عودة الحوار بين واشنطن وطهران.. هل تنجح مفاوضات روما في كبح الطموح النووي الإيراني؟

السبت 19/أبريل/2025 - 11:10 ص
طباعة عودة الحوار بين واشنطن أميرة الشريف
 

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والقلق الدولي المتنامي من البرنامج النووي الإيراني، تستأنف الولايات المتحدة وإيران، السبت، جولة جديدة من المحادثات غير المباشرة في العاصمة الإيطالية روما، وذلك بعد جولة أولى عقدت في العاصمة العُمانية مسقط قبل أسبوع، وصفها الطرفان بأنها "بنّاءة"، رغم استمرار الخلافات العميقة حول جوهر الأزمة. 


وتأتي هذه المحادثات في وقت حساس يشهد فيه الملف النووي الإيراني تصعيدًا على مستويات متعددة، وسط تحذيرات من انزلاق الأوضاع نحو مواجهة مفتوحة، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية في تحقيق أي اختراق ملموس.


الوفد الإيراني الذي يقوده نائب وزير الخارجية عباس عراقجي، وصل إلى روما مساء الجمعة، في مهمة دبلوماسية تُعد من بين الأكثر تعقيدًا في ظل الجمود المستمر منذ انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي في عام 2018. 


وتُجرى هذه الجولة من المحادثات بوساطة سلطنة عمان، التي تواصل لعب دور الوسيط بين الجانبين، بينما يترأس الوفد الأمريكي الموفد الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف. 


ولا تُجرى المباحثات بشكل مباشر بين الوفدين، بل من خلال وسطاء، في ظل انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ عام 1980.


عراقجي بدا حذرًا في تصريحاته قبيل الاجتماع، إذ أعرب عن وجود "شكوك جدية" لدى طهران إزاء نوايا واشنطن، لكنه أضاف أن بلاده قررت المشاركة في هذه الجولة على أي حال، مع إدراكها أن الطريق لن يكون سهلًا نحو اتفاق شامل. 


أما من الجانب الأمريكي، فالمواقف تتأرجح بين الدعوات للعودة إلى المسار التفاوضي والتهديد باستخدام القوة في حال لم تسفر المفاوضات عن نتائج. 


وقد صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي انسحب من الاتفاق قبل سبع سنوات، بأنه "ليس في عجلة" لاستخدام الخيار العسكري ضد إيران، لكنه في الوقت ذاته لوّح بإمكانية اللجوء إليه إذا ما استدعت الضرورة.


الأزمة الراهنة تعود بجذورها إلى انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة"، والذي نصّ على رفع تدريجي للعقوبات المفروضة على إيران مقابل التزامها بتقييد برنامجها النووي. 


بعد الانسحاب، أعادت إدارة ترامب فرض حزمة من العقوبات القاسية على طهران، ضمن سياسة "الضغوط القصوى"، ما دفع إيران إلى التراجع تدريجيًا عن التزاماتها، وتوسيع أنشطتها النووية.


 ورفعت إيران مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 60%، وهو ما يُعد خطوة خطيرة تقترب من مستوى 90% المطلوب لصنع أسلحة نووية، رغم تأكيدها المتكرر أن برنامجها يهدف فقط إلى الاستخدامات المدنية والسلمية.


قبل أيام فقط من استئناف المحادثات في روما، أدلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بتصريحات حذّر فيها من أن إيران باتت "ليست بعيدة" عن امتلاك القدرة التقنية لإنتاج قنبلة نووية.


 وعززت هذه التصريحات المخاوف الغربية، في وقت تواصل فيه طهران إنكار أي نية لتطوير سلاح نووي، مؤكدة أن كل أنشطتها تقع ضمن الإطار السلمي، وتتم تحت رقابة الوكالة الدولية.


مع ذلك، تشدد إيران على أن المفاوضات يجب أن تركز فقط على الملف النووي ورفع العقوبات الاقتصادية، رافضة بشكل قاطع مناقشة برنامجها الصاروخي أو نفوذها الإقليمي، وتعتبر هذه الملفات "خطوطًا حمراء".


 وكان عراقجي قد حذر من تقديم مطالب "غير واقعية"، في إشارة إلى دعوة المبعوث الأمريكي إلى تفكيك شامل للبرنامج النووي، بما في ذلك الجوانب المدنية. كذلك، أكد الحرس الثوري الإيراني أن قدرات إيران العسكرية، خصوصًا برنامج الصواريخ الباليستية، غير قابلة للتفاوض.


بالتزامن مع المحادثات، تتخذ القوى الدولية الأخرى مواقف متفاوتة. ففي حين دعت أمريكا شركاءها الأوروبيين إلى اتخاذ موقف أكثر حزمًا، من خلال تفعيل "آلية الزناد" التي تسمح بإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران تلقائيًا، فإن بعض الدول الأوروبية لا تزال تتردد في اتخاذ مثل هذه الخطوة، خشية أن يؤدي ذلك إلى تقويض أي أمل في العودة إلى المسار الدبلوماسي.


 كان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، قد دعا الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ "قرار حاسم"، محذرًا من تبعات التقاعس عن مواجهة ما وصفه بـ"التهديد الإيراني المتزايد".


في المقابل، تراقب إسرائيل عن كثب ما يجري في روما، وسط مخاوف من أن تؤدي أي تسوية تُبقي على البرنامج النووي الإيراني إلى تهديد مباشر لأمنها.


 وقد أكدت الحكومة الإسرائيلية التزامها بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي "بأي وسيلة ممكنة"، مشيرة إلى أنها تملك "خطة تحرك واضحة"، وهو ما يُفهم منه أن الخيار العسكري لا يزال مطروحًا في الحسابات الإسرائيلية.


وتتعقد المفاوضات أكثر بفعل الأبعاد الإقليمية المرتبطة بها، إذ تُعد إيران فاعلًا رئيسيًا في ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، الذي يضم جماعات مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وفصائل مسلحة في العراق. 


ويثير هذا النفوذ الواسع قلق الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ويزيد من تعقيد المشهد التفاوضي.


رغم الأجواء المشحونة، فإن مجرد استئناف المحادثات يُعد مؤشرًا على وجود نية، ولو ضئيلة، لتفادي التصعيد والعودة إلى طاولة التفاهم. 


لكن الهوة العميقة بين الجانبين، وانعدام الثقة المتراكم، يجعلان من إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد مهمة صعبة، وربما مستبعدة في المستقبل القريب.


 وفي حال فشلت مفاوضات روما، فإن المنطقة قد تكون مقبلة على جولة جديدة من التصعيد، في وقت لم تتعافَ فيه بعد من آثار أزمات سابقة، وسط واقع إقليمي شديد الهشاشة.

شارك