاميون الحاكمون من المؤتمر الوطني عن كثير من طموحاتهم بعد اتفاقية نيفاشا للسلام (2005)، التي ألغت حكم الشريعة في الجنوب وسمحت بالتعاملات الربوية هناك.
- حزب المؤتمر الشعبى: أسسه حسن الترابي عام 1999، ليكون حزباً معراضاً للرئيس البشير، الذي يوجه اتهامات للترابي بالتسبب في أزمة إقليم "دارفور".

المرتكزات الفكرية لإخوان السودان:

يمكن إجمال المرتكزات الفكرية لجماعة الإخوان في السودان، بعرض أول لائحة عامة للجماعة هناك، حيث طرحت الجماعة في مطلع سبتمبر 1945، اللائحة الخاصة بها والتي حددت من خلالها شكلها التنظيمي وأهدافها، حيث وافقت الجمعية العمومية للإخوان المسلمين المنعقدة في هذا التاريخ بدار المركز العام للشبان المسلمين على قانون النظام الأساسي لهم، وأصبح نافذا من هذا التاريخ.


البيعة وشروط العضوية:

حددت اللائحة العامة لإخوان السودان الشروط الواجب توافرها في اخيار العضو وهي:
- أن يكون مسلم عرف مقاصد الدعوة ووسائلها وتعهد بأن يناصرها ويحترم نظامها وينهض بواجبات عضويتها ويعمل على تحقيق أغراضها، ثم وافقت إدارة الشعبة التي ينتمي إليها على قبوله وبايع على ذلك وأقسم عليه.
نص البيعة:
"أعاهد الله العلي العظيم على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين والجهاد في سبيلها والقيام بشرائط عضويتها والثقة التامة بقيادتها والسمع والطاعة في المنشط والمكره، وأقسم بالله العظيم على ذلك وأبايع عليه الله على ما أقول وكيل".

مؤسس الإخوان حسن
مؤسس الإخوان حسن البنا
- يقضي العضو مدة اختيار قبل البيعة لا تقل عن ستة شهور، وبعدها تعتمد عضويته من المركز العام، ويؤذن له بأداء البيعة بناء على طلب الشعبة، ويقوم رئيس الشعبة أو من يقوم مقامه بمبايعته نيابة عن المرشد العام.
– على كل عضو أن يقرر على نفسه اشتراكا ماليًا شهريًا أو سنويا يقوم بتسديده بانتظام، ولا يمنع ذلك من المساهمة في نفقات الدعوة بالتبرع أو الوصية أو الوقوف أو كلها معًا، كما أن للدعوة حقا في زكاة أموال الأعضاء القادرين على ذلك، ويعفي من كل هذه التكاليف المالية غير المستطيعين بقرار من إدارة الشعبة بعد التأكد من حالة عدم الاستطاعة، وكل ما يدفع لا يجوز طلب رده بحال.
– إذا قصر العضو في واجب من واجباته أو فرط في بعض حقوق الدعوة كان لرئيس الشعبة التي ينتمي إليها أن يلفت نظره إلى هذا التقصير ويعمل على إصلاحه بالوسائل الجدية، وإذا عاد كان لمجلس الشعبة أن ينذره أو يوقع عليه جزاء مالي أو يقرر وقفه مدة لا تزيد عن شهر أو يقرر إعفاءه من العضوية، وفي حالة توقيع الجزاء بالإعفاء يجب أخذ موافقة المركز العام قبل إعلان القرار إذا لم يكن العضو تحت الاختبار.
– على الأعضاء أن يتكافلوا فيما بينهم، وتنظيم هذا التكافل تتضمنه لائحة خاصة يضعها المركز العام.

الشكل التنظيمي لإخوان السودان:

– الرئيس العام للإخوان المسلمين في السودان، وهو الرئيس العام للهيئة التأسيسية.
– مكتب الإرشاد العام في السودان، وهو الهيئة الإدارية العليا للإخوان المسلمين والمشرف على سير الدعوة والموجه لسياستها وإدارتها.
– الهيئة التأسيسية، وهي مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين والجمعية العمومية لمكتب الإرشاد العام .

حال إخوان السودان بين "المد والجزر" :

أدى مرور الحركة بفترات اضطراب كبيرة إلى عدم التوازن بين الحركة الدعوية لإصلاح المجتمع- والتي تتطلب انتشارًا دعويًا في جميع فئات المجتمع لتتكون على إثره قاعدة صلبة يقوم عليها البناء الإسلامي المتين والحكم الإسلامي الراشد - وما بين النشاط السياسي المحموم الذي يتطلب حركة يومية تحصر همها ونشاطها في كسب الأصوات والمعارك الانتخابية والتحالفات السياسية، مما كان له بالغ الأثر في ضعف التربية، حيث اعتمدت على المراوغة والكيد، ما أفضى في النهاية إلى أن تحولت الجماعة إلى منافس سياسي لبقية الأحزاب والتجمعات.
- كما أدى غياب الدور الواضح للحركة في مصر في رعاية الدعوة في السودان، إلى أن الحركة في الخرطوم صارت محلية لا تتنامى وفق رعاية الإخوان، وأثناء نمو الجماعة بالسودان كان الإخوان في مصر في السجون والمعتقلات، وحينما تم تأسيس التنظيم العالمي في بداية السبعينيات كان الترابي- الذي سيطر على الجماعة- لا يريد أي صلة بالحركة الأم في مصر تنظيمياً وتربوياً وفكريا، وهذا ما جعل الحركة العالمية تتهيب حركة الترابي وتنظر إليها بعين الريبة والشك على الرغم من اتصال الدعم المعنوي والمادي، وانقطعت هذه الصلة في عام 1988م حينما حاول الترابي أن ينشئ تنظيماً موازياً للتنظيم العالمي ووصفته الجماعة الام آنذاك ب" تنظيم الضرار"، وأصبحت حركة الترابي منفلتة وبعيدة عن النبض الإخواني العالمي المتحد.

حسن الترابي
حسن الترابي
وحاولت الجماعة وقتذاك وضع يدها على أسباب تدهور أوضاع الجماعة، فشكلت لجنة تقصي الحقائق، لبحث أسباب التدهور التي أصابت الجماعة، ووضع الحلول والعلاج، وكان من بين الأسباب التي توصلت لها اللجنة:
- ضعف القيادات أدى إلى جدوث صراعات داخلية، 
- انشغال المكتب التنفيذي عن دوره الأساسي.
- اعتماد المكاتب على جهد فرد واحد.
- وجود جزر معزولة داخل الجماعة، ما أفرز حركة استقطاب حاد.
محاولات التنظيم العالمي للإخوان معالجة تلك القصور، باءت هي الأخرى بالفشل، بعدما قرر التنظيم رعاية مجموعة الشيخ الصادق المهدي، إلا أنها أخفقت هي الأخرى في عدة محاور منها:
- اختيار التنظيم العالمي لقيادة ضعيفة غير قادرة على البناء ومتطلباته ومواجهة الواقع وافرازاته فظلت محدودة التأثير.
- الدخول في تجربة الإنقاذ السيئة بعد مضي أكثر من عشر سنين في وقت لا يرى الشارع السوداني العام في السودان نظاما إسلامياً، ولا يحقق أشواقه ولا يرعى مصالحه ولا يلتزم مبادئ الإسلام تجلى ذلك في الممارسات القبيحة من البطش والتنكيل والتصفية الجسدية والتعذيب الوحشي في السجون لمعارضيهم- بما فيهم بعض الإسلاميين- والممارسات اللاأخلاقية معهم، إضافة إلى التشريد وقطع الأرزاق والولوغ في أموال المسلمين من غير حسيب ولا رقيب، وغيره مما يندى له الجبين.

المراقبون العموم للإخوان:

- على طالب الله 1954: 
من مواليد القطينه 1910 درس في كلية غردون التذكاريه قسم الآداب، نشط ضد الاستعمار البريطاني، وساهم بفاعلية في حركة نادي الخريجين التي كان لها أكبر الأثر في نيل الاستقلال للسودان، وقد كان يعمل سكرتير تحرير لمجلة الخريجين المقاومة للاستعمار، وكان يطبع المنشورات، ما أدى إلى إيداعه الحبس بتهمة حياز سلاح غير مرخص ومحاولة اغتيال الحاكم العام حينها روبرت هاو. 
تعرف على حركة "الإخوان المسلمين" من خلال رسائل حسن البنا (نحو النور - إلى أي شيء ندعو الناس – دعوتنا)، عينه حسن البنا مراقباً عاماً للإخوان المسلمين في السودان وهو في السجن.
ظل على طالب الله يؤدي مهمته كمراقب للإخوان المسلمين إلى أن تفرغ للقضية الفلسطينية، وعمل مديرًا لمكتب مقاطعة إسرائيل ثم اتجه للتبشير بالدين الإسلامي بجنوب السودان.
- محمد الخير عبد القادر 1955: أول مراقب عام بعد اختيار اسم الإخوان المسلمين.


الرشيد الطاهر بكر
الرشيد الطاهر بكر
- الرشيد الطاهر بكر 1962: من مواليد 1932، بالقضارف ولاية القضارف، حصل على بكالوريوس قانون جامعة الخرطوم، 1958عمل وكيل عاماً للإخوان المسلمين، شارك في انقلاب عسكري بقيادة العقيد علي حامد 1959 وسجن لمدة خمس سنوات حتى 1964.
وقاد الجماعة بعد اعتقال الرشيد الطاهر بكر في 1964:
حسن الترابي
حسن الترابي
- حسن الترابي: 
يُعتبر حسن الترابي أحد أبرز الزعماء السياسيين والقادة الدينيين في جمهورية السودان، فضلاً عن كونه أحد أبرز الشخصيات السودانية، التي أثارت جدلاً حولها خلال الفترة الماضية، ففي حين يرى فيه مُريدوه سياسيا مُحنكًا وبارعاً، في تحريك الإعلام، إلى جانب كونه خطيبًا مؤثرًا وداعية ومفكرًا، يرى فيه خصومه شخصًا مخادعًا له طموح لا يحد، وخبرة في الدسائس والمؤامرات، وتعلق بالسلطة، بل ويتهمونه بإصدار فتاوى تخرج عن إجماع أهل السنة كعدم قتل المرتد إلا في حالة حمل السلاح، والقول بإيمان أهل الكتاب، واستثمار نظرية المصلحة، واستخدام مصطلح القياس الواسع، والقول بشعبية الاجتهاد.
ولد حسن عبد الله الترابي في أول فبراير 1932، بمدينة "كسلا" شمال شرق السودان، قرب الحدود الإريترية، نشأ في بيت متدين وتعلم على والده الذي كان قاضيًا وشيخ طريقة صوفية، تزوج من وصال الصديق المهدي شقيقة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي زعيم حزب "الأمة".
درس الحقوق في جامعة الخرطوم ثم حصل على الإجازة من جامعة أكسفورد البريطانية عام 1957 وعلى دكتوراه الدولة بجامعة السوربون بباريس في 6 يوليو 1964. 
عمل الترابي أستاذًا في جامعة الخرطوم ثم عميداً لكلية الحقوق، وعيّن في يوليو 1979 رئيساً للجنة المكلفة بمراجعة القوانين من أجل أسلمتها، ثم عيّن وزيراً للعدل، وفي1988 عيّن نائباً لرئيس الوزراء في السودان، ووزيراً للخارجية في حكومة الصادق المهدي، وفي 1996 تم اختياره رئيساً للبرلمان السوداني.
انتمى في بداية عهده إلى جماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه انشق عنهم وألف تنظيمه الخاص، الذي شاع في المجتمع السوداني المسلم، لكن اقتران الذكاء بالطموح يؤدي في كثير من الأحيان إلى كوارث ما لم يضبط بمعايير الشرع وضوابط الحكمة، وهذا فيما يبدو ما لم يلتزم به الترابي، وبعد حياة عاصفة ومشاركة كبيرة في حكم الرئيس السوداني جعفر النميري.
ورغم وصول الترابي في حكم الرئيس جعفر النميري إلى مناصب عديدة، حيث وصل إلى منصب النائب العام، إلا أن "الترابي نظم وقتها مسيرة مليونية كشفت للنميري عن خطورة الترابي، وشب بينهما شقاق عنيف ولجأ الترابي الذي كان بالإضافة إلى عمله بتنظيم الإخوان، عليماً بأساليب الحزب الشيوعي السوداني الذي كان يعد من أكبر الأحزاب الشيوعية في المنطقة، إلى سلسلة من التكتيكات السياسية وصلت إلى القمة عندما اتفق مع مجموعة من الضباط الذين كان قد استمالهم لدعوته للثورة على حكم الصادق المهدي، الذي كان يحكم بطريقة الديمقراطية الحزبية.
وأتقن الترابي خطته بصورة لم يكن ميكافلي نفسه ليخرجها بصورة أكثر إحكاماً، فقام الانقلاب وقبض على الترابي فيمن قبض عليه من الزعماء (باتفاق سابق وكجزء من الخطة الميكيافيلية)، وبعد فترة أطلق سراحه وقام تعاون وثيق ما بينه وبين قائد الثورة، واعتبر الترابي المنظر الفكري والأب الروحي للعهد، ولكن ذلك الذكاء والطموح أوجدا من الشقاق بينه وبين قائد الانقلاب ورئيس الدولة مثل ما أوجده بينه وبين الإخوان، وبينه وبين النميري، وقام عداء حاد وخصومة عنيفة بين القائد الشرعي للحكومة وبين فيلسوفها ومنظرها.. وكان الترابي خلال تمكنه من السلطة قد دعم تنظيمه الشعبي الخاص، بحيث استعصى على رئيس الدولة أن يقتلعه، واحتفظ الترابي بصفة مكنته من التفاوض مع عدوه اللدود قرنق زعيم جنوب السودان وقتها.
اعتُقل في السبعينيات ثلاث مرات خلال عهد الرئيس جعفر نميري، نتيجة توقيعه على مذكرة تفاهم مع حركة "جون قرنق" في جنيف، حيث أقرت هذه المذكرة عشر نقاط، من بينها: منح الجنوب حق تقرير المصير وتصعيد وسائل المقاومة الشعبية السلمية، وطالبت بإلغاء القوانين المقيدة للحريات ورفع حالة الطوارئ.
ورغم تطبيق النميري للشريعة الإسلامية في 1983، تحالف مع الجنرال عمر حسن البشير في يونيو 1989 من أجل الإطاحة بنظام صادق المهدي زعيم حزب الأمة ورئيس الدولة.

قيادات أخرى:

- محمد صالح عمر 1967: رئيس المكتب التنفيذى للجماعة.
- مالك بدرى 1967.
- عبد الله حسن أحمد 1969.
- الحبر يوسف نور الدايم 1979 ـــ 1991.

صادق عبد الله عبد
صادق عبد الله عبد الماجد
صادق عبد الله عبد الماجد1991 ـــ 2008.
الحبر يوسف نور الدايم:
الحبر يوسف نور الدايم:
الحبر يوسف نور الدايم: مراقب إخوان السودان حالياً، حيث تولى منصبه من 2008 حتى الآن.

محطات في حكم البشير

البشير
البشير
أحدث حكم الرئيس السوداني الحالي عمر حسن البشير القادم من خلفية إخوانية، جملة من الإخفاقات خلال فترة حكمه التي استمرت نحو ربع قرن، حيث يعاني البشير من أزمة ومعزلة سياسية ودولية، ومن بين الازمات التي أحدثها حكم البشير: 
- في 1989، قاد العميد عمر البشير انقلابًا عسكريًا مدعومًا من الإسلاميين السودانيين بقيادة حسن الترابي، أطلق عليه "ثورة الإنقاذ الوطني".
- أحبط في 1990 حاولة مجموعة من الضباط الموالين لحزب البعث العربي الاشتراكي الانقلاب عليه، ونفذ في 28 ضابطا منهم حكم الإعدام.
- في 1998 لقي النائب الأول للرئيس البشير الفريق الزبير محمد صالح حتفه في حادث تحطم طائرة عسكرية خلال طوافه على جنوب السودان.
- في 1999 حدث أكبر انقسام في تاريخ الإسلاميين السودانيين، أعلن خلاله الرئيس البشير حالة الطوارئ وحل البرلمان الذي كان يتزعمه حسن الترابي الذي خرج غاضبًا، وكون حزبًا معارضًا.
- في 2001، لقي وزير الدولة بوزارة الدفاع العقيد إبراهيم شمس الدين، أحد أبرز قادة الإسلاميين، و14 من كبار الضباط، مصرعهم في تحطم طائرة بمطار عدارييل بجنوب السودان.
- في 2003 اندلعت حرب دارفور وقتل فيها نحو 300 ألف حسب تقارير الأمم المتحدة.
- في 2005 وقعت حكومة الرئيس البشير اتفاقية السلام السودانية (نيفاشا) مع متمردي الجنوب، وجرى تعيين زعيم التمرد جون قرنق نائبا أول للرئيس.
- في 2005 لقي قرنق مصرعه في حادث مروحية رئاسية أوغندية، وأثار مقتله حالة فوضى عارمة وسط إشاعات بأن القتل كان مدبرا.
- في 2009 أصدرت محكمة الجنايات الدولية بلاهاي مذكرة قبض ضد الرئيس البشير، وعدد من معاونيه، باتهامات تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على خلفية الحرب في دارفور.
- في 2011 أُعلن رسميًا انفصال جنوب السودان، وفقًا لاستفتاء أقرته اتفاقية السلام، صوت بموجبه مواطنو جنوب السودان بنسبة فاقت 99 في المائة لصالح الانفصال، وولدت تبعاً له أحدث دولة في العالم.
- في 2011 اشتعلت الحرب في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، في ما أطلق عليه الجنوب الجديد.
لعل استشعار البشير بعمق الأزمة التي يعيشها، وإخفاقاته المتكررة داخليا وخارجيا، خاصة فيما يتعلق بالاحتجاجات الجماهيرية التي لا تهدأ ضده، والحروب الأهلية في أكثر من ولاية، يعود إلى عوامل متعددة أبرزها عوامل مرتبطة بازمة النظام الكامنة في بنية وطبيعة الأنظمة الشمولية عموما، والأزمة المتفاقمة من جراء فشل مشروع نظام الانقاذ ومن جراء ممارساته القمعية واستغلاله الفاسد للسلطة واستباحته للمال العام وجهاز الدولة لصالح الإخوان المسلمين، علاوة على الفشل الاقتصادي واحتكار الثروة من قبل النخبة الإسلامية الحاكم،ة التي تمثل مكوناً رئيسياً في قاعدة قوة النظام، وازدياد الهوة بين تلك النخبة والجماهير وبالذات فيما يتعلق بمطالب التغيير الاجتماعي وعجز تلك النخبة عن التعبير عن هذه المطالب أو الاستجابة لها . والطبقات الوسطى الدنيا، هي أكثر الجماعات معاناة وتضرراً من جراء السياسات الاقتصادية الاحتكارية، نظراً لما تكبدته من بطالة وعانته من تضخم ورفع للدعم، وما ألقى على كاهلها من ضرائب جديدة، الأمر الذي أدى إلى اغترابها وإبعادها من النظام السياسي . 

شارك