"الأنصاري" في مذكراته يكشف إرهاب الإخوان

الأربعاء 02/ديسمبر/2015 - 01:43 م
طباعة الأنصاري في مذكراته
 
  • اسم الكتاب: صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة من النكسة إلى المشنقة
  • تحرير: د۔ عبد الله سرور
  • الناشر: مركز المحروسة 2006
يعد الكتاب الذي بين أيدينا الآن واحدًا من تلك الشهادات المهمة التي قدمها لنا أعضاء في تيار الإسلام السياسي، وإن لم يكن من أهم هذه الشهادات، فهو يؤكد لنا دور الإخوان المسلمين في زرع الإرهاب والتطرف في المجتمع المصري، وكيف أن المرشد الثاني حسن الهضيبي قد بارك عملية "الفنية العسكرية" قبل تنفيذها، وأن صالح سرية قدم "البيعة" لمرشد الإخوان باسم جماعة الشباب، هو وزينب الغزالي التي اعتُبِرت شاهدة في القضية فيما بعد، وكيف أن الإخوان المسلمين يقومون بالتحريض على العنف وزرع الإرهاب والتطرف في نفوس المنتمين لهم ويتبرءون منهم بعد ذلك، وصاحب هذه الشهادات "طلال الأنصاري" واحد من ثلاثة حُكم عليهم بالإعدام في قضية "الفنية العسكرية" كما ترجع أهمية هذه الشهادة أن البناء التنظيمي لهذه الجماعة التي قامت بالهجوم على المدرسة الفنية العسكرية كان محكماً لم تغادر خيوطه أيدي قادته الثلاثة، وهؤلاء لم يبوحوا بشيء، ويكفي أن مؤسس الجماعة ورائدها الفكري لم يرد ذكره في أوراق القضية، ولا غيرها، فظلت جماعة الفنية العسكرية سراً مغلقاً، خاصة بعد إعدام صالح سرية، وكارم الأناضولي، وأما طلال فها هو يدلي بشهادته لنا في هذا الكتاب۔
وقد قام محرر الكتاب بتقسيم متنه إلى مقدمة وخمسة فصول وزاده ببعض الوثائق من ملف القضية الصحفي.
تناول في الفصل الأول: النكسة والتأسيس۔ وفي هذا الفصل قد قام المحرر بطرح رؤيته لفترة النكسة التي ربما يختلف البعض حول هذه الرؤية كما نختلف معه في الإصرار على استخدام مصطلح الأمة، الذي يشير به دومًا إلى أمة الإسلام كما هو في خطاب جماعة الإخوان ومعظم خطابات التيار الإسلامي بدلًا من استخدام مصطلح وطن۔ إلا أنه في هذا الفصل يوضح كيف أن بذور هذه الجماعة قد بدأت بعد نكسة 67 مباشرة مدفوعة بعامل الهزيمة وانكسار المشروع القومي العربي، وكذلك محاولة هروب الكثيرين إلى الدين وكتب التراث بحثاً في الماضي عن حلول لمشكلات الحاضر، كذلك قام المحرر بعرض دور السادات وقراراته بخروج الإخوان من السجون وعقد الاتفاقيات معهم في تنامي مثل هذه الجماعات، كذلك طرح المحرر البرامج التربوية والحركية للجماعة والذي كان على النحو التالي:
أولاً: البرامج الحركية، وتنقسم إلى البرامج الرياضية لبناء جسم رياضي قوي، وبرامج التدريبات على المواجهات، وهذه شملت جميع أفراد الجماعة لتدريبهم على التسلل واختراق كافة المباني الرسمية الحساسة.
ثانياً: البرامج الثقافية، وشملت قراءات لكتب محددة (سيد قطب ومحمد قطب، وأبو الأعلى المودودي وحسن الندوي وسعيد حوى)
ثالثاً: البرنامج التربوي، وشمل العبادات والنوافل بهدف تعميق المفاهيم الايمانية لأعضاء التنظيم.
أما عن المحاور الفكرية للجماعة فيمكن تلخيصها في ثلاث محاور:
أولاً: الوسطية في المفاهيم العقيدية:
حيث يؤكد المحرر على أن الجماعة مثلت موقفًا وسطيًّا بين أقصى يمين التيار الإسلامي (أنصار السنة المحمدية والجمعية الشرعية، والأزهر)، وبين أقصى اليسار الذين مثلتهم جماعات تكفيرية متشددة (جماعة محمد إبراهيم سالم وجماعة شكري مصطفي).
وكان أقصى اليمين يشهد بإسلام الأمة حكامًا ومحكومين ويدعو إلى التعايش مع الأوضاع القائمة والتصالح معها، أما اليسار فقد حكموا على الأمة كلها بالكفر حكاماً ومحكومين وقصروا الإسلام عليهم.
ثانياً: الحاكمية:
وقد أرسى هذا المفهوم محمد بسيوني بين شباب الجماعة تأسيساً على آيات الحاكمية الواردة في سورة المائدة، واستند إلى تأصيله لهذا المفهوم إلى ثلاثة مفكرين إسلاميين هم الشقيقان محمد وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي، واستناداً للنصوص السابقة وشروحاتها فقد تعاملت الجماعة مع السلطة الحاكمة على أنها سلطة كافرة.
ثالثاً: قضية فلسطين، فقد كانت قضية فلسطين محوراً أساسياً في فكر هذه الجماعة، وهذا مرتبط بأن إقامة الدولة الإسلامية في مصر هي خطوة أولى وضرورية لتحرير فلسطين كما تصورت الجماعة.
ويقول محرر الكتاب على لسان طلال الأنصاري: حكاية هذه الجماعة مع الإخوان المسلمين في الفصل الثاني من فصول الكتاب؛ حيث يقول: صلة هذا التنظيم الشبابي بالإخوان المسلمين مرت بثلاث مراحل، كانت أولها 1971 حين قام الشيخ على إسماعيل بتسليم شباب الجماعة إلى أحد قيادات الإخوان البارزين في الإسكندرية وهو محمد إبراهيم سالم، وكانت هذه هي المرحلة الأولى لعلاقة تنظيم الشباب بالإخوان، تلتها المرحلة الثانية وهي مرحلة زينب الغزالي؛ حيث تحقق الاتصال المباشر بها، وذلك قبل الوصول إلى المرحلة الأخيرة وهي مرحلة المرشد حسن الهضيبي،
أما بخصوص المرحلة الأولى فقد بدأ محمد إبراهيم سالم لقاءات مع مجموعات التنظيم الجديد من الشباب.. ولقد كشفت هذه اللقاءات عن تناقض بين في رؤية كل منهما للآخر، فقد كان سالم يرى أن هذه المفاجأة التي أمامه من تنظيم متكامل جديد إنما هو نبت جديد ينبغي ترتيبه وإعادة صياغته من الصفر، على نظرية سالم التربوية، وفي صمت وبعيدًا عن قبضته، وعلى الجهة الأخرى انبهر به شباب النظيم الجديد لفترة لم تطل ثم ظهرت علامات الاستفهام والريبة فما حقيقة وضعهم مع سالم وجماعة الإخوان؟ فحينما أبلغوا الشيخ علي إسماعيل بهواجسهم شاركهم فيها وقرر الهروب بهم من أسر سالم لتبدأ المرحلة الثانية، ففي يناير 1972 اصطحب الشيخ على إسماعيل طلال الأنصاري إلى منزل زينب الغزالي وتوالت الزيارات بعد ذلك من الشباب لمنزل زينب الغزالي وتولى الأنصاري ترتيب هذه الزيارات ويقول الأنصاري عن هذه الزيارات "لا يمكن تصنيف لقاءات زينب الغزالي مع هؤلاء الشباب إلا في باب التحريض السياسي أو الجهادي وإلا فما معنى أن تحكي لشباب لما يتجاوز العشرين من عمره عن بشاعة التعذيب التي تعرضت له، وكان التحريض يبلغ ذروته عندما تصارحهم بأنها تتمنى أن تعيش لترى بعينها حركة إسلامية تبدأ التحرك والمواجهة، قبل أن تطالها يد الاعتقال والتعذيب كما حدث في 54، 65"
وقبل نهاية 72 كان الانبهار بزينب الغزالي قد انطفأ لدى هؤلاء الشباب وبدأ السؤال يلح عليهم وماذا بعد؟ إلى أن حدث اللقاء بالمرشد الثاني للجماعة لنبدأ المرحلة الثالثة مع حسن الهضيبي وفي اللقاء الأول قد قام طلال الأنصاري بمبايعة المرشد العام للجماعة، وبهذه البيعة أصبح الشباب أعضاء رسميين في جماعة الإخوان المسلمين، وبعدما أعلنت مجموعة الشباب هذا الخبر في مدينة الإسكندرية كان له أثر واضح في أمرين: أولهما إقبال الكثير من الشباب الجدد على الانضمام لتنظيم الشباب لكونه الممثل الشرعي والوحيد للإخوان، وثانيهما زادت الضغوط على المرشد من ناحية التيار المعتدل الذي كان يرفض أي تحرك ضد النظام
ويعرج بنا محرر الكتاب لسرد العلاقة بين جماعة الشباب في الإسكندرية وصالح سرية في الفصل الثالث من الكتاب والذي عنونه "نحن وصالح سرية" وإن الذي أعد اللقاء الأول بين طلال الأنصاري وصالح سرية السيدة زينب الغزالي في منزلها، وإن طلال الأنصاري وجد إجابات لأسئلته ماذا بعد وما العمل؟ التي كانت تلح عليه وعلى مجموعته الشبابية لدى صالح سرية، فماذا قال صالح سرية في اللقاء الأول؟ يجيب طلال الأنصاري بأنه قال: إن الإخوان حركة تحتاج إلى تغيير حقيقي في الأفكار، وأول ما يحتاجه الإخوان هو تحديد هدفهم، وإن الآخرين من أصحاب الفكر السياسي قد تجاوزوا الإخوان وحددوا أهدافهم، وإن الإخوان باعتبارهم حركة سياسية سواء كانت خلفيتها إسلامية أو لم تكن، فإنه ينبغي لهم أن يكون الوصول إلى السلطة هو هدفهم المحدد، وإنه يستحيل لأي فكر مهما كان أن يتحول إلى واقع وإلى نموذج أو إلى دولة من دون أن تكون السلطة هي السبيل لذلك، وإن الحركات من حولنا فهمت هذا وأدركته، وإن الجميع يتفق على أن طرق الوصول إلى سلطة محددة، فهي إما بالبرلمان وإما بثورة شعبية وإما عن طريق الجيش، وأن في دول العالم الثالث المحكوم بنظم عسكرية ديكتاتورية لا مجال للبرلمان والديمقراطية، كما لا مجال للثورات الشعبية نتيجة القهر الذي تتعرض له شعوب هذه البلدان، وبالتالي لا بديل عن حركة الجيش، وقرر صالح أنه يحتاج إلى عدد بسيط من الرجال سماهم (بالبدريين) على مستوى صحابه غزوة بدر، ولا يتعدى تعدادهم ثلاثمائة رجل،
وقد قامت زينب الغزالي في نهاية هذا اللقاء بتسليم قيادة الجماعة إلى الدكتور صالح سرية، وإنها سلمته تنظيماً شبابياً قويًّا وقادراً وفاعلاً، ومع بداية 1973 أسفرت عدة لقاءات متتالية بين صالح سرية وقيادات تنظيمه الشبابي الجديد عن الاستقرار على تقسيم الجماعة إلى ثلاثة تشكيلات رئيسية الأول: تشكيل الإسكندرية الممثل في الجماعة الأم، ويترأسه الدكتور كامل عبد القادر وطلال الأنصاري، والثاني تشكيل القاهرة والجيزة ويترأسه حسن هلاوي، والثالث تشكيل العسكريين ويترأسه صالح سرية شخصيًّا، وقد انقسم داخله إلى قسمين: الأول عسكريو الجيش وهؤلاء كانوا تابعين له مباشرة، والثاني طلبة الكليات العسكرية ويترأسه كارم الأناضولي، وأيضًا شَكَّل صالح سرية مجلساً مصغراً للقيادة مكونا من الأسماء المذكورة، ووضع صالح سرية برنامج زمنيًّا ينتهي مداه بنهاية عام 1975 تكون فيه الجماعة جاهزة للتحرك العسكري ضد النظام وحدد صالح سرية هدفه بالانقلاب العسكري من خلال الجيش. 
ويعرض لنا المحرر في الفصل الرابع المعنون "التنفيذ۔۔۔ والمحنة"؛ حيث يسرد لنا الخطوات التي تم بها تنفيذ عملية الفنية العسكرية، وكيفية القبض على مجموعة كبيرة من المنفذين، وكيف انتهت الأحداث واختصار آثارها في النقاط التالية:
1-ولدت حركة الجهاد من رحم هذه الجماعة ودليل ذلك كثير من تصريحات عبود الزمر قائد تنظيم الجهاد، ويؤكد فيها أن فكر صالح سرية وكتابه (الإيمان) هما العماد الأساسي لفكر الجهاد.
أما من الناحية التنظيمية فمن المؤكد أن تنظيم الجهاد الذي ظهر على السطح في حادث المنصة كان قائده محمد عبد السلام فرج مؤلف كتاب الفريضة الغائبة وأحد أطراف القضية الثالثة للفنية العسكرية، والتي حفظتها النيابة العامة 1979 واعتقل فيها عدد وأفلت آخرون، منهم محمد عبد السلام فرج، كما أن رفاعي سرور الذي تتلمذ عليه مباشرة عبود الزمر فهو من الجيل الأول لجماعة الفنية العسكرية، وأحد تلاميذ محمد بسيوني المقربين.
2- ولدت الحركة السلفية أيضًا من رحم هذه الجماعة، وقد شهد الشيخ محمد إسماعيل أولى خطواته في الدعوة داخل هذه الجماعة كما حضر معسكر الجماعة في العجمي عام 1971 حتى إن أول لقاء دعوي له بالناس كان بهذا المعسكر؛ حيث كلفته قيادة المعسكر بتلخيص وعرض باب من كتاب زاد المعاد لابن القيم، وكان هذا ضمن البرامج التدريبية العسكرية.
3- لم تظهر حركة الإخوان المسلمين بشكل علني إلا بعد عام 1975 أي بعد صدور الأحكام في هذه القضية، وكان العديد من قادتها البارزين من داخل هذه الحركة أو على هامشها، أو على الأقل متأثرين بها (وجدي غنيم، محمد نجيب أبو حجازي، حامد الدفراوي۔۔۔ وغيرهم)
يتضح مما قدمه طلال الأنصاري في هذه الشهادة أن من دفع هذه المجموعة من الشباب إلى انتهاج العنف، ووضع أقدامهم على طريق الإرهاب إنما هي جماعة الإخوان المسلمين، بداية من أفكار محمد قطب وسيد قطب، ومروراً بالقيادات التي مهدت لهم الطريق إلى الوصول لما وصلوا إليه من تطرف وإرهاب، ليس هم وحدهم بل أجيال متعاقبة من المتطرفين والإرهابيين، أنتجتهم لنا جماعة الإخوان، وأن التطرف والإرهاب ليس من إنتاج مجتمعات همجية أو فقيرة، إنما هو خارج من تأويلات شاذة ومتطرفة في بعض كتب الفقه الإسلامي وكتب التراث وكتابات من استلهموها وأنتجوا على مثيلها، أمثال (المودودي وسيد قطب ومحمد قطب، والندوي).

شارك