دراسة: التطرف الديني تحدٍ للوحدة الوطنية في ماليزيا

السبت 12/أكتوبر/2019 - 09:44 ص
طباعة دراسة: التطرف الديني محمد عبد الغفار
 
ساهمت الأدوات التكنولوجية الحديثة في انتشار أفكار الأصولية والعنف والإرهاب بين فئات المجتمع المختلفة حول العالم، وتستخدم الجماعات الإرهابية تلك الأدوات بما يخدم مصالحها خصوصًا في تجنيد الشباب.



ويسعى الباحث نجم عبد طارش المدرس المساعد في جامعة «ذى قار» بالعراق، أن يفسر ويفكك حالة الأصولية المنتشرة في دولة «ماليزيا» الواقعة جنوب شرق آسيا، في دراسته بعنوان «الأصولية الدينية والتطرف كتحدي للتعددية والوحدة الوطنية في ماليزيا»، والتي نشرت في «حولية المنتدى للدراسات الإنسانية الصادرة من المنتدى الوطني لأبحاث الفكر والثقافة».



ورأى الباحث أن المجتمع الماليزي فهم مبكرًا أهمية إيجاد صيغة توافقية ما بين التشريعات الإسلامية والحياة المدنية، بما يتوافق مع ظروف وواقع البلاد، وموقعها ومواقفها السياسية المختلفة، أي أنها حاولت الحفاظ على روح الإسلام واتباع منهج وسطي معتدل.



وعلى الرغم من ذلك، فشلت الدولة الماليزية في البقاء بعيدًا عن تأثيرات موجات الأصولية الإسلامية، إذ تسلل إليها هذا الفكر منتصف سبعينيات القرن الماضي، من خلال الفتاوى المتطرفة التي صدرت في دول الشرق الأوسط وغيرها، وانتقلت إليها عبر منظمة PAS، والتي تعد أهم تنظيم إسلامي في ماليزيا.



وكان أبرز هذه الفتاوى ما صرح به نائب رئيس المنظمة في ولاية كلاتنان، عندما وصف المجتمع بالكفر، واعتبره غير مؤهل لإمامة المسلمين، ولا يمكن تزويجهم من مسلمات، وطالب بضرورة عدم الالتزام بقوانين الدولة لأنها تخالف شرع الله.



وتطور الفكر العنيف إلى ممارسات عنيفة وإرهابية، وكانت البداية في عام 1978، عندما هاجم 15 شابًا متطرفًا واحدًا من أهم المعابد الهندوسية بالقرب من العاصمة كوالالمبور، وحاولوا تدميره، ما أسفر عن مواجهة مع حرس المعبد أدت إلى مقتل أربعة من المهاجمين وإصابة آخر.



وفي العام التالي 1979، هاجم 20 متطرفًا معبدًا هندوسيًا في ولاية جوهور الجنوبية بالسيوف، قبل أن يهاجموا مركزًا للشرطة بجوار المعبد، مما أدى إلى مقتل 8 من المهاجمين، وإصابة العشرات.



ويبدو أن قدرات المتطرفين أصبحت أكثر تطورًا، إذ نفذوا واحدًا من أكثر الهجمات دموية في تاريخ ماليزيا في عام 1985، فوقعت حادثة ميمالي في ولاية قدح، وبدأت الحادثة بمحاولة الشرطة القبض على إرهابي يدعى «إبراهيم ليبيا»، قبل أن يمنعهم أنصاره، ما أدى إلى مواجهات دموية بين الطرفين خصوصًا مع وصول تعزيزات لكل طرف، وأسفرت المواجهات عن مقتل 4 من ضباط الشرطة و20 من أنصار إبراهيم، بينما أصيب العشرات من الطرفين خلال المواجهة.


وللحد من هذه المواجهات، اتهمت الحكومة الماليزية كافة أنصار منظمة PAS بالإرهاب، مع إلقاء القبض على العشرات منهم، خصوصًا بعد أن أصدروا فتاوى مباشرة لتكفير المجتمع والحكومة.


إلا أن ذلك الأمر لم يمنع العنف من الظهور مرات أخرى في ماليزيا، حيث شهد عام 2001 ظهور «تنظيم المجاهدين»، والذي تخصص في مهاجمة مراكز الشرطة ومنشآت غير المسلمين، مع اغتيال الشخصيات السياسية البارزة، مثل عضو برلمان ولاية صدح عن التحالف الوطني دكتور جيوفير نيديز.



ولم يتوقف انتشار الأصولية الدينية على الداخل الماليزي فقط؛ لكن البلاد شهدت خطرًا أشد مُمثلًا في تزايد عدد الماليزيين الأصوليين الملتحقين بجماعات الإسلام السياسي المتطرفة خارج البلاد، وخاصة أفغانستان وباكستان وإندونيسيا، وتورطهم في عمليات إرهابية خطيرة.



وتخشى كافة الحكومات الماليزية المتعاقبة من عودة هؤلاء المواطنين إلى بلادهم مرة أخرى، خصوصًا وأنهم حصلوا على تدريبات قوية ومعقدة في استخدام السلاح وتنفيذ العمليات المتطرفة، ما يعني عودة التطرف الأصولي مرة أخرى إلى داخل ماليزيا.



ويرى الباحث أن الحل لأزمة الأصولية الإسلامية في ماليزيا يكمن في استمرار النظام التعددي في العمل السياسي، بما يخدم الوحدة الوطنية، مع عدم تقليص هامش الحريات والديمقراطية داخل البلاد، والمساهمة في حفظ الأمن بما يتوافق مع الدستور.

شارك