النمنم يكشف الخيوط المشاركة بين الجماعة الإرهابية و المقاول الفاسد

الثلاثاء 06/أكتوبر/2020 - 09:03 ص
طباعة النمنم يكشف الخيوط روبير الفارس
 
ما الذي يجمع بين مقاول فاسد و  جماعة الإخوان الإرهابية ؟ وهل من الممكن وجود قواسم مشتركة بينهما ؟ تجعلهما يعملان على خدمة مصالحهم ؟ ومتهي الخيوط المشتركة بين المقاول محمد علي وجماعة الإخوان المسلمين ؟ هذه الأسئلة وغيرها قدم وزير الثقافة السابق الكاتب الكبير حلمي النمنم الإجابة عنها في مقال تحليلي له نشرته مجلة المصور وجاء فيه 

أبدى عدد من المحللين اندهاشهم الشديد من التماهي التام بين المقاول الفاسد والهارب إلى إسبانيا مع قيادات جماعة الإخوان الإرهابية الهاربين فى اسطنبول والدوحة، والحق أنه لو تأملنا الأمور جيدًا لما وجدنا مبررًا لهذا الاندهاش ويجب ألا نفاجأ بهم، وكان يجب أن نتوقع ذلك بقاعدة بسيطة وهى أن البيض الفاسد يتدحرج معًا، لكن هذا وحده ليس كافيًا المندهشون توقفوا عند أن المقاول الفاسد، سرق أو “لهف” أموال أبناء شقيقه المتوفى وأموال والده وأموال عملاء شركته وهرب بها أو قام بتهريبها، وفضلًا عن ذلك أنه على المستوى الشخصى معروف عنه أنه سكير، لديه علاقات نسائية متوفرة، يقال إنه يعانى عقدة معينة منذ أن تعرض وهو طفل لفعل أخلاقى مشين.
وقال النمنم أن 
المندهشون يتصورون الجماعة تحترم الأخلاق العامة وتراعى القيم والمثل الدينية الإسلامية، التى تدعو إلى العفة وترفض السكر والعربدة، لكن من يعرف الجماعة من مصادرها يدرك أن هذه القيم الأخلاقية والمثل الدينية الرفيعة ليست متداولة بينهم، وفى تاريخهم الكثير من الفضائح الأخلاقية، لعل أشهرها فضيحة عبدالحكيم عابدين، سكرتير عام الجماعة فى زمن حسن البنا، حيث اتهم عابدين بأنه يغرر بزوجات وشقيقات الإخوة أثناء غيابهم فى المعسكرات، وجرى تحقيق داخلى انتهى إلى إدانة عابدين وصحة الاتهامات الموجهة إليه، وأخطر ما جاء فى ذلك التحقيق هو أقوال عابدين نفسه، إذ نسب تفجر الاتهام نحوه إلى أحد الإخوة، أسماه هو كان دائم الجلوس مع ذلك الأخ والتقرب منه، ولكن ذلك الأخ شعر بالغيرة الشديدة لما رآه يتكلم مع زوجة أحد الإخوة فنبه الزوج، طبقًا لأقوال عبدالحكيم عابدين شعر الأخ بالغيرة من الزوجة وليس الغيرة عليها، بما يعنى أن ما بينهما لم تكن علاقة عادية بل تنطوى على قدر من الشذوذ.

ورغم ما انتهى إليه التحقيق وما ورد فيه من أقوال واعترافات مشينة للجماعة قام حسن البنا باعتباره المرشد العام بحفظ التحقيق، وعدم المساس بوضع عابدين ومنصبه داخل الجماعة، مكتفيًا بالقول “لقد أصابه بعض اللمم” يكفر عنه بالأسف والصيام ثلاثة أيام، أى من الناحية الفعلية لا عقوبة، والتحرش بالسبي ليس جريمة ولا عيبا، أما العلاقة المريبة بين عابدين وذلك الأخ الغيور عليه، فقد تم السكوت عنها تمامًا.

واقعة عبدالحكيم عابدين وتواطؤ حسن البنا معه وعليه، ليست الواقعة الوحيدة فى تاريخ تلك الجماعة، أقصد أنها ليست الحالة الاستثنائىة، بل سلوك مستقر داخل تلك الجماعة، والشاهد أن تصور البعض للجماعة وكأنها أخلاقية ومثالية هو تصور خاطئ، ومن هنا يصبح اللقاء بين المقاول والفاسد ماليًا وأخلاقيًا شيئا عاديا، بل لو لم يحدث لشعرنا بالاستغراب والدهشة.

ويبدو أن بعضنا نسي أو تناسى وقائع “جهاد النكاح” التى تواترت فى صيف سنة ٢٠١٣ داخل بؤرة رابعة العدوية ولم يكن الخطير هو الوقائع ذاتها بل المبررات الفقهية التى ساقها منظرو الجماعة لقاعدة جهاد النكاح، ولم تظهر تلك الوقائع فقط فى بؤرة رابعة لكن ظهر لها مثيل فى تونس، وفى بعض مناطق سوريا والعراق التى سيطر عليها الإرهابيون، نحن بإزاء وقائع وفتاوى تحاول أن تضفى طابعًا شرعيًا على عمليات هى بالمعنى الحرفى دعارة، باختصار الجماعة الإرهابية لا أخلاقية ولا دينية بالمرة وهنا يصبح المناسب لهم تمامًا وعلى شاكلتهم ذلك المقاول الفاسد السكير، غير أن هناك معنى أعمق يجمع الطرفين معًا جماعة الإرهاب ومقاول الفساد، وهو أن العلاقة بين الإرهاب والفساد علاقة وجودية بمعنى أنه لا يوجد أحدهما دون الآخر، ونحن نلح على ذلك منذ قرابة ثلاثة عقود، لا وجود للإرهاب بدون فساد ولا بقاء للفساد بدون إرهاب وإرهابيين، هذه القاعدة تنطبق على زماننا وعلى التاريخ القديم وهى صحيحة فى بلادنا وفى كل بلاد الدنيا، ظهور المافيا وسطوتها كان مرتبطًا بتجارة المخدرات، صراع الجماعات الجهادية فى أفغانستان بعد خروج القوات السوفيتية بها لم يكن بعيدًا عن رغبة البعض منهم في الاستحواذ على عوائد الأفيون الذى يزرع فى بعض مناطق الأفغان.
واضاف النمنم قائلا   إن ظهور إرهاب جماعة حسن البنا فى مصر لم يكن بعيدًا عن سرقة أموال التبرعات التى جمعها البنا لتذهب إلى فلسطين فأخذها للجماعة وغير ذلك كثير.

لكى يقوم الإرهاب لابد من سلاح، والسلاح يكون بالتهريب أو السرقة، وقبل ذلك يحتاج إلى أموال تدفع ثمنًا له، وكل خطوة من هذه الخطوات لا تتم بدون عمليات فساد، توفير المال يكون بالسرقة أو غسل الأموال أو تلقى تمويل أجنبي، الممول لن يدفع إلا إذا كان سيجنى العائد أضعافا، أو يحقق له السلاح تدبير بلد معين، ولذا فإن الحملات التى يتعرض لها الشعب المصرى من الجماعة الإرهابية تقوم على تآزر شديد مع الفساد والفاسدين، لذا لم يكن غريبًا وجود عدد من قضايا الفساد المالى التى تورط فيها عدد من قادة الجماعة مثل خيرت الشاطر وحسن مالك وغيرهما وكانت سنوات ازدهار الجماعة قبل سنة ٢٠١١، هى كذلك سنوات ازدهار الفساد، أما حين آلت الأمور إلى الجماعة فى النصف الثانى من سنة ٢٠١٢ والنصف الأول من سنة ٢٠١٣، فقد كشف النقاب وبدا الإرهاب واضحًا ومكشوفًا، وبدا الفساد عاريًا أيضًا، وتبين الامتزاج بينهما، فتحت الأبواب أمام الإرهاب والإرهابيين ليتحركوا فى أنحاء البلاد وتم استقدام أعداد منهم من خارج البلاد، ومارسوا الفساد بوضوح تام، وبسيطرة تامة على عدد من محلات ومشاركة رجال الأعمال فى أعمالهم، ومحاولة تصغير بعض الأنشطة مثل السياحة ليشترى رموز الجماعة أصولها برخص التراب، ولعلنا نتذكر ما حدث حول فندق سميراميس، وتحريك ميليشيات الجماعة لمهاجمته عدة ممرات، مما دفع السياح إلى الإحجام عنه، وأغلقت المحلات به، وبعد ذلك تقدم أحد قيادات الجماعة لشراء الفندق، وعرض ثلث السعر.
ان 
ملف الإرهابية متخم بالفساد والفاسدين، لذا فإن التقاء المقاول الفاسد مع القيادات الإرهابية ضد الدولة المصرية، أمر ليس غريبا، ويجب أن نتوقعه، وأتصور أن الدولة المصرية تدرك ذلك جيدًا وتعيه، لذا لم يكن غريبًا أن يخوض الرئيس السيسى وتخوض الدولة معركة مزدوجة مع الإرهاب ومع الفساد فى الوقت نفسه، لأن كلا منهما مدد وعون للآخر، هى معركة شرسة، يستبيح الإرهاب الأرواح وحياة الناس ويستبيح الفساد أموال الناس وأخلاقهم وقيامهم، ولابد من خوض المعركة إلى النهاية، فلا تصح المقايضة ولا المفاضلة بين الإرهابى والفاسد، كل منهما خطر علينا.

شارك