مقاومة أم مؤامرة؟ خلية الفوضى تضع العلاقة بين عمّان و«حماس» على المحك

الأربعاء 23/أبريل/2025 - 07:26 ص
طباعة مقاومة أم مؤامرة؟ أميرة الشريف
 
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، جاءت قضية "خلية الفوضى" لتفجّر جدلاً واسعاً حول الخط الفاصل بين دعم المقاومة المشروعة ومساس الأمن القومي.
 فالاتهامات التي وجهتها السلطات الأردنية لـ17 موقوفاً بالتحضير لهجمات باستخدام صواريخ ومسيّرات داخل البلاد، لم تمرّ كحدث أمني عابر، بل أعادت تسليط الضوء على العلاقة المتأرجحة بين الدولة الأردنية وحركة "حماس"، التي سعت سريعاً إلى نفي أي نية للمساس باستقرار المملكة، مؤكدة أن ما جرى جاء في سياق "نصرة فلسطين" لا التخطيط للفوضى. 
وبين الرواية الأمنية التي تنذر بخطر داخلي، والتبرير القومي الذي تطرحه "حماس"، تتبدّى أزمة أعمق تتجاوز الأشخاص إلى معادلة العلاقة ذاتها: هل لا يزال بالإمكان احتضان القضية الفلسطينية دون المساس بأمن الدولة؟ وهل باتت المقاومة عبئاً دبلوماسياً في زمن التحالفات الإقليمية الحساسة؟.
هذه القضية تأتي في وقت حساس يتزامن مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مما يضع الأردن أمام معضلة شديدة التعقيد.
 فالدولة التي لطالما كانت داعماً أساسياً لفلسطين، تواجه الآن تحدياً في كيفية الموازنة بين التزامها القومي وبين حفاظها على استقرارها الداخلي.
 وعلى الرغم من أن "حماس" تُصرّ على أن التحركات التي قام بها الموقوفون كانت بدافع "نصرة فلسطين"، إلا أن المخاوف من تأثير ذلك على الأمن الأردني بدأت تتعاظم، في ظل ما تحمله المنطقة من تطورات أمنية غير مسبوقة.
هذا الوضع يُعيد طرح أسئلة صعبة حول دور "حماس" في الأردن، ومدى قدرة المملكة على الحفاظ على علاقات متوازنة مع الحركة في ظل الظروف الإقليمية الحالية.
 في الوقت نفسه، فإن هذه الأزمة تفتح الباب أمام مراجعة العلاقة الأردنية مع القوى الفلسطينية الفاعلة، في ظل الظروف الراهنة التي تستدعي الحفاظ على الاستقرار الداخلي بأعلى الأولويات، في الوقت الذي يبدو فيه أن دعم القضية الفلسطينية بات في بعض الأحيان يشكّل تحدياً أمنياً قد تكون له عواقب سياسية ودبلوماسية.
البيان الصادر عن "حماس"، دعا إلى التعامل مع القضية بمنظور "الحكمة والمسؤولية القومية"، مؤكداً أن المتهمين، وعددهم 17 شخصاً، تحركوا بدافع "النصرة لفلسطين"، وليس بقصد المساس بأمن الأردن أو استقراره، حسب تعبير الحركة.
وجاء في البيان أن "دعم المقاومة الفلسطينية هو واجب أخلاقي وقومي، وحق تكفله كل المواثيق الدولية، ولا يجب أن يُدان أو يُجرم"، في رسالة تعكس محاولة من الحركة لفصل القضية الأمنية عن القضية القومية الفلسطينية، وتقديم الموقوفين على أنهم أصحاب نية وطنية، لا نوايا تخريبية.
وكانت السلطات الأردنية قد أعلنت، الأسبوع الماضي، عن ضبط خلية وصفتها بـ"خلية مخطط الفوضى"، واتهمت أفرادها بالتحضير لهجمات باستخدام صواريخ ومسيّرات داخل الأراضي الأردنية، في تطور أمني استثنائي أثار ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية والشعبية.
وبحسب المعلومات التي تم تسريبها حتى الآن، فإن الخلية كانت تستهدف خلق حالة من الاضطراب الداخلي، دون أن تُكشف بعد تفاصيل دقيقة عن الأهداف الميدانية أو الجهات الداعمة، وهو ما وعدت الحكومة الأردنية بالكشف عنه لاحقًا عبر وزير الداخلية.
لم يصدر أي تعليق رسمي مباشر من الحكومة الأردنية على بيان "حماس"، إلا أن وزير الاتصال الحكومي، محمد المومني، قال في تصريحات أعقبت جلسة مجلس الوزراء إن "الأردن دولة مؤسسات، تعمل وفق القانون لتحقيق المصلحة الوطنية العليا، وفي مقدمتها الأمن والاستقرار".
وأضاف المومني، ناقلاً عن رئيس الوزراء جعفر حسان، أن "الوطن هو الأولوية الأولى، ولا يعلو عليه أي اعتبار"، في إشارة إلى أن السلطات تنظر إلى هذه القضايا بمنظور سيادي لا يتهاون مع أي تهديد، حتى وإن تم تبريره بدوافع قومية أو دينية.
تعكس هذه القضية مرة أخرى التحدي الدائم الذي تواجهه الأردن في التعامل مع حركة "حماس"، والتي ترتبط بها علاقات غير رسمية شديدة الحساسية. فعلى الرغم من أن عمّان تستضيف ملايين الفلسطينيين، وتُعرف بدعمها التاريخي للقضية الفلسطينية، فإنها تضع خطوطاً حمراء صارمة فيما يخص العمل السياسي أو العسكري المنطلق من أراضيها.
وفي سنوات ماضية، أبعدت السلطات الأردنية قادة من "حماس" وعلّقت نشاطاتهم السياسية، خصوصاً بعد تقارب الحركة مع جهات إقليمية تعتبرها عمّان خصمًا في توازنات الإقليم، مثل إيران.
ورغم أن الخطاب الرسمي الأردني يؤكد دعم فلسطين وحقها في مقاومة الاحتلال، إلا أن هذا الدعم لا يُترجم إلى سماح بأي تحرك عملي على الأرض الأردنية قد يُفهم أنه تهديد لأمن الدولة أو يُحرجها أمام حلفائها الغربيين.
قضية "خلية الفوضى" تتجاوز في دلالاتها البعد الأمني إلى أبعاد سياسية إقليمية، خاصة في ظل الانقسام العربي تجاه الموقف من "حماس" والمقاومة الفلسطينية. 
ففي الوقت الذي تدعم فيه بعض الدول العربية تحركات المقاومة بوصفها رداً مشروعاً على الاحتلال، ترى دول أخرى أن تحركات "حماس" قد تستدرج أزمات أمنية داخلية لا تحتملها المنطقة في هذه المرحلة.
وقد تُفسَّر دعوة "حماس" الأخيرة كرسالة مزدوجة: أولاً للأردن لاحتواء الموقف وتخفيف الحدة الأمنية، وثانياً للرأي العام العربي الذي قد ينظر إلى اعتقال الداعمين لفلسطين كخطوة مرفوضة شعبيًا، خاصة في ظل الزخم الشعبي الهائل الداعم لغزة مؤخرًا.
ما بين الرواية الأمنية التي تقدمها السلطات الأردنية، والتبرير القومي الذي تطرحه "حماس"، تبقى الحقيقة قيد التحقيق، وربما تُفصح عنها الأيام القادمة عندما تُعلن وزارة الداخلية نتائج التحقيقات،  لكن الواضح أن هذه القضية تختبر مجددًا مدى قدرة عمّان على الموازنة بين التزاماتها الأمنية الداخلية ومواقفها القومية تجاه القضية الفلسطينية.
كما أنها تفتح الباب أمام مراجعة العلاقة الأردنية مع القوى الفلسطينية الفاعلة، خاصة في ظل متغيرات إقليمية معقدة، وضغوط داخلية تستدعي الحفاظ على الاستقرار بأي ثمن.

شارك