الحرب النفسية بين تنظيم «داعش» والقوات العراقية.. الأدوات والأساليب

الخميس 12/ديسمبر/2019 - 11:27 ص
طباعة الحرب النفسية بين محمد عبد الغفار
 
لا تعتمد الحروب على القدرات العسكرية بصورة مطلقة، فقد تمتلك السلاح والذخيرة الجوية والبحرية والأرضية، وتكون متفوقةً في العدد، ولكن تهزم داخل المعركة، ويرجع ذلك إلى ضعف العقيدة القتالية بين صفوف قواتك العسكرية.
-         الحروب النفسية وتاريخها
تسعى القوى المتحاربة إلى شن حروب نفسية ضد بعضها البعض، وتعرف بأنها مجموعة من الأساليب الإعلامية والدبلوماسية التي تتبعها جهة ما تجاه طرف آخر؛ بهدف تقليل عوامل نجاح العمل، وتحييد التأييد الداخلي أو كسبه، والعمل على تأصيل روح الهزيمة والضعف في المعنويات، وغالبًا ما تكون بصورة مخططة وتدريجية متصاعدة، وفقًا للرد الإعلامي والمعلوماتي للعدو.([1])
ويتم استخدام رموز سواء كانت لفظية أو سمعية أو بصرية أو إدراكية خلال عملية بناء الحرب النفسية، وكانت تتم عبر المنشورات التي تكتب باليد خلال العصور الوسطي، خصوصًا فيما عرف بالكفاح الديني؛ حيث استخدمت كافة الأطراف أعدادًا هائلة من المنشورات.([2])
ثم تطورت بصورة واسعة خلال الفترة ما بين الحربين العالميتين، ثم الحرب الباردة؛ حيث اتخذت عدة أشكال مثل الدعاية والشائعة والتسميم السياسي، إضافةً إلى غسل الأدمغة والإرهاب والحروب الاقتصادية، كما أصبحت وسائل الدعاية التقليدية والرقمية ذات فعالية كبيرة في الحروب الحديثة.([3])
وفي العصر الحديث، لم تعد الحروب النفسية مقتصرة على المعارك التي تتم بين الدول، ولكنها امتدت إلى الحروب غير التقليدية، والتي تتم بين الجيوش النظامية والتنظيمات الإرهابية، ومنها على سبيل المثال معركة الموصل، بين القوات العراقية المدعومة بالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتنظيم داعش الإرهابي.
-         أدوات تنظيم داعش في الحرب النفسية
سيطر تنظيم داعش منذ بداية عام 2014 بصورة جغرافية على مناطق واسعة من الأراضي العراقية والسورية، ولم يهتم التنظيم بالجوانب العسكرية فقط، ولكنه عمل على إنشاء ترسانة إعلامية واسعة وكبيرة تمكنه من الترويج لأهدافه وعملياته داخل المدن العراقية.
وفي إطار حربه النفسية، عمل تنظيم داعش على ارتكاب جرائم مروعة للقوات الأمنية والمدنيين وتصويرها، وبالمقابل ارتكبت وسائل الإعلام التابعة للمجتمع حماقات كبيرة، وذلك عندما سوقت لداعش في نشر وبث لقطات من جرائمه، وقضايا النحر والترويع، والأكثر من ذلك تكرارها عبر نشرات إخبارية متعددة ولأيام، دون أن تدرك بأن هذا الأمر يخدم داعش.([4])
وفي حربه النفسية، اعتمد تنظيم داعش على كل من الاستمالات العاطفية، والتي تركز على جوانب نفسية واستثارات داخلية، إضافةً إلى الاستمالات العقلية والمنطقية، والتي تقوم على إقناع المشاهد بالحقائق والبراهين.
وفي سبيل تحقيق ذلك، ركز تنظيم داعش عبر وسائل إعلامه مثل الفرقان والبيان والاعتصام وغيرها على توزيع الأقراص الإلكترونية في شوارع مدينة الموصل العراقية مثلًا، وغيرها من المدن التي يسيطر عليها، وتحتوي هذه الأقراص على عمليات انتحارية، مع دعوة المسلمين للاقتداء بأصحابها، وكان من أبرز المفردات استخدامًا في موضوعات أعداد مجلة دابق باللغتين العربية والإنجليزية هي «الهجرة»، و«الانضمام للتنظيم».([5])
وركز التنظيم بصورة واضحة على الاستمالات العاطفية، ممثلة في اختيار الألفاظ والكني المستخدمة بداخله، مثل أسماء الأشخاص والمؤسسات التابعة له، والتي تحمل دلالة دينية واضحة، إضافةً إلى شعار التنظيم والذي يحمل لفظ الشهادة.
وحاول داعش عبر ذلك إلى استمالة المشاهدين، والتأثير عليهم بصورة عاطفية ونفسية، بما يدفعهم إلى ترك بلادهم والالتحاق بأفراد التنظيم، مع ضرب أمثلة لشخصيات أجنبية تركت بلادها وانتقلت للانضمام لصفوف التنظيم.
ولم تكن المواقع الرقمية الحديثة ببعيدة عن الاستخدام من قبل تنظيم داعش الإرهابي، باعتبارها مسرحًا ملائمًا لجذب وتجنيد الشباب، وذلك عبر ومواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الدردشة، وغيرها من المواقع.
وتتميز الحرب النفسية عبر المواقع الحديثة بأنها لا تناظرية، أي أن تكلفة إنتاجها متدنية نسبيًّا، كما أنها تتميز بالسرعة والمرونة؛ لذا فإن اللجوء إلى التحصن وحده لا يكفي، كما أن أساليب الردع المعروفة لا تكفي، إضافةً إلى أن مخاطرها تتعدى الأهداف العسكرية وحدها.
وركز التنظيم على الهاشتاجات الأكثر تداولًا، عبر العالم العربي في موقع تويتر وفيسبوك؛ حيث يطلب من مناصريه استخدام هذه الهاشتاجات في نشر رسائلهم المكتوبة والمصورة، وشكل داعش ما يعرف بـ«جيش الخلافة الإلكتروني»، وتكمن أهميته في اختراق حسابات المؤسسات المهمة.([6])
ويتضح أن تنظيم داعش الإرهابي لم يترك أي آلية استمالة عاطفية أو عقلية إلا واستخدمها، كما عمل على استغلال كافة الأدوات التكنولوجية الحديثة، مثل الهاشتاجات والألعاب الإلكترونية.
وهدف داعش من ذلك إلى التواصل مع فئة الشباب في الوطن العربي والعالم بأسره بسهولة، وفي الأماكن التي يتواجدون بها، وهي آلية جيدة وفعالة في استهداف الجمهور بصورة دقيقة.
-         القوات الحكومية وحربها النفسية
سعت الدول التي وقعت مناطق جغرافية منها تحت سيطرة داعش إلى الرد على أساليب التنظيم الإرهابي، سواءً كانت عسكرية أو نفسية، مع التركيز على الحرب النفسية بصورة أساسية؛ بهدف الحفاظ على الروح المعنوية للشعب والجنود المقاتلين.
ومع اتخاذ الموقف العراقي في الحرب النفسية داخل معركة الموصل كمثال، نجد أن القوات العراقية اعتمدت بصورة أساسية على المنشورات، والتي يتم إرسالها من الجو للمواطنين في المدن والمحافظات التي يحتلها تنظيم داعش الإرهابي.
وسعت الإدارة العراقية إلى تغيير شكل المنشورات التي تهاجم تنظيم داعش؛ حيث تم دمج رسومات وأشكال بها بصورة واضحة، بهدف جذب الجمهور.
كما ركزت المنشورات على القضايا الوطنية والأمنية والدينية،إضافةً إلى تحديد اتجاه المنشور عبر مضمونه، مثل التأكيد على وقوف المواطنين مع العراق كوطنهم الأول والقوات العسكرية في حربها ضد عصابات داعش.
واهتمت المنشورات باللغة العربية الفصحي، مع الجمع بينها وبين العامية العراقية، حتى تصبح أسهل في الفهم لدى كافة المواطنين مهما اختلفت درجة تعليمهم، مع التركيز على الأساليب اللغوية المناسبة كالنداء والتهكم على العدو.
التركيز على دحض الحرب الإعلامية والنفسية التي يقوم بها تنظيم داعش ضد أهالي الموصل، وذلك عن طريق تعزيز المنشور بصور ذات طابع ديني ووطني وتاريخي، والرد على الشائعات التي يطلقها التنظيم الإرهابي.
واعتمدت الحرب النفسية العراقية على كل من الاستمالات العاطفية، عن طريق توطيد علاقة أبناء الشعب بعضهم البعض، وذكر أن داعش زائل لا محالة، وأن القوات العراقية سوف تطهر المدن منه، والاستمالات العقلانية عن طريق ذكر الحقائق عكس ما يروج داعش، ومواجهة تأثير الخوف والرعب الذي حاول التنظيم الإرهابي بثه في نفوس المواطنين.
ولعبت المنشورات العراقية دورًا بارزًا في إبلاغ المواطنين بخطط الخروج الآمن وكيفية استخدام بطاقات الأمان خلال التوجه مع قوات الأمن، وكلها عوامل لم يكن من الممكن إيصالها للجمهور بصور أخرى.
لذا يتضح أن المعركة العراقية ضد تنظيم داعش لم تكن فقط في الميدان العسكري فقط، ولكنها امتدت إلى الحرب النفسية، ولعب كل منهما على الأدوات التي يبرع في استخدامها، إلا أن الغلبة في الجانب العسكري كانت في نهاية الأمر في صالح القوات العراقية.
 [1] - الشجيري، سهام، توظيف المنشورات الدعائية في الحرب النفسية: دراسة تحليلية للوسائل والأساليب والاستمالات «معارك الموصل إنموذجًا»، مجلة الآداب ع125، كلية الآداب، جامعة بغداد، 2018، ص447.
[2]- محمود، هشام، الرأي العام والدعاية الدولية، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 2010، ص178.
[3] - محمد، فاضل، أساليب تنظيم داعش في الحرب النفسية ضد المجتمع العراقي، مجلة جامعة الأنبار للعلوم الإنسانية، ع1، كلية الإعلام، الجامعة العراقية، ص246.
[4] - شريف، محمد، أساليب الحرب النفسية في ظل تنظيم داعش بين التوازنا الدولية، متاح عبر https://democraticac.de/?p=45746
[5] - محمد، فاضل، مرجع سابق.
[6] - هرمز، مارلين، توظيف وسائل الإعلام الاجتماعي لمصلحة المتطرفين في الحرب النفسية الموجهة إلى المجتمع العراقي، رسالة دكتوراة، كلية الإعلام، جامعة بغداد، 2017، ص150.

شارك