تساؤلات حول مستقبل جبهة النصرة بين قتال "داعش" وخيانة "أحرار الشام"

الثلاثاء 08/سبتمبر/2015 - 02:46 م
طباعة تساؤلات حول مستقبل
 
يبدو أن عناصر تنظيمات إرهابية في سورية بدأت تتعرض لعمليات تصفية وإعادة ترتيب من قبل جهات خارجية تدعمها عبر تحالفات وتسويات إقليمية وخاصة منها "جبهة النصرة".

مخاوف مقاتلي النصرة

مخاوف مقاتلي النصرة
ويخشى إرهابيو "القاعدة"، بحسب ما نقلت مصادر معارضة لـصحيفة «الوطن» السورية، من أن «الدور سيأتي عليهم بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي»، وذلك بعدما رفضت تركيا مدفوعة بأوامر أمريكية قبول «النصرة» ضمن المجموعات المتحالفة لقتال "داعش" في ريف حلب الشمالي.
ودللت المصادر على ذلك بتأكيدها أن زج «النصرة» في جميع «الغزوات» التي تخوضها ضد الجيش العربي السوري هو خدمة لأجندات خارجية ترفض استئثار «النصرة» بمنطقة جغرافية محددة لإقامة «إمارتها» الإسلامية الموعودة على غرار داعش، وهو ما يدفع عناصر المجموعات المتحالفة معها إلى الانشقاق عنها ومبايعة داعش.
وأكدت المصادر أن مسئولين عسكريين أمريكيين أرادوا فك ارتباط «النصرة» عن «القاعدة» رداً على نصائح تركية عندما طرحوا فكرة ضم مقاتلين «معتدلين» من «النصرة» إلى صفوف مقاتلي داعش لشق صفوف التنظيم.
و"النصرة" هي حاليا القوة الرئيسية في القتال ضد القوات الحكومية ومتحالفة من فصائل مسلحة في مدينة حلب بشمال البلاد حيث شارك مقاتلوها في هجوم كبير على مبنى لأمن الدولة هذا الأسبوع، كما تحارب في جنوب سوريا حيث شن الجيش وفصائل مسلحة متحالفة هجوما كبيرا واشتبك مقاتلوها مرارا مع تنظيم الدولة.

الصراع الداخلي

الصراع الداخلي
يأتي ذلك مع تأزم موقف جبهة النصرة، بعد قتل قائدها العسكري أبو همام الشامي، في ضربة جوية نفذها فيما يبدو الجيش السوري الأمر الذي يزيد من الارتباك بشأن مستقبل أقوى جماعة تعارض بشار الأسد وتنظيم "داعش".
وقتل أبو همام الشامي، في مارس الماضي، في انفجار استهدف اجتماعا لقادة جبهة النصرة في محافظة إدلب. وجبهة النصرة السنية المتشددة التي أعلنت بيعتها للذين خلفوا أسامة بن لادن واحدة من أقوى جماعتين تحاربان الأسد في سوريا وانشق تنظيم الدولة الإسلامية على تنظيم القاعدة باعتباره غير متشدد بدرجة كافية.
وفي الوقت نفسه، تعاني " النصرة" من زيادة التوتر الداخلي في اللحظة الراهنة؛ أحدهما يرفض حملة «أحرار الشام» ضد جبهة النصرة، ويتهم القائمين عليها «ببيع القضية» بثمن بخس، والثاني يؤيدها ويراها متوافقة مع السياسة الشرعية.
ويمثل التيار الأول أبو قتادة الفلسطيني الذي يعتبر من أبرز المرجعيات الدينية الذين تثق بهم قيادة «جبهة النصرة». وقد كان زعيم الأخيرة أبو محمد الجولاني طرح اسم الفلسطيني ليكون أحد القضاة المرشحين للنظر في الخلاف بينه وبين «داعش». كما أنه من المعروف عن "الفلسطيني" أنه يملك تأثيراً كبيراً في تيار واسع من «المقاتلين الأجانب» في «النصرة»، ويستطيع من خلالهم ممارسة نفوذ حقيقي على قيادتهم ودفعها نحو اتخاذ قرارات معينة. بينما ظهر أن ممثلي التيار الثاني هم أنفسهم أصحاب التيار المؤيد لفك الارتباط مع تنظيم «القاعدة»، وأبرز هؤلاء أبو ماريا القحطاني والدكتور مظهر الويس والمعزول أبو محمد صالح الحموي، المعروف بـ «أس الصراع في الشام». وهو ما يعزز بأن الفصائل «الجهادية» في سوريا تقف أمام منعطف جديد، سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى مزيد من المفاصلات في ما بينها تمهيداً لولادة مشهد جديد.

الصراع مع أحرار الشام

الصراع مع أحرار الشام
اندلع الخلاف بين «جبهة النصرة» و«حركة أحرار الشام الإسلامية» المحسوبة علي جماعة الإخوان المسلمين بأسرع مما كان متوقعاً.
فالحملة الإعلامية التي يقودها مسئول العلاقات الخارجية في «أحرار الشام» لبيب النحاس، في صحف واشنطن ولندن لتلميع صورة فصيله وتقديمه كحليف محتمل للغرب في قتال تنظيم «داعش» مقابل اختياره أن يكون البديل عن النظام السوري، لم يكن لها أن تمر مرور الكرام، خاصة من أمام أقرب الحلفاء في «جبهة النصرة»، وذلك نظراً لما تضمنته المقالتان المنشورتان لنحاس في «واشنطن بوست» و«ديلي تلغراف» من تنازلات كبيرة لا يمكن للتيار «الجهادي» السكوت عنها، وهجوم مبطن علي جبهة النصرة.
وبعد أيام من نشره مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، نشر لبيب النحاس مقالاً آخر في صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية، ناقش فيه السياسة البريطانية تجاه «الثورة السورية» وشدد على أن «أحرار الشام كفصيل سني من الغالبية يقوم ببناء البديل».
واتهم أبو قتادة الفلسطيني «أحرار الشام» بالخيانة، ووصفها بأنها «ضعيفة الفكر والتقييم». ولفت إلى أن الحركة « قبلت نصائح بعض دهاقنة السياسة، وهذا ما أرجحه، وهو أن بعض الخبثاء ورطهم هذه الورطة غير الحميدة أبداً، وسعى لتسويق هذا الخطاب». لكنّ أخطر ما ساقه الفلسطيني في اتهاماته هو الكشف عن تسريبات وصلت إليه، وتفيد بأن «الأمر دبّر بليل، وبهدف توريط مستقبلي خبيث، وهو أن الحركة مستعدة لمقاتلة التيار الجهادي كله مقابل قبول أوراق اعتمادها لدى الغرب»، وطبعاً المقصود بالتيار «الجهادي» هنا «جبهة النصرة».
وقد اشعلت اتهامات الفلسطيني الموجهة إلى «أحرار الشام» ردوداً غاضبة، جاءت من كبار القادة في «أحرار الشام»، وعلى رأسهم زعيمها أبو جابر الشيخ الذي تبنى مقالات النحاس دون أي تحفظ عليها، نافياً بذلك التفسيرات التي تحدثت عن توزيع للأدوار ضمن قيادات الحركة بين مخاطبة الخارج والداخل، بل أن الشيخ وصف هذه المقالات بأنها «ارتقاء بالخطاب التقليدي لمستوى الهدي النبوي».
أما عضو مجلس شورى «أحرار الشام» أبو عزام الأنصاري فقد اتهم أبا قتادة الفلسطيني بالكذب والورع البارد، مذكراً إياه بتاريخ فتاويه في الجزائر التي كانت نتيجتها بحور من الدماء والأشلاء. كما حذّر الشيخ السعودي عبدالله المحيسني من إراقة الدماء في حال «تجاهل الطرفان (النصرة والأحرار) بعضهما»، ولم يعملا على إصلاح الخلاف وتوحيد الكلمة بينهما.
ولم يكن المحيسني وحده من تحسّب لخطورة تفاقم الخلاف وتطوره إلى ما لا تحمد عقباه، فالقيادي في «جبهة النصرة» أبو البراء الشامي عبّر عن إحباطه مما يجري، بقوله: «بالأمس القريب دعوت للتوافق على حد أدنى، واليوم أحذر من مغبة حرب البيانات المفضية لصدام حتمي. فهل سأدعو غدا لوقف الدماء!؟»، لكنّ هذا لم يمنعه من انتقاد النحاس ولجوئه إلى ممارسة العمل السياسي في حقل محكوم بقواعد المنظومة الغربية.
وتشير المعطيات إلى أن «أحرار الشام» هي الطرف الذي يخضع لضغوط محلية وإقليمية تسعى إلى إجبارها على الابتعاد عن «جبهة النصرة» عسكرياً، بعد أن ضمنت مراجعاتها الأخيرة الابتعاد عنها منهجياً. وقد أحدثت هذه الضغوط شرخاً واسعاً بين احار الشام والنصرة.

الصراع مع "داعش"

الصراع مع داعش
جبهة النصرة كانت الفاعل الأكبر للجماعات الإسلامية المسلحة في سوريا منذ نهاية 2013، إلا أنها وجدت نفسها تواجه قوة مؤثرة أخرى وهي "داعش" فقادة الدولة الإسلامية دخلوا-وانتصروا- في عدة معارك أيديولوجية مع النصرة، متحدين شرعيتها الدينية، مع اغتيال بعض قادتها.
النجاح العسكري، وانتشار الشرعية الأيديولوجية، بالإضافة إلى المصادر الإنسانية والمالية الكبرى ساعدت بتحويل "داعش" إلى أكثر منظمة إرهابية ثراء في العالم، مما سمح لها بتجنيد المزيد من الجنود، السيطرة على المزيد من الأراضي، ورفع وتيرة الهجمات على النصرة. كنتيجة، في معظم 2014 بدت النصرة تضعف، إلا أنها في أكتوبر 2014-بعد بدء هجمات التحالف الذي تقوده أمريكا ضد الدولة الإسلامية وجبهة النصرة في سوريا والعراق بقليل- بدأ التنظيم يظهر حيوية جديدة.
سلسلة حياة النصرة لم تأت بين يوم وليلة، فبراغماتياتها كانت تعني أن ما فقدته بالقدرة العسكرية والجاذبية الأيديولوجية والمصادر، عوضته برأس المال البشري.
كما أن الدولة الإسلامية لم تعتبر قتال النظام السوري أولوية لها حتى تقدمها في الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية، في يونيو 2014، عندما بدأ النظام بمهاجمتها للمرة الأولى. إلا أن النصرة قاتلت بشكل ثابت نظام الأسد منذ تشكيلها. الضعف النسبي للجيش السوري الحر، ونقص الدعم الدولي الكافي جعل جبهة النصرة، بعيون الكثير من المراقبون، العامل الأكثر فعالية بالقتال ضد "داعش"، والعامل الوحيد القادر على تحصيل نتائج. بالفعل، فإن انتصارات النصرة بالنسبة لحجمها ومصادرها يجعلها من التنظيمات المؤثرة في الصراع السوري.

مستقبل النصرة

مستقبل النصرة
مستقبل غامض لجبهة النصرة في سوريا في ظل تغير التحالفات السياسية المحلية والإقليمية والدولية، فجبهة النصرة مدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة وفرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات كثيرة وهي تقع تحت مطرقة الجيش السوري وسنداد "داعش"، بالإضافة إلى خيانات الجماعات الإسلامية الأخرى وفي مقدمتها "أحرار الشام"، ولكن ما زالت حتى الآن تمثل قوة كبيرة في الجبهات القتالية بسوريا.. فهل تسقط "النصرة" بفعل التحالفات الجديدة أم ستصمد بفعل قوتها المحلية؟

شارك

موضوعات ذات صلة