قراءة في إحصائية أنشطة الجماعات المتطرفة خلال النصف الأول لعام 2020

الثلاثاء 10/نوفمبر/2020 - 02:26 م
طباعة قراءة في إحصائية حسام الحداد
 
دراسة مهمة قامت بها وحدة رصد اللغة الإسبانبة بمرصد الأزهر للفتاوى التكفيرية أكدت على أن  التنظيمات المتطرفة أبدت قُدرات ملحوظة على التأقلم السَّريع مع أزمة انتشار وباء كورونا، واتجهت إلى توظيف الفيروس كأداة لتحقيق أهدافها، وذلك من خلال تصاعد عمليَّات التجنيد عبر شبكة الإنترنت، التي باتت المنفذ الأوَّل لملايين البشر القابعين في منازلهم؛ تطبيقًا للتباعد الاجتماعيّ خوفًا من التعرُّض لعدوى كورونا.  
وقد استغلت الجماعات الإرهابيّة الانشغال الأمنيّ على مستوى العالم في مكافحة تفشّي فيروس كورونا في شنّ المزيد من العمليَّات الإرهابيّة، وزيادة مكتسباتها على أرض الواقع. كما استغلت عدم ثقة المواطنين بالحكومات المحليَّة، وقدّمت نفسها كبديل لتلك الحكومات في المناطق المهمشة؛ لذا من الضَّروري سعي السُّلطات إلى الحفاظ على قد الثقة أمام المواطنين كي تحول دون وقوعهم فريسة في أيدي الجماعات الإرهابيّة.
 وقد كشف مرصد الأزهر من خلال العديد من المتابعات والتقارير السابقة أن النـَّشاط الإرهابيّ قد تأثر بفيروس كورونا، وفي بعض الحالات جاء هذا الوضع لصالح حركة التطرّف العالميَّة؛ لأن بعض الحكومات ركَّزت على محاربة الوباء مع إغفال متابعة التنظيمات المتطرفة، وكذا بسبب انسحاب جنود البعثات الدوليَّة من أجل منع العدوى، وذلك وفقا لدراسة أعدَّها المرصد الدُّولي لدراسات الإرهاب (OIET) في إسبانيا خلال الفترة من يناير إلى يوليو 2020. وعلاوة على ذلك، حذَّرت الدراسة من أن حركة التطرُّف العالميَّة أصبحت "لامركزية" بشكل كبير؛ إذ أنه بعد سقوط تنظيم "داعش" الإرهابي في الفترة الأخيرة انتقلت من تنفيذ 50٪ فقط من نشاطها خارج سوريا والعراق في عام 2019، إلى 73٪ في عام 2020. لذا فمن المحتمل جدًّا أننا سنجد في نهاية العام الحالي زيادةً كبيرةً في مجموع الأعمال الإرهابيّة، وستنكسر الديناميكيّة التي بدأت في عام 2017 والتي كانت تعني انخفاض الهجمات من عامٍ لآخر.
كما تشير الدراسة إلى أن 16٪ من بلدان العالم كانت مسرحًا لهجوم إرهابيّ واحدٍ على الأقل، وكانت أفغانستان الأكثر تضررًا بواقع 416 هجومًا إرهابيًّا، وهو ما انعكس على عدد الضَّحايا والذي سنعرضه فيما يلي، على الرغم من توقيع اتفاقيات بين الولايات المتحدة و "طالبان" في فبراير 2020 من أجل الحدّ من العنف في البلاد، إلا إن قوات الأمن الأفغانيّة والسكان المحليين ما زالوا يتعرَّضون يوميًّا للهجمات. وبعد أفغانستان تأتي بوركينا فاسو بـ 102 هجمة إرهابيّة ثم نيجيريا بـ 81 هجمة، والكاميرون بـ 69 هجمة، ومالي بـ 63 هجمة إرهابيّة. وتوقعت الدراسة تحول أفغانستان إلى "مركز للنشاط الإرهابيّ حول العالم" بمجرد أن تفقد "داعش" مواقعها كاملةً في العراق وسوريا.

وفيما يلي رسم بياني بعدد الهجمات الإرهابيّة في النصف الأوَّل من 2020 حسب كل دولة

وفيما يلي رسم بياني
وفيما يخصُّ أعداد الضَّحايا، كشفت الدراسة أن التطرَّف العنيف قتل 4.826 شخصًا خلال النصف الأول من عام 2020. وبالمقارنة بالعام السابق خلال نفس الفترة من عام 2019، وُجد أن هناك تناقصًا في أعداد الضَّحايا بمقدار 366 حالة وفاة، حيث وصل العدد من 5199 إلى 4826. وخلال تلك الفترة ارتكبت هذه الجماعات 1013 هجمة إرهابيّة في 30 دولة، بزيادة 34٪ عمَّا كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي، حيث كان العدد في الفترة المماثلة خلال العام الماضي 757 هجمة إرهابيّة.
ويكمن السَّبب الرَّئيس لهذا الانخفاض في تراجع نشاط تنظيم "داعش" الإرهابيّ في سوريا والعراق، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض عدد القتلى في كلا البلدين بنحو ألف شخصٍ مقارنة بالنصف الأوَّل من عام 2019.

وفيما يلي رسم بياني بعدد ضحايا الهجمات الإرهابيّة خلال النصف الأول من 2020 حسب ك

وفيما يلي رسم بياني
وفيما يخصُّ الأعمال الإرهابيّة الأكثر دمويَّة والتي تسبَّبت في وقوع عدد أكبر من الضَّحايا، نجد أن منطقة الساحل قد شهدث ثمانية من أصل عشرة هجمات أكثر دمويَّة خلال النصف الأول من عام 2020؛ حيث تمكَّنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" من استهداف أكبر عدد من الضَّحايا خلال إحدى هجماتها في مالي والتي خلفت 103 قتيلًا، ومن بعدها "بوكو حرام" في المرتبة الثانية والتي خلَّفت 98 قتيلًا خلال إحدى هجماتها في تشاد، ويقع في المرتبة الثالثة حتى الخامسة جماعة "ولاية غرب أفريقيا" والتي خلَّفت 81 و70 و52 قتيلًا في كل من النيجر ونيجيريا وموزمبيق على الترتيب.  
وتفسَّر هذه الأرقام الانخفاض التدريجي في الضَّحايا خلال العامين الماضيين؛ فقبل ثلاث سنواتٍ فقط تجاوزت أعداد الضَّحايا المائة في عدد غير قليلٍ من الأعمال الإرهابيّة، بينما خلال النصف الأول من هذا العام لم تصل أعداد الضَّحايا إلى هذا الرقم إلا في عمليَّة إرهابيّة واحدة.
وفيما يتعلَّق بالهجمات وأعداد الضَّحايا التي ترتكبتها كل تنظيم أو جماعة إرهابية، تبيَّن الدراسة أن (طالبان) هي "الجماعة الإرهابيّة الأكثر دمويَّة في العالم" إذ كانت هجماته، والتي تقدر بــ 389 هجومًا، سببًا في مقتل 1423 شخصًا من قوات الأمن والسكان المدنيّين بما يمثل 30٪ من إجمالي الضَّحايا. وتأتي جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في المرتبة الثانية، حيث كانت هجماتها والتي تقدر بـ 105 هجومًا، سببًا في مقتل 567 شخصًا، وتقع جماعة "بوكو حرام" في المرتبة الثالثة، حيث خلّفت هجماتها، والتي تقدر بـ 136 هجوماً، 515 قتيلًا، ثم تنظيم "داعش في الصحراء الكبرى" وداعش في سوريا والعراق وولاية غرب إفريقيا.  

وفيما يلي رسم بياني يوضح عدد الهجمات وأعداد الضَّحايا التي تسبَّب فيها كل تنظيم:

وفيما يلي رسم بياني
وفيما يخصُّ الإرهاب في أوروبَّا خلال النصف الأوَّل من عام 2020، فقد وقع نفس عدد الهجمات الإرهابيّة على الأراضي الأوروبيَّة التي وقعت في عام 2019، وهو مؤشر خطير إذا أخذنا في اعتبارنا انتشار وباء كورونا خلال النصف الأول من هذا العام، ومع ذلك جاءت الهجمات فيه بشكل مضاعف.
وإجمالًا، وقعت ثلاث هجمات في فرنسا وأربع هجمات أخرى في المملكة المتحدة، جميعها بأسلحة بيضاء عن طريق الطَّعن، وقد أودت بحياة ستة أشخاص، باستثناء الإرهابيّين الذين قتلوا في الهجمات.
ووفقًا للترتيب الزمني، فقد وقع الهجوم الأول من عام 2020 في 3 يناير في بلدية "فيلجويف"  Villejuifالفرنسيّة، حيث طعن شخص عدَّة أشخاص في حديقة، وتمكَّن من قتل أحدهم قبل أن يقتل على يد رجال الشُّرطة.  وبعد ستة أيامٍ، في سجن إنجليزي في "كامبريدجشير" Cambridgeshire، هاجم سجينان متطرفان يرتديان أحزمة ناسفة مزيَّفة العديد من الحرس بأدوات حادَّة، دون التسبُّب في وفيات، حيث كان أحد المهاجمين يقضي عقوبة بعد إدانته بالتخطيط لهجوم في عام 2015، بينما أصبح الآخر متطرفًا أثناء وجوده في السجن. ووقع الهجوم الثالث في 2 فبراير، على يد شاب أفرج عنه قبل أسابيع من السجن بعد انتهاء مدَّة عقوبته. وقتل الإرهابيّ على يد عناصر الأمن بعد طعن عددٍ من الأشخاص في الشَّارع، مما أدَّى إلى مقتل منفذ العمليَّة فقط.
وبعد أسبوعين، كان سجن آخر في المملكة المتحدة مسرحًا لهجوم جديد نفَّذه متطرِّف؛ حيث اعتدى على العديد من الحرس بأداة حادَّة في ذلك الوقت، دون وقوع وفيات. وفي شهر أبريل وقعت عمليتان إرهابيتان في فرنسا؛ إحداهما في بلدة "رومانسور إيزير" Romanssur Isère حيث قتلَ شابٌ شخصين طعنًا بسكين داخل متجر، والثانية في 27 أبريل في بلدة "كولومبس" الفرنسيَّة، حيث قام شاب –كان قد أقسم بالولاء لتنظيم داعش الإرهابي- بدهس شرطيين كانا في نقطة تفتيش بسيارته دون أن يتمكَّن من قتلهما. وأخيرًا في يونيو 2020، قام شخص بطعن عدَّة أشخاص في حديقة بمدينة "ريدينغ" الإنجليزيَّة، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين متأثرين بجراحهم.
          وممَّا سبق نستنتج أن أسلوب ارتكاب الهجمات الإرهابيّة لم يتغيَّر منذ عام 2018، إذ ينفذها أفراد بعد أن يقعوا فريسة للأفكار المتطرفة، أو يكونون على علاقة بالتنظيم ويتلقون تعليمات مباشرةٍ من قادته. وعادة ما يتمُّ تنفيذ هذه الهجمات بإمكانيات قليلة، حيث تقتصر بشكلٍ عامٍّ على السكان المدنيّين أو قوات الأمن باستخدام الآلات الحادة أو الاعتداء بالدهس في حال توفَّر المركَّبات لهذا الغرض، وهو ما حدث في هجوم بلدة "كولومبس" الفرنسيَّة، حيث قام شاب بدهس شرطيين في نقطة تفتيش بسيارته.
          ومن خلال هذه الهجمات، يتضح أنَّ أوروبا تواجه مشكلة حقيقية في سجونها، حيث ارتكبت بعض الهجمات من قبل أفراد أصبحوا متطرفين في السجون، أو سبقت إدانتهم لتورطهم في جرائم الإرهاب. وبالمثل، يتم نقل هذا التهديد نفسه إلى خارج السُّجون بمجرَّد انتهاء فترة عقوبتهم، وهو أمر خطيرٍ بالنسبة لأولئك الذين أصبحوا متطرفين أثناء إقامتهم في السجن، وهو دليلٌ واضحٌ على ضعف الرقابة داخل تلك السُّجون. ولهذا يتعيَّن على أوروبا أن تواجه المشكلة بحسم وحذَّر بالغين.
          كما تواجه الدول الأوروبيَّة -وخاصة إسبانيا- تهديدًا كبيرًا من جانب الذّئاب المنفردة، إذ أن تنظيم "داعش" الإرهابي يعمل منذ فترة على استغلال الذّئاب المنفردة وتحريضها على تنفيذ هجمات إرهابيّة، لا سيَّما بعد فقدانه الكثير من نفوذه وعناصره في سوريا والعراق. ومن ضمن سلسلة الرسائل التهديديّة التي أطلقها تنظيم داعش الإرهابي بكثافة منذ مارس 2020، رسالة المتحدّث باسم التنظيم "أبو حمزة القرشي" والتي تستهدف المسيحيّين والغرب قال فيها: "لا نقول إننا في ضواحي مدنهم، بل بين أفراد أسرهم، حتى نقعدهم على رقابهم وحتى تصير التوابيت مضجعهم". ومن المؤكد أنَّ هذه الرسائل موجَّهة للذئاب المنفردة وللذين يثق التنظيم في ولائهم لتنفيذ الأعمال الإجراميَّة في جميع أنحاء العالم.
          وكما ذكرنا، فقد نشطَ التنظيم منذ مارس 2020 في بثّ رسائل تحثُّ على ممارسة العنف وتنفيذ عمليَّات إرهابيّة. كما أكدت الحملات الأمنيَّة الأخيرة لمكافحة الإرهاب في إسبانيا وجود فئات يستهدفها التنظيم قد استقبلت تلك الرسائل، وكانت مستعدة لتنفيذ أعمال إجرامية. ومن المؤكَّد أيضًا وجود عناصر أخرى متخفيةٌ ممَّن لم يتمَّ القبض عليهم، لديها الجاهزية في مواقعهم المختلفة لشنِّ هجمات إرهابيّة في أيّ وقت، وبالتالي فإنَّ "الذّئاب المنفردة" لا تزال تشكل أحد أكبر التهديدات الأمنيَّة لإسبانيا. ورغم عدم وجود أرقام رسميَّة توضَّح عدد هؤلاء الذّئاب، لكن الحقيقة أنه في السنوات الأخيرة لم ينخفض عدد المعتقلين المشتبه في أنهم إرهابيون، وهو ما يدلُّ على أنَّ التطرُّف والاستقطاب قضيَّة قائمة.
ومن الواضح- كما أشار المرصد في تقارير سابقة- أن الهدف الرَّئيس للتنظيمات الإرهابيّة، وخاصَّة تنظيم "داعش" الإرهابي، هو إنشاء منطقة حرَّة للإرهاب في إفريقيا، والاستقرار في هذه المنطقة كقاعدة لها تمكُّنها من شنّ هجمات ضد أوروبا. وهناك أفراد في هذه المنطقة بين صفوف التنظيمات الإرهابيّة على دراية بلغة إسبانيا وثقافتها، وهو أمر خطير لا تقتصر عواقبه الوخيمة على إسبانيا فحسب، بل يمكن أن يمتدَّ إلى أوروبا كلها.  
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف أن هذه الأوضاع تلقي بمسؤولية كبرى على الأجهزة الأمنيَّة المنوط بها متابعة تلك التنظيمات والتَّصدي لها. ويؤكد المرصد أنه لا بدَّ من القضاء على الأفكار القائمة، وأفكار العائدين من بيئة التطرَّف، وما تعرَّضوا له من تأثيرات عنيفة في ساحات القتال خلال السنوات الأخيرة، ممَّا يمكن المتطرفين من تكوين خلايا إرهابيّة أو العمل بشكل فردي؛ لذا ينبغي أن تعي أجهزة الأمن الأوروبيَّة أن التنظيمات المتطرفة تبحث عن الثغرات الأمنيَّة لتنفيذ مخططاتها، لتحقيق أكبر الأضرار الدمويَّة في أرواح مخالفيها في الفكر والعقيدة.
كما يشدّد المرصد على أنَّ المواجهة لا يمكن أن تكون أمنية فقط، بل إن الأولويَّة لا بدَّ أن تكون للمكافحة الفكريَّة وإعادة التأهيل والتركيز على الفكر المضاد لفكر الجماعات الإرهابيّة، وهو ما يراه المرصد أجدى نفعًا من المواجهات الأمنيَّة وحدها.  

شارك