أول دراسة توثق عمل الكنيسة بالسياسة.. عندما يسقط أصحاب القداسة في بئر التناقضات

الأربعاء 13/مايو/2015 - 08:35 م
طباعة أول دراسة توثق عمل
 
رومانى جوزيف: موقف الكنيسة يتغير بين المولاة والمعارضة حسب تغير اتجاه بوصلة موازين القوى
السياسية لعبة تستخدم كل الممكن والمتاح .كل وسيلة لتحقيق الهدف والغاية الدين غاية سامية في حد ذاته .ولا يعترف بالوسائل غير السامية .والمشكلة الكبرى  تظهر عندما تدخل المؤسسات الدينية في لعبة السياسية فتصاب بأذى الوسائل الرديئة .ومن هنا تأتي اهمية الدراسة التي قام بها رومانى جوزيف .لتوثيق موقف الكنيسة من التقلبات الساسة التى مرت بها مصر في السنوات الخمسة الاخيرة .لعلها تكون جرس انذار توقف مهزلة لعب اصحاب القداسة بلعبة السياسة .ومن هنا تأتى أهمية الحوار مع رومانى حول دراسته

-  من رومانى جوزيف.. وهل تخدم في الكنيسة؟
أحب أن اعرف نفسي كخادم للمسيح، وأنا اخدم في الكنيسة

- متى جاءتك فكرة التوثيق للأحداث السياسية وموقف الكنيسة منها ؟
جاءت فكرة التوثيق من خلال متابعة الأحداث الأخيرة واهتمامي بردود أفعال الكنيسة (قيادات وشعب) التي أهتم بها نظرا لإيماني برسالتها ورسالة كل فرد فيها ولا سيما المحسوبين كقيادات

 - ما الغرض من هذا التوثيق؟
الغرض من هذا التوثيق كما أوضحت في بدايته وفي مقدمة الفيديو الذي قمت بتجميعه، هو ليس غرضًا سياسيًا، بل غرضًا روحيًا، وهو أن نقيم أنفسنا تقييمًا سليمًا، ونعرف أين نحن من رسالتنا، ونكون عظة معاشة للآخرين، فما أسهل أن انتقد الآخر (ديانة أخري – طائفة أخري)، ولكن ما أصعب أن انتقد نفسي، وقد أوصي المسيح أن نخرج الخشبة التي في عيننا لكي نبصر أن نخرج القذى الذي في عين الآخر، لأن ما نراه في أغلب القادة المسيحيين هو نفسه ما نراه في أغلب المسيحيين.

هل يمكن أن تقدم لنا عرضا كاملا لهذا التوثيق ؟
البحث عبارة عن توثيق بالتسلسل الزمني للتصريحات والحوارات والفيديوهات السياسية لقيادات الكنيسة، قبل وبعد واثناء ثورة 25 يناير، يغطي تقريبا قترة خمس سنوات من 2009 إلي 2014، التوثيق راعيت فيه الدقة دون اغفال بعض التصريحات أو ذكر بعضها، بل توثيق لكل كلمة كتبت ونشرت للقيادات الكنيسة نحو احداث الوطن والتوجهات السياسية من مصادر موثوقة وفيديوهات مسجلة.. وفيها نرى من نفس الشخص مواقف متقلبه مع انقلاب موازين القوي، وتصريحات تجامل النظام الحاكم مهما كان فمثلاً..
في البداية وقبل الثورة، نجد اتجاهًا عامًا للقيادات الكنسية لمبايعة نظام مبارك، فنجد الانبا شنودة يبايع جمال مبارك في حوار مصور مع جابر القرموطي بتاريخ 28 يوليو 2009، مع قناة (ONTV) ، ويؤكد الأنبا شنودة على الكلام نفسه في لقاء آخر بنفس البرنامج ونفس المحاور في تاريخ 19 أكتوبر 2009، ومرة أخري في لقاء آخر مع عمرو اديب بالقاهرة اليوم، وأيضًا الأنبا بيشوي يقول أن الكتاب المقدس يوصينا بتأييد مبارك، ويمتدح أبنه، وكذلك الأنبا موسي قال نفس الكلام.
وفي فترة الثورة وذروة احداثها، نجد أن موقف الثلاث كنائس المصرية هو رفض التظاهر، وتتصاعد الأحداث ويتصل الأنبا شنودة اثناء الثورة (يوم 25 يناير 2011 ) بالقناة الأولي ليؤيد مبارك علي الهواء، وليقول أن الكنيسة لم يخرج منها ولا متظاهر مع الجماعات المخربة (يقصد الثوار)،
وبعد سقوط نظام مبارك مباشرة وبيوم واحد.. تتغير النغمة، فيصرح الأنبا شنودة ثورة 25 يناير بيضاء، وأنها كانت نقية، والتي قال عنها منذ أيام جماعات مخربة، ومثله القمص متي صليب ساويرس الذي كان في مظاهرات ماسبيرو يؤيد مبارك وخرج في قناة العربية يمدح في شباب الثورة وطغيان النظام، والمحاور احرجه على الهواء بان عرض له فيديو له وهو يؤيد مبارك وارتبك بشدة
أيضا الأنبا موسي الذي كان يمتدح نظام مبارك قبل الثورة وفي أول يوم بعد سقوط مبارك كتب مقال بالمصري اليوم بعنوان "مصر ولدت من جديد" وفيه يمدح الثورة ويصف نظام مبارك بالمستبد والفاسد، فنجد أننا أمام تحول تام للكنيسة وهو أمر يحتاج وقفة
بعد ذلك، وفي أول عظة للأنبا شنودة يوم 24 مارس 2011، نجد أنه يتكلم عن "برقية رقيقة" وصلته للمرشد يهنئه بسلامة الوصول، وأنه رد عليها باتصال هاتفي، ونتعجب حين نري أن علاقة الكنيسة بالإخوان والمغازلة المتبادلة بدأت منذ بداية الثورة وحتى قبل تأسيس حزب الحرية والعدالة.
وتتوالي الأحداث فنجد في فترة ما بعد الثورة تهافت كنسي لتأييد الإخوان والتيارات الإسلامية، فنجد القمص ارمياء عدلي في مؤتمر الاخوان الأول بشبرا يمتدحهم بكلمات غاية في النفاق، والأنبا بيشوي يغازل التيارات الإسلامية ويقول إن الإسلام هو مصدر قوة المسيحية في مصر ويقول للبنات أن يتعلموا الحشمة من المحجبات، ونري كهنة ديروط تؤيد حازم صلاح أبو إسماعيل في حملته ويرددون البسملة الإسلامية في بداية كلامهم، ويطلع علينا كاهن كنيسة العذراء بأسيوط يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في مؤتمر آخر، ويتجرأ ويتكلم أنه يقول ذلك باسم كل الأقباط.
وبعد وصول الإخوان كحزب حاكم، تجد دعوة الكنيسة لهم ليحضروا قداس العيد، ونري زيارة مرشد الإخوان للأنبا شنودة لأول مرة في التاريخ، أضف لهذا أن رئيس الطائفة الإنجيلية يستقبل الاخوان المسلمين مرتين ويزور مقرهم مرة ويمتدحهم ويسبح بهم وبحمدهم، وهذا بالإضافة لتصريحات اخري كثيرة من كهنة واساقفة تمدح في الإخوان المسلمين.
وحين وصل مرسي للحكم نبدأ مرحلة أخري، فكتب الأنبا موسي عبر تويتر أنه رجل طيب القلب وحين زاره شعر بالطمأنينة نحو مستقبل مصر والأقباط!! واكد نفس الكلام في حوار مصور يوم قداس الميلاد 2013 مع قناة "اون تي في" ورحب بالحكم الديني الإسلامي.
تمر مرحلة حكم مرسي وموقف الكنيسة يعتبر امتدادًا لموقفها مع الإخوان، ثم تأتي مرحلة حملة تمرد و30 يونيو 2013، فنجد أن الأنبا موسي الذي امتدح مرسي ورحب بالحكم الإسلامي، قام بحوار مصور يوم 11 يونيو يقول إننا نريد دولة مدنية وبعد 30 يونيو قام بكتاب تويتة يهنئ الجيش ويطالب بدولة مدنية".
أيضا البابا تواضروس تكلم على أن الدين لو دخل في السياسة تلوث، وفقد رسالته الروحية، كان ذلك حين سأله عادل حمودة في لقاء مصور عن الأحزاب الدينية، وقال ان الكلام عام على أي دين لكن نفس البطريرك نجده متداخل في حركة الجيش ب 30 يونيو وموجود في القيادات ويؤكد على خارطة الطريق، ألم يقل أن الدين لو دخل في السياسة تلوث؟ اليس هذا تناقدًا؟ نتكلم بمبدأ ونسلك بعكسه؟ ثم الأكثر غرابة أنه حين قام الاخوان بحرق الكنائس قال البطريرك في مداخلة له على قناة مارمرقس: ما الذي ادخل الكنيسة في صراعات سياسية؟ ما ذنب الكنيسة؟
دعك من أن يكون نحن من ينبغي أن نسأل ذلك السؤال حين رأينا البطريرك في قرار عزل مرسي يباركه ويعضده؟ وتسألنا نفس السؤال بالحرف؟ “إيه اللي يدخل الكنيسة في صراع بمثل هذه الصورة”؟ لكن كل من سأل اخرسوه وقطعوا لسانه وقاله له أخرس يا أحمق أنت لا تفهم؟ دعك أيضاً من أن ردود الإخوان واضحة وبسيطة وتملأ تصريحاتهم؟ ببساطة هم يرون الكنيسة جزء مما حدث لهم ومشتركة فيه.
دعك من أننا نخلط ما لله بما لقيصر وندعي فصلهما! ثم نخرج مزيج عجيب من كنيسة مرتمية في أحضان السلطة، ونتوهم أننا نمجد الرب، فتدخل الكنيسة في صراع بدلاً من أن تصلي للسلام، فتحتم وتَوَجَب أن يكون الحصاد هو سيف لعنة يتسلط على من يتكل على ذراع بشر.

لكن ترى عجب العجاب حين نتدخل ككنيسة في صراع سياسي ونتفلسف لنبرره؟ ونأتي في نقطة تبعيات التدخل، تجد من أدخلوا الكنيسة في صراع سياسي يتعجبون في ذهول من نتيجة دخولها في صراع سياسي؟
وأخيرًا، ترى نهاية مقاربة للبداية، وهي اجماع وتحول من كل هؤلاء تقريبا نحو الدستور الجديد وان نقول نعم له من الأنبا تواضروس ومن رئيس الطائفة الإنجيلية ومن آخرين، ونري تاليه للفريق السيسي بمبالغة شديدة، وصلت للغزل من القس بولس عويضة. وكتب الانبا ارميا صفحتين من الغزل للسيسي في مجلة المصور
وترى تبريرًا مؤلمًا لتأييد الإخوان حين يصرح الأنبا تواضروس أن مرسي خدع الكنيسة عن حقيقة الإخوان، فهل أصدق ذلك الكلام؟ وهنا يكون رجل واحد مثل باسم يوسف وأي مواطن مصري اكثر حكمة من الكنيسة كلها لأن مرسي لم يخدعه؟ ام اعتبره كلام غير حقيقي وتبرير مؤلم يشير أننا لا نعترف بأننا أخطأنا؟
هذا هو ملخص التوثيق للتصريحات بتسلسل زمني... وفيه تجد نفسك رغمًا عن انفك منتبهًا للتناقض وتغيير الموقف من نفس الشخص، تجد نفسك بقليل من الأمانة والصراحة مع النفس ملاحظ للرعب والزعر والمجاملة التي وصلت للنفاق والرياء من كثيرين.

-  ما النتيجة التي خرجت بها؟
نلاحظ الرعب الذي أصاب الكنيسة قبل وأثناء وبعد ثورة 25 يناير بالرغم من التاريخ الذي نتغنى به الخاص بشهداء الكنيسة وثباتها أمام الاضطهاد، وبالتالي تغيير موقف الكنيسة بين المولاة والمعارضة بين الأطراف السياسية حسب تغير اتجاه بوصلة موازين القوى.
النتيجة التي خرجت بها أننا أمام أقلية مذعورة خائفة، قياداتها تُغير موقفها حسب الظروف طلبًا للأمان والسلام، وتغيير الموقف بحسب الظروف أمر غير مقبول وضد المبادئ والأخلاق العامة، وتزداد المشكلة تعقيدًا حين يأتي هذا التلون من الكنيسة التي من المفترض أنها لها رسالة سامية ومعتبرة نور للعالم، وحاملة رسالة محبة وسط عالم يتصف بحب الأنا والمادية، وتقدم رسالة سلام وسط عالم يموج بالصرعات، وتكون نموذج عطاء وسط أجواء العالم الي يتصف بجشع السلطة، وتزداد أكثر إن كان ذلك السلوك من القيادات.

كيف يمكن للكنيسة أن تخرج من هذا المستنقع؟
نخرج من المستنقع لو عرفنا مشكلته بالتحديد وبدون وضع مساحيق تجميل، والمشكلة بصراحة أن الكنيسة بشعبها وقياداتها تستمد سلامها وأمانها من الارضيات، من القيادات والرئاسات الأرضية، وليس من المسيح قال: سلاما اترك لكم سلاما اعطيكم ليس كما  يعطى العالم اعطيكم لا تضطرب قلوبكم ول اترهب  (يو  14 :  27)،لذا هي تضطرب وتتقلب مع الظروف، واعتقد أننا يجب أن نشكر الله أن ذلك ظهر في الثلاث السنوات الأخيرة بوضوح لكي نقيم أنفسنا ونري الفجوة بين واقعنا وما نؤمن به.
فالكنيسة أيام الحكم الروماني قالت الحق في وجه ملوك وأباطرة بمنتهي القوة والصراحة ولم تخش شيئًا، وقدمت شهداء مسالمين عاشوا فوق الظروف لا تحتها، أتعجب ونحن ككنيسة قبطية نتغنى ونفخر بتاريخ شهدائها بينما نحن نسلك عكس ذلك تمامًا. لذا فالمخرج يكون ببساطة بالاعتراف والتوبة.

-  كان البابا شنودة يقول انه يجيب على الاسئلة السياسية حتى لا يظن أحد انه ممنوع من الكلام كيف ترى هذه الحجة؟
البابا كيرلس لم يكن يتحدث في السياسة ولم يقل أحد أنه ممنوع من الكلام، اعتقد أن البابا شنودة كان يميل للعمل السياسي منذ نشأته وعمله مع مكرم عبيد وتم اعتقاله مرة، لكن الإنجيل والفكر الكنسي هو من يلزمنا وليس توجهات البابا.

هل ترى ان البابا تواضروس مختلف أم يسير في نفس الاتجاه للعمل ؟
اشبه دائما مشكلة الكنيسة ومشاكل اخرى كثيرة كأننا عندنا مبني به مشاكل في حوائطه ونوافذه، ونحن مرتبكين بها، بينما المشكلة الرئيسية في أساس المبني، هكذا الحال في كنيستنا، فالمبني لو غير مؤسس علي صخر المسيح، اتمني أن يكون الأنبا تواضروس مدرك لذلك، واتمني أن أراه منشغل بعمق المشكلة وهي أن الحفر العميق حتي نصل لصخر المسيح ونجعله أساس للكنيسة، وحينها لن تقوي العواصف والرياح، اما بذل المجهود في تزيين المنزل وتقوية الحوائط وإصلاح النوافذ فهو مضيعة للوقت.

هل حقا الكنيسة مجبرة على السير في هذا الاتجاه للتعبير عن الأقباط الغائبين من العمل السياسي؟
حين تكون ضعيفًا ستكون مجبر ومقيد بأمور كثيرة.. وحين تكون قوي وحر من داخلك... سوف ستغير العالم ولا تتغير معه، ولن تخشي ولو الموت، اعتقد ان المشكلة ليست أن الأقباط غائبين العمل السياسي، بل غائبين عن العمل الكنسي الروحي الحي، فالمسيحي دوره نحو الوطن يستمد قوته وقيمته ورؤيته من خلال نضجه الروحي، فحضور المسيح في حياة الإنسان يجعل رؤيته لدوره نحو وطنه مختلفة   .

شارك