تفاهمات بين واشنطن واسلام آباد بشأن مكافحة الإرهاب وتحديات الأسلحة الأمريكية في أفغانستان
الثلاثاء 08/أبريل/2025 - 06:50 ص
طباعة

أجرى وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار، يوم الاثنين، أول مكالمة هاتفية مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو، وسط تصاعد التحديات الإقليمية التي باتت تفرض تنسيقًا أكثر حساسية بين البلدين.
ورغم الطابع الدبلوماسي التقليدي للاتصال، إلا أن توقيته ومضمونه يحملان دلالات سياسية تتجاوز البروتوكول، خصوصًا في ظل تعقّد ملف المعدات العسكرية الأمريكية المتروكة في أفغانستان، والذي بات يمثل تحديًا أمنيًا مشتركًا.
البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية الباكستانية أشار إلى أن الاتصال تضمن نقاشًا حول العلاقات الثنائية، والتعاون الأمني، والوضع الإقليمي، فيما ركزت الخارجية الأمريكية على قضايا الرسوم الجمركية والتجارة والمعادن الحيوية. غير أن الملف الأكثر حساسية الذي طُرح خلال الاتصال هو قضية الأسلحة الأمريكية التي استولت عليها حركة طالبان عقب انسحاب القوات الأمريكية في أغسطس 2021، وهي معدات تُقدّر قيمتها بنحو سبعة مليارات دولار، وفقًا لتقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية عام 2022.
منذ الانسحاب من أفغانستان، شكّل هذا الإرث العسكري عبئًا على واشنطن، ليس فقط من حيث الخسارة المادية، بل من حيث ما ترتب عليه من انتقال محتمل لتلك الأسلحة إلى أيدي جماعات متطرفة، سواء داخل أفغانستان أو خارجها. وقد جاءت المكالمة بين روبيو ودار لتؤكد أن هذا الملف عاد إلى الواجهة، ليس فقط باعتباره خطرًا أمنيًا، بل كورقة ضغط جيوسياسية يتقاطع فيها النفوذ الأمريكي، والموقع الجيوستراتيجي الباكستاني، والتعقيدات الداخلية في أفغانستان.
إسحاق دار، الذي أعاد التأكيد على التزام بلاده بمكافحة الإرهاب وتعزيز شراكتها مع الولايات المتحدة، ألمح بوضوح إلى أن الوضع الأمني الحالي يتطلب إعادة ترتيب أولويات التعاون الثنائي، بحيث يشمل تنسيقًا أكبر في مواجهة التهديدات التي تتفاقم على الحدود الغربية لباكستان. فالأرقام الصادرة عن معهد باكستان لدراسات الصراع والأمن (PICSS) أظهرت أن شهر يناير/كانون الثاني 2025 شهد ارتفاعًا بنسبة 42% في عدد الهجمات الإرهابية، وهو ما يُعزى بشكل مباشر إلى بيئة أمنية متدهورة، تفاقمت بفعل انتشار الأسلحة الأمريكية خارج السيطرة.
في هذا السياق، تبدو باكستان أمام معادلة دقيقة: فمن جهة، هي المتضرر المباشر من تسرب تلك الأسلحة إلى جماعات متطرفة تستهدف أمنها الداخلي، ومن جهة أخرى، فهي لا تمتلك القدرة على التدخل داخل أفغانستان بشكل مباشر دون ترتيبات دولية معقّدة، في ظل عدم اعتراف رسمي بحكم طالبان. أما الولايات المتحدة، فبينما تُظهر التزامًا سياسيًا بدعم باكستان، فإن قدرتها العملياتية في الميدان الأفغاني أصبحت محدودة، ما يدفعها إلى البحث عن بدائل عبر شركاء إقليميين.
وعليه، فإن التوقعات المرجّحة لحل هذه المعضلة قد تأخذ أحد المسارات التالية:
أولًا، يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد على التعاون الاستخباراتي والتقني مع باكستان لتحديد مواقع العتاد العسكري المتروك، باستخدام أدوات المراقبة الجوية أو الأقمار الصناعية، تمهيدًا لتنسيق عمليات استهداف أو تدمير عن بُعد، سواء عبر طائرات مسيّرة أو من خلال قوات خاصة بالوكالة.
ثانيًا، قد تُطرح مبادرة لتوظيف أطراف دولية ثالثة، مثل تركيا أو قطر، للوساطة مع حركة طالبان من أجل التوصل إلى اتفاق غير مباشر يقضي بإعادة جزء من المعدات أو تحييد استخدامها، مقابل مساعدات أو اعتراف سياسي جزئي.
ثالثًا، هناك خيار أكثر تعقيدًا، يتمثل في التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لطرح الملف ضمن بند تهديد السلم والأمن الدوليين، غير أن مثل هذا المسار قد يُواجَه برفض روسي أو صيني، ما يجعله أقل عملية من حيث التنفيذ.
رابعًا، وربما الأكثر واقعية، هو أن تعمد الولايات المتحدة إلى تقديم دعم استخباراتي وميداني محدود لعمليات باكستانية داخل المناطق الحدودية من خلال "نموذج العمليات الرمادية"، وهو نمط من التدخلات غير المعلنة التي سبق أن استخدمته واشنطن في عدة مسارح صراع.
الاتصال بين روبيو ودار قد لا يكون كافيًا لبلورة حل نهائي، لكنه يمثل إشارة واضحة إلى أن واشنطن بدأت بإعادة ترتيب أولوياتها في جنوب آسيا، واضعة الأمن الإقليمي في مقدمة حساباتها، دون أن تُغفل ملفات الضغط الاقتصادي، كما تجلّى في فرض رسوم جمركية بنسبة 29% على الصادرات الباكستانية. التحدي الآن يتمثل في قدرة الطرفين على ترجمة هذا التواصل السياسي إلى آليات تنفيذية واقعية، تعالج التهديدات الآنية وتفتح آفاقًا لتعاون استراتيجي بعيد المدى.