المراكز الصيفية الحوثية.. أداة لغسل العقول وصناعة الولاء الطائفي
الأحد 27/أبريل/2025 - 01:02 م
طباعة

منذ انقلاب الجماعة الحوثية على الدولة اليمنية وهي تمضي بخطى ثابتة نحو تدمير التعليم النظامي، الذي كان من أبرز منجزات الجمهورية اليمنية الحديثة، وتحويله إلى وسيلة لتكريس الفكر السلالي الطائفي المستمد من معتقداتها المتطرفة، هذا الانقلاب الفكري والتعليمي لم يكن ارتجالياً بل مخططاً له بإحكام، وظهر جلياً من خلال النشاط المكثف الذي توليه الجماعة لما يسمى بـ"المراكز الصيفية"، والتي تحولت إلى معامل تفخيخ فكري لصناعة جيل جديد معزول عن تاريخه ومجتمعه، مشبع بثقافة الحقد والكراهية والعنف، جيل يُعد ليكون وقوداً لمعارك الجماعة وخزاناً بشرياً لمشروعها السلالي.
ورغم قِصر فترة المراكز الصيفية وموسميتها إلا أن الجماعة أولتها اهتماماً خاصاً واستثنائياً، وظّفت له كل إمكاناتها المادية والبشرية، مستغلة سيطرتها الحديدية على مؤسسات الدولة المنهوبة، فارضةً التجنيد القسري والتعبئة الإلزامية وحتى الابتزاز الاجتماعي لإلحاق الأطفال بها دون حسيب أو رقيب، ومن خلال هذه المراكز التي تخضع لإشراف مباشر من قيادة الجماعة، وعلى رأسهم زعيمها عبد الملك الحوثي، تسعى الجماعة إلى إحكام قبضتها على عقول الناشئة، حيث تُشرف على تنفيذ برامجها السلالية عناصر من الصف الأول في الجماعة، ممن يحملون خلفية فكرية مذهبية متطرفة وينفذون توجيهات تأتيهم مباشرة من قادة الجماعة دون خضوع لأي رقابة مؤسسية أو تعليمية محلية أو دولية.
وتتنوع هذه المراكز في أماكن إقامتها، ما بين مدارس ومساجد ومنازل ومقار خاصة، بينما تستهدف فئة الأطفال واليافعين من الجنسين، خصوصاً أولئك في المراحل الدراسية الأساسية، أما محتوى البرامج التعليمية فهو قائم على الملازم التي ألفها حسين الحوثي، وخطب عبد الملك الحوثي، إلى جانب مواد مستوردة من إيران أو مستوحاة من التجربة الطائفية هناك، مثل خطب حسن نصر الله، ومقاطع من الإعلام الحربي الإيراني، ويضاف إلى ذلك أنشطة شبه عسكرية، تشمل تدريبات على السلاح، وترديد شعارات الموت، وقَسم الولاء للسيد، فضلاً عن ممارسات عدائية كتعاطي القات والشمة، وكل ذلك يتم تحت لافتات براقة ومضللة مثل "حماية الجيل من الضياع"، و"إعداد جيل لمواجهة المؤامرات الفكرية"، في حين أن الهدف الحقيقي يتمثل في إنتاج أجيال مسلوبة الوعي، جاهزة للتضحية بحياتها في سبيل المشروع السلالي للجماعة.
وبحسب تقارير حقوقية وأممية، فإن هذه المراكز تمثل خطراً حقيقياً على المجتمع اليمني ومستقبل أطفاله، وقد تم توثيق آلاف حالات التجنيد القسري لأطفال دون سن 17 عاماً، بعضهم لم يتجاوز العاشرة، وتم الزج بهم في جبهات القتال، وقتل المئات منهم.
هذا وكشفت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية محلية ودولية عن انتهاكات صارخة، تتضمن استغلالاً للأمية، واعتداءات جسدية وجنسية، وتلقيناً طائفياً متطرفاً، ووصفت هذه المراكز بأنها قنابل موقوتة، تهدد ليس فقط النسيج الاجتماعي اليمني، بل الأمن الإقليمي والدولي.
وهو الأمر ذاته الذي أكده وزير الأوقاف والإرشاد محمد عيضة شبيبة، حيث أوضح أن ما يُسمى بـ"المراكز الصيفية" التي تنظمها مليشيا الحوثي ليست سوى أدوات لتجنيد الأطفال وغسل أدمغتهم بأفكار طائفية متطرفة، تمهيدًا للزجّ بهم في جبهات القتال واستخدامهم كدروع بشرية، تحت شعارات زائفة كـ"الجهاد" و"الدفاع عن القدس"، ضمن خطاب ديني مزيف يخدم المشروع الإيراني في اليمن.
وأشار الوزير في تصريحات صحفية إلى أن هذه المراكز تمثل خطرًا مباشرًا على تماسك الأسرة والنسيج الاجتماعي اليمني، لافتًا إلى وجود حالات موثقة لأطفال عادوا من تلك الدورات وارتكبوا جرائم بحق آبائهم وأمهاتهم نتيجة التعبئة الفكرية العنيفة.
وأوضح شبيبة أن الوزارة تقود "معركة وعي" متكاملة لمواجهة هذا الفكر الطائفي، عبر حملات توعوية وقوافل دعوية وتفعيل دور العلماء والخطباء، داعيًا إلى تضافر الجهود الوطنية لحماية الأطفال من هذه المعسكرات الأيديولوجية.
وأكد أن تقارير محلية ودولية وثقت مئات حالات تجنيد الأطفال، محذرًا من الآثار النفسية والاجتماعية الكارثية وطويلة الأمد على المجندين وأسرهم، وختم حديثه بالتأكيد على أهمية وعي القبائل اليمنية الأصيلة ورفضها القاطع لاستغلال أبنائها في مشاريع دخيلة، مشددًا على أن التصدي لهذا الانحراف يتطلب استراتيجية وطنية تبدأ بإصلاح التعليم وتوفير بدائل آمنة للأطفال خلال الإجازات الصيفية.
وعلى صعيد متصل، حذّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني من خطورة ما تقوم به مليشيا الحوثي من تعبئة فكرية ممنهجة للأطفال، مشيراً إلى ما قاله أحد قيادات الجماعة في أحد "المراكز الصيفية" أمام مئات الأطفال من أن "طاعة عبدالملك الحوثي مقدمة على طاعة الوالدين"، معتبراً ذلك ليس فقط انحرافاً دينياً، بل جريمة فكرية تُحوّل الطفولة إلى وقود لحرب عقائدية تُلغي حتى أقدس الروابط الإنسانية، وهي رابطة الأبناء بآبائهم.
وأضاف الإرياني أن ما تمارسه المليشيا من استغلال مُمنهج للأطفال في إطار مشروعها الطائفي الإرهابي لا يُشكّل تهديداً لليمن وحده، بل للأمن والسلم الإقليمي والدولي، مشبّهاً الأطفال المؤدلجين بـ"قنابل أيديولوجية" أخطر من البرنامج النووي الإيراني، لكونهم يحملون في عقولهم فكراً قابلاً للانفجار في أي زمان ومكان.
وأكد الوزير أن الصمت الدولي تجاه هذه الجرائم لا يُعدّ حياداً، بل تواطؤاً غير مباشر يُمهّد بيئة ينمو فيها الإرهاب ويتحوّل إلى تهديد عابر للحدود، مشدداً على أن أي تأخير في وقف هذا العبث هو مشاركة في صناعة كارثة إنسانية وأمنية ستطال الجميع.
ويرى المراقبون أن هذه المراكز ليست سوى رأس جبل الجليد في مشروع حوثي واسع لتغيير الهوية اليمنية، واستبدالها بهوية قائمة على التبعية المطلقة لولاية الفقيه، والانقياد الأعمى لمشروع الإمامة الجديد، إنها تمثل محاولة خطيرة لمحو ملامح الجمهورية والثورة والتعليم الحديث، وإعادة اليمن قروناً إلى الوراء، مستخدمة أدوات الدولة المنهوبة، وذاكرة الأطفال الطرية، لتغرس فيها بذور الفتن والثأر والكراهية.
ويرى هؤلاء المراقبون أن مواجهة هذا الخطر تبدأ من وعي الأهالي بخطورة هذه المراكز، ورفضهم تسليم أبنائهم لها، وتكثيف الجهود الإعلامية والتوعوية لكشف حقيقتها، بالإضافة إلى ضرورة تحرك عاجل وفاعل من المجتمع الدولي لوضع حد لهذه الانتهاكات التي تُرتكب تحت غطاء ديني وتربوي مزيف.