إخوان الأردن.. رصيد سياسي متآكل ومسارات أمنية مأزومة
الأربعاء 16/أبريل/2025 - 07:19 م
طباعة

كشف إحباط المخططات الأمنية في أبريل 2025 عن شبكة معقدة من الدوافع التي تقف خلف تحركات جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، تتراوح بين العوامل الداخلية والضغوط الإقليمية.
إخوان الأردن: من الشراكة إلى المواجهة
شهدت العلاقة بين جماعة الإخوان والنظام الأردني تصدعا تدريجيا منذ عام 2011. ففي ذلك العام، قادت الجماعة احتجاجات شعبية واسعة مطالبة بإصلاحات سياسية جذرية، بما في ذلك تعديل قانون الانتخابات الذي اعتبرته الجماعة مجحفا بحق الناخبين. بعد ذلك، أخذت التوترات في التصاعد، خاصة بعد قرار جماعة الإخوان مقاطعة الانتخابات البرلمانية لعامي 2013 و2016، مما أسفر عن تقليص نفوذها السياسي المباشر.
ويمكن العودة إلى عام 2005 لتحديد بداية تدهور العلاقات، عندما شهدت العاصمة الأردنية عمان تفجيرات الفنادق التي أسفرت عن مقتل 60 شخصا وإصابة 115 آخرين. ورغم أن جماعة الإخوان لم تكن متورطة في تلك التفجيرات، إلا أن المخاوف الأمنية لدى النظام الأردني ازداد حجمها بعد التصعيد الذي تبعه وارتباطات الحركة مع التوجهات الجهادية العالمية، خاصة في سياق تزايد تعاطف بعض الأردنيين مع الجهاديين.
منذ انتخاب زكي بني ارشيد نائبا للأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين في 2006، وتصاعد أنشطة جماعة الإخوان الإسلامية الأردنية بقيادة همام سعيد، لم تخف القيادة الأردنية قلقها المتزايد من تمادي الجماعة في توسيع نفوذها الإقليمي.
وفي 2011شهدت العلاقة بين الإخوان والنظام الأردني تصدعا تدريجيا، عندما قادت الجماعة احتجاجات تطالب بإصلاحات سياسية جذرية، بما في ذلك تعديل قانون الانتخابات الذي اعتبرته مجحفا.
وبلغت التوترات ذروتها في عام 2013 عندما قررت جماعة الإخوان وجبهة العمل الإسلامي مقاطعة الانتخابات البرلمانية. بعدها، انسحبوا من لجنة الحوار الوطني التي تم تشكيلها بهدف الإصلاح السياسي عقب الاحتجاجات الشعبية.
التصعيد الأمني بعد القرار القضائي في 2016
في عام 2016، أعلن الأردن جماعة الإخوان المسلمين منظمة غير قانونية. ورخصت السلطات لجماعة منشقة جديدة بقيادة عبد المجيد ذنيبات، وهو شخصية ذات أصول شرق أردنية، ما أدى إلى نشوب صراعات قانونية وعملية على ممتلكات الجماعة. وأغلقت السلطات الأردنية العديد من مكاتب جماعة الإخوان في عمان وغيرها من المدن الأردنية، بالإضافة إلى تجميد أصولها المالية.
حل الجماعة قانونيا في 2020 وتأثيره على الأنشطة السرية
في عام 2020، اتخذت المحكمة الأردنية قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين، ما دفع العديد من عناصرها إلى التحول إلى العمل السري.
وفقا لمصادر أمنية، تحولت 40% من الأعضاء السابقين إلى أنشطة غير قانونية، مستغلين الشبكات الخيرية التي أنشأتها الجماعة لجمع الأموال وتمويل العمليات.
في مايو 2024، أغلقت السلطات الأردنية قناة "اليرموك" التابعة لجبهة العمل الإسلامي بسبب عدم امتثالها لقوانين الإعلام الأردني. وكانت هذه الخطوة تأتي بعد تقارير تشير إلى أن القناة كانت تحرض على الاضطرابات في الشوارع الأردنية.
الدور الإيراني في تقوية الجماعات المتطرفة
كشفت التحقيقات الأمنية في الأردن عن تلقي بعض العناصر من الخلايا المسلحة تدريبات في معسكرات تابعة لفيلق القدس الإيراني في لبنان. إضافة إلى ذلك، أكدت مصادر في الأجهزة الأمنية الأردنية أن إيران استثمرت ما يزيد عن 2 مليون دولار بين 2021 و2025 لدعم هذه الشبكات المسلحة، وفقا لموقع المنشر الاخباري.
تفيد المعلومات أن عناصر من الخلايا المسلحة في الأردن قد تلقوا تدريبات متقدمة في معسكرات تابعة لفيلق القدس الإيراني، وهو الجناح العسكري للحرس الثوري الإيراني، وذلك بهدف تعزيز قدراتهم على تنفيذ عمليات معقدة في الأردن والمنطقة بشكل عام. كما كشفت التحقيقات أن هذه الخلايا كانت تحصل على تمويلات مالية عبر شركات وهمية، مما يعقد جهود مراقبة وتحقيق مصادر التمويل المشبوهة.
هذا التمويل الإيراني يهدف إلى تسهيل عمليات تهريب الأسلحة وتمويل الخلايا المسلحة التي تعمل على تقويض استقرار الأردن، وهو ما يعكس وجود دعم إيراني مباشر لهذه الأنشطة.
تفجير المواد المتفجرة في ماركا الجنوبية
وفي يونيو 2024، تمكنت قوات الأمن الأردنية من تفجير مواد متفجرة عثر عليها في منطقة ماركا الجنوبية بالعاصمة عمان، في واحدة من أخطر العمليات التي استهدفت المملكة. وجاء هذا التفجير في أعقاب كشف مخطط إرهابي في مايو 2024 كان يستهدف الأمن الأردني، وهو ما دفع السلطات إلى تكثيف جهودها لمواجهة التهديدات المتصاعدة.
بحسب التحقيقات الأولية، قام أفراد من الخلايا المسلحة بتخزين كميات كبيرة من المواد المتفجرة داخل منزل في منطقة ماركا. وعلى إثر ذلك، تم تنفيذ عملية تفجير ناجحة بواسطة خبراء المتفجرات من سلاح الهندسة الملكي، حيث تم تفجير المواد في الموقع مع اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة، بما في ذلك عزل وإخلاء المنطقة بالكامل دون أن تسجل إصابات.
وقد أكدت مديرية الأمن العام الأردني أن التحقيقات ما زالت جارية، وأنها ستنشر تفاصيل القضية حال الانتهاء منها. في الوقت ذاته، حذرت السلطات من أن هناك تهديدات أمنية مستمرة، خاصة في ظل محاولات ميليشيات موالية لإيران تهريب أسلحة عبر الحدود السورية والعراقية.
ومن خلال التحقيقات الأمنية، تبين أن إيران، من خلال ميليشياتها المنتشرة في سوريا والعراق، كانت قد أرسلت أسلحة إلى خلية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن. ويعتقد أن الهدف من هذا الدعم هو مساعدة المعارضين للنظام الملكي الأردني لتنفيذ عمليات تخريبية ضد الدولة الأردنية.
في مارس 2024، تم إحباط مؤامرة تهريب أسلحة إلى الخلية، حيث ألقت الأجهزة الأمنية الأردنية القبض على مجموعة من الأفراد المشتبه بهم، الذين كانوا من أصول فلسطينية، وكان لديهم ارتباطات مع الجناح العسكري لحركة حماس. وكشفت مصادر أمنية أن الأسلحة أرسلت عبر ميليشيات مدعومة من إيران، بما في ذلك فصائل متمركزة في سوريا، وتم ضبط هذه الأسلحة في عملية استخبارية معقدة.
دور حماس كوسيط بين إيران والإخوان الأردنيين
أظهرت التحقيقات أن حركة حماس لعبت دورا رئيسيا كوسيط بين جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وبين إيران. فقد استغلت حماس الأنفاق الحدودية بين غزة والأردن لتهريب الأسلحة الخفيفة، كما تبين من اعترافات المتهمين الذين أقروا بتلقي تعليمات مباشرة من قيادات حماس في لبنان لتنفيذ عمليات ضد أهداف داخل الأردن.
كما أشارت التحقيقات إلى أن الهيمنة المتزايدة للأعضاء من أصول فلسطينية في جماعة الإخوان الأردنيين قد ساهمت في تغيير أولويات الجماعة. حيث أصبح التركيز الأكبر على دعم القضية الفلسطينية كوسيلة لتعزيز شرعيتهم الشعبية، وهو ما يشير إلى توجهات أيديولوجية متزايدة تهدد استقرار المملكة في حال استمرت هذه الأنشطة.
الاقتصاد كأداة لتنفيذ المخططات
من جهة أخرى، استغل التنظيم حالة الفقر والبطالة المرتفعة في الأردن (التي تجاوزت 37% في 2024) لتجنيد المزيد من الأعضاء الجدد. وبحسب التحقيقات، قام التنظيم بتقديم مبالغ مالية تصل إلى 500 دينار شهريا للمشاركين في الأنشطة المسلحة. كما اعتمدت الجماعة على تحويلات مالية عبر جمعيات خيرية وهمية، حيث تم رصد نحو 4.3 مليون دولار تم تحويلها من دول مثل قطر وتركيا بين 2022 و2025.
وفي مايو 2025، أعلنت الحكومة الأردنية عن مجموعة من الإجراءات الأمنية المكثفة لمواجهة تهديدات الجماعة. تتضمن هذه الإجراءات مراقبة 22 جمعية خيرية يشتبه في تورطها في دعم الأنشطة المسلحة، وتركيب أنظمة كشف متطورة على الحدود السورية، فضلا عن تعزيز التعاون الاستخباري مع دول الخليج.
تأسيس الجماعة والعقود الأولى (1945-1970)
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في الأردن عام 1945 بقيادة عبد اللطيف أبو قورة، الذي اتصل بالمرشد العام حسن البنا وتعرف على الجماعة وكان عضوا في الهيئة التأسيسية في مصر3. وشهدت الجماعة في تلك الفترة مدا جماهيريا بسبب مواقفها وجهادها في قضية فلسطين والقضايا التحررية في العالم العربي، وتركزت أنشطتها الأولية على إقامة الندوات والمحاضرات والاحتفالات الإسلامية ودعوات الإصلاح المجتمعي.
من المثير للاهتمام أن علاقة الإخوان بالنظام الملكي الأردني اتسمت منذ البداية بطابع مختلف عن تجاربهم في الدول العربية الأخرى. حضر المؤسس الملك عبد الله بن الحسين بنفسه حفل تأسيس مقر الجماعة في عمان، وعرض على عبد الحكيم عابدين صهر حسن البنا المشاركة بمقعد وزاري في الحكومة الأردنية.
وقد شاركت الجماعة في حرب فلسطين عام 1948 بسرية أبو عبيدة عامر بن الجراح، وكان مقرها في قرية عين كارم، حيث كان قوامها 120 رجلا بقيادة عبد اللطيف أبو قورة.
اختير محمد عبد الرحمن خليفة مراقبا عاما للجماعة أواخر عام 1953، حيث قام بإنشاء نظام أساسي وتنظيم بنية الجماعة. وفي هذه الفترة انضم تنظيم الجماعة في فلسطين إلى تنظيم الأردن لتشكل جماعة واحدة3. واهتم الإخوان بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وأنشأوا بعض المدارس مثل مدرسة البر بأبناء الشهداء في مخيم عقبة جبر.
بدا التحالف بين الإخوان والنظام الملكي في الأردن طبيعيا، بسبب تعرض الطرفين للاستهداف من قبل الأنظمة الجمهورية العربية التي تشكلت عبر الانقلابات العسكرية في الجوار العربي المحيط بالأردن، وتحديدا في سوريا ومصر والعراق.