«أرض بلا صاحب».. آليات التحول الجغرافي لـ«داعش» نحو أفريقيا

الأحد 23/فبراير/2020 - 06:38 م
طباعة «أرض بلا صاحب».. محمد يسري
 
لم تخل القارة الأفريقية من الجماعات الإرهابية قبل ظهور تنظيم داعش؛ بل كانت الفصائل المسلحة الموالية لتنظيم «القاعدة» منتشرة في كثير من الدول، سواء شمال أو وسط أو غرب القارة، وظهر «داعش» ليبهر تلك الفصائل بأفعاله في سوريا والعراق، واقترابه من الوصول إلى تأسيس دولته المزعومة.

انبهار ومصالح
وأدى هذا الانبهار بتنظيم «داعش» إلى إعلان الكثير من الفصائل الإرهابية الموالية في الأساس لتنظيم القاعدة، إلى مبايعة أبي بكر البغدادي زعيمه المقتول في أكتوبر 2019 فى غارة أمريكية بطائرة بدون طيار. 
ومن أبرز الفصائل التي انشطرت إلى لقسمين، أحدهما احتفظ بولائه القديم لـ«القاعدة»، والآخر سارع إلى مبايعة «البغدادي» كل من جماعة «بوكو حرام»، وهي إحدى الجماعات القديمة الموالية للقاعدة وأسسها محمد يوسف في نيجيريا عام 2002، وكذلك حركة الشباب الصومالية التي أُسست عام 2004.
ولم يكن من المنطقي (نظريًّا) لدى قيادات التنظيمات الإرهابية الموالية للقاعدة في أفريقيا القبول بمزاحمتهم من قبل خلافة جديدة على الأرض كالخلافة العالمية «المزعومة» التي دعا إليها «داعش»، إلا أن جناحًا كبيرًا من الجماعات الأفريقية الموالية لتنظيم القاعدة، كانت له نظرة أبعد من ذلك، وهي الاستقواء بتنظيم «داعش» والاستفادة من حالة الانبهار التي حققها والتنسيق معه على الأرض، وبالتالي أعلنوا البيعة لـ«البغدادي» كما حدث من حركة الشباب وبوكو حرام، وبالتالي استفاد التنظيم أيضًا من إمكانيات هذا الجناح الذي استطاع ضمه إلى هيكله الواسع في أفريقيا، التي باتت أقرب لأن تكون بديلًا أكثر قوة من دولته في العراق والشام.
وهذا التفاعل والتماهي بين «داعش» والجماعات الإرهابية في أفريقيا يلغي توجه بعض المراقيين إلى أن هذه الحالة من الانبهار يمكن أن تكون في سبيلها إلى التلاشي بعد سقوط التنظيم في معاقله الرئيسية بسوريا والعراق وإعلان انتهائه في مارس 2019. 
ويؤيد ذلك الواقع الذي يعكس خطأ هذا الافتراض في القارة التي زادت بها أعمال العنف؛ رغم الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب في المناطق الأكثر توترًا؛ خاصة في غرب ووسط القارة التي زادت فيها مخاطر الاندماج بين«داعش» و«القاعدة».
ومؤخرًا، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن نحو 150 ألف شخص في جمهورية «بوركينافاسو»، فروا خلال شهر فبراير الجارى، بسبب انعدام الأمن، وأشارت إلى أن عام 2019 شهد نزوح 765 ألف شخص في بوركينا فاسو بسبب تنامي الهجمات الإرهابية خاصة في المناطق الحدودية.
كما كشف تقرير أعدته مجموعة «صوفان جروب» المعنية بشؤون الاستخبارات والأمن الدولى، أن دول ساحل العاج، وبنين، وغانا، وتوجو ستكون المعاقل المحتملة لتمدد تنظيم «داعش» الذى يضرب أفريقيا حاليًا بعد انهيار التنظيم فى سوريا والعراق.
وقال التقرير إن التنظيم يشهد نموًا كبيرًا فى ظل انسحاب القوات الأمريكية من أفريقيا، وضعف قدرات الجيوش الأفريقية على مواجهة المسلحين.

أرض بلا صاحب
بعد سقوط «داعش» في كل من العراق وسوريا، تزايدت عوامل التحول الجغرافي لوتيرة العنف نحو أفريقيا التي تشهد مساحات واسعة منها ما يمكن أن يطلق عليه نموذج (أرض بلا صاحب)، الناتجة عن ظاهرة الدولة الفاشلة أو الضعيفة التي فقدت مؤسساتها السيطرة على أراضيها؛ فأصبحت مهيأة لتنامي جماعات العنف المحلية التي يسهل فيها اجتذاب العناصر العائدة من سوريا والعراق الذين يحملون خبرات عسكرية وتكتيكية عالية تعلموها خلال القتال في الشام والعراق.
ونجحت بعض الجماعات مبكرًا في تحقيق التعاون مع تنظيم «داعش» سواء الاستفادة من مؤيديه على الأرض أو استقطاب العائدين منه كما فعل أبوبكر شيكاو زعيم بوكو حرام الذي أعلن مبايعة «أبوبكر البغدادي» عام 2015، وأعلن وقتها أن جماعته جزء من التنظيم الإرهابي في وسط أفريقيا.

أفرقة الجهاد
ويشير الارتباط بين «داعش» و«القاعدة» في أفريقيا إلى توجه التنظيمين إلى ما يمكن أن نسميه «أفرقة الجهاد» بدلًا من تمركزه في قارة آسيا خلال العقود الماضية، وجعل القارة السمراء مركزًا لعملياتهم، ويؤكد هذا أن تنظيم داعش الإرهابي بدأ يظهر اهتمامه الإعلامي بقارة أفريقيا وخصص صفحات كاملة من أعداده الأخيرة بمجلة النبأ الأسبوعية لنشاطه الإرهابي في أفريقيا.
ويسعى تنظيم «داعش» إلى الاستفادة من خبرات الجماعات الإرهابية في القارة، والتنسيق معها في الاعتماد على التمويل الذاتي من الداخل ، بدلًا من التمويل المركزي في العراق والشام.
وفي 20 نوفمبر 2019 صرح مارشال بيلنجسلي، مساعد وزير الخزانة الأمريكي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، بأن تمويل التنظيم سيتحول على الأرجح من نظام تمويل مركزي في العراق وسوريا إلى نظام موزع بشكل كبير عقب مقتل زعيم التنظيم «أبوبكر البغدادي»، مشيرًا إلى أن «داعش» لا تزال لديه القدرة على الوصول إلى ملايين الدولارات.

شارك