دعم طالبان للانتحاريين: هل هو استراتيجية سياسية أم واجب عقائدي؟

الثلاثاء 08/أبريل/2025 - 06:31 م
طباعة دعم طالبان للانتحاريين: علي رجب
 
منحت حكومة طالبان أولوية خاصة لدعم الانتحاريين وعائلاتهم، في خطوة تعكس التزام الجماعة العميق تجاه العناصر التي ساعدت في تعزيز قوتها خلال سنوات الحرب الطويلة ضد النظام الجمهوري وحلفائه الغربيين.
 وفقا للمصادر الرسمية للحركة، يتم تخصيص مبالغ ضخمة سنويا من ميزانية الحركة لدعم أسر الانتحاريين، وهي سياسة كانت قد نوقشت بشكل علني من قبل المتحدث الرسمي باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد.
دعم مالي لأسر الانتحاريين:
في مقابلة مع التلفزيون الوطني التابع لحركة طالبان، أعلن ذبيح الله مجاهد أن 12 مليار أفغاني (ما يعادل ميزانية وزارتين أو ثلاث وزارات) تخصص سنويا لوزارة الشهداء والمعاقين، والتي تدير الدعم المقدم لعائلات الانتحاريين. مجاهد أكد أن هذه الأموال تستخدم لدعم الأيتام وعائلات الشهداء، حيث يحصلون على تبرعات شهرية ورعاية اجتماعية مستمرة. وتعتبر هذه الفئة من العائلات أولوية بالنسبة للحركة، ويشمل ذلك أطفال الانتحاريين الذين تلقوا دعما رعاية خاصة بعد وفاة أفراد عائلاتهم في العمليات الانتحارية.
وقد أضاف مجاهد أن هذا الدعم يعد من أولويات زعيم الحركة، الملا هيبة الله أخوندزاده، الذي كان قد فقد ابنه عبد الرحمن خالد في هجوم انتحاري عام 2016 في ولاية هلمند. هذا الحادث الشخصي كان له تأثير كبير على أخوندزاده، مما جعل قضية دعم أسر الانتحاريين قضية محورية في سياسات الحركة. الملا هيبة الله أخوندزاده، الذي كان يعتبر فقدان ابنه جزءا من التزامه الجهادي، أمر المسؤولين المحليين في الولايات المختلفة بتقديم الدعم اللازم لهذه الأسر.

توسيع الدعم في حال زيادة الموارد:

ووفقا لما ذكره مجاهد، إذا حصلت حركة طالبان على مزيد من الدعم المالي والمرافق المتاحة، فإن الدعم لأسر الانتحاريين سيتوسع بشكل أكبر. هذا التوسع يشمل تحسين الخدمات التي يتم تقديمها لهذه الأسر لضمان استمرار رعايتها بشكل مستدام. وتعمل الحركة على إبراز هذه المبادرات كجزء من دورها كحامية لقيم الجهاد، التي تعتبرها أحد الأسباب التي تبرر مثل هذه الهجمات.

تسويق انتحاريي طالبان:
على الرغم من الدعم الذي تقدمه الحركة لعائلات الانتحاريين، فإن طالبان لا تزال تسعى إلى إضفاء الشرعية على تاريخها في استخدام الانتحاريين. في هذا السياق، يتم نشر صور وشهادات تمجد أولئك الذين نفذوا الهجمات الانتحارية ضد المدنيين والعسكريين خلال فترة حكم الحكومة السابقة، وحتى الآن تروج الحركة لهذه الأفعال في وسائل الإعلام الحكومية ووسائل التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، يتم الاحتفال بقبور الانتحاريين وتزيينها بالشواهد لتكريم "فدائيي الحركة".

دعم حركة طالبان لأسر الانتحاريين يمثل جانبا مركزيا في استراتيجيتها السياسية والاجتماعية، ويعود ذلك لعدة أسباب:

تعزيز الشرعية والولاء: من خلال تقديم الدعم لأسر الانتحاريين، تحاول طالبان تعزيز موقفها كحركة تمثل "القاعدة الشعبية" للمجاهدين الذين ضحوا بأنفسهم من أجل "قضية الإسلام". هذا يساهم في كسب تأييد المجتمعات المحلية، خاصة في المناطق التي تعد الحركة فيها أكثر تأثيرا.

تعزيز الروح الجهادية: من خلال التكريم والرعاية لأسر الانتحاريين، تعزز طالبان فكرة التضحية في سبيل القضية الدينية. هذا ليس فقط دعما ماديا، بل محاولة لتعميق الانتماء العقائدي للحركة من خلال تمجيد "الشهداء" الذين قتلوا في عمليات انتحارية.

دعم بنية النظام الداخلي: طالبان تعتبر أن دعم أسر الانتحاريين جزء من واجبها تجاه من خدموا في صفوفها. حيث أن الانتحاريين يشكلون جزءا مهما من عملياتهم العسكرية، وخاصة في الحرب ضد الحكومة السابقة والتحالفات الأجنبية التي كانت تتدخل في أفغانستان. دعم هذه الأسر يعزز من استقرار النظام ويضمن ولاء العناصر المقاتلة.

الانتقام الرمزي والتاريخي: الملا هيبة الله أخوندزاده، زعيم طالبان، فقد ابنه في هجوم انتحاري. هذا الارتباط الشخصي مع الانتحاريين يجعل القضية بالنسبة له ذات طابع عاطفي وجهادي، ويعكس رغبة في تكريم من ضحوا بأنفسهم لتحقيق أهداف الحركة.

إضفاء الشرعية على العنف: من خلال دعم الانتحاريين، تحاول طالبان تبرير هجماتهم ضد المدنيين والأهداف العسكرية. فهي تسعى إلى تقديم هذه الهجمات على أنها جزء من "الجهاد" ضد الأعداء، وبالتالي تعزيز السردية التي تقوي موقفها داخليا وخارجيا.

توظيف الدعم الإنساني في السياقات السياسية: حركة طالبان تدرك أن دعم أسر الانتحاريين يمكن أن يستخدم كأداة سياسية لزيادة النفوذ في مناطق معينة، ولإظهار نفسها كحركة تهتم بـ"حقوق المجاهدين" وأسرهم، ما يمكن أن يساعد في تحسين صورتها في نظر بعض الشرائح من المجتمع الأفغاني.

التأثير على المشاعر العامة: دعم أسر الانتحاريين يساهم في خلق تأثير نفسي وجماهيري قوي داخل المجتمع، إذ ينظر إلى "الشهيد" كرمز للمقاومة والتضحية. هذا التأثير يمكن أن يدفع المزيد من الشباب الأفغاني للانضمام إلى صفوف الحركة، خاصة في المناطق الريفية.

بالتالي، دعم حركة طالبان لأسر الانتحاريين ليس فقط نابعا من الدوافع الإنسانية الظاهرة، بل هو جزء من استراتيجية شاملة تعزز مكانتها وتضمن استمرار دعم قاعدة جماهيرية وفئات معينة من المجتمع الأفغاني.

شارك