التدخلات القطرية في القرن الأفريقي "تاريخ من تمويل الإرهاب وتأجيج الصراعات"

السبت 29/ديسمبر/2018 - 04:46 م
طباعة التدخلات القطرية حسام الحداد
 
 التوغل القطري بالقارة السمراء يستهدف حصار مصر وتهديد أمنها القومي
تُعد منطقة القرن الأفريقى ذات أهمية استراتيجية كبيرة، من جهة أنها تطل على خليج عدن، وتشرف على باب المندب، كما أنها مقابلة لشبه الجزيرة العربية والخليج العربي، وملاصقة لإقليم البحيرات العظمى فى وسط أفريقيا، والذى يتميز بغنى موارده المائية والنفطية والمعدنية، ولهذا كانت المنطقة، محلًا للتنافس، لعل أبرز صوره تجسدت فى الاستغلال القطرى لأزمات هذه المنطقة.
ولهذه الأهمية تعددت أشكال التدخل بل التوغل القطرى فى القارة السمراء، بهدف محاصرة مصر وتهديد أمنها القومي، وذلك عبر وسائل وطرق شتى، فمرة يكون التدخل عبر السياسة ودبلوماسية الوساطة بين الجيران المتوترة علاقاتهم، وأخرى تتخذ شكل الدعم الاقتصادي، وأخيرًا عن طريق المساعدات الخيرية، مستعينة بمنظمات تحوطها الشك والريبة فيما يخص أهدافها الحقيقية.

التدخل القطرى فى القرن الأفريقى
وعلى مستوى الوجود العسكري، تدخلت قطر كمراقب فى حالات مثل النزاع بين إريتريا وجيبوتي، وهو ما تم إنهاؤه فى أغسطس ٢٠١٧، بسبب موقف البلدين من أزمة قطر مع الدول الأربع الداعية لمحاربة الإرهاب، إلا أن أخطر الأدوار التى لعبتها قطر ضد مصلحة مصر فى القرن الأفريقى كان فى إثيوبيا.
حيث تسللت قطر إلى إثيوبيا عبر مشروعات إنسانية واقتصادية ذات بعد سياسي، هدفها الأساسى تهديد الأمن القومى عبر سد النهضة، واتخذت ستارًا لذلك هو الاستثمار فى مجال الزراعة، وضخت الأموال الضخمة التى استفادت بها الحكومة الإثيوبية فى بناء سد النهضة.
والمعروف أن قطر كانت قد واجهت أزمة كبرى مع إثيوبيا، حينما اتهمتها الأخيرة بالعمل ضد مصالحها عبر تقوية علاقتها بإريتريا، وتقديم الدعم المالى لجماعات المعارضة المسلحة الموجودة بأسمرة، وعبر علاقة قطر بإريتريا، دخلت الدوحة على خط الوساطة مع جيبوتى، واستضافت قمة بين البلدين فى ٢٠١٠، وتلاها إرسال الدوحة لمراقبين عسكريين على الحدود بين البلدين لحفظ السلام، ثم قامت بسحبهم عقب أزمتها مع دول التحالف العربي.

التمويل القطرى

وفيما يتعلق بالتمويل القطري، فإن ذلك أكدته دراسة نشرتها مؤسسة دعم الديمقراطية الأمريكية، التى أوضحت أن هذا التمويل قدمه القطرى المطلوب دوليًا عبدالرحمن النعيمى، بمبلغ ٢٥٠ ألف دولار، وفى وثائق مسربة نشرت على موقع «ويكيليكس» كشفت طلبًا للسفيرة الأمريكية السابقة سوزان رايس لدى الأمم المتحدة من تركيا الضغط على قطر لوقف تمويل حركة الشباب.
وتستهدف قطر من وراء ذلك وكما توضح دراسات متعددة، القيام بدور استراتيجى لتعزيز مكانتها دوليًا، وكذلك الحصول على موقع أكثر تقدّما فى العالم الإسلامي، ضمن محاولات الزعامة الوهمية، والاستفادة الاقتصادية، خصوصا مع اكتشاف الغاز فى مياه المنطقة الإقليمية، إضافة الى تقويض أدوار القوى المنافسة لها، وأبرزها الإمارات ومصر والسعودية.
وهو ما أوضحته دراسة صادرة عن معهد «الدراسات الأمنية الأفريقية» أكدت أن قطر تسعى من خلال تغلغلها فى منطقة القرن الأفريقى تحديدًا، لبسط السيطرة على أحد أهم المناطق التى تؤثر على الملاحة البحرية فى المنطقة، الأمر الذى جعلها تتدخل فى صراعات بين كل من «السودان وإريتريا، الصومال وإثيوبيا، إريتريا وجيبوتي».
مما سبق يمكننا فهم ما حدث فى ١٤ ديسمبر الجاري، حينما أعلن وزير النقل والاتصالات القطري، جاسم بن سيف أحمد السليطي، أن حكومته ستبدأ فى بناء ميناء «هوبيو» فى منطقة مدغ، وسط الصومال، وهو ما أكده وزير التخطيط والاستثمار الصومالى جمال محمد حسن، مشيرا إلى أن قطر ستبدأ قريبًا بناء ميناء «هوبيو» لتستفيد منه حكومة وشعب الصومال، لافتًا إلى توقيع مذكرات تفاهم مع قطر فى مجال الموانئ، والتعاون بين المعهد الدبلوماسى بوزارة خارجية قطر والمعهد الدبلوماسى بوزارة خارجية الصومال، إضافة إلى مذكرات تفاهم أخرى خاصة بإنشاء لجنة عليا مشتركة والتشاور السياسى بين وزارتى الخارجية فى الدولتين.
عودة إلى التدخلات القطرية فى القرن الأفريقى والتى تمثل الخطوات السابقة ستارا لها فى محاولة لإخفائها، فإن تلك التدخلات أدت إلى تجاوزات قطرية عديدة فى المنطقة، أهمها قيامها بالعديد من الأدوار والأنشطة التخريبية، من خلال تدخلها فى شئون دول المنطقة تحت مظلة العمل الخيري، حيث سعت إلى دعم جماعات انفصالية وإرهابية منها «الجهاد الإسلامى الإريتري، الاتحاد الإسلامى الصومالي»، وكذلك حركة التوحيد والجهاد المتطرفة فى غرب أفريقيا.
إضافة إلى ذلك فقد استغلت قطر الأزمة بين «جيبوتى وإريتريا» وقامت بسحب جنودها على الحدود المتنازع عليها بين الدولتين، لمعاقبة جيبوتى على انضمامها للدول المقاطعة، بينما تقدم الدعم سرًا للطرف الإريترى فى محاولة لإشعال الموقف، وتوجيهه نحو مزيد من التدهور.

التمويل القطرى للإرهاب فى الصومال

وفيما يتعلق بالتمويل القطرى للإرهاب فى الصومال، فقد كشف تقرير مطول لـ«المجموعة الدولية للأزمات» أن الحكومة القطرية، وعدت بمد الجماعات المسلحة بالمال والسلاح بعد انفصال جمهورية «صومالى لاند» عن الأراضى الصومالية فى عام ١٩٩١، وذلك لحماية مصالحها الاستثمارية فى تلك البقعة الوليدة من رحم حرب أهلية طاحنة استمرت لسنوات.
كما أكد تقرير المجموعة الدولية عبر شهادات قدمها عدد من المدنيين الصوماليين لمنظمة الأمم المتحدة، ضلوع الجماعات المسلحة فى الصومال، التى تلقت تمويلًا من الحكومة القطرية، فى أعمال قتل وتطهير ضد مدنيين فى مناطق قروية ساحلية، تم استعمالها لصالح الحكومة القطرية كموانئ ونقاط إعادة تموين بالوقود، مما دفع عددًا من سكان هؤلاء القرى المهجرة إلى انتهاج القرصنة كرد على قتل وتشريد هؤلاء من قرى كانوا يعيشون بها.
التحالف العربى واحتواء الموقف
وعلى عكس الدور القطرى المشبوه، ساهم تدخل التحالف العربى لحل الصراع فى الصومال فى نزع فتيل الأزمة بشكل سريع، حيث إن القرن الأفريقى هو جزء مهم فى الأمن القومى العربي، لذلك ساهمت جهود التحالف العربى فى تشكيل جيش نظامى فى الصومال، لدحر الجماعات المسلحة والإرهابية فى هذا البلد وهو ما أكده تقرير المجموعة الدولية للأزمات، مشددا على أنه لولا جهود التحالف العربى لحل الوضع فى الصومال، لكان ممكنًا تطور تلك النزاعات، إلى مواطئ قدم لتنظيمات إرهابية مثل داعش، مما كان سيعرض أمن منطقة الخليج والشرق الأوسط بالكامل، إلى خطر داهم سواء أمنيًا أو اقتصاديًا.

شارك