الإسلام السياسي بين الخطاب العقائدي ورهان السلطة (2-3)

الأربعاء 20/مايو/2020 - 03:37 ص
طباعة الإسلام السياسي بين حسام الحداد
 
يعد موضوع الإسلام السياسي من الموضوعات الراهنة التي لا زال يشوبها الغموض، ولم تستوف حقها بعد من التحليل والاستقصاء خاصة بعد دخول عديد من الأحزاب ذات التوجه الديني مجال العمل السياسي الرسمي مما بات يطرح عدة تساؤلات حول حقيقتها ومنهجها السياسي ومحاولة استقصاء طبيعتها ومرجعياتها و البحث عن مستقبلها السياسي .
تتناول الباحثة نعيمة كراولي في الفصل الثاني من كتاب "الإسلام السياسي بين الخطاب العقائدي و رهان السلطة مع التركيز على تونس" الصادر عن المركز العربي الديمقراطي – برلين في مايو 2020، السمات الأساسية للإسلام السياسي اذ تؤكد أن  أهم ما يميز تيارات الإسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين هو أنها تتوفر على جملة من الخصائص التي تميزها عن غيرها من التيارات السياسية الأخرى والمتمثلة في " السمع والطاعة والثقة في القيادة، وتقديم الجماعة على الوطن، وكيفية النظر إلى الآخر المختلف، واعتبار كل من يخالف الجماعة “كافرا” أو “مرتدا” فهي كلها سمات حاضرة لدى أغلب هذه التيارات، و هناك ميزة أساسية تميز معظم حركات الإسلام السياسي بشكل عام، وهي “السريّة”، بمعنى أنهم لا يعملون ضمن مجال الحقل السياسي بأجندة سياسية مفتوحة أو واضحة، خلافا لما هو عليه الحال عند أي حزب سياسي أو مدني آخر. كما ينطبق هذا أيضا على “طبيعة” علاقة الحركات الاسلامية مع الأنظمة السياسية العربية وبالدول الغربية كما تتميز بحداثتها، حيث نشأت في كنف الحداثة واستجابة لتحدياتها، و تستند إلى قيم وأيديولوجيات أخرى تتعارض مع هذه المرجعية، أو تعتمد مرجعية من خارجها، حيث كانت هذه الحركات وإلى حد كبير وليدة هذا العالم الجديد. 
ومن سمات الإسلام السياسي تمتعه بالقوة التنظيمية، و هناك سمات أساسية أخرى ميّزت الحضور السياسي للأطراف المتفرعة من جماعة الإخوان في العقود التي سبقت الانتفاضات العربية، أبرزها أنها تمتعت بتراتبية وهيكلية تنظيمية مُحكمة، فرضت درجة عالية من التجانس والتساوق الإيديولوجي والسلوكي على أعضائها . كما كان لديها حضور علني بارز، حتى حين كانت تُحظَر رسميا، وامتلكت شبكات خدمات اجتماعية واسعة ووجود سياسي وإعلامي نافذ . وتبنّت إيديولوجيا وسطية، حددت طبيعة ممارساتها السياسية وعقيدتها الدينية، واعتمدت على مرجعية مروحة من المفكرين والمثقفين، كما شاركت في الانتخابات كلما سنحت لها الفرصة، من اتحادات الطلبة إلى الانتخابات الوطنية و تبلورت معظم معتقدات جماعة الإخوان في ميثاق العمل الإسلامي وهو دستور الجماعة الذي يشمل الأهداف والوسائل المعتمدة واعتبرت العنف الوسيلة الأساسية للتغيير، حيث تعتبر "ان القتال ليس فقط لمن داهمنا في ديارنا واستولى على جزء من أرض الإسلام ولكنه أيضا من يقف بالسيف والسلطان في وجه دعوتنا .
وهنا يؤكد البعض على أنه "إذا نظرنا للممارسات التطبيقية لجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسى الشرعى لجماعة الإخوان المسلمين بعد ثورة 25 يناير لوجدنا فى الغالب اختلاف بيّن بين الممارسة التطبيقية والفعلية لفكر الجماعة والأمثلة على ذلك كثيره منها أنه إذا كانت جماعة تقول أن الشورى هى أساس الوصول للقرارات التى يتخذها الأغلبية، ولكن وجدنا الشورى لا تطبق داخل الجماعة على سبيل المثال أنه عندما ترددت الأنباء عن احتمال حصول منصور حسن رئيس المجلس الاستشارى الذى أنشأ بناء على قرار من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوى فى ديسمبر 2011 على دعم جماعة الإخوان المسلمين له كمرشح لرئاسة الجمهورية بدأت المشاكل تثار فى قواعد الجماعة الشبابية حيث لم يكن لهم علم بهذا القرار. وكذلك تكرر الموقف مع إعلان الجماعة عن ترشيح المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام، وكان تأكيد الشباب أنهم ليس لهم علم بهذا القرار ولذلك أعلنوا أنهم لن يصوتوا لخيرت الشاطر معتبرين هذا القرار كارثة لأنه يخلف وعود الإخوان عن عدم خوض معركة الانتخبات الرئاسية 2012.
ومن هنا تتضح أن الشورى لا تطبق داخل صفوف الجماعة فالقرارات تتخذ فقط من القمة، ولا علاقة للقاعدة بهذه القرارات بل يجب عليهم الموافقة فقط.
ومن صفات الإخوان أن ليس لهم مبادئ ثابة فهم يتلونون وفق مصالحهم الخاصة من ذلك رفض الإخوان المشاركة في اعتصام يوم 25 يناير، حيث أصدروا بيانا يوم 19 يناير يعتبرون فيه أن حسني مبارك هو الأب، وطالبته فقط ببعض الإصلاحات، و نأت عن المشاركة في الاعتصام دون أن تسدّ الباب أمام مشاركة عناصر منها.
وجاء هذا الموقف الأخير نتيجة ضغط شباب الجماعة للمشاركة، وهو الشباب الذي ترك الجماعة بعد رحيل حسني مبارك  لكنها شاركت يوم 28 يناير، أي بعد انتصار الشعب والأخطر هنا هو أن الجماعة باتت تمارس على انها السلطة منذ رحيل حسني مبارك، وأصبحت في صفّ المجلس العسكري وعملت على تشويه الصراع بالتظاهرات، ودخلت في ألاعيب مع المجلس العسكري لصياغة المرحلة الانتقالية.
وبالمثل اتبع الإسلام السياسي في تونس سياسة المراوغة واستغلال التشتت الشعبي بعد الثورة في مئات الأحزاب لكسب التاييد الدولي له من خلال اجتذاب شركاء النهضة الدوليين فالعديد من النقاشات حول الإسلام السياسي في الأوساط السياسية الغربية، تُركّز على ما إذا كانت الحركات الإسلامية مُلتزمة أم لا بالديمقراطية. ويقول مسؤول في حزب النهضة، في معرض اعترافه بتفضيل الشركاء الدوليين
المُفترض للعلمانيين بأن "النهضة ليس لاعبا جيوسياسيا مناسبا.ً وتونس بلد منفتح، فيما النهضة لاعب سياسي انطوائي " إضافة إلى ذلك، ليس ثمة شك في أن البيئة
الإقليمية المُضطربة ونفور بعض دول الخليج العنيف من الإسلام السياسي، ساهما في قرار النهضة بأن يصبح لاعبا سياسيا "طبيعيا" لكن، وفيما قرار التخلّي عن الإسلام السياسي والتركيز حصريا على السياسة الانتخابية والتنافس السياسي ساعدا النهضة على معالجة مختلف الضغوط المحلية والدولية". وتعد الانتخابات التشريعية والرئاسية الطريق الأسهل لوصول الاحزاب الدينية للحكم وأخذ صفة الشرعية حيث تكون الظروف مواتية للفوز، فالمنافسة ضعيفة للأحزاب الناشئة التي لا تمتلك
التجربة اللازمة ولا الدعم الخارجي.
وتستشهد الباحثة بما تناوله الباحث التونسي محمد الحداد " واقع الحركات الإسلامية في المنطقة، ومستقبلها، في ظلّ المستجدّات التي رافقت وصول بعضها للحكم في بلدان "الربيع العربي"، وأكد أنّ مشروع الإسلام السياسي هو اللّادولة والفوضى الاجتماعية، وأنّ دور هذه الحركات كان تخريبيّا،ً ووجودها لن يتواصل إلّا في ظلّ انهيار المجتمعات، وانتشار الفكر القبلي والفوضى الاجتماعية، لأنّها تحمل مشروع
اللّادولة، وحذّر من تفتّت بعض الدول خلال الأعوام العشرة القادمة "
وأكد الحداد أنه " طالما أن الربيع العربي سيظل يتأرجح بين الاستبداد العسكري والاستبداد الديني، فستضيع مبادئ ثورة 25 يناير الأربعة وهي الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وفي ظل وضع ترتفع فيه الأسعار بطريقة رهيبة والغلاء يزداد والرواتب تتجمد، والتفاوت بين الأغنياء والفقراء يشتد، فان ثورة الجياع قادمة، فهؤلاء الذين قاموا تلقائيا بشرعية ميدان التحرير في 25
يناير 2011 وسئموا من كلام السياسيين والعسكريين، سيقومون يوما لاسترداد حقهم بأيديهم. المهم أن لا نكرر التجربة ويقع تيار واحد من جديد فوق السلطة، فوق الثورة الثالثة، فوق ثورة الجياع ويستبد من جديد باسم الأمن والاستقرار في الدولة أو باسم الحاكمية لله. أعتقد أن الناس تعلمو ا وهم شعوريا ينتظرون بارقة أمل جديدة.

شارك