من الكهوف إلى الكلاود: داعش والعنصريون الجدد في عصر الذكاء الاصطناعي
الأربعاء 16/أبريل/2025 - 12:40 ص
طباعة

يواصل مشروع مكافحة التطرف (CEP) إصدار تقاريره الأسبوعية التي ترصد الأدوات والأساليب التي يستخدمها المتطرفون والجماعات الإرهابية لنشر الدعاية والتحريض على العنف عبر الإنترنت. وفي أحدث تقرير له، كشف الباحثون عن ثمانية حسابات على منصة تيك توك تمجّد مرتكبي هجمات إطلاق النار الجماعي ذات الطابع العنصري، ومن بينهم منفذ هجوم كرايستشيرش الإرهابي في 15 مارس 2019، ومنفذ هجوم بافالو في 14 مايو 2022. وقد لوحظ أن بعض مقاطع الفيديو تم تعديلها باستخدام تأثيرات بصرية مثل التظليل والخطوط العريضة، في محاولة للتحايل على أنظمة المراقبة.
أما على إنستغرام، فقد رصد المركز 14 حسابًا تنشر محتوى دعائيًا لتنظيم داعش، شمل مقاطع من فيديوهات الترويج للتنظيم، وصفحات من نشرته الأسبوعية، إلى جانب بيانات نصية حديثة. وفي 9 أبريل، أصدرت "مؤسسة قمم الإلكترونية"، وهي جهة تقنية داعمة لداعش، دليلًا يتناول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك روبوتات المحادثة ومولدات الصور، مسلطة الضوء على المخاطر المرتبطة بها. كما قامت إحدى قنوات تيليغرام المؤيدة للتنظيم، والمتخصصة في قضايا التكنولوجيا والخصوصية، بالترويج لخمس خدمات تخزين سحابي هذا الأسبوع.
وفي السياق نفسه، استخدم فرع تكساس التابع لحركة "نادي النشط" –وهي حركة عنصرية بيضاء– منصة تيليغرام لتجنيد أعضاء جدد، مستغلًا حادثة مقتل طالب ثانوي على يد زميل له. كما أعلن فرع الحركة في ولاية أوهايو في 3 أبريل عن تغيير اسمه إلى "شبكة أوهايو القومية"، معلنًا عن نيته تطوير نموذج "نادي النشط".
أما على منصة X (تويتر سابقًا)، فقد أنشأ كريستوفر بولهاوس، زعيم جماعة "قبيلة الدم" النازية الجديدة، حسابًا جديدًا بعد أن تم تعليق حسابه السابق، في استمرار لمحاولاته نشر أفكاره المتطرفة عبر المنصة.
محتوى يروج لمطلقي النار من أتباع تفوق العرق الأبيض على تيك توك
في تقرير نُشر بتاريخ 8 أبريل، رصد باحثو مركز مكافحة التطرف (CEP) نشاطًا مقلقًا على منصة تيك توك، تمثل في وجود ثمانية حسابات تنشر محتوى يُمجّد مرتكبي جرائم إطلاق نار جماعي ينتمون إلى تيار تفوق العرق الأبيض. وتضمن هذا المحتوى مقاطع من الهجوم الإرهابي في كرايستشيرش، الذي تم بثّه مباشرة في 15 مارس 2019، مع إجراء تعديلات تقنية على الفيديوهات مثل تغيير الألوان، وتشويش بعض اللقطات، أو استخدام تأثيرات تعرض الخطوط الخارجية فقط للأشخاص والمشاهد.
إلى جانب هذه الحسابات، وثّق المركز ثلاثة حسابات أخرى نشرت مواد تمجّد منفذ هجوم كرايستشيرش أو منفذ هجوم بافالو الذي وقع في مايو 2022. وقد قام المركز بإبلاغ السلطات الوطنية المعنية وإدارة منصة تيك توك بهذه الحسابات، محذرًا من خطورتها. ورغم هذا التحرك، ظلت ثلاثة من تلك الحسابات نشطة حتى يوم 14 أبريل، بعد أربعة أيام من التبليغ الرسمي.
تعكس هذه الظاهرة تحديًا متصاعدًا في معركة مواجهة التطرف الرقمي، حيث يستخدم المتطرفون تقنيات التلاعب بالفيديوهات للالتفاف على خوارزميات الرقابة. كما أن بطء الاستجابة من بعض المنصات، رغم الإبلاغ عن المحتوى، يُثير تساؤلات حول مدى فاعلية سياسات هذه الشركات في مكافحة خطاب الكراهية. الأخطر أن هذه الفيديوهات لا تقتصر على الترويج للأفراد، بل تُعيد إنتاج رموز ومرويات عنيفة من شأنها إلهام أفراد آخرين للسير على ذات الطريق الدموي.
محتوى مؤيد لداعش موجود على إنستغرام
في 9 أبريل ، كشف باحثو مركز مكافحة التطرف (CEP) عن وجود 14 حسابًا نشطًا على منصة إنستغرام، المملوكة لشركة ميتا، تقوم بنشر محتوى دعائي لتنظيم داعش ومؤيديه. وتضمنت المواد المنشورة مقاطع من فيديوهات رسمية تروّج للتنظيم، وروابط تؤدي إلى قنوات مؤيدة له على تطبيق تيليغرام، بالإضافة إلى صور وصفحات من النشرة الأسبوعية "النبأ"، وبيانات حديثة صادرة عن وكالتي "أعماق" و"ناشر" التابعتين للتنظيم.
تبيّن أن متوسط عدد المتابعين لكل حساب من هذه الحسابات يبلغ حوالي 1426 متابعًا، بينما تراوح العدد بين 142 و5343 متابعًا، ما يعكس وجود جمهور متفاعل –ولو محدود نسبيًا– مع هذا النوع من المحتوى المتطرف. قام مركز مكافحة التطرف بإبلاغ شركة ميتا عن هذه الحسابات في اليوم نفسه، إلا أن جميعها ظلّ نشطًا على المنصة حتى تاريخ 14 أبريل، ما يسلط الضوء على بطء إجراءات الإزالة أو التقييد من قبل المنصة.
تكشف هذه الحادثة عن خلل واضح في آليات رصد ومكافحة التطرف الرقمي، حتى على منصات تملك موارد تقنية هائلة مثل إنستغرام. استمرار وجود هذا النوع من الحسابات رغم التبليغ يشير إلى قصور في خوارزميات الكشف التلقائي عن المحتوى المتطرف أو في سرعة الاستجابة البشرية. الأهم من ذلك، أن هذه الحسابات لا تكتفي بنشر رموز داعش الدعائية، بل تُسهّل عملية الانتقال من المشاهدة إلى التجنيد والتواصل، مما يجعل من الفضاء الرقمي ساحة أساسية لتمدد الخطاب الجهادي وتغذيته باستمرار.
مجموعة تقنية مؤيدة لتنظيم داعش تنشر دليلاً لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي عبر الإنترنت
في 9 أبريل، قامت "مؤسسة قمم الإلكترونية" (QEF)، وهي مجموعة تقنية تُعرف بمواقفها المؤيدة لتنظيم داعش، بنشر دليل رقمي يشرح كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي عبر الإنترنت. وقد تم نشر هذا الدليل على منصة PasteThis.To، وجرى تداوله لاحقًا من خلال تطبيق RocketChat، وهو منبر يستخدمه بعض المتعاطفين مع الجماعات المتطرفة لتبادل المواد والأدلة التقنية.
اللافت في هذا الدليل أنه، خلافًا لبعض منشورات QEF التي تستهدف جمهورًا محددًا من أنصار داعش، بدا وكأنه موجه إلى جمهور عام. لم يتضمّن أي إشارات صريحة إلى التنظيم أو مؤيديه، بل اقتصر على عرض معلومات تقنية وتطبيقية حول الذكاء الاصطناعي. احتوى الدليل على قوائم بتطبيقات الذكاء الاصطناعي واسعة الاستخدام، مثل روبوتات المحادثة ومولّدات الصور، بالإضافة إلى منصات متخصصة في التعلم الآلي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية.
كما شمل الدليل إشارات إلى المخاطر المرتبطة باستخدام هذه الأدوات، مثل التحيز الخوارزمي، وقضايا الخصوصية، والمخاطر الأمنية. وقد ترافق ذلك مع تحذير نُشر في 10 فبراير عبر قناة تيليغرام مؤيدة لداعش، دعت فيه المتابعين إلى تجنّب استخدام روبوتات المحادثة بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية والتعقب الرقمي.
تُظهر هذه الخطوة أن الجماعات المؤيدة للتنظيمات المتطرفة بدأت تتعامل مع الذكاء الاصطناعي ليس فقط كأداة دعائية، بل كأداة استراتيجية يجب فهمها وتطويعها بما يتماشى مع أهدافها. نشر دليل محايد ظاهريًا قد يكون محاولة لتوسيع نطاق التأثير واستقطاب جمهور جديد، أو لتوفير بنية معرفية تسهّل لاحقًا توظيف هذه التقنيات في مهام أكثر تعقيدًا، سواء في مجال التجنيد، أو الدعاية، أو حتى الهجمات السيبرانية. ومن المهم الانتباه إلى هذا التحول، كونه يعكس قدرة هذه الجماعات على التكيّف مع التطورات التقنية ومحاولة استغلالها في مسارات غير تقليدية.
قناة تيليجرام التقنية الموالية لتنظيم داعش توصي بخدمات التخزين السحابي
في 5 أبريل، قامت إحدى القنوات التقنية على تطبيق تيليغرام، المعروفة بولائها لتنظيم داعش، بنشر توصيات تتعلق بخدمات التخزين السحابي. وركّزت القناة، التي تُعنى بمواضيع الخصوصية والأمن الرقمي، على أهمية استخدام خدمات موثوقة تتضمن تقنيات تشفير قوية، في إطار توجيهاتها المتكررة لأنصار التنظيم لتجنّب الرقابة أو التعقب الإلكتروني.
وقد شملت التوصيات خمس خدمات سحابية هي: Proton Drive، NordLocker، Internxt، MEGA، وSync.com، مع الإشارة إلى مزايا كل منها، مثل حجم المساحة المجانية المتوفرة، وسهولة الاستخدام، ومستوى الأمان. كما شددت الرسالة على ضرورة تخزين الملفات والمحتوى الحساس عبر الإنترنت في "السحابة المشفّرة" بدلًا من الأجهزة الشخصية، لتقليل احتمالية المصادرة أو الاختراق المحلي.
تعكس هذه التوصيات مدى وعي الجماعات المؤيدة لداعش بأهمية الأمن السيبراني كجزء من استراتيجيتها الإعلامية والتنظيمية. ومن اللافت أن التركيز على أدوات التخزين السحابي يشير إلى سعي هذه الجماعات إلى تعزيز بنيتها الرقمية، وتأمين أرشيفها الدعائي والتشغيلي من الرقابة أو الحذف، ما يمثل تحديًا متناميًا أمام جهود تعقّب المحتوى الإرهابي ومكافحته عبر الإنترنت.
أصدر نادي تكساس أكتيف رسالة تجنيد بعد مقتل طالب في المدرسة الثانوية
في أعقاب حادثة طعن مميت لطالب أبيض يُدعى أوستن ميتكالف (17 عامًا) على يد زميله كارميلو أنتوني (17 عامًا) خلال فعالية رياضية في مدرسة ثانوية بمدينة فريسكو، تكساس، أصدر فرع حركة "أكتيف كلوب" العنصرية في الولاية بيانًا عبر تطبيق تيليغرام يدعو فيه إلى تجنيد رجال بيض للانضمام إلى صفوفه. وأشار البيان إلى أن المجموعة تنشط في مناطق دالاس-فورت وورث، وهيوستن، وأوستن، وتروج للتدريب على الرياضات القتالية كوسيلة لـ"الدفاع عن الذات والعرق".
تزامنت هذه الدعوة مع موجة من التصريحات التحريضية من جماعات يمينية متطرفة أخرى، مثل فروع مختلفة لـ"أكتيف كلوب"، و"باتريوت فرونت"، وعصابة "Vinlanders Social Club" النازية الجديدة، التي استغلت حادثة ميتكالف لتكريس خطابها العنصري والتحريضي، عبر تصوير الجريمة كجزء من "حرب عرقية" مزعومة.
تعكس هذه التحركات كيف تستغل الجماعات المتطرفة الحوادث الفردية لصب الزيت على نار الانقسام العرقي والتحريض على الكراهية. كما تُبرز قدرة هذه الجماعات على التحرك السريع داخل الفضاء الرقمي لتجنيد أفراد جدد، لا سيما في لحظات التوتر المجتمعي. وتُعد دعوات "أكتيف كلوب" مثالًا صارخًا على توظيف المآسي المحلية في إطار مشروع أيديولوجي عنيف يسعى إلى شرعنة العنف العرقي وتمكينه تنظيمياً.
نادي أوهايو النشط يغير اسمه إلى شبكة أوهايو القومية
في 3 أبريل، أعلن فرع أوهايو لحركة "أكتيف كلوب" العنصرية البيضاء عن تغيير اسمه إلى "شبكة أوهايو القومية"، في خطوة تشير إلى تحوّل تنظيمي ذي دلالة. وجاء الإعلان عبر منشور على تطبيق تيليغرام، أوضحت فيه المجموعة أن "أكتيف كلوب" ليس سوى مرحلة تأسيسية، وأن الهدف الحقيقي هو بناء حركات أكثر تنظيمًا وتأثيرًا في المجتمع المحلي، تحت مظلة خطاب قومي أبيض متشدد.
شددت المجموعة في منشوراتها على أهمية الجمع بين التدريب البدني، خصوصًا الرياضات القتالية، والعمل المجتمعي والنشاط الإعلامي، باعتبار ذلك "أدوات للتحرر العرقي". كما أشارت إلى أن نشاطها لم يقتصر على الجانب العنفي أو التحريضي، بل امتد للمشاركة في عمليات إغاثة من الفيضانات في ولاية فرجينيا الغربية، ونظمت فعاليات مثل رياضة المشي لمسافات طويلة، ودروس ملاكمة، بهدف تعزيز الروابط التنظيمية والترويج لنمط حياة "قومي أبيض نشط". كما أدرجت المجموعة حساب تواصل مباشر لتسهيل عمليات التجنيد.
تكشف هذه التطورات عن اتجاه متزايد داخل الحركات اليمينية المتطرفة نحو "التغليف الاجتماعي" لأنشطتها، من خلال الجمع بين العمل الخيري والرياضي والدعاية القومية. فبتغيير الاسم وتوسيع النشاط، تحاول المجموعة بناء شرعية اجتماعية محلية تغلف خطابها المتطرف بممارسات مقبولة ظاهريًا، ما يزيد من خطر تغلغل هذا النوع من الأيديولوجيات في المجتمعات الهشة أو المتأثرة بالأزمات.
رئيس مجموعة النازيين الجدد يعيد إنشاء حساب X بعد إزالته
أنشأ كريستوفر بولهاوس، زعيم جماعة "بلود ترايب" النازية الجديدة، حسابًا جديدًا على منصة X في 5 أبريل، ثم حسابًا جديدًا في 15 أبريل بعد تعليق حسابين قديمين على المنصة. في 9 أبريل، نشر بولهاوس منشورًا يُمجّد ديلان روف، العنصري الأبيض الذي قتل تسعة أمريكيين من أصل أفريقي في كنيسة بمدينة تشارلستون بولاية ساوث كارولينا. في 13 يناير، استخدم بولهاوس حسابًا سابقًا للتحريض على مضايقة قاضية فيدرالية، مطالبًا متابعيه بضمان حصولها على "كل الضغط الذي تستحقه وأكثر" بعد أن حكمت ضد جماعة "باتريوت فرونت" الفاشية الجديدة في دعوى مدنية تتعلق بضرب رجل أسود في بوسطن.
خاتمة
تكشف هذه الوقائع المتعددة عن مدى تنامي قدرة الجماعات المتطرفة، سواء كانت جهادية أو عنصرية بيضاء، على استغلال الفضاء الرقمي لإعادة تشكيل خطابها، وتوسيع قاعدة انتشارها وتجنيدها، بعيدًا عن الرقابة التقليدية. لم تعد هذه الجماعات تعتمد فقط على الشعارات الصارخة أو العمليات العنيفة، بل باتت تستثمر في المحتوى التقني، والذكاء الاصطناعي، والعمل المجتمعي، والتواصل الناعم، لبناء صورة أكثر قبولًا، وتمويه أهدافها الحقيقية.
وفي ظل هذا الواقع، يصبح من الضروري تطوير أدوات الرصد والتحليل لتواكب هذا التحوّل، مع تعزيز التنسيق بين منصات التكنولوجيا والأجهزة المختصة، وعدم الاكتفاء بالإجراءات الأمنية وحدها. فالمعركة ضد التطرف باتت اليوم معركة على الوعي والخيال، أكثر منها مواجهة عسكرية، ويجب أن تُخاض على أرضية الثقافة، والتعليم، والإعلام، إلى جانب القانون.