ترامب وحركة "أنتيفا".. والاحتجاجات الأمريكية

الإثنين 01/يونيو/2020 - 12:24 ص
طباعة ترامب وحركة أنتيفا.. حسام الحداد
 

عقب وفاة جورج فلويد، انتشرت الاحتجاجات وأحداث الشغب والتخريب في أنحاء الولايات المتحدة وألقى مسؤولين باللائمة في الطبيعة العنيفة لبعض التظاهرات على أعضاء حركة "أنتيفا". 

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تغريدة، الأحد، إن حركة "أنتيفا" منظمة إرهابية قادت "المخربين"، في إشارة للاحتجاجات الواسعة على مقتل فلويد، مضيفا: "سنصنف حركة أنتيفا منظمة إرهابية".

وكان ترامب قال، في مركز كنيدي للفضاء السبت، إن "أعمال العنف والتخريب" التي تشهدها البلاد "تقودها أنتيفا وجماعات يسارية متطرفة أخرى تروع الأبرياء وتدمر الوظائف وتضر بالأعمال وتحرق الشركات والبنايات".

وردد مستشار الأمن القومي، روبرت أوبراين تعليقات ترامب في برنامج "حالة الاتحاد" على شبكة "سي إن إن" الأحد، قائلاً إن العنف "مدفوع من قبل أنتيفا".

وفي تقرير نشرته شبكة "سي إن إن"، الأحد ٣١ مايو ٢٠٢٠، قالت إنه لا توجد حتى الآن أدلة على أن الجماعة متورطة في الاحتجاجات الأخيرة، لكن هذا لا ينفي أن أعضائها أصبحوا أكثر ظهورا في السنوات الماضية.

ماهي " أنتيفا"؟

أنتيفا اختصار لمصطلح "anti-fascists"، ويعني "مناهضو الفاشية"، ويستخدم لتعريف مجموعة واسعة من الأشخاص الذين تميل معتقداتهم السياسية نحو اليسار -غالبًا أقصى اليسار- ولكنها لا تتوافق مع برنامج الحزب الديمقراطي.

وتنشط الحركة أثناء الصراعات السياسية سواء في الإنترنت أو في الأماكن العامة، ويقومون باستخدام وسائل عنف كثيرة سواء تدمير الممتلكات والضرب والتحرش بمعارضيهم من الذين يصفونهم بالعنصريين والفاشيين أو يمينيين متطرفين. هؤلاء المحتجين أيضاً معارضون للرأسمالية ويعتنق أغلبهم الأفكار الشيوعية والاشتراكية واللاسلطوية مع بعض الأفكار الليبرالية. ويتميزون بلبس اللون الأسود وبإخفاء وجوههم كملثمين. إزداد نفوذهم واحتجاجاتهم بعد إعلان دونالد ترامب ترشحه للرئاسة الأمريكية وبعد فوزه بمنصب الرئاسة، إقترح دونالد ترامب مؤخراً تصنيفهم كجماعة إرهابية.

تاريخ الحركة:

عندما نجح الدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني في توحيد السلطة في ظل حزبه الوطني الفاشي في منتصف عشرينيات القرن العشرين، ظهرت حركة معادية للفاشية في إيطاليا وبلدان مثل الولايات المتحدة. كان العديد من الزعماء المناهضين للفاشية في الولايات المتحدة من النقابيين، واللاسلطويين، والاشتراكيين المهاجرين من إيطاليا من ذوي الخبرة في تنظيم العمل والنضال القتالي. من الناحية الإيديولوجية، تعتبر حركة أنتيفا نفسها خليفة النشطاء المناهضين للنازية في ثلاثينيات القرن العشرين، فقد عادت الجماعات الناشطة الأوروبية، والتي نُظمت في الأساس لمعارضة الدكتاتوريات الفاشية في أثناء الحرب العالمية الثانية، إلى الظهور في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، من أجل معارضة سيادة البيض وحركة حليقي الرؤوس، ثم انتشرت في نهاية المطاف إلى أميركا. بعد الحرب العالمية الثانية، وقبل نشوء حركة أنتيفا المناهضة للفاشية، تواصلت بين الحين والآخر المواجهات العنيفة مع العناصر الفاشية.

من الممكن إرجاع سياسات حركة أنتيفا الحديثة إلى معارضة اختراق حليقي رؤوس القوة البيضاء لفرق البانك روك البريطانية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وإلى ظهور النازية الجديدة في ألمانيا في أعقاب سقوط جدار برلين. في ألمانيا، جدد اليساريون الشباب، بمن فيهم الأناركيون وأنصار فرقة البانك، ممارسة مناهضة الفاشية على مستوى الشوارع. يكتب الكاتب بيتر بينارت أنه «في أواخر ثمانينات القرن العشرين، بدأ أنصار فرقة البانك اليساريون في الولايات المتحدة يحذون حذوهم، على الرغم من أنهم أطلقوا على جماعاتهم اسم حركة مناهضة العنصرية (إيه آر إيه) بناء على نظرية مفادها أن الأمريكيين أكثر دراية بمكافحة العنصرية من مكافحة الفاشية».

وصف مارك براي، مؤرخ بكلية دارتموث ومؤلف كتاب أنتيفا: دليل مناهضة الفاشية، حركة مناهضة العنصرية (إيه آر إيه) باعتبارها سلفًا لجماعة أنتيفا الأمريكية الحديثة في الولايات المتحدة وكندا. في أواخر ثمانينات وتسعينيات القرن العشرين، قام نشطاء حركة مناهضة العنصرية (إيه آر إيه) بجولات مع فرق البانك وحليقي الرأس الشعبية من أجل منع أنصار كو كلوكس كلان والنازيين الجدد وغيرهم من أنصار سيادة العرق الأبيض من الحشد والتجنيد. كان شعارهم «نذهب حيث يذهبون»، وهو ما يعني أنهم سوف يواجهون نشطاء اليمين المتطرف في حفلات موسيقية ويزيلون موادهم وأغراضهم بنشاط من الأماكن العامة. في سنة 2002، عطلت حركة مناهضة العنصرية (إيه آر إيه) خطابًا في بنسلفانيا ألقاه ماثيو إف. هيل، رئيس مجموعة كنيسة الخالق العالمية لسيادة العرق الأبيض، ما أدى إلى حدوث شجار واعتقال خمسة وعشرين شخصًا. كانت أنتيفا روز سيتي، التي تشكّلت في بورتلاند، أوريغون، سنة 2007، إحدى أقدم جماعات أنتيفا في الولايات المتحدة.

توجد مجموعات أنتيفا أخرى في الولايات المتحدة لها أصول أخرى، على سبيل المثال في مدينة منيابولس بولاية مينيسوتا، حيث تشكلت مجموعة تُدعى بالديز في عام 1987 بقصد محاربة جماعات النازيين الجدد على نحو مباشر.

وربما يكون من الصعب تحديد مواقف "أنتيفا"، لكن العديد من أعضائها يدعمون السكان المضطهدين ويحتجون على تكديس الشركات والنخب للثروة، ويستخدم بعضهم أساليب متطرفة أو مسلحة لتوصيل رسالتهم.

يقول سكوت كرو، منسق "أنتيفا" السابق، إن "المبادئ المتطرفة" التي روجت لها الحركة بدأ الليبراليون في تبنيها.

وأضاف: "كان من المستحيل أن يفكروا في (تلك المبادئ) من قبل، لأنهم رأوا فينا العدو بقدر ما كانوا يرون اليمينيين".

ولا يندرج غالبية أعضاء "أنتيفا" تحت الصورة النمطية، ومنذ انتخاب الرئيس ترامب، فإن معظم أعضائها الجدد من الناخبين الشباب.

كيف بدأت المجموعة؟

الأصول الدقيقة للجماعة غير معروفة، ولكن يمكن تتبعها إلى ألمانيا النازية وجماعة "مناهضة للفاشية"، وهي مجموعة مسلحة تأسست في الثمانينيات في المملكة المتحدة.

يقول بريان ليفين، مدير مركز دراسة الكراهية والتطرف في جامعة ولاية كاليفورنيا في سان برناردينو، إن أعضاء "أنتيفا" المعاصرين أصبحوا أكثر نشاطًا في التعريف بأنفسهم في التجمعات العامة، وصفوف الحركة التقدمية.

وأضاف: "ما يحاولون القيام به الآن ليس فقط أن يصبحوا بارزين من خلال العنف في هذه المسيرات الهامة، ولكن أيضًا التواصل من خلال اجتماعات صغيرة ومن خلال التواصل الاجتماعي لتشجيع التقدميين المحرومين من حقوقهم الذين كانوا حتى الآن مسالمين".

أين يحتجون؟

وشوهد أعضاء الحركة يشاركون في الأحداث اليمينية والفعاليات البارزة في جميع أنحاء البلاد.

وفي أغسطس 2017، ظهر أعضاء المجموعة في شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، لإدانة العنصرية ومواجهة الاحتجاجات ضد المئات من القوميين البيض المعارضين لإزالة تمثال القائد العسكري الأمريكي روبرت إدوارد لي (1807-1870).

في وقت سابق من ذلك العام، احتجت على ظهور ميلو يانوبولوس، وهو عنصر استفزازي من اليمين البديل، في جامعة كاليفورنيا، واحتجوا أيضًا على تنصيب الرئيس دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني 2017.

في حين يصعب التمييز بين النشطاء من أعضاء "أنتيفا" والمتظاهرين الآخرين، لكن البعض يرتدي ملابس سوداء من الرأس إلى أخمص القدمين، ويطلق الأعضاء على هذا الزي اسم "الكتلة السوداء"، كما أنهم يرتدون أقنعة لإخفاء هوياتهم عن الشرطة وأيا كان من يحتجون ضده.

ومن المعروف عن الجماعة أنها تلحق أضرارا بالممتلكات أثناء الاحتجاجات، ففي بيركلي بولاية كاليفورنيا، ألقى محتجون يرتدون أقنعة سوداء قنابل مولوتوف وحطموا النوافذ في مركز اتحاد الطلاب.

وعن هذا يقول كرو، الذي شارك مع "أنتيفا" منذ ما يقرب من 30 عامًا، إن الأعضاء يستخدمون العنف كوسيلة للدفاع عن النفس ويعتقدون أن تدمير الممتلكات لا يعادل العنف.

من جانبه، قال ليفين إن نشطاء "أنتيفا" يشعرون بالحاجة إلى المشاركة في العنف لأنهم "يعتقدون أن النخب تسيطر على الحكومة ووسائل الإعلام. لذا عليهم أن يدلوا ببيان مباشر ضد الأشخاص الذين يعتبرونهم عنصريين".

ويندد القوميون البيض وغيرهم من أعضاء ما يسمى اليمين البديل بأعضاء "أنتيفا"، وأطلقوا عليهم أحيانًا اسم "اليسار البديل".

وزعم العديد من القوميين البيض الذين شاركوا في مسيرات شارلوتسفيل أن جماعة "أنتيفا" هي التي قادت الاحتجاجات إلى العنف.

وواصل محتجون في عدة مدن وولايات أمريكية التنفيس عن غضبهم إزاء وفاة رجل من أصحاب البشرة السمراء أعزل في مينيابوليس بولاية مينيسوتا يدعى جورج فلويد بعد أن ظهر في مقطع فيديو وهو يجد صعوبة في التنفس بينما كان رجل شرطة أبيض جاثيا على رقبته.

وقال الحرس الوطني الأمريكي، إنه دفع، منذ صباح الأحد، بـ5 آلاف جندي لاحتواء التوترات في 15 ولاية وواشنطن العاصمة بعد مقتل جورج فلويد.

وأضاف الحرس الوطني الأمريكي، في بيان له، أنه وضع ألفي جندي إضافيين في وضع الاستعداد للمساعدة في احتواء الاضطرابات بعد مقتل فلويد.

شارك