الإخوان في الجزائر .. وتاريخ من محاولات السيطرة على الحكم (2 – 3)

الجمعة 20/مارس/2020 - 04:42 ص
طباعة الإخوان في الجزائر حسام الحداد وهند الضوي
 
خلال الأشهر الماضية حاولت حركة مجتمع السلم"حمس" الجناح الجزائري للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، برئاسة عبد الرزاق مقري، ان توحي للرأي العام الجزائري والعربي قدرتها على تشكيل "لوبي"ضاغط على السياسة الخارجية للدولة الجزائرية، وهو غير "صحيح" تماما، نظرا لان السياسية الخارجية الجزائرية اقوم على مصالح الدولة الجزائرية بعيدا عن العلاقات "الحزبية" و" الاخوانية" في الاقليم.
ليس هذا فقط بل تحاول الحركة من وقت لآخر الوثوب على السلطة وإيهام الرأي العام العالمي بأنها مسيطرة على الشارع الجزائري فلا  تخف تحركات «إخوان الجزائر» حلم السلطة، وعلى مسار تجربة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس. بينما يرصد  الجيش الجزائري  تحركات «الإخوان»، ويتأهب للتيار الإسلامي، فتتحرك الجماعة داخل الجزائر وعين على السلطة والأخرى على الجيش. وهذا ما اتضح جليا خلال فترة الاحتجاج الشعبي الذي تم تعليفه مؤخرا  
بسبب تفشي وباء كورونا، مقابل إجراءات تهدئة من قبل السلطات وفي مقدمتها إطلاق سراح المعتقلين.
حركة مجتمع السلم
تعتبر حركة مجتمع السلم الذراع السياسي الأبرز للإخوان في الجزائر، وثاني أكبر القوى الإسلامية في الجزائر، التي نشأت كحزب عام ١٩٩١م، بعدما انتقلت الحركة من مرحلة العمل السري الذي بدأ في عام ١٩٦٣م وقوي في السبعينيات، مستندا في مرجعيته إلى منهج جماعة الإخوان المسلمين العالمية تحت راية جمعية الإرشاد والإصلاح، إلى مرحلة العمل العلني في منتصف السبعينيات بمعارضة صريحة وعملية لحكومة هواري بو مدين باسم تنظيم جماعة الموحدين، بقيادة محفوظ نحناح الذي دعا إلى العمل الإصلاحي الإسلامي، وتجنب الصدام مع السلطة محاولاً فتح باب الحوار معها إلى جانب التنسيق مع كافة القوى والفعاليات الإسلامية، تغير وبمقتضى دستور ١٩٩٦م، واستنادا للقانون الخاص بالأحزاب السياسية تغير اسم الحركة ليصبح حركة مجتمع السلم (حمس)، كما غيبت أية إشارة منفردة لمرجعيتها الإسلامية في مشروع برنامجها السياسي الجديد، الذي قدم بعد صدور القانون لتعوض بالثوابت الوطنية كمرجعية فكرية لها.
وشاركت حركة مجتمع السلم في انتخابات عام ١٩٩٧م لتبرز كقوة إسلامية لا يستهان بها تحت قبة البرلمان، فحصلت على ٦٩ مقعداً لتحتل المركز الثاني قبل جبهة التحرير الوطني.
وتصف نفسها بكونها شعبية إصلاحية شاملة، شعارها: العلم والعدل والعمل غير أنه بعد وفاة مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح وتولي الشيخ أبي جرة سلطاني حدث التناحر والانشقاق. 
حركة الدعوة والتغيير
حدث انشقاق في الصف الإخوانى في الجزائر ليخرج الشيخ عبد المجيد المناصرة (والذي أصبح نائب رئيس حركة الدعوة والتغيير)- عن الحركة وكون هو والشيخ مصطفى بلمهدي (رئيس الحركة) حركة الدعوة والتغيير في أبريل عام 2009م.
تعد حركة الدعوة والتغيير الجناح الآخر للإخوان المسلمين في الجزائر، وتمتد عبر مختلف ولايات الجزائر، ولها مجلس شورى وهيئات تتكفل بالملفات الكبرى للدعوة والتربية وقضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين وأقسام تنظيمية تشرف على العمل اليومي لمختلف شئون الحركة التنظيمية والتربوية والاجتماعية والسياسية وقضايا المرأة والشباب والجامعات، وبها الآلاف من الإخوان ويعد عبد المجيد مناصرة هو القيادى الأبرز بالحركة، وقائد سيناريو الخروج على أبي جرة سلطاني زعيم "حمس" بالانحراف، بعد أن اتهمه بالخروج على نهج الشيخ المؤسس للإخوان في الجزائر محفوظ نحناح؛ ليؤكد للجميع على ثقته في الحصول على دعم الجماعة الأم في مصر. 
موقف إخوان مصرمن صراعات اخوان الجزائر:
اختارت جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر ألا تحسم موقفها من حركة مجتمع السلم "حمس"، التي ظلت تمثل جناح الإخوان في الجزائر رسميا منذ أنشائها، وحركة الدعوة والتغيير، ورغم إعلان المرشد العام للجماعة السابق محمد مهدي عاكف إعفاء "حمس" من تمثيل الإخوان لم تتوقف الاتصالات بين الجماعة الأم والحركة، التي انقسمت مؤخرا إلى شطرين بعد صراع طال بين قادتها، ما عكس تضاربا إخوانيا، سواء من قبل مكتب الإرشاد أو من قبل قادة التنظيم الدولي في أوروبا
وإزاء الصراع الذي احتدم بين رئيس الحركة "أبو جرة سلطاني" ونائبه الوزير السابق عبد المجيد مناصرة، وانفلتت معه الأوضاع داخل مجتمع السلم، ولم تُجد محاولات الصلح التي بذلها المرشد العام شخصيا. 
أعلن مهدي عاكف رفع غطاء الإخوان عن أكبر حزب إسلامي في الجزائر، قائلا في تصريحات صحفية إنه بعث برسالة إلى الطرفين يقول فيها: "إنكم الآن لا تمثلون حركة الإخوان المسلمين"، وهو الموقف الذي كرره للصحفي الجزائري (أنور مالك) ؛ حيث قال المرشد العام: "لا يوجد (إخوان مسلمين) في الجزائر"، وإنما حمس جماعة تربت فقط على فكر الإخوان.
 ولكن ظلت الاتصالات قائمة، خاصة في ظل الحرص الشديد الذي أبداه كلا المتسابقين على الفوز بشرعية الإخوان المسلمين: حركة مجتمع السلم بزعامة سلطاني، وحركة الدعوة والتغيير المنشقة عنها بقيادة مناصرة، هذه الشرعية التي تصبح في منظور أعضاء الحركتين لا معنى لها دون تزكية التنظيم الدولي لقيادة الإخوان المسلمين، ما يجعل قادة الحركتين في قلق دائم من أمرهم توجسا من أن ينالها طرف دون الآخر، وقد تحدثت التقارير عن لقاءات محمومة يجريها ممثلون من الجهتين بأطراف نافدة في التنظيم الدولي، إلى جانب اتصالات مع مكتب الإرشاد، خاصة بعدما أبدت شخصيات تاريخية في التنظيم رغبتها في الإسراع بمعالجة الملف.
وفي إطار التحركات التي تقوم بها الأطراف القيادية الفاعلة في "حمس" لكسب ودّ قيادة الإخوان العالمية لم تتوقف الزيارات التي يقوم بها الإخوان الجزائريون لعدد من مدن العالم، أهمها (القاهرة، ولندن، وإستانبول)؛ حيث يراهنون على الدعم المعنوي لمرجعية الإخوان، وكان آخرها الاجتماع الذي حضره رئيس "حمس" وعدد من قادتها -على هامش فاعلية لنصرة القدس أقامها حزب "السعادة" التركي في إستانبول، وحضرها إبراهيم منير الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان، وعدد من قادة الحركة- بالنظر في ملفهم مع المرشد العام للجماعة بعد أن جدد الإخوان ممن حضروا مع منير أملهم في أن تتجاوز الحركة خلافاتها، مؤكدين أنهم يقفون على الحياد ولا يدعمون طرفا على حساب آخر.
التنظيم الدولي وإخوان الجزائر والفشل الذريع
أكد العديد من الخبراء على ضعف القيادة العالمية للإخوان المسلمين إزاء حسم الأزمات الكبيرة، مستدلين بأزمة "حمس"، أرجع آخرون عدم الحسم الإخواني للأوضاع الإخوانية في الجزائر إلى خلافات إخوانية تدور رحاها على جبهتي مكتب الإرشاد والتنظيم الدولي، وهي خلافات نتيجة رواسب قديمة قدم خلافات" حمس" نفسها، أحد أقطابها (إبراهيم منير) أمين عام التنظيم الدولي في لندن، صاحب قرار تجميد انتخابات حمس بعد فوز "أبو جرة سلطاني" برئاسة الحركة في المؤتمر الأخير (أبريل 2008)، وهو القرار الذي قيل: إن منير اتخذه يوم (24 أكتوبر 2008) بالتنسيق مع المشرف العام على الاتصال الخارجي آنذاك الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح دون الرجوع إلى المرشد، وهو القرار الذي اتهم على خلفيته منير بالانحياز لجبهة "مناصرة" الذي كان يرافقه في زيارة إلى باكستان؛ حيث اتخذه بناء على مذكرة أرسلها معارضو أبو جرة سلطاني تتضمن اتهامات بتهميشه مؤسسات الحركة، وتزوير كشوف الناخبين، وتحريضه الطلاب والشباب على التظاهر، والاستعانة بأرباب السوابق المالية، وقد مثل القرار صدمة لسلطاني أرسل على إثرها يستوضح مكتب الإرشاد في القاهرة، الذي لم يكن يعلم عنه شيئا، فصدر القرار بإجماع أعضاء المكتب بإلغاء القرار واستمرار الأوضاع على ما هي عليه.
استغلال القضية الفلسطينية في حل النزاع :
كمال الهلباوي القيادي السابق في التنظيم الدولي، الذي تربطه علاقات جيدة بـ"أبو جرة سلطاني" يرى أنه من الخطأ رفع يد الجماعة عن إخوانها في الجزائر، وقال في تصريح له: إن "الإخوان المسلمين في العالم لا بد أن يشعروا بشيء من الضعف إذا فقدوا الحركة الإسلامية في الجزائر"، مضيفا: "ينبغي أن يكون هناك حل ولا تترك المسائل معلقة وأن قواعد "حمس" يعيشون في اضطراب حول من هو على صواب ومن هو على خطأ؛ لذلك لا بد من حل لهذه المسألة.
 وقد عكس الملتقى السنوي الذي نظمته "حمس" لذكرى رحيل مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح جانبا كبيرا من التسابق بين جناحي الحركة للظهور بمظهر صاحب ثقة الإخوان، وللفوز بلقب "المراقب العام للإخوان المسلمين" في الجزائر، ففي حفل منفصل لكل جناح، سعى ممثلو كل طرف إلى حشد أكبر عدد ممكن من قادة وشخصيات الإخوان المسلمين في العالمين العربي والإسلامي.
وحرص المتصارعون على التقاط الصور، وبدت الاحتفالية أشبه بمظاهرة يستجمع فيها كل طرف قواه وأنصاره، فقد حضر ملتقى "حركة الدعوة والتغيير" التي يتزعمها عبد المجيد مناصرة، الذي فشل في جلب شخصية ذات وزن ثقيل، كل من: محمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وسعيد عرج القيادي في التجمع اليمني للإصلاح، وحمدي المرسي من إخوان مصر، إلى جانب مسئول العلاقات العربية في حزب الله حسن عز الدين، وعضو جبهة العمل الإسلامي زهير الجعيد.
 بينما حضر ملتقى "حمس" التي يتزعمها "أبو جرة سلطاني" كل من: القيادي التاريخي بالتنظيم الدولي كمال الهلباوي، إلى جانب الداعية المصري وجدي غنيم، ونائب الأمين العام للتجمع الموريتاني محمد غلام بن الحاج، وممثل "حماس" في اليمن جمال عيسى، ومثنى الكردستاني القيادي بالاتحاد الإسلامي الكردستاني، الذي أكد في مقابلة مع صحيفة "البلاد" المحسوبة على حمس أن "كل الحركات الإسلامية القُطرية التي تربت في حضن التيار الإخواني تحترم المرجعية الفكرية والتربوية للحركة الإسلامية الأم في مصر، وتحترم بنفس الدرجة رموزها الفكرية وقياداتها"، نافيا وجود سلطة تنظيمية لمكتب الإرشاد على التنظيمات القُطرية، بحيث تتلقى من خلالها هذه التنظيمات أوامره من الخارج.
وأمام إصرار كل طرف في الجزائر على مواقفه من الآخر، إلى جانب حرصه على دعم الجماعة الأم في الخارج، وفي ظل الانشقاق الأخير وما تبعه من تشرذم على مستوى القواعد الإخوانية والأفراد، واستحالة فرض حل تنظيمي أمام هذه الأوضاع يجد "الإخوان المسلمون" أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، خاصة مع ما يمثله الملف من مادة إعلامية لا تكاد تتوقف عن نهش الحركة من آن لآخر، وإزاء ذلك يظل السؤال: "من يمثل الإخوان المسلمين في الجزائر؟" بلا إجابة حتى لدى الإخوان أنفسهم.
علاقة إخوان الجزائر بجبهة الإنقاذ
اتفقت جبهة الإنقاذ كحركة إسلامية سلفية في جوهرها، على نفس الأفكار التى ينادي بها الإخوان بالعودة إلى الإسلام، باعتباره السبيل الوحيد للإصلاح، والقادر على إنقاذ الجزائر مما تعانيه من أزمات اجتماعية، واقتصادية، واستعمار  فكري وثقافي، والمؤهل للحفاظ على شخصية الشعب الجزائري المسلم بعد احتلال دام 132 سنة وترك انعكاسات حضارية عميقة لفّت البلاد كلها بظاهرة التغريب والفَرْنَسة، واتفقوا معهم على تردِّي الأحوال والتحرك لإثارة الضمير الجزائري والاتجاه إلى الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي.
تشاركت مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ قبل تأسيسها  في الجزائر في عام 1989م  في أنشطة دعوية وأحداث وتجمعات إسلامية عُدَّتْ إرهاصات لقيام جبهة الإنقاذ.
وتواكب ظهورها في نهاية السبعينيات بالظهور العلني لشباب الإسلام في الجامعات الجزائرية وغيرها، وتقاسموا العمل الإسلامي المنظم  معها في مدة ما قبل 1988م، وكانوا ثلاث جماعات هي جماعة الإخوان الدوليين بقيادة الشيخ محفوظ نحناح وجماعة الإخوان المحليين بقيادة الشيخ عبد الله جاب الله، وجماعة الطلبة أو جماعة مسجد الجامعة المركزي أو أتباع مالك بن نبي بقيادة الدكتور محمد بوجلخة ثم الشيخ محمد السعيد.
وفي 12 نوفمبر 1982م اجتمع مجموعة من العلماء منهم: الشيخ أحمد سحنون والشيخ عبد اللطيف سلطاني والدكتور عباسي مدني، ووجهوا نداءً من 14 بنداً يطالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، ويشجب تعيين نساء وعناصر مشبوهة في القضاء، ويدعو إلى اعتماد توجه إسلامي للاقتصاد، ويرفض الاختلاط في المؤسسات، ويدين الفساد، ويطالب بإطلاق سراح المعتقلين ويندد بوجود عملاء أعداء للدين في أجهزة الدولة.
وتم تأسيس (رابطة الدعوة) 1989م برئاسة الشيخ أحمد سحنون؛ وذلك لأنه أكبر الأعضاء سنًّا حيث كان عمره 83 عاماً، وكانت الرابطة مظلة للتيارات الإسلامية كلها، ومن بين أعضاء رابطة الدعوة: محفوظ نحناح،  الإخوانى وعباسي مدني، وعبد الله جاب الله، وعلي بلحاج، ومحمد السعيد.
وكان من  أبرز أهداف رابطة الدعوة ما يلي:
ـ إصلاح العقيدة.
ـ الدعوة إلى الأخلاق الإسلامية.
ـ تحسين الاقتصاد المنهار في الجزائر.
ـ النضال على مستوى الفكر.
 وسرعان ما دارت حوارات عديدة في (رابطة الدعوة) كان من نتيجتها بروز تيارات متعددة أهمها: تشكيل (الجبهة الإسلامية الموحدة) التي رفضها محفوظ نحناح، وأسس الإخوان الذين شاركوا الجبهة في تظاهرات الخبز عام 1988م، وخاض الإخوان مع الجبهة الانتخابات البلدية في عام 1990م، وشاركوا في الانتخابات التشريعية لاختيار مجلس الشعب في الجزائر في 26/12/1991م. 
 ليبتعد الإخوان عن الجبهة ويتحالفوا مع النظام الجزائري في الوقت الذي اعتقل  فيه معظم أعضاء جبهة الإنقاذ.

شارك