الولايات المتحدة تنفي مسؤوليتها عن انفجار صنعاء وتُحمّل الحوثيين المسؤولية

السبت 26/أبريل/2025 - 11:33 ص
طباعة الولايات المتحدة فاطمة عبدالغني
 
في خضم التصعيد العسكري والتجاذبات السياسية بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي، أصدرت القيادة المركزية الأمريكية بيانًا أوضحت فيه ملابسات الانفجار المميت الذي وقع في العاصمة اليمنية صنعاء يوم الأحد الماضي، وأكدت القيادة أن الانفجار لم يكن نتيجة غارة جوية أمريكية، كما زعمت السلطات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بل نتج وفقًا لتحقيقاتها عن صاروخ أطلقته منظومة الدفاع الجوي التابعة للحوثيين وسقط بالخطأ في منطقة سكنية مكتظة.
وبحسب تقارير محلية، وقع الانفجار في حي قريب من المدينة القديمة بصنعاء، وهي منطقة تاريخية مدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) كموقع تراث عالمي، وتُعرف بأبراجها المعمارية المميزة التي تمثل جانبًا مهمًا من الهوية الثقافية اليمنية، وأدى الحادث إلى سقوط 12 قتيلًا وإصابة أكثر من 30 آخرين، بحسب ما أفادت به وزارة الصحة التابعة للحوثيين.
وأثار الانفجار موجة من الغضب والحزن، لا سيما أن موقع الحادث يقع في قلب منطقة سكنية مزدحمة قريبة من أحد أهم المعالم التراثية في اليمن، ما زاد من حدة القلق المحلي والدولي بشأن سلامة المدنيين والبنية التحتية الثقافية في ظل استمرار الصراع، وفيما سارعت وسائل الإعلام التابعة للحوثيين إلى اتهام الولايات المتحدة بتنفيذ غارة جوية مميتة على الحي، جاء الرد الأمريكي لينفي بشكل قاطع أي تورط في الحادث.
وأكد المتحدث باسم القيادة المركزية، ديف إيستبورن، أن القوات الأمريكية لم تنفذ أي ضربات جوية في محيط موقع الانفجار، موضحًا أن أقرب غارة أمريكية في تلك الليلة نُفذت على بُعد يزيد عن ثلاثة أميال من مكان الحادث، وأضاف أن الأدلة المتوفرة لدى الجيش الأمريكي تشير إلى أن صاروخًا أطلقته قوات الحوثي لاعتراض طائرة مُسيّرة أو تهديد جوي محتمل، قد سقط داخل الحي عن طريق الخطأ، متسببًا بالانفجار الكارثي.
وبحسب القيادة المركزية، فقد استند هذا التقييم إلى تحليل مقاطع فيديو وشهادات محلية، إضافة إلى العثور على شظايا للصاروخ في موقع الانفجار، كتب عليها عبارات باللغة العربية تُشير إلى مصدره، ورغم ذلك لم تُرفق القيادة المركزية هذه المزاعم بأدلة مرئية أو وثائق مستقلة يمكن التحقق منها بشكل علني، ما ترك المجال مفتوحًا لتأويلات وتشكيك من قبل الأطراف الأخرى، وفي مقدمتهم جماعة الحوثي، التي تمسكت بروايتها ورفضت الاتهامات الأمريكية جملةً وتفصيلًا.
خلاف متصاعد حول ملابسات الانفجار 
رغم تأكيد القيادة المركزية الأمريكية أن الانفجار الذي وقع مؤخرًا في العاصمة صنعاء نجم عن صاروخ حوثي سقط عن طريق الخطأ، قوبلت هذه الرواية برفض قاطع من قبل قيادات جماعة الحوثي، وفي طليعة الرافضين جاء محمد البخيتي، العضو البارز في المكتب السياسي للجماعة، الذي اتهم الولايات المتحدة بمحاولة تضليل الرأي العام وتبرئة نفسها من مسؤولية مباشرة عن الكارثة الإنسانية التي خلّفها الانفجار.
واعتبر البخيتي أن البيان الأمريكي لا يعدو كونه محاولة لتشويه صورة جماعة الحوثيين أمام المجتمع الدولي، والتقليل من حجم الأضرار التي تسببت بها الهجمات الأمريكية السابقة داخل الأراضي اليمنية، وأشار إلى أن واشنطن تسعى من خلال هذه التصريحات إلى صرف الأنظار عن دورها العسكري في النزاع، خاصة فيما يتعلق بالضربات التي طالت بنى تحتية حيوية، من موانئ ومراكز مدنية ومنازل مأهولة بالسكان.
تصريحات البخيتي جاءت في سياق حالة من التوتر المتصاعد بين جماعة الحوثي والولايات المتحدة، وهو توتر يتجاوز هذا الحادث بعينه، ليعكس صراعًا أوسع وأعمق حول النفوذ والسيطرة في اليمن والمنطقة ككل، فخلال السنوات الماضية، تصاعدت الانتقادات الحوثية للتدخل العسكري الأمريكي، الذي يعتبرونه انتهاكًا للسيادة اليمنية وتدخلاً مباشرًا في الشأن الداخلي.
وقد برز هذا التوتر بشكل خاص في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي كثّفت العمليات الجوية في اليمن ضمن استراتيجية تستهدف تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة عبر استهداف وكلاء طهران وفي مقدمتهم جماعة الحوثي، وتأتي هذه الضربات في إطار سعي الولايات المتحدة إلى تأمين الممرات البحرية الحيوية، وعلى رأسها مضيق باب المندب، الذي يُعد أحد أهم الشرايين التجارية العالمية، مما يجعل اليمن ساحة صراع مفتوحة بين القوى الإقليمية والدولية.
وفي ضوء هذه الخلفية المتشابكة، لا يُنظر إلى حادثة الانفجار في صنعاء كحدث معزول، بل كحلقة جديدة في سلسلة من الاتهامات المتبادلة، والتوترات المتصاعدة، التي تجعل من اليمن مسرحًا دائمًا للصراع الجيوسياسي، حيث تختلط المأساة الإنسانية بحسابات السياسة الدولية.
تصعيد أمريكي متواصل واستهداف متزايد لمواقع الحوثيين
في ظل التصعيد المتزايد في اليمن، كثفت الولايات المتحدة من عملياتها العسكرية، وخصوصًا منذ شهر مارس 2025، حيث شنت غارات جوية متتالية استهدفت المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في محاولة لاحتواء نفوذهم العسكري واللوجستي، وقد بررت الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، هذا التصعيد بضرورات أمنية عاجلة، على رأسها التصدي لهجمات الحوثيين الصاروخية على إسرائيل وتأمين حركة الملاحة في البحر الأحمر، لا سيما عبر مضيق باب المندب الذي يُعد أحد أهم الممرات البحرية الاستراتيجية في العالم.
وتُتهم الجماعة الحوثية، المدعومة من إيران، بانتهاك العقوبات الأمريكية من خلال مواصلة استيراد الأسلحة والإمدادات عبر موانئ حيوية في اليمن، ما دفع واشنطن إلى استهداف تلك الموانئ، وخصوصًا ميناء الحديدة، في إطار حملة تهدف إلى قطع خطوط الإمداد وتعطيل قدرة الحوثيين على شن عمليات هجومية في الإقليم، وقد أدت إحدى هذه الغارات، التي نُفذت في وقت سابق من أبريل الجاري، إلى سقوط عدد كبير من الضحايا، حيث أُفيد بمقتل 74 شخصًا، في واقعة أثارت ردود فعل واسعة من قبل منظمات دولية.
وقد عبّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه العميق إزاء هذه التطورات، مُنددًا بالخسائر الفادحة التي لحقت بالمدنيين، بما في ذلك إصابة عدد من العاملين في المجال الإنساني، كما دعا جميع الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى احترام القانون الدولي الإنساني وضمان حماية البنية التحتية المدنية، مشددًا على ضرورة عدم توسيع رقعة النزاع بما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد.
ورغم هذه الإدانات الدولية، لم تُظهر واشنطن أي نية لتخفيف عملياتها، بل أكدت تمسكها باستراتيجيتها الرامية إلى تقويض النفوذ الحوثي ومنع أي تهديد مباشر أو غير مباشر لحلفائها ومصالحها الحيوية في المنطقة، بالمقابل واصل الحوثيون الرد على هذا التصعيد عبر تنفيذ هجمات صاروخية ضد أهداف بحرية وأراضٍ إسرائيلية، الأمر الذي زاد من تعقيد المشهد الإقليمي وأثار تساؤلات متزايدة حول فعالية التدخلات العسكرية في تحقيق استقرار دائم.
جذور الصراع وتشعباته
منذ ما يقارب عقدًا من الزمن، يعيش اليمن في خضم صراع دموي معقّد ألقى بظلاله الثقيلة على مختلف مناحي الحياة في البلاد، بدأت ملامح هذا النزاع تتبلور بوضوح مع سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء في عام 2014، وهو الحدث الذي شكل نقطة تحول محورية أشعلت فتيل حرب أهلية مفتوحة، ومنذ ذلك الحين، تشكل تحالف عسكري بقيادة المملكة العربية السعودية، مدعومًا بالدعم اللوجستي والاستخباراتي الأمريكي، بهدف إعادة الحكومة المعترف بها دوليًا إلى السلطة، ووقف التمدد الحوثي في اليمن والمنطقة.
وقد أسفرت سنوات الحرب المتواصلة عن دمار هائل للبنية التحتية، وانهيار الخدمات الأساسية، وأدت إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث اضطر ملايين اليمنيين إلى النزوح من منازلهم وأصبحوا في أمسّ الحاجة إلى الغذاء والدواء والمأوى، وبينما تراجعت حدة المواجهات العسكرية المباشرة في بعض المناطق خلال فترات متقطعة، ظل المشهد العام مرشحًا لمزيد من التصعيد في ظل انعدام حلول سياسية دائمة.
وعلى مدار السنوات، تحولت جماعة الحوثيين من ميليشيا قبلية محلية إلى سلطة أمر واقع تمسك بزمام الأمور في شمال البلاد، مستندة إلى شبكة دعم سياسي وعسكري من إيران، ما أضفى على النزاع طابعًا إقليميًا واضحًا، وفي الأشهر الأخيرة شهد الدور الحوثي في الساحة الإقليمية تصاعدًا ملحوظًا، لا سيما من خلال تنفيذ هجمات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية، واستهداف السفن التجارية في البحر الأحمر، وهو ما اعتبرته الجماعة جزءًا من التزامها السياسي والعسكري بدعم القضية الفلسطينية، خاصة في ظل تصاعد العدوان على قطاع غزة.
غير أن هذه الهجمات رغم تبريرها السياسي لم تمر دون تداعيات؛ فقد تسببت في اضطرابات بالغة في حركة التجارة الدولية، وأثارت قلقًا متزايدًا في الأوساط الاقتصادية العالمية بشأن أمن الممرات البحرية الحيوية، مثل مضيق باب المندب. وهكذا، أضحى النزاع في اليمن متشابكًا مع ملفات إقليمية أكثر تعقيدًا، ما جعل أي محاولة لفك عقدته تتطلب مقاربة شاملة تتجاوز الإطار المحلي إلى معالجة الأبعاد الجيوسياسية الأوسع.
آفاق قاتمة وحاجة ملحّة إلى حلول
بينما تواصل الولايات المتحدة تنفيذ عملياتها العسكرية في اليمن، تتصاعد المخاوف من أن تؤدي هذه الحملة إلى مزيد من إراقة الدماء بين المدنيين وتفاقم حالة عدم الاستقرار التي تعصف بالمنطقة، فمع كل ضربة جوية جديدة ومع كل ردّ حوثي يستهدف الملاحة الدولية يبدو أن الأزمة تتعمق أكثر وتبتعد معها آمال التهدئة، وتُبرز الهجمات الحوثية على السفن التجارية، وكذلك الضربات الأمريكية المتكررة، مدى هشاشة الوضع الإقليمي، وتهدد بإشعال جبهات جديدة في نزاع أصبح بالفعل أحد أعقد الأزمات في الشرق الأوسط.
وتطرح هذه التطورات تحديات متزايدة أمام المجتمع الدولي، الذي يجد نفسه مطالبًا أكثر من أي وقت مضى بالتدخل لوقف التدهور الإنساني المتسارع في اليمن، دون تجاهل التشابكات الجيوسياسية التي تجعل من هذا الصراع أكثر من مجرد حرب داخلية، فبينما يتبادل الطرفان الولايات المتحدة والحوثيون، الاتهامات بشأن المسؤولية عن أعمال العنف، يتراجع الأمل في الوصول إلى تسوية سياسية شاملة، وتزداد صعوبة إيجاد أرضية مشتركة للحوار.
وفي ظل هذا الواقع المتفجر، لا يمثل الانفجار الأخير الذي هزّ صنعاء سوى مشهد واحد ضمن سلسلة من المآسي التي تلقي الضوء على التكلفة البشرية الباهظة لهذا الصراع، لقد أدى الهجوم إلى مقتل عدد من الأبرياء، لكنه أيضًا أعاد إلى الواجهة السؤال القديم الجديد: إلى متى سيظل المدنيون وقودًا لنزاع تتداخل فيه الحسابات المحلية والإقليمية والدولية؟
إن مواصلة المجتمع الدولي لمساعيه الدبلوماسية والإنسانية باتت ضرورة لا تحتمل التأجيل، فالمطلوب اليوم ليس فقط خفض التصعيد العسكري، بل أيضًا توفير دعم حقيقي لجهود الإغاثة، وفتح مسارات سياسية شجاعة قد تمهّد الطريق نحو مستقبل أقل عنفًا وأكثر استقرارًا لليمن وشعبه.

شارك