بلجيكا ورؤى جديدة لمكافحة التطرف والإرهاب

الأحد 12/أبريل/2020 - 12:07 ص
طباعة بلجيكا ورؤى جديدة حسام الحداد
 
يقدم «رؤى من بلجيكا لمكافحة التطرف والإرهاب» الصادر عن مركز المسبار  فبراير 2020 تجربة بلجيكا في مكافحة التطرف؛ لا سيما من داخل السجون، وفي متابعة العائدين من بؤر التوتر. وقصد الكتاب هو نقل هذه التجربة؛ بأقلام خبراء منخرطين في التعاطي مع الملف في بلجيكا. كما ناقش الكتاب؛ تجاهل الأسباب المعقدة للتطرف العنيف.
أشارت التجارب التاريخية الحديثة إلى أن المنضوين في الحركات الإسلاموية في مختلف الدول، أفادوا من السجون من أجل التجنيد، فتحولت إلى حواضن غير مرئية؛ للأشخاص المتطرفين بعيداً عن رقابة الدولة. إلاّ أن الأصعب في هذه القضية الحيوية: أن دولاً أوروبية عدة ومن ضمنها بلجيكا، تواجه معضلة عودة المقاتلين أدراجهم إلى أوروبا، فعلى الرغم من صدور أحكام بالسجن على الفور، ثمة مخاطر مرتفعة بأن يسعى أولئك إلى تجنيد عناصر جديدة داخل السجون، مما يضاعف من القلق الناجم عن هذه الظاهرة العالمية، إذ تظهر بعض الخلاصات أن الجيل الجديد من الإسلاموية؛ العابر للحدود الوطنية، والقارات من العائدين من بؤر التوتر في الشرق الأوسط، تحديداً من تجندوا في تنظيم داعش، هو أكثر عنفاً ودموية وخطورة، إذا ما قورن بالأجيال السابقة من المنتمين إلى الجهاد المعولم.
قدم الكتاب تحليلاً لكيفية تعامل نظام العدالة الجنائية البلجيكي مع مشكلة الإرهاب وتطبيقاته، فتطرق إلى طرائق وأصناف الاحتجاز والإجراءات الأمنية والرقابية داخل السجون، والعقاب على الجرائم الإرهابية كما هو منصوص عليها في القوانين. تقترح الدراسة المعنية في هذا المجال القانوني «أنه ليس من مصلحة لأحد في المجتمع؛ إطلاق سراح شخص متطرف وخطير؛ إذ إن نوع الجرائم التي يرتكبها المتطرفون لا تسمح بأي مغامرة، فليس هناك مصلحة لأحد أن يسجن الشخص دون تقويم وإعادة تأهيل؛ لذلك فمن الضروري والواجب أن تتم عملية التشخيص للسجناء».
تعتمد بلجيكا منذ سنوات على استراتيجية الإدارة المتكاملة لمكافحة التطرف ونزعه، باعتبارها الأسلوب الأمثل لدى الجهات الحكومية وغير الحكومية للتعاون والتشارك لمواجهة الظاهرة الإرهابية، والمقصود بذلك إشراك الجهات الفاعلة والمتعددة التخصصات في البرنامج أو الخطة التي يرجى تطبيقها. في هذا السياق يبين الكتاب الخطة الأنموذجية التي استندت إليها الحكومة داخل السجون ومن بينها: إشراك المجتمعات المحلية وقطاع التعليم والمنظمات الدينية كالمرشدين الدينيين، للوقاية والحد من زيادة تفشي التشدد في صفوف السجناء، إنشاء هياكل فاعلة للتشاور والتنسيق، تحسين الظروف في السجون، العمل على عملية اكتشاف أفضل لظاهرة التطرف، وسياسة تموقع السجين وإنزاله في الجناح المناسب.
من الناحية السيكولوجية، عرض الكتاب للأسباب النفسية الكامنة في نزوع الأفراد نحو الراديكالية -في التجربة البلجيكية- التي يُنظر إليها بوصفها عملية دينامية متجددة تنطوي على مراحل مختلفة؛ وهي ذات بعدٍ يستبطن قدراً متنوعاً من التنوع والتميز. تلاحظ الدراسة المولجة في التحليل النفسي -والتي تركز في قسم كبير منها على العائدين من سوريا- أن السياق الاجتماعي يلعب دوراً جوهرياً، تكون فيه العناصر المؤثرة بمثابة الأساس لتحقيق العدالة، بينما تعد الفردية (المهددات الملموسة للهوية الاجتماعية) وثيقة الصلة. أما التأثيرات الأيديولوجية الناجمة عن قرائن الأحوال؛ ومجريات الظروف السياقية، فهي أيضاً تعلب دوراً في هذا المقام.
وفي سبيل استراتيجية أوسع، أوْلى الكتاب أهمية لأدوار المنصات الإلكترونية في نزع التطرف، متناولاً التجارب الأوروبية ومن بينها التجربة البلجيكية. لقد خرج مُعِدّ الدراسة بجملة من المقترحات للتعلم عن بعد بهدف معالجة التطرف داخل السجون، خصوصاً في ظل عدم توافر الكوادر الكافية القادرة على القيام بالمهمة بشكلها التقليدي، يأتي من بينها: استخدام المواد المسموعة والمرئية، تطوير برامج وقائية إلكترونية، استخدام برامج الذكاء الاصطناعي؛ لتحديد مدى عمق التطرف لدى السجين، واقتراح البرامج التأهيلية.
تناول الكتاب تجربة «كلية مقارنة الأديان والأنسنة في بلجيكا» من أجل ترسيخ التعايش والتسامح من منظور أكاديمي وترجمته اجتماعياً. يدرك المتخصصون في نزع التطرف أن التربية والتعليم يشكلان عاملاً أساسياً في الحد من الراديكالية والعنف الديني، وقد خاضت دول أوروبية عدة -وعلى رأسها بلجيكا- تجارب مهمة في هذا المجال، فصحيح أن الاستجابات الأمنية مهمة، إلاّ أنها غير كافية، بحيث إنها لا تعالج الظروف الكامنة التي تدفع الشباب إلى الانضمام للجماعات والتنظيمات الإرهابية، فنحن نحتاج إلى قوة الإقناع عبر تعليمٍ يتمتع بجودة عالية للتصدي للراديكالية؛ فالتعليم يعد من بين أنجع الإجراءات الوقائية.
تناول الكتاب نماذجَ لتفكير «المناصحين» في الأنموذج البلجيكي، وفهمهم للنصوص التي يحاورون بها المتطرفين، وسعيهم لاستغلال مرونتها، لنزعها عن مسار المتطرفين، الذين يريدون تطبيق أجندتهم المتطرفة والمعادية للدين والدولة والتعددية والعيش المشترك، بإخراجها من سياقها التاريخي.

شارك