تداعيات ترحيل اللاجئين الأفغان على العلاقات الباكستانية- الأفغانية
الجمعة 04/أبريل/2025 - 04:50 ص
طباعة

تُعد أزمة اللاجئين الأفغان في باكستان واحدة من القضايا الإنسانية والسياسية المعقدة التي أثرت على العلاقات الثنائية بين البلدين. فمنذ عقود، استضافت باكستان ملايين اللاجئين الأفغان، إلا أن الضغوط الداخلية والسياسية دفعتها إلى تسريع عمليات العودة. بدأت أزمة اللاجئين الأفغان مع الغزو السوفيتي لأفغانستان في 1979، حيث نزح ملايين الأفغان إلى الدول المجاورة، وعلى رأسها باكستان.
واستمرت الأخيرة في استضافة اللاجئين لعقود وسط دعم دولي من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. ومع مرور السنوات، شهدت أفغانستان العديد من التغيرات السياسية التي دفعت بموجات جديدة من اللاجئين إلى البحث عن ملاذ في باكستان، خاصة مع سقوط نظام طالبان في 2001، ثم سيطرة الحركة مجددًا على الحكم في 2021.
مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والأمنية في باكستان، ازدادت الضغوط الداخلية على الحكومة لإيجاد حلول للعدد الكبير من اللاجئين، خاصة مع الاتهامات بأن بعضهم قد يكون ضالعًا في أنشطة غير قانونية أو يشكل عبئًا على الموارد المحلية. وقد أعلنت الحكومة الباكستانية عن خطط لترحيل اللاجئين على مراحل، حيث أمهلت المهاجرين الذين يحملون بطاقات الجنسية الأفغانية حتى 31 مارس 2025 لمغادرة البلاد طواعية. لكن مع اقتراب هذا الموعد، بدأت تظهر تباينات في المواقف، حيث أعربت المنظمات الحقوقية عن قلقها من احتمال تعرض اللاجئين لمخاطر كبيرة عند عودتهم إلى أفغانستان، في ظل الأوضاع السياسية غير المستقرة.
عندما انطلقت عمليات إعادة اللاجئين، واجهت الحكومة الباكستانية ردود فعل متباينة من مختلف الأطراف. فمن ناحية، رحب بعض المواطنين الباكستانيين بهذا القرار، معتبرين أنه سيخفف من الأعباء الاقتصادية، بينما أثارت هذه الخطوة غضب الحكومة الأفغانية، التي رأت فيها محاولة لفرض ضغوط سياسية على كابل. كما أن التصريحات المتضاربة حول تمديد مهلة العودة أو تعليق عمليات الترحيل زادت من حالة الغموض والتوتر. وقد زعمت بعض المصادر أن المهلة تم تمديدها لفترة قصيرة بسبب عطلة عيد الفطر، بينما نفت جهات حكومية باكستانية هذا الأمر، ما يعكس الاضطراب في تنفيذ القرار.
انعكست هذه الأزمة بشكل مباشر على العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تصاعدت التوترات السياسية بين إسلام أباد وكابل. ففي الوقت الذي تؤكد فيه باكستان أن قرار الترحيل يأتي في إطار سيادتها الوطنية وحماية مصالحها الداخلية، ترى الحكومة الأفغانية أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية داخل أفغانستان، مما قد ينعكس سلبًا على الاستقرار الإقليمي. ونتيجة لذلك، تراجعت مستويات التعاون بين البلدين في بعض القضايا الحيوية، مثل ضبط الحدود ومكافحة الإرهاب، حيث تبادل الطرفان الاتهامات حول دعم جماعات مسلحة تؤثر على أمن المنطقة.
التداعيات الأمنية لهذه الأزمة قد تكون خطيرة، إذ أن عدم التعاون بين الأجهزة الأمنية في البلدين قد يؤدي إلى فراغ أمني تستغله الجماعات المتطرفة، مما يزيد من مخاطر العنف في المناطق الحدودية. كما أن تفاقم الأزمة قد يدفع أعدادًا من اللاجئين غير المسجلين إلى البقاء في باكستان بشكل غير قانوني، ما قد يؤدي إلى مشكلات جديدة تتعلق بالاندماج الاجتماعي والجريمة المنظمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الترحيل القسري يزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية داخل أفغانستان، التي تعاني بالفعل من ضعف البنية التحتية وصعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية للعائدين.
من الناحية الدبلوماسية، تعرضت باكستان لضغوط دولية متزايدة من قبل الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، التي دعت إلى ضرورة احترام حقوق اللاجئين وضمان عودتهم الطوعية والكريمة. كما أن الدول الغربية التي كانت تقدم مساعدات لباكستان في ملف اللاجئين بدأت في إعادة تقييم مواقفها، ما قد يؤثر على المساعدات المالية التي تحصل عليها البلاد من المؤسسات الدولية.
ولاتعد أزمة اللاجئين الأفغان في باكستان قضية إنسانية فقط، بل هي قضية سياسية وأمنية لها تداعيات واسعة على العلاقات بين البلدين. ومن الضروري تعزيز التعاون بين إسلام أباد وكابل، بدعم من المجتمع الدولي، لضمان حلول مستدامة تحترم حقوق اللاجئين وتعزز الاستقرار الإقليمي. وقد يكون الحل الأمثل هو فتح قنوات حوار بين الجانبين للتوصل إلى آليات تضمن عودة تدريجية وآمنة للاجئين، مع تقديم دعم دولي يساعد أفغانستان على استيعاب العائدين دون تعريضهم للخطر.