الهجوم على أكاديمية جالي سياد: هل تعيد حركة الشباب فرض نفسها في مقديشو؟

الأربعاء 09/يوليو/2025 - 06:59 م
طباعة الهجوم على أكاديمية علي رجب
 
شهدت العاصمة الصومالية مقديشو، صباح الأربعاء 9 يوليو 2025، تفجيرا انتحاريا جديدا استهدف أكاديمية جالي سياد العسكرية في هجوم دموي أعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عنه. وأكدت وزارة الدفاع الصومالية وقوع الانفجار صباح الإثنين حوالي الساعة 11:20 صباحا، عندما اقترب انتحاري من مدخل الكلية العسكرية وفجر سترة ناسفة كان يرتديها، ما أسفر عن سقوط عدد غير محدد من الضحايا بين قتيل وجريح.

حركة الشباب تستهدف المؤسسات العسكرية بشكل متكرر
أعلنت حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن الهجوم، مشيرة في بيانها إلى أن الانتحاري استهدف خبراء غربيين يقومون بتدريب الجنود الصوماليين داخل القاعدة. وقال شاهد عيان لوكالة رويترز إنه سمع "فجأة دوي انفجار كبير أعقبه إطلاق نار داخل القاعدة"، مضيفا أنه رأى "سحابة ضخمة من الدخان تتصاعد في المكان".

تعد أكاديمية جالي سياد إحدى أهم المنشآت التدريبية في العاصمة الصومالية، وهذا ليس الهجوم الأول من نوعه الذي تتعرض له. ففي يوليو 2023، تعرضت الأكاديمية العسكرية لهجوم انتحاري مشابه أسفر عن مقتل 25 جنديا وإصابة العشرات. كما شهدت المنطقة في مايو الماضي هجوما آخر استهدف طابورا من المجندين أمام قاعدة دامانيو العسكرية المقابلة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص،و فقا لـ المنشر الاخباري

سيطرة حركة الشباب على مناطق استراتيجية
يأتي هذا التفجير في ظل تصاعد الهجمات الإرهابية في أنحاء البلاد، خاصة بعد تمكن حركة الشباب مؤخرا من السيطرة على بلدة موقوكوري الاستراتيجية في إقليم هيران وسط البلاد. وأعلنت الحركة يوم  سيطرتها الكاملة على البلدة، مشيرة إلى أن مقاتليها استخدموا سيارات مفخخة في الهجوم وتمكنوا بعد اشتباكات عنيفة مع القوات الحكومية والمليشيات المحلية من إحكام السيطرة على المنطقة.

وتعد موقوكوري نقطة استراتيجية مهمة في الخارطة العسكرية، كونها تربط خطوط الإمداد في إقليم هيران بمراكز السيطرة في شبيلي الوسطى. وقد أحرزت حركة الشباب تقدما في هجماتها على إقليمي هيران وشبيلي الوسطى التي بدأتها في شهر فبراير 2025، حيث ظلت ميليشيات العشائر الصومالية المعروفة بـ"معوسلي" تلعب الدور الأكبر في صد هجمات الحركة.

ضغوط داخلية على الحكومة الصومالية
في وقت تتعرض فيه الحكومة الصومالية لانتقادات بتهم "تسييس الأولويات" وتحويل التركيز إلى الانتخابات والدستور، أكد رئيس الوزراء حمزة عبدي بري أن الحرب ضد حركة الشباب لا تزال على رأس أولويات الدولة. وقال بري في تصريحات حديثة: "من الضروري أن نحرر بلدنا من خطر حركة الشباب إذا أردنا تحقيق الصومال الذي نطمح إليه"، داعيا إلى مشاركة جماعية في التصدي للمسلحين، مشددا على "الدور المحوري للمرأة الصومالية في حماية البلاد وصون استقرارها".

وقد ألقى النائب في مجلس الشعب الصومالي عبد المالك عبد الله، المنتخب من إقليم هيران، باللائمة على الحكومة الصومالية التي اتهمها بالتقصير عن تقديم الدعم للمليشيات المحلية. وأشار النائب إلى أن الحكومة "عرضت في عيد الاستقلال والوحدة قوات ضخمة وأسلحة متطورة، لكن للأسف لم تر هذه القوات في ساحات القتال".

الجهود العسكرية المتواصلة ضد حركة الشباب
رغم هذه الهجمات، تواصل القوات الصومالية عملياتها العسكرية ضد حركة الشباب. وأعلنت وزارة الدفاع الصومالية يوم الثلاثاء 8 يوليو أن قوات الكوماندوز الخاصة "دنب" نفذت عملية عسكرية مخططة في منطقة بغداد بمحافظة شبيلي السفلى، أسفرت عن تدمير عدد من المواقع التابعة لحركة الشباب. وتم خلال العملية تدمير أربعة قوارب كانت تستخدمها الحركة للتنقل عبر نهر شبيلي لتهريب الأسلحة ونقل المقاتلين بين المناطق.

وخلال الأشهر الماضية، أعلن الجيش الصومالي عن عدة عمليات ناجحة ضد الحركة، بما في ذلك مقتل قياديين بارزين. ففي يوليو 2025، قتل محمود أحمد غوري المعروف باسم "حمزة فرعده"، وهو قائد المجموعات في محافظتي شبيلي الوسطى وهيران، في عملية عسكرية في منطقة دار النعمة. كما أعلن عن مقتل قيادي آخر يدعى "بلال" ومعروف بـ"جابر"، وكان مسؤول المتفجرات في محافظة شبيلي السفلى.

الدعم الدولي والإقليمي
يأتي هذا التصعيد في الهجمات بينما تواجه الصومال تحديات في تأمين الدعم الدولي اللازم لمواجهة التهديد الإرهابي. وتضم البلاد أكثر من 10 آلاف جندي من بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال "أوصوم". وقد بدأت هذه البعثة عملياتها رسميا في يناير 2025، خلفا لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية "أتميس" التي انتهت ولايتها في نهاية 2024.

وتشارك مصر بقوات في البعثة الجديدة، حيث أعلن وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في ديسمبر 2024 أن "مصر قررت المشاركة في البعثة التابعة للاتحاد الأفريقي التي سيتم نشرها في الصومال بناء على طلب الحكومة الصومالية". وقد وقعت مصر والصومال في أغسطس 2024 بروتوكول تعاون عسكري، واتفق البلدان على مشاركة مصر في البعثة الأفريقية لحفظ السلام خلال الفترة 2025-2029.

التحديات الأمنية المستمرة
تشير التحقيقات المبدئية إلى أن معظم الحوادث تحدث بسبب السرعة الزائدة وفقدان السيطرة على المركبات، خاصة الشاحنات الثقيلة، مما يستدعي تشديد الرقابة وفرض إجراءات أكثر صرامة للحد من هذه الحوادث المتكررة. ولم تصدر الحكومة الصومالية أي حصيلة رسمية للضحايا حتى الآن، فيما أفاد شهود بأن الانفجار كان قويا وأثار سحابة كثيفة من الدخان فوق القاعدة.

وتعمل الأجهزة الأمنية حاليا على رفع آثار الحادث وإعادة تسيير الحركة المرورية في المنطقة، كما تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وأغلقت قوات الأمن الطريق المؤدي إلى منطقة الأكاديمية العسكرية، وتم تقييد حركة المرور حول الموقع.

الوضع الاستراتيجي في المنطقة
تواصل حركة الشباب، التي تحارب الحكومة منذ 15 عاما، شن هجمات بهدف الإطاحة بالحكومة للاستيلاء على الحكم وتطبيق تفسير متشدد لأحكام الشريعة. وقد أعلنت الحركة مسؤوليتها عن عدة هجمات في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك انفجار قنبلة في مارس الماضي بعيد مرور الموكب الرئاسي، وإطلاق عدة قذائف قرب مطار العاصمة في أبريل الماضي.

وفي هذا السياق، أعلن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي تخصيص 10 ملايين دولار أمريكي إضافية لصندوق الطوارئ التابع للاتحاد، ما يرفع إجمالي الدعم المالي المتاح لعام 2025 إلى 20 مليون دولار. ويهدف هذا التمويل إلى تعزيز الانتشار الميداني وتأمين الإمدادات اللوجستية ودعم النقل الجوي وتكثيف العمليات الخاصة.

التطلعات المستقبلية
يمثل الهجوم الانتحاري على أكاديمية جالي سياد العسكرية تصعيدا جديدا في سلسلة الهجمات التي تشنها حركة الشباب ضد المؤسسات الأمنية والعسكرية الصومالية. وبينما تواصل الأجهزة الأمنية والطبية جهودها للتعامل مع تداعيات الهجوم، تبقى الحاجة ملحة لتعزيز إجراءات السلامة المرورية وتطبيق قواعد أكثر صرامة لضمان سلامة مستخدمي الطريق.

وتؤكد هذه الهجمات المتكررة التحديات الأمنية الكبرى التي تواجهها الحكومة الفيدرالية، رغم الدعم الدولي، في سعيها لاستعادة السيطرة الكاملة على البلاد ومواجهة تمدد حركة الشباب في المناطق الريفية والحضرية. ومع استمرار الجهود العسكرية لمواجهة التهديد الإرهابي، تبقى الحاجة ماسة لتعزيز التعاون الدولي والإقليمي لدعم الصومال في معركته ضد الإرهاب وبناء مؤسسات أمنية قوية قادرة على حماية البلاد واستقرارها.

شارك