وسط تهديدات وتصعيد إقليمي.. إيران تعزز التحصينات حول منشآتها النووية تحت الأرض

السبت 26/أبريل/2025 - 10:33 ص
طباعة وسط تهديدات وتصعيد أميرة الشريف
 
في ظل أجواء إقليمية مشحونة ومخاوف متزايدة من تصعيد عسكري، كشف تقرير حديث أن إيران تقوم بتعزيز تدابيرها الأمنية حول مجمعين من الأنفاق العميقة المرتبطة ببنيتها التحتية النووية، مما يثير مزيدًا من القلق الدولي بشأن طبيعة برنامجها النووي وشفافيته.
ووفقاً لما أورده "معهد العلوم والأمن الدولي" بواشنطن، فإن صورًا التقطتها الأقمار الصناعية التجارية أظهرت نشاطًا مكثفًا في موقع تحت جبل "كولانغ غاز لا"، حيث يجري العمل منذ سنوات على بناء منشآت محصنة تحت الأرض، يُعتقد أنها قد تُستخدم في المستقبل القريب ضمن البرنامج النووي الإيراني.
تُظهر الصور، التي تم التقاطها في 29 مارس الماضي، مداخل محصنة جديدة وألواحًا إسمنتية ضخمة تحيط بالموقع، إلى جانب أعمال حفر متواصلة لتدعيم الجدران وتأمين المحيط الجبلي. 
كما يبدو أن هناك طوقًا أمنيًا شمالي الموقع يتصل بمنشأة نطنز النووية القريبة، ما يعزز التكهنات بأن المجمعين جزء من شبكة نووية مترابطة.
رئيس المعهد، ديفيد أولبرايت، أوضح أن الموقعين تحت الجبل باتا يقتربان من الجاهزية التشغيلية، وهو ما يُنظر إليه على أنه خطوة إيرانية استباقية في مواجهة التهديدات الإسرائيلية والأميركية المتكررة بتوجيه ضربات عسكرية إلى المنشآت النووية في حال تعثرت الجهود الدبلوماسية.
ورغم دعوات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لم تسمح إيران حتى الآن للمفتشين الدوليين بدخول هذه المواقع، وهو ما أثار مخاوف متزايدة من احتمال استخدامها لإخفاء مواد نووية حساسة، أو أجهزة طرد مركزي متطورة يمكنها تسريع تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عسكرية.
وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، خلال زيارته إلى واشنطن، إن "أنشطة مكثفة تجري حاليًا في هذه المواقع، تشمل حفرًا وبناءً مستمرًا"، مؤكدًا أن الوكالة أثارت هذا الملف مرارًا مع طهران، لكن الأخيرة ترفض الالتزام بالإفصاح عن مشاريعها النووية الجديدة، بحجة أن ذلك "ليس من شأن" الوكالة طالما لم يتم إدخال مواد مشعة بعد.
رسائل تهديد ومواقف متصلبة
يأتي ذلك فيما لا تزال التصريحات الأمريكية والإسرائيلية تلوّح بالخيار العسكري،  وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد هدد في وقت سابق بقصف المنشآت النووية الإيرانية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي جديد يضمن منع طهران من تطوير سلاح نووي. 
وتُعَدُّ هذه التهديدات امتدادًا لسياسة "الضغط الأقصى" التي انتهجتها إدارته بعد الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
الانسحاب الأمريكي دفع إيران لاحقًا إلى تجاوز العديد من القيود المفروضة عليها بموجب الاتفاق، حيث رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى نسب تقترب من الاستخدام العسكري، ما زاد من القلق الغربي من نواياها الحقيقية. وعلى الرغم من النفي الإيراني المستمر لأي نية لإنتاج سلاح نووي، تشير التحركات على الأرض إلى تصميم على امتلاك بنية تحتية قادرة على ذلك.
اتهامات متبادلة وتصريحات متوترة
في أول رد فعل رسمي على تقرير المعهد، اتهم كبير المفاوضين الإيرانيين ووزير الخارجية السابق عباس عراقجي، عبر منشور على منصة "إكس"، إسرائيل ومجموعات مصالح خاصة بمحاولة "إفشال الجهود الدبلوماسية"، دون أن يسمي هذه الجهات بشكل مباشر.
وفي تصريحات منفصلة، ألمح محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، إلى وجود مشاريع جديدة لتعزيز الإجراءات الأمنية في المنشآت النووية، مؤكدًا خلال فعالية بمناسبة ذكرى تأسيس الحرس الثوري أن "العمل مستمر لتوسيع نطاق الإجراءات الاحترازية".
وتبقى منشأة نطنز النووية، التي كانت قد تعرضت لأعمال تخريب في 2020، محور الجدل الرئيسي.
 فقد صرحت طهران بأن أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لن يتم تركيبها هناك، بل في مجمعات جديدة يجري بناؤها في مواقع أكثر أمانًا. 
ويُعتقد أن هذه الخطوة تهدف إلى حماية الأجزاء الحيوية من البرنامج النووي الإيراني من أية ضربات محتملة.
ويرى خبراء أن المجمّعين الجاري إنشاؤهما يقعان على عمق أكبر بكثير من منشأة فوردو تحت الأرض، مما يصعّب تدميرهما حتى باستخدام القنابل الخارقة للتحصينات.
وبينما تستعد واشنطن وطهران لجولة جديدة من المحادثات غير المباشرة بشأن مستقبل الاتفاق النووي، يبدو أن الطرفين يمضيان في طريقين متوازيين، أحدهما دبلوماسي والآخر أمني. 
فإيران تمضي قدمًا في تأمين منشآتها، بينما تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الضغط من أجل ضمانات يمكن التحقق منها.
أما إسرائيل، التي لم تستبعد توجيه ضربة عسكرية في الأشهر المقبلة، فتصر على أن أي اتفاق يجب أن ينتهي بتفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وليس فقط كبح جماحه.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، يبدو أن ملف إيران النووي يدخل مرحلة جديدة من التعقيد، حيث تتقاطع الحسابات السياسية، والمخاوف الأمنية، والمواقف العقائدية، في مشهد مفتوح على جميع الاحتمالات.
وتعد إيران أحد أبرز اللاعبين في منطقة الشرق الأوسط، ولها تأثير كبير في الصراعات السياسية والإقليمية التي تحدد وجه المنطقة. 
وتستمر التوترات المرتبطة ببرنامجها النووي في جذب الانتباه الدولي، حيث تتراوح هذه التوترات بين الدبلوماسية، التي تتسم بالتفاوض على قيود على البرنامج، وبين التهديدات العسكرية، التي تعكس مخاوف القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، من نية إيران المحتملة لتطوير أسلحة نووية.
بدأت قضية البرنامج النووي الإيراني في جذب الانتباه الدولي بعد أن اتهمت القوى الغربية إيران بمحاولة تطوير سلاح نووي تحت غطاء برنامج نووي سلمي. 
في عام 2015، وقعت إيران اتفاقًا تاريخيًا مع القوى الكبرى (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، وألمانيا) ما يعرف بـ "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، والذي كان يهدف إلى الحد من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم بشكل يكفي لإنتاج سلاح نووي. في مقابل ذلك، تم رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على طهران.
ومع ذلك، في عام 2018، انسحب الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترمب من الاتفاق النووي، وهو ما دفع إيران في السنوات اللاحقة إلى انتهاك العديد من قيوده.
 هذه الخطوة كان لها تأثيرات كبيرة على الأمن الإقليمي والدولي، حيث تصاعدت المخاوف من أن إيران قد تكون على شفا امتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي.
ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، استمرت إيران في تكثيف أنشطتها النووية بشكل غير معلن، خاصة في مواقع مثل نطنز وفوردو.
 كما عززت طهران قدراتها في تخصيب اليورانيوم، ما جعلها قادرة على تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قد تتيح لها صنع سلاح نووي في المستقبل القريب.
إن الوضع الراهن معقد ويعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها المجتمع الدولي في التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، بينما يسعى الجميع للوصول إلى اتفاق طويل الأمد يضمن عدم استخدام إيران للطاقة النووية في أغراض عسكرية، فإن التصعيد المتواصل في الأنشطة النووية الإيرانية ورفضها للمطالبات الدولية يزيد من صعوبة التوصل إلى حل شامل. 
في ضوء هذا، سيبقى الملف النووي الإيراني قضية محورية في السياسة الدولية لفترة طويلة قادمة، مع تداعيات عميقة على الأمن الإقليمي والدولي.

شارك