دراسة جديدة تتحدث عن: ملامح وتحديات تنظيم داعش في موزمبيق

الأربعاء 02/سبتمبر/2020 - 05:34 ص
طباعة دراسة جديدة تتحدث حسام الحداد
 
أثار خبر سيطرة إحدى الجماعات المسلحة التي انضمَّت حديثًا لتنظيم داعش، ميناء "موسيمبوا دا برايا" الاستراتيجي في موزمبيق يوم 12 أغسطس 2020م، حفيظة الباحثين والمهتمين بحركات الإسلام السياسي ومدى توغل هذه الجماعات في القارة السمراء، مما جعل الأقلام البحثية تتبارى في قراءة المشهد، وفي هذا السايق قدمت الباحثة في العلوم السياسية زينب مصطفى رويحه، دراسة بعنوان " داعش في موزمبيق.. الملامح والتحديات" نشرتها مجلة قراءات أفريقية 1 سبتمبر 2020، وتتناول الدراسة نشأة الجماعة الإسلامية في موزمبيق، وأهم القادة وكذلك كيف تصاعد العنف و دوافع الاستقطاب.
وعن نشأة التنظيم تقول الباحثة: في عام 2015م، شكَّل مجموعة من الشُّبَّان غير المتعلمين والمهمَّشين، في مقاطعة "كابو ديلغادو" ذات الأغلبية المسلمة، مجموعات صغيرة، وبدأوا في تنظيم أنفسهم بصورةٍ بدائيةٍ؛ نتيجةً للمظالم التي وقعت عليهم، وقد أطلق السّكان المحليون على هذه المجموعات اسم "الشَّباب"؛ نظرًا لأن معظمهم من صغار السّنّ، وسعت هذه الخلايا الصغيرة للبحث عن أسلحة وتدريب عسكري وتوجيه ديني في الخارج.
وقد وجد أباطرة التهريب المحليون في هؤلاء الشُّبان فرصةً لدعم أعمالهم؛ فقاموا بدمج شبكاتهم ودفعوا لهم المال لمساعدتهم.
ويُمثّل كلٌّ من "نور أدرمان" و"جعفر علوي"([2])، أهم العناصر التي قامت بتشكيل التنظيم؛ حيث اتبعت منهجية التقرُّب من المواطنين؛ من خلال التجوُّل في الأحياء المحليَّة، والاحتكاك المباشر بالأفراد، وجَذْبهم لحضور الندوات واللقاءات التي تُنظّمها الجماعة؛ بهدف توسيع انتشار التنظيم، وضمّ العناصر التي تساعدهم في تحقيق أهداف الجماعة، وبالتدريج زادَ نفوذها، وأصبحت أكثر عنفًا؛ من خلال الاشتباك مع عناصر الشرطة، والقيام بعمليات مُسلَّحة في مختلف القطاعات، وتأليب المواطنين ضد السلطات الحكومية.
كما يُعتبر "مصطفى سوال ماتشينجا" من العناصر البارزة في التنظيم، وهو من قرية "ليتينجينا" ضمن مقاطعة "كابو ديلجادو"، ويحظى بدعمٍ واسعٍ داخل التنظيم، وانطلاقًا من خلفيته العسكرية، حيث كان عضوًا في القوات المسلحة؛ عَمِلَ على تدريب وتجنيد الشباب المنضمّين إلى الجماعة؛ لتأهيلهم للقيام بالعمليات المسلحة([3]).
ويعلن أعضاء التنظيم تبنّيهم لأفكار تُظْهِرهم بالمدافعين عن تطبيق الشريعة الإسلامية، ويحرصون على تأكيد سَعْيهم لاستبدال المؤسسات الحكومية بهياكل قائمة على الشريعة، ومحاربة أفكار العلمانية، وعدم الالتزام بالقانون، وتوجيه الأطفال لعدم الذهاب إلى المدارس الحكومية، وهو نفس المنهج الذي تتبناه حركة بوكو حرام في الغرب الإفريقي.
ويركّز التنظيم على اجتذاب العناصر الشَّابَّة القادرة على تحقيق مقاصدهم، خاصة الهجمات المسلحة، وأغلبهم من قبيلة الكيمواني؛ حيث يتم استهداف تجنيد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20–35 عامًا، الذين يعانون من مستويات بطالة مرتفعة، وأيضًا الشباب الذين يعملون في مجال التهريب والتجارة غير المشروعة عبر ساحل ميناء ميكمبو دي برايا للاستفادة من خبراتهم في عمليات الجريمة المنظَّمة لجلب التمويل الكافي للتنظيم([4]).
واهتمَّت الجماعة بتشكيل جبهة قتالية تُمثّل الذراع العسكري للتنظيم وتُمَكِّنه من تنفيذ العمليات الهجومية، وعملت على تسليح الشباب وتدريبهم على أعمال القتال في تنزانيا والصومال والبحيرات العظمى، وشكَّلت معسكرات في مقاطعات كابو ديلجادو في ميكمبو دي برايا "Mocimboa da Praia" وماكوميا "Macomia" ومونيبويز ""Montepuez.
وتسعى الجماعة إلى السيطرة على المنطقة الشمالية الحدودية بين موزمبيق وتنزانيا، وتكوين دولة خاصة بها؛ بحيث تصبح امتدادًا آخر لتنظيم داعش في شرق إفريقيا.
وتعتمد الجماعة طرقًا غير مشروعة لتأمين احتياجات التنظيم؛ من حيث شراء المعدات العسكرية والأجهزة التي تساعد في دعم نشاطها؛ من خلال الاتّجار في الثروات الطبيعية التي تتمتع بها المنطقة على سبيل المثال "الياقوت والأخشاب"، وأيضًا من خلال عمليات التهريب وغيرها عبر الساحل بالتعاون مع جماعات الجريمة المنظَّمة([5]).
وتتَّبع نفس منهجية داعش من حيث مهاجمة المسيحيين؛ ففي أبريل 2020م، قامت بعمليات حرق في عدد من القرى المسيحية، وفي يوليو حاولوا تدمير إحدى أقدم الكنائس الرومانية الكاثوليكية في كابو ديلجادو كنيسة "قلب يسوع الأقدس الواقع في نانغولولو"، إلى جانب عدد من الأديرة.
وعن سقوط الميناء تقول الباحثة: خلال السنوات الأخيرة، تم اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي بالقرب من منطقة "كابو ديلجادو"؛ حيث يُمثّل "حوض روفوما" منطقة غنيَّة في مجال الطاقة، وعلى ذلك عقدت الحكومة شراكةً مع كلّ من الشركة الإيطالية ENI والشركة البريطانية "بريتيش بتروليوم" بعقد يستمر 20 عامًا؛ حيث يهدف المشروع إلى إنتاج ما يبلغ قيمته 1.5 مليار دولار من الغاز سنويًّا بحلول عام 2022م؛ أي: تُمثّل قيمة المشروع 60 مليار دولار، وهو ما يضع موزمبيق على الخريطة العالمية لإنتاج الغاز الطبيعي المسال.
وفي هذا السياق، اهتمت شركة "توتال" بتطوير البنية التحتية الخاصة بالمنطقة المحيطة؛ لتعزيز نقل الغاز إلى خارج إفريقيا، وهو ما دفَعها إلى تطوير ميناء "ميكيمبو دي برايا"؛ حيث يقع الميناء على بعد 60كم من مشروع تسييل الغاز؛ أي: يُمثّل المَعْبَر الوحيد للمشروع، كما يتمتع الميناء بتاريخ طويل من التجارة مع مختلف دول إفريقيا.
ويُعتبر الساحل المركز الرئيسي لمافيا الجريمة المنظمة؛ حيث يستخدم في عمليات التهريب خاصة الثروات الطبيعية، على سبيل المثال، العاج والأخشاب والهيروين والياقوت، وبالتالي فإن استهداف ساحل ميناء ميكيمو دي برايا يرجع إلى القيمة الاستراتيجية للمنطقة، وأنها تُشَكِّل مركزًا مهمًّا في البنية الاقتصادية للدولة.
وعلى ذلك، وجَّهت الجماعة جهودها نحو الميناء لاستغلاله في جلب التمويل اللازم لنشاطاتها، وفي مارس 2020م هاجمت الميناء، واستطاعت السيطرة عليه، ولكن استطاعت الدولة استعادته، ثم كررت هجومها مرة أخرى في أغسطس 2020م، وأعلنت سقوط الميناء بعد قتال طويل مع قوات الجيش، أسفر عن سقوط عددٍ من الجنود، وانسحاب قوات الجيش بعد نفاذ الذخيرة، وأعلن تنظيم داعش عبر قنواته الإعلامية أنه سيطر على قاعدتين عسكريتين في محيط موكيمبوا دا برايا.
وعن العلاقة بتنظيم داعش تقول الباحثة: في يناير 2018م، أعلنت الجماعة من خلال مقطع فيديو مصوّر انضمامها لتنظيم داعش على غرار جماعة "بوكو حرام"، وتم الاعتراف بها مِن قِبَل التنظيم في أبريل 2019م، ومن هنا صارت تُمثّل امتدادًا للتنظيم بوسط إفريقيا بجانب جماعة "قوات الحلفاء الديمقراطية" في الكونغو الديمقراطية ولاية داعش بوسط إفريقيا.
وفي مارس 2020م، أعلن تنظيم داعش سيطرته على منطقة "كيسينجا"، إلى جانب مسؤوليته عن العمليات الإرهابية التي ضربت "كابو ديلجادو"، كما أعلن سيطرته على ميناء ميكيمبو دي برايا بعد قتال عناصره مع أفراد الأمن.
أما عن التحديات: يُشكِّل تمدُّد جماعة الشباب في مقاطعة كابو ديلجادو بمثابة تحدٍّ كبير يُواجِه الحكومة في موزمبيق؛ حيث عجزت عن ضبط الأمن وحماية المواطنين، وهو ما زاد من تقوية شوكة الجماعة، واستمرت في تنفيذ هجماتها في مختلف مناطق المقاطعة، وهو ما يعني تعرُّض المستوى الأمني للانكشاف، وأنه غير مؤهَّل بالقدر الكافي لاحتواء هجمات التنظيم والسيطرة عليها.
يُمثّل نشاط الجماعة في منطقة حيوية مثل ميناء ميكيمبو دي برايا تهديدًا بالغ الخطورة للمشاريع الاستثمارية التي تُقام في المنطقة، وقد يؤثر على استمرار هذه المشروعات، أو قيام العناصر الإرهابية بتعطيل مسيرة العمل في هذه المشاريع، كما أثار المخاوف على حياة المواطنين الأجانب، وهو ما يُفسّر إصدار السفارة الأمريكية تحذيرًا لرعاياها بضرورة مغادرة البلاد.
كما أن نشاط العناصر الإرهابية يُمثّل خطرًا كبيرًا على تنزانيا من احتمالية انتقاله إليها؛ نظرًا لأنه ينتشر بكثافة على المنطقة الواقعة في الحدود بين تنزانيا وموزمبيق، بالإضافة إلى تهديده لجنوب إفريقيا؛ حيث تدخلت جنوب إفريقيا لمساعدة الحكومة في مواجهة التمرُّد الذي ظهر في شمال موزمبيق اكتوبر 2017م، وقامت بدعمها بهجمات جوية بطائرات خفيفة، وهو ما وضَعها على حافة التهديد من جانب الجماعة التي أعلنت أنَّ تدخُّل جنوب إفريقيا في كابو ديلجادو" يدفع الجماعة لتكوين جبهة قتالية ممتدة في جنوب إفريقيا.
أيضًا تمتلك جنوب إفريقيا استثمارات كبيرة في مشاريع التنقيب عن الغاز الطبيعي في المقاطعة، ويُمثّل تمدد التنظيم وتكثيف نشاطه تجاه الجهات الأجنبية العاملة في المنطقة تحديًا اقتصاديًّا كبيرًا يُهدِّد مشاريع جنوب إفريقيا.
إنَّ عجز النظام عن تلبية حاجات المواطنين، وانتشار الفساد بشكل واسع، وارتفاع معدلات البطالة، وزيادة نسبة الفقر إلى ما يقترب من 50% من سكان موزمبيق، إضافةً إلى تراخي القبضة الأمنية، وسقوط عدد من المقاطعات في يد داعش؛ كُلّ ذلك يُمثّل تحديًا كبيرًا أمام الحكومة، وقد يؤدّي إلى سقوط النظام أو انجراف عدد من الأفراد إلى التنظيم؛ نظرًا لفقدانهم الثقة في الحكومة.
وقد شهد الإرهاب في المنطقة اهتمام مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة؛ حيث عقد حلقة عمل تدريبية بالتعاون مع حكومة موزمبيق ورعاية كلّ من حكومة كندا وصندوق الأمم المتحدة للسلام والتنمية، بهدف تقديم الدعم اللازم لوقف التطرُّف، والاتفاق على التعاون مع الجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي، ومساعدتها في معالجة ظاهرة تمدُّد الإرهاب في المنطقة.
وختام الدراسة جاء كالتالي: تقع موزمبيق في مأزق كبير نتيجة تراكم عناصر التراجع الأمني، وعدم الاستقرار في البلاد، والاستعداد للدخول في سلسلة من التمرُّد؛ نظرًا لما يعانيه المواطنون من ظروف اقتصادية واجتماعية وأمنية متدهورة، وهو ما يزيد من صعوبة التحديات التي تواجهها الحكومة نتيجة عجزها عن معالجة سوء الأحوال الاقتصادية، وهو ما ساعَد في ظهور التنظيم.
تُمثّل إفريقيا خلال فترة كورونا أكثر المناطق التي شهدت نشاطًا لتنظيم داعش؛ حيث كثَّف التنظيم هجماته بصورة أكثر ضراوة، كما يعمل على بَسْط نفوذه على مختلف جوانب القارة، وجَذْب الجماعات المحلية إلى الانضمام إلى أفكاره باعتباره التنظيم الأكثر تطبيقًا للشريعة الإسلامية، والأقدر على النهوض بالمجتمعات.
إنَّ مشكلة الإرهاب في موزمبيق مشكلة إقليمية تهدِّد الدول المجاورة، ونظرًا لكون موزمبيق عضوًا في مجموعة التنمية للجنوب الإفريقي (SADC) والاتحاد الإفريقي (AU)، يجب أن تتعاون المنظمات الدولية مع منظمات المجتمع المدني في وضع استراتيجية فعَّالة لمكافحة الإرهاب في إفريقيا على وجه الخصوص، ومتابعة العوامل التي ساعدته على الانتشار، وبشكل خاص في موزمبيق، يجب على الحكومة وضع خطة إنقاذ لتحسين الأوضاع الاقتصادية، والتعاون مع الجهات القائمة على مكافحة الإرهاب في إفريقيا؛ لمواجهة تمدُّد التنظيم في مختلف المقاطعات.
إنَّ أحداث العنف التي تشهدها شمال موزمبيق تثير العديد من علامات الاستفهام حول طبيعة ما يجري، وكيف تمكَّنت مجموعات صغيرة من الشباب من السيطرة على ميناء استراتيجي مهم مثل ميناء موسيمبوا دا برايا، كما أنَّ عملية النزوح الكبيرة التي شهدتها المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة يثير التساؤل حول: هل هناك خطة لإعادة ديموغرافية الشمال، ولصالح مَن يتمّ إعادة ترسيم المنطقة الشمالية، وتزداد التساؤلات وعلامات الاستفهام حول منطقة من أكبر مناطق تركُّز خام الغاز في العالم؟

شارك