أزمة كشمير تتفجر من جديد.. باكستان تحذر من هجوم وشيك والهند تستعد
الأربعاء 30/أبريل/2025 - 02:30 م
طباعة

وسط أجواء مشحونة وتصعيد متسارع، أطلقت الحكومة الباكستانية تحذيرًا شديد اللهجة، على لسان وزير إعلامها عطا الله تارار، بشأن ما وصفته بمعلومات استخباراتية موثوقة تفيد بأن الهند تستعد لتنفيذ هجوم عسكري ضد باكستان خلال الساعات القليلة القادمة، مستغلة حادثة دامية وقعت في منطقة باهالجام بكشمير ذريعة لتبرير التحرك.
هذه التصريحات جاءت في توقيت حساس، حيث ارتفعت حدة التوترات بين الجارتين النوويتين بعد اتهامات متبادلة، إثر الهجوم الذي أدى إلى مقتل 26 شخصًا، معظمهم من السياح، في منطقة حساسة تتنازع عليها الدولتان منذ عقود.
باكستان، التي نفت أي صلة لها بالهجوم، طالبت بتحقيق محايد وشفاف، ورفضت ما اعتبرته محاولة هندية للزج باسمها في الحادثة دون دليل.
في المقابل، تحركت الهند سريعًا لعقد اجتماع أمني رفيع المستوى، خرج بمنح القوات المسلحة "حرية كاملة" للرد على ما تسميه "الأنشطة الإرهابية القادمة من الأراضي الباكستانية"، وهي صيغة مفتوحة قد تفضي إلى تحركات عسكرية مباشرة أو عمليات محدودة عبر الحدود.
وبين التحذير الباكستاني ورد الفعل الهندي، تبرز ملامح أزمة عسكرية تلوح في الأفق، قد تتطور إلى مواجهة تتجاوز مجرد الاشتباكات الحدودية.
ما يجعل هذه اللحظة بالغة الخطورة ليس فقط تبادل التهديدات التقليدية، بل انخراط الخطاب النووي بصورة مبكرة، إذ صرح وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف أن بلاده في حالة تأهب قصوى، وأن أي مغامرة هندية ستقابل برد قوي، دون أن يستبعد استخدام الأسلحة النووية في حال تعرضت باكستان لما أسماه "تهديدًا وجوديًا". هذا التصريح، وإن بدا في سياق الردع، يعكس هشاشة التوازن القائم بين البلدين، خاصة أن الهند وباكستان تخوضان واحدة من أكثر العلاقات الثنائية تعقيدًا على الصعيد الدولي، حيث تتداخل الاعتبارات الدينية والتاريخية والجيوسياسية في مشهد دائم الاشتعال.
في المقابل، لا يمكن تجاهل البعد الداخلي في كلا البلدين، فالهجوم في كشمير يأتي في فترة حرجة للحكومة الهندية التي تواجه ضغوطًا متزايدة قبيل الانتخابات، ما قد يدفعها إلى تبني رد صارم يستثمر الحادث في سياق تعبئة سياسية وشعبية، خاصة أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي اعتاد في فترات سابقة استخدام القضايا الأمنية لبناء سردية وطنية متشددة تعزز من شعبيته في الداخل.
أما في باكستان، فإن الحكومة التي تواجه تحديات اقتصادية هائلة وتسعى لتعزيز شرعيتها، قد تجد في الموقف الحازم تجاه الهند فرصة لتوحيد الجبهة الداخلية وإعادة توجيه الانتباه نحو "التهديد الخارجي".
التحركات الميدانية تعكس بوضوح أن التصعيد لم يعد مجرد تصريحات إعلامية. فقد أقدمت الهند على تعليق معاهدة مياه السند، وهي خطوة رمزية ثقيلة، إذ تمثل هذه المعاهدة أحد أقدم اتفاقيات تقاسم المياه في العالم، وسبق أن اعتُبرت "خطًا أحمر" في العلاقات الثنائية.
من جهتها، ردت باكستان بإغلاق مجالها الجوي أمام الطيران الهندي، مما أدى إلى اضطرابات ملموسة في حركة الطيران الإقليمي، في خطوة تؤشر إلى أن الخيارات السياسية التقليدية في طريقها إلى التآكل لصالح نهج أكثر تصادمية.
التحذير الباكستاني للمجتمع الدولي بعدم الصمت تجاه ما وصفته بـ"المغامرة الهندية المحتملة"، يفتح نافذة جديدة للتدخل الدبلوماسي الخارجي، لا سيما من قبل قوى كبرى مثل الصين والولايات المتحدة، اللتين تربطهما علاقات استراتيجية متفاوتة مع الطرفين، إلا أن واقع العلاقات الدولية الحالي، الذي يتسم بتراجع نفوذ المؤسسات متعددة الأطراف وتراجع قدرة الأمم المتحدة على فرض آليات التهدئة، قد يجعل من هذا التصعيد اختبارًا حقيقيًا لما تبقى من أدوات الردع السياسي الإقليمي.
ووسط صمت دولي حتى اللحظة، تبدو التحذيرات المتبادلة وكأنها صدى لحرب باردة مصغرة تُعاد كتابتها في جنوب آسيا، حيث تلعب الأسلحة النووية دور الظل الذي يُلقي بثقله على كل قرار.
في العمق، لا يُمكن فصل هذه التطورات عن التحولات البنيوية في الاستراتيجية الدفاعية لكل من البلدين. فالهند تسعى منذ سنوات لتكريس دورها كقوة إقليمية فاعلة ذات امتداد دولي، وهو ما ينعكس في خطابها المتشدد تجاه باكستان.
أما إسلام آباد، التي تجد نفسها في مواجهة هذا الطموح المتسارع، فإنها ترى في التصعيد الهندي محاولة لتهميشها إقليميًا ودفعها إلى زاوية العزلة، خاصة في ظل شراكات الهند المتنامية مع الغرب.
الأخطر من كل ذلك أن تكرار مثل هذه السيناريوهات بات يُعمّق ثقافة "التعايش مع التوتر" بين الهند وباكستان، ما يعني أن التحذيرات النووية وقرع طبول الحرب لم تعد تُحدث الأثر ذاته في المجتمع الدولي أو حتى لدى شعبي البلدين.
هذا التعايش قد يُفضي في لحظة غير محسوبة إلى انفجار غير متوقع، خاصة إذا ما حصل خطأ تكتيكي أو سوء تقدير عسكري على الحدود.
وبينما تتابع العواصم الكبرى تطورات الأزمة بحذر، تبقى المنطقة بأسرها على صفيح ساخن، مهددة بانزلاق قد لا يمكن تداركه.
وإذا لم تُضبط وتيرة التصعيد، فإن المواجهة قد لا تكون مجرد اشتباك عابر، بل محطة جديدة في تاريخ طويل من الحروب المؤجلة والتسويات الهشة، التي لا تزال كشمير قلبها الملتهب ورمزها العالق بين دولتين لم تتصالحا مع ذاكرتهما التاريخية ولا مع طموحاتهما المتناقضة.