اعتزال "مورو" للعمل السياسي يزيد من ديكتاتورية "الغنوشي" داخل "النهضة"

الخميس 28/مايو/2020 - 09:29 ص
طباعة اعتزال مورو للعمل هاني دانيال
 
خاص – بوابة الحركات الإسلامية
تتعرض حركة النهضة فى تونس لكثير من الأزمات خلال الفترة الأخيرة، وتواجه انتقادات داخلية بعدم القدرة على مسايرة الواقع السياسي، ورغم تصدرها للمشهد السياسي فى تونس، إلا أن النتائج مخيبة لتوقعات المواطنين، وهو ما جعل المشكلات تضرب الحركة بشكل مستمر، حتى أعلن  عبد الفتاح مورو الذي يعد واحدا من أكبر القيادات لها والمؤسسين لها بالاستقالة من الحركة واعتزال العمل السياسي
مورو نائب رئيس حركة النهضة كان مرشحها في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، فوجيء الرأى العام التونسي  بقراره الأخير، والانسحاب من العمل السياسي والتحول إلى أمور اخرى لها علاقة بالشأن العام، والاكتفاء بمزاولة مهنة المحاماة.
اعتزال مورو للعمل
قرار مورو يراه بعض الخبراء والمحللين يكشف حالة التصدع داخل الحركة، التي تعيش خلافات غير مسبوقة، خاصة وأنها تأتي بعد أسابيع من استقالة القيادي عبد الحميد الجلاصي، احتجاجا على ديكتاتورية راشد الغنوشي رئيس الحركة النهضة، والانفراد باتخاذ عدد من القرارات وتجاهل قيادات الحركة، وخاصة الشخصيات المؤسسة لها والأكثر أقدمية.
الخبراء يرون أن الحركة مقبلة على مزيد من التحديات خلال الفترة القادمة، وغير معروف هل هى مناورة من الغنوشي للتخلص من كل قيادات الحركة القديمة، أم محاولة لاختراق المجتمع التونسي من خلال تأسيس حركات وأحزاب جديدة من قبل الشخصيات المستبعدة من النهضة، وبالتالي جذب مزيد من المتعاطفين معهم والرافضين للنهضة، وهو ما يعني إضعاف الأحزاب والحركات الآخري من قوة غير قليلة بالمجتمع التونسي. 
بينما يري المحللين أن اعتزال مورو للعمل السياسي أمرا متوقعا، خاصة وأن الحركة قامت بتهميش دوره فى الفترة الأخيرة، ولم يعد له أى نفوذ داخل أو خارج الحركة، وأن قراره باعتزال العمل السياسي شسء متوقع ومقبول، فى ضوء عدم قدرته على تغيير كثيرا من الأفكار أو فرض مواقفه على الحركة، وهو ما يعني تراجعا من مورو وتقدما لتيار الغنوشي، الذى أصبح يسطير وبقوة على الحركة ويفرض ما يريد بمواقفه الديكتاتورية، ومنع أى محاولة من القيادات أو الشخصيات المعارضة له بتحقيق أفكارها.  
الغريب فى الأمر أنه بالرغم من ترشيح مورو فى سباق الانتخابات الرئاسية، بعد أن كان رئيسا مؤقتا لمجلس النواب، واختياره مرشحا للحركة  بأغلبية أصوات مجلس شورى الحركة، طفت الخلافات الداخلية للحركة خاصة وأن الغنوشي لم يكن مرحبا بترشيح مورو وفضل التعاون مع مرشح من خارج الحركة حفاظا على صورتها أمام الناخب التونسي، إلا أن مورو لم يحظ بثقة الناخبين، واضطرار الحركة للتنسيق فيما بعد مع الدكتور قيس سعيد الذى أصبح رئيسا خلفا للراحل الباجى قايد السبسي.
ورغم تولى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي مقعد رئيس مجلس النواب بعد نجاح حركته فى تصدر الانتخابات النيابية، إلا أن الأنظار  نحو الحركة يملؤها الحذر والترقب لما تقوم به، حتى قام الغنوشي بحل المكتب التنفيذي للحركة في بداية مايو الجاري، وهو اعتبره الخبراء والمحللين بداية لظهور ديكتاتورية الغنوشي التى حاول اخفائها خلال الفترة الماضية، والظهور بالوجه المنفتح على كل التيارات السياسية والفكرية بالبلاد.
كانت خطة الغنوشي معروفة من قبل، وهو ما ظهرت بشائرها مبكرا للتنسيق مع رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، من خلال إبرام صفقة تسمح له بخوض الانتخابات النيابية تضمن له رئاسة البرلمان، وأعدت لجان الحركة ملفا متكاملا بإمكانية التنسيق مع الشاهد، ولكن نجاح مورو فى الحصول على أغلبية الحركة والترشح فى منصب الرئاسة، جعل الغنوشي يغير من استراتيجيته بحيث سعي للتنسيق مع قيس سعيد مبكرا، وتمكن من الحصول على أغلبية المقاعد النيابية، والوصول لكرسي رئيس مجلس النواب، حتى حانت اللحظة للتخلص من كل المعارضين له داخل المكتب التنفيذي وإعادة تشكيل الحركة بما يسمح له ببسط نفوذ الكامل مستقبلا، واختيار خليفته كما يريد، وتهميش كل الشخصيات التى لا تسمح له بتحقيق مخططاته ومناوراته.
يري محللون أن الصراعات داخل حركة النهضة ليست جديدة، ولكنها تعود إلى   مؤتمرها العاشر عام 2016 ، ولكنها فى 2020 ظهرت وبقوة خاصة وأنه وفقا للنظام الداخلي للحركة لابد من اختيار خليفة لمؤسسها راشد الغنوشي، بالرغم من محاولات تعديل نظامها الداخلي للابقاء على وجود الغنوشي، وتأجيل عملية اختيار بديل له للمؤتمر ما بعد القادم  فى 2024، وهو ما يكشف ازدواجية خطاب النهضة والحركات الإسلامية التى تطالب بالديموقراطية والحريات، ولكنها لا تلتزم بهذه المباديء، وأول التيارات التى تضرب بهذه المباديء بعرض الحائط.  
ونتيجة لهذه الخلافات ظهرت مجموعة أطلقت على نفسها "الوحدة والتجديد" تضم قيادات أساسية في الحركة منها عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى ونور الدين العرباوي مسؤول المكتب السياسي ومحسن النويشي مسؤول مكتب الانتخابات وآخرين ، وأصدرت نصا داخليا يشيد بالدور الريادي لحركة النهضة ولزعيمها راشد الغنوشي، ولكنها دعت فى نفس الوقت إلى  انجاز الانتقال القيادي  من الغنوشي إلى قيادة جديدة.
قدمت المجموعة نفسها باعتبارها الضامن لتجديد الحركة بشكل ينسجم مع اختيارات رئيس الحركة ويستمر في الانصياع له وتأييده داخل التنظيم وخارجه، بل ويعمل على إنجاح المهام السياسية العامة لراشد الغنوشي اليوم كرئيس لمجلس نواب الشعب، وهو ما يعني تحكم الغنوشي فى قرارات الحركة حتى ولو تم اختيار خليفة له. 
ونظرا لوجود صهر الغنوشي رفيق عبد السلام فى هذه المجموعة، يضمن الولاء الشخصي والسياسي للقيادة الجديدة التي ستحظى بتزكية من الرئيس المؤسس، وهو ما اعتبره البعض مناورة من الغنوشي للوجود فى الحركة حتى ولو تم إجباره علىا لخروج منها والالتزام بالنظام الداخلي لها.  
حتى الآن الرؤية غير واضحة مع انسحاب مورو، وتحكم الغنوشي فى الشخصيات القريبة منه، ولم تعد قرارات النهضة تتماشي كما كان أنصارها يتوقعون، لذا الأنظار تتوجه حاليا لمعرفة المناورة الجديدة للغنوشي، وما يسعي لفرضه تحت ستار الديموقراطية، فى الوقت الذى تعانى فيه الأحزاب والحركات السياسية الآخري من انقسامات داخلية، تسمح للنهضة بالوصول إلى الحكم حتى ولو كانت فى أضعاف حالتها الداخلية.

شارك