من الحليف إلى العدو.. طالبان تُنهي وجود الحزب الإسلامي في أفغانستان
الأربعاء 16/أبريل/2025 - 07:27 م
طباعة

في خطوة مثيرة للجدل تعكس تصعيدًا جديدًا من قبل حركة طالبان ضد الأحزاب السياسية في البلاد، أصدرت وزارة العدل التابعة للحكومة التي تديرها الحركة أمرًا بإغلاق المكاتب الإقليمية للحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، ومصادرة ممتلكاته، واعتقال موظفيه. جاء ذلك في رسالة رسمية نُشرت يوم الإثنين، 15 أبريل، عبر منصة "X" من قبل حبيب الرحمن حكمتيار، نجل زعيم الحزب.
ونقلت الرسالة الصادرة من إدارة العدل في ولاية قندوز عن الوزارة المركزية قولها: "سُمع أن منشورات وأنشطة تجري من وقت لآخر تحت اسم وعنوان الحزب الإسلامي"، مضيفة: "بناءً عليه، يجب في كل مقاطعة يوجد بها مكتب مفتوح للحزب، إغلاق المكتب، ونقل معداته إلى مقر الإدارة، واحتجاز الموظفين حتى يعلنوا توبتهم عن أفعالهم".
وطالبت وزارة العدل الإقليمية بالتنسيق مع مكتب الحاكم وأجهزة الاستخبارات المحلية لتنفيذ هذا القرار. كما نصّت الرسالة على أن الأشخاص الذين يواصلون العمل تحت اسم الحزب في المناطق التي لا توجد بها مكاتب رسمية سيتم تحديدهم واعتقالهم أيضًا.
في رده على هذه التطورات، شبّه حبيب الرحمن حكمتيار تصرف طالبان بالحكومة الشيوعية التي حكمت أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، قائلاً: "مثلما فعل الشيوعيون، تتعامل طالبان مع خصومها السياسيين كأعداء. وقد فشل الشيوعيون، وهم اليوم يكررون تجربة الفشل نفسها".
حظر كامل على العمل الحزبي
منذ استيلائها على السلطة في أغسطس 2021، فرضت حركة طالبان حظرًا شاملًا على أنشطة الأحزاب السياسية، معتبرةً إياها مخالفة للشريعة الإسلامية، وأغلقت المكاتب التابعة لها بما في ذلك المكاتب الإعلامية للحزب الإسلامي. كما استعادت المجموعة منزلًا كان قد مُنح سابقًا لقلب الدين حكمتيار من الحكومة الأفغانية السابقة، ونقلته إلى موقع جديد في كابول.
الحزب الإسلامي – جذور جهادية وتحولات سياسية
تأسس الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار عام 1977 كأحد الفصائل الإسلامية المسلحة التي قاتلت ضد الغزو السوفييتي. وكان حكمتيار شخصية بارزة في حركة الجهاد الأفغاني، حيث حظي بدعم كبير من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ووكالة الاستخبارات الباكستانية، فضلًا عن تمويل من منظمات خيرية سعودية وشخصيات عربية مؤيدة للجهاد، من بينهم أسامة بن لادن.
درّب حكمتيار المقاتلين في مخيمات اللاجئين الباكستانية، وأدار مدارس ومستشفيات في المناطق الحدودية. ومع ذلك، عُرف الحزب بموقفه المتشدد وبطابعه التنظيمي المركزي النخبوي، على غرار جماعة الإخوان المسلمين التي تأثر بها حكمتيار خلال دراسته الجامعية في كابول.
وفي أعقاب سقوط النظام الشيوعي عام 1992، رفض حكمتيار الانضمام إلى حكومة المجاهدين بقيادة برهان الدين رباني، ودخل في صراع دموي من أجل السيطرة على كابول، متسببًا في دمار واسع النطاق. ورغم محاولات عديدة للتوسط بينه وبين قادة المجاهدين الآخرين، أبرزهم أحمد شاه مسعود، فإن الصراعات الطائفية والإثنية حالت دون تحقيق توافق.
التهميش بعد صعود طالبان
مع ظهور حركة طالبان في منتصف التسعينيات، فقد الحزب الإسلامي الدعم الباكستاني لصالح الحركة الناشئة آنذاك. انقسم أنصاره بين من التحق بطالبان ومن فرّ إلى باكستان أو إيران، حيث قضى حكمتيار سنوات في المنفى حتى طُرد من إيران بعد الغزو الأمريكي عام 2001.
عاد حكمتيار إلى المشهد السياسي من جديد بإعلانه "الجهاد" ضد قوات التحالف الدولي، وتم إدراجه من قبل الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب عام 2003. وفيما بعد، سعت حكومة حامد كرزاي لاحتوائه سياسيًا عبر مبادرات سلام، لكنها لم تؤدِّ إلى نتيجة حاسمة. رفض حكمتيار آنذاك المشاركة في الحكومة المدعومة من الغرب، ووضع شروطًا أبرزها انسحاب القوات الأجنبية وتشكيل حكومة انتقالية.
حزب إسلامي جديد في كابول
بحلول عام 2004، أنشأ عدد من قادة الحزب السابقين حزبًا سياسيًا جديدًا باسم "الحزب الإسلامي – أفغانستان"، مسجلًا رسميًا لدى وزارة العدل الأفغانية. ادعى الحزب الجديد التزامه بالقوانين التي تحظر ارتباط الأحزاب بالجماعات المسلحة، وشارك بعض أعضائه في الحكومات المتعاقبة، مدّعين السيطرة على نسبة كبيرة من المناصب الحكومية، من وزراء وحكام ونواب.
لكن العلاقة بين الحزب الجديد وحكمتيار بقيت محل جدل. ففي مقابلات عديدة، أكد الزعيم المخضرم أن أولئك القادة لم يعودوا جزءًا من تنظيمه، متهمًا إياهم بمحاولة اختراق الحزب لصالح الحكومة.
دلالات الخطوة الأخيرة
القرار الأخير لطالبان بإغلاق مكاتب الحزب الإسلامي يشير إلى تشديد قبضة الحركة على الحياة السياسية في البلاد، رغم تأكيداتها المستمرة بأنها تسعى إلى الاستقرار والحوار. ويبدو أن أي تحركات مستقلة – حتى من قبل جماعات إسلامية تاريخية كانت شريكة في الكفاح المسلح – باتت تُعد تهديدًا محتملاً لسلطة الحركة.
وفي الوقت الذي لم تُعلن فيه طالبان رسميًا عن الدوافع الكاملة وراء هذه الخطوة، يربط مراقبون بين القرار والقلق المتزايد لدى الحركة من أي تحركات معارضة، حتى تلك التي تأتي من داخل التيار الإسلامي التقليدي.
إلى أين يتجه الحزب الإسلامي؟
يبقى مستقبل الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار غامضًا في ظل الحملة الحالية. ومع ضعف قاعدة التأييد الشعبي، وغياب الدعم الإقليمي، وانقسام القيادة التاريخية، تواجه الجماعة أحد أصعب فصولها منذ تأسيسها قبل أكثر من أربعة عقود. ما إذا كان حكمتيار سيكتفي بالتنديد اللفظي، أم سيحاول استعادة نفوذه بوسائل أخرى، لا يزال سؤالًا مفتوحًا في المشهد السياسي المضطرب لأفغانستان.