الإخوان في الجزائر .. وتاريخ من محاولات السيطرة على الحكم (1 - 3)

الخميس 19/مارس/2020 - 02:44 م
طباعة الإخوان في الجزائر حسام الحداد وهند الضوي
 
خلال الأشهر الماضية حاولت حركة مجتمع السلم"حمس" الجناح الجزائري للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، برئاسة عبد الرزاق مقري، ان توحي للرأي العام الجزائري والعربي قدرتها على تشكيل "لوبي"ضاغط على السياسة الخارجية للدولة الجزائرية، وهو غير "صحيح" تماما، نظرا لان السياسية الخارجية الجزائرية اقوم على مصالح الدولة الجزائرية بعيدا عن العلاقات "الحزبية" و" الاخوانية" في الاقليم.
ليس هذا فقط بل تحاول الحركة من وقت لآخر الوثوب على السلطة وإيهام الرأي العام العالمي بأنها مسيطرة على الشارع الجزائري فلا  تخف تحركات «إخوان الجزائر» حلم السلطة، وعلى مسار تجربة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس. بينما يرصد  الجيش الجزائري  تحركات «الإخوان»، ويتأهب للتيار الإسلامي، فتتحرك الجماعة داخل الجزائر وعين على السلطة والأخرى على الجيش. وهذا ما اتضح جليا خلال فترة الاحتجاج الشعبي الذي تم تعليفه مؤخرا  
بسبب تفشي وباء كورونا، مقابل إجراءات تهدئة من قبل السلطات وفي مقدمتها إطلاق سراح المعتقلين.
ولا شك أن هناك علاقة وثيقة بين دور جماعة الإخوان الأم في مصر ووجود تنظيم لجماعة الإخوان في الجزائر، وما بين انتشار أفكار التنظيم بالجزائر، فقد تشكلت جماعة الإخوان في الجزائر على يد الوافدين إلى البلاد من مصر وسوريا؛ لذلك من الصعب تحديد تاريخ رسمي للبداية الفعلية لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، غير أن العديد من الباحثين يربطون بين حدث سياسي بارز في تاريخ الجزائر وبين ظهور التنظيم الإخواني بها، هذا الحدث يتمثل في مناقشة ميثاق عام 1976م الذي أظهر للسطح تنظيما ناشئا يسمى "الموحدون"، وقد أصدر بيانا بعنوان: "إلى أين يا بومَدين؟"
 محمد بوسليماني الذي يعد المؤسس الأول لجماعة الإخوان في الجزائر يتحدث عن هذة الفترة قائلا: "في سنة 1975 ظهر ما نسميه في الجزائر بقانون الثورة الزراعية، وسبقه قانون آخر في عام 1971 م يسمى قانون الأسرة، فتحركت الجماعة لتظهر للمجتمع الجزائري الأخطاء وتظهر للمجتمع الجزائري بأن هناك مؤامرة على الأسرة ليست بالطريقة المباشرة، وإنما بالطريقة القانونية، وكان بعد ذلك مباشرة انتخابات الميثاق والدستور، هذا الميثاق والدستور الذي استطعنا أن نكشف أن الذي صنعه والأيادي التي كتبته، والفكر الذي صنع له الحدث لا علاقة له بالإسلام، ولا علاقة له حتى بالجزائر وفيه عناصر من أصل يهودي؛ لأننا حصلنا بعد ذلك على ست رسائل شكر من جون بولسات، أعتقد أنه كان المدير العام لحركة الشباب الشيوعي في أوروبا أو حاجة من هذا القبيل، وكانت له علاقة وطيدة ولا أقول طيبة مع بومدين، فبعثت لبومدين ست رسائل تهنئة على نجاح المواد الدستورية في الجزائر التي عملت على نشر وعلى تكريس الفكر الشيوعي.
 وتابع "وفي هذه الفترة تحركت الحركة ببيان أذكر منه بعض النقاط، منها دعوتنا للشعب الجزائري المسلم إلى رفض نص عريضة الميثاق والتمرد على النظام الحاكم، والمطالبة بتطبيق الإسلام شريعة ومنهاجا.
وتعد مناقشات الميثاق الوطني في الجزائر عام 1976 م أول محطة سياسية في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة هناك، وخاصة الإخوان المسلمين ما بعد الاستقلال، ويبدو أن الرؤى اختلفت بين إطاراتها الأولى في الموقف من الميثاق ومن مناقشته، حيث إن شق من الحركة الإسلامية فضل أسلوب المشاركة الشعبية فيما يتاح من وسائل ومنابر، وذلك من أجل مناقشة بنود الميثاق الوطني وإدخال ما ينبغي من التعديلات والارتقاء بالأسلوب الشعبي، بينما فضل محفوظ نحناح ومن معه أسلوب المعارضة العلنية، التي أدت إلى الإعلان الرمزي عن وجود تنظيم "الموحدون"، والذي هو أقرب إلى تنظيم فرضه البيان من كونه تنظيما موجودا فعلا على أرض الواقع، ذلك أن البيان كان يحتاج إلى توقيع لينسب إلى جهة ما، فإما أن يوقع باسم أفراد، وهذا كانت تحول دونه أسباب أمنية؛ ولذلك لجئوا إلى خيار التوقيع باسم هيئة رمزية سميت "الموحدون" تماهيا مع حركة الموحدين بقيادة المهدي بن تومرت، مؤسس الدولة العريقة في شمال إفريقيا.
وأيا كانت التفسيرات فإن تشكيلة "الموحدون" لم تستمر، إذ سرعان ما تم اعتقال أبرز عناصرها، وعلى رأسهم الشيخ محفوظ نحناح الذي حكم عليه بخمسة عشر سنة سجنا، بعدما لجأ إلى أسلوب استعراضي بقطع أعمدة التلفون في منطقة البليدة تعبيرا عن احتجاج هذا التنظيم الناشئ على إقرار الميثاق الوطني، وكذلك اعتقال الشيخ محمد بوسليماني، وكانت التهم تتراوح بين الإخلال بالأمن العام ومحاولة التدبير للانقلاب وتكوين جماعة محظورة.
 في هذة الفترة كان الشيخ محفوظ نحناح على صلة ببعض الأساتذة المدرسين من جماعة الإخوان المسلمين في البليدة، وقاموا بتزكيته لدى القيادة المركزية لجماعة الإخوان التي بايعها أثناء أداء العمرة نفس السنة التي اعتقل فيها، أي في عام 1976م.
 وإن كان من الصعب توثيق هذه الرواية بشكل دقيق ذلك لكن الباحث الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي المطلع على شئون جماعة الإخوان اعتبر المرحلة الفاصلة في تاريخ الجماعة بين عامى 1973 و1977، وهي مرحلة الفراغ التنظيمي، وأن التحرك الفعلي باتجاه الأقطار من قبل الإخوان بدأت محاولاته الأولى في عام 1977م، عندما كان محفوظ نحناح في السجن.
لكن الثابت أن تنظيم الإخوان المسلمين في الجزائر لم يتحرك بصفة فعلية، إلا بعد إطلاق سراح الشيخين محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني في 1980م بعفو شامل من الرئيس الشاذلي بن جديد. 
وبذلك يمكن القول أن التشكيل الفعلي لجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر تأخر إلى مطلع الثمانينيات، وتحدد بعض المصادر الانطلاقة الرسمية لعمل محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني، تحت مظلة جماعة الإخوان المسلمين -جناح التنظيم الدولي بالتحديد- بعد عودة الشيخ بوسليماني من تونس التي شارك فيها في مؤتمر حركة الاتجاه الإسلامي مطلع الثمانينيات بقيادة الشيخ راشد الغنوشي، وقد انتهز هذا الأخير فرصة وجود ضيوف جزائريين لحضور المؤتمر فعرض عليهم الارتباط الرسمي بتنظيم الإخوان الدولي، ولقي الاستجابة من بعض الحاضرين، من بينهم الشيخ محمد بوسليماني. 
الشيخ محمد بوسليماني نفسه يوثق لهذه المرحلة عندما يقول: "خرجنا من السجن وجدنا أن المد الإسلامي عبارة عن سيل، وأن الحركة الإسلامية أخذت بعدها الشعبي والجماهيري قبل تبلور تنظيم الإخوان المسلمين الجزائري بشكله الذي ظهر به في أواسط الثمانينيات، بفعل أن الرموز التاريخية لجماعة الإخوان في الجزائر (نحناح/ بوسليماني) كانا في السجن طيلة مرحلة المد الأول للتيار الإسلامي، وبفعل أن التنظيم الدولي للإخوان بقيادته المركزية في القاهرة والعملية في سويسرا بقيادة سعيد رمضان لم يأخذ بعده العملي والتنظيمي المستقر إلا مع مطلع الثمانينيات.
وأضاف: "يصر الشيخ عبد الله جاب الله على أنه هو أول من رفع شعار الإخوان المسلمين في الجزائر، وعلى حد تعبيره: "نحن أول من عرف بهذا الاسم ومن سجن بسببه"، وكانت علاقات الشيخ جاب الله وطيدة ببعض الأساتذة الإسلاميين من إخوان سوريا؛ ولذلك عرف في بداياته الدعوية بتبنيه لأطروحة سيد قطب على المستوى الفكري وكتابات سعيد حوى (منظر الإخوان السوريين) على المستوى التنظيمي. لكن بروز خطاب جديد في أواسط الثمانينيات يمثل الإخوان أيضا في وسط الجزائر (ما سمي آنذاك جماعة البليدة) بعد خروج محفوظ نحناح وبوسليماني من السجن أدى إلى حدوث تنافس بين الجناحين. 
في البداية اتجهت جهود الشيخ بوسليماني إلى توحيد الصفوف وجمع جناحي الفكرة الواحدة، للخروج من أزمة الشرعية والتمثيل الرسمي للإخوان في الجزائر، وكان من ثمار هذه الجهود أن حدثت مصاهرة بين الشيخ بوسليماني والشيخ عبد الله جاب الله تمهيدا للمصاهرة التنظيمية، لكن لأسباب هيكلية تتعلق بالأساس بتقسيم الأدوار وتحديد مفهوم "البيعة"، وهل هناك بيعتان في تنظيم واحد؟ والاختلاف حول شروط ومواصفات زعيم التنظيم- لم تتم هذه الوحدة التنظيمية.
وسرعان ما فقد الشيخ جاب الله الحق في التمثيل الرسمي للإخوان المسلمين حتى بعد اتصاله بالقاهرة وطلبه من قيادة التنظيم الدولي للإخوان مراجعة موقفها من الشخص الذي يمثلها في الجزائر، وحسم التنظيم الدولي نهائيا الموقف لصالح محفوظ نحناح في 1985- 1986، وهي الفترة التي أصبح فيها الراحل محفوظ نحناح يتحرك رسميا تحت شعار الإخوان ويدعو لبيعة القيادة المركزية للجماعة في القاهرة.
 ويقول عبد الرحمن سعيدي (نائب رئيس حركة مجتمع السلم المكلف بالدعوة والثقافة والتربية عن تيار الإخوان المسلمين في الجزائر): "الفكر الإخواني كان منتشرا في العالم الإسلامي مع مطلع الأربعينيات، حيث كانت معظم الدول العربية والإسلامية تحت الاحتلال والاستعمار، وكان فكر الإخوان في شقه السياسي يدعو إلى الاستقلال والتحرر من كل سلطان أجنبي، فتواصل الإخوان برؤيتهم الفكرية والسياسية مع مختلف القوى السياسية والثقافية في العالم العربي من منطلق المرجعية الإسلامية، وحسب معلوماتي التاريخية المستندة إلى شهادات لشخصيات في الجزائر وخارجها أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تتواصل بدعمها السياسي والمادي واحتضانها لبعض الشخصيات الثورية الجزائرية، وعلاقاتها المتواصلة مع الحركة الوطنية وجمعية العلماء المسلمين، وكان بعض قادة الحركة الوطنية يجتمعون ويلتقون في المقر العام للإخوان المسلمين في القاهرة، وكان "الفضيل الورتلاني" الذي كان يخلف المرشد حسن البنا في بعض دروسه ويعمل بالتنسيق مع الإخوان في قضايا الأمة الإسلامية، وبعد التواصل الثقافي والتعليمي بين الجزائر ومصر خاصة البعثات العلمية التي كانت تفد على الجزائر بموجب دعم ومساندة استقلال الجزائر، فكان هناك تواصل وتلاقح بين الفكر الإسلامي الإصلاحي الوطني الجزائري الذي كان من رواده ودعاته الشيخ محفوظ نحناح وبقايا قيادات جمعية العلماء المسلمين وعلى رأسهم مالك بن نبي فتعزز الفكر الإخواني في الجزائر بهذا البعد واستطاع الشيخ محفوظ نحناح أن ينشئ حركة الإخوان في الجزائر".

شارك