يحيى موسى يخطط من تركيا.. والأمن المصري يُفشل المخطط قبل بدايته
الأحد 20/يوليو/2025 - 03:55 م
طباعة

في تصعيد خطير يعكس إصرار الجماعات المتطرفة على زعزعة الاستقرار في مصر، أعلنت وزارة الداخلية عن نجاحها في إحباط مخطط إرهابي جديد تقوده حركة "حسم"، الذراع المسلح لجماعة الإخوان المسلمين. ويهدف هذا المخطط إلى إعادة إحياء النشاط الإرهابي للحركة، بعد سنوات من التراجع والانكماش تحت وطأة الضربات الأمنية. ووفقًا لما ورد في البيان، فإن الهدف من المخطط كان تنفيذ عمليات عدائية نوعية تستهدف منشآت أمنية واقتصادية حيوية، بما يشمل شخصيات بارزة ومرافق عامة، في محاولة لإحداث هزّة داخلية تشغل الدولة عن معركتها مع التحديات الإقليمية والدولية.
اللافت في هذا التحرك الإرهابي أنه تم بإيعاز مباشر من قيادات حركة "حسم" الهاربين في الخارج، وتحديدًا في تركيا، ما يؤكد استمرار الدعم الخارجي اللوجستي والمخابراتي للحركة. وأشارت وزارة الداخلية إلى أن الجماعة حاولت استغلال حالة الاستقرار الأمني الذي تعيشه مصر حاليًا، لتوجيه ضربة موجعة تُعيدهم إلى واجهة المشهد. وقد تضمّن المخطط، الذي تم رصده وإجهاضه قبل تنفيذه، إدخال عناصر مدربة إلى الداخل بطرق غير شرعية، وتنسيق حملات إعلامية عبر الإنترنت للتغطية على النشاط المسلح، بما يعكس تكاملًا بين التحريض الإعلامي والتنفيذ الإرهابي.
أسفرت العملية الأمنية عن تصفية عنصرين من حركة "حسم" كانا مختبئين في شقة بمنطقة بولاق الدكرور، أحدهما الإرهابي الخطير أحمد محمد عبدالرازق أحمد غنيم، الذي تسلل للبلاد بصورة غير شرعية. وبادر الإرهابيان بإطلاق النار بشكل عشوائي على القوات وسكان المنطقة، ما أسفر عن استشهاد مواطن تصادف مروره، وإصابة ضابط أثناء محاولته إنقاذه. وقد اضطرت القوات للرد، وتمت تصفية العنصرين، وإحباط المخطط قبل أن يبدأ.
قادت العملية الاستخباراتية إلى تحديد عدد من القيادات الهاربة المشاركة في التخطيط، على رأسهم الدكتور يحيى موسى، أحد مؤسسي "حسم"، والهارب في تركيا. كما شملت القائمة كلاً من علاء السماحي، ومحمد عبد الحفيظ، ومحمد رفيق مناع، وعلي عبد الونيس، وجميعهم صدرت بحقهم أحكام نهائية تتراوح بين الإعدام والمؤبد، على خلفية قضايا تشمل اغتيالات، ومحاولات تفجير، وتزوير وثائق رسمية.
يُعد يحيى موسى، المولود في محافظة الشرقية عام 1984، من أخطر المطلوبين أمنيًا. وهو طبيب حاصل على ماجستير في أمراض المفاصل، وكان متحدثًا باسم وزارة الصحة في عهد الإخوان. بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، فرّ إلى تركيا، حيث أصبح العقل المدبر لحركة "حسم"، ومشرفًا على جناحها العسكري. يقف موسى خلف عمليات إرهابية عدة، أبرزها اغتيال النائب العام هشام بركات عام 2015، وتفجير مستشفى القصر العيني، ومحاولات استهداف الطائرة الرئاسية.
تأسست حركة "حسم" في 2014 كامتداد مسلح لجماعة الإخوان، تتبع جناح القيادي الراحل محمد كمال. وتركز نشاطها على تنفيذ عمليات نوعية ضد أهداف شرطية وقضائية في القاهرة والدلتا، قبل أن تتلقى ضربات أمنية متتالية أجبرتها على التوقف في 2019. غير أن الحركة عادت للظهور في يوليو 2025 عبر فيديو تدريبي نُشر على مواقع التواصل، في مؤشر على محاولات تجديد النشاط الإرهابي.
تشير التحقيقات إلى أن قيادات "حسم" تُشرف على التنظيم من الخارج، وخاصة من تركيا، حيث يُقيم يحيى موسى ويدير شبكات تجنيد وتمويل باستخدام عملات رقمية وأوراق مزورة. كما يُعتقد أن علاء السماحي انتقل مؤخرًا إلى البرازيل، فيما تولى عنصر يُدعى محمد عبد الرؤوف قيادة الحركة ميدانيًا. وتُظهر الوثائق أن هناك معسكرات تدريب خارج البلاد في مناطق صحراوية بدول مجاورة.
في تعقيب حاد على العملية، نشر الباحث عمرو عبد المنعم تدوينة قوية، حمّل فيها يحيى موسى مسؤولية مباشرة عن مقتل المواطن البريء، وسجن نساء وفتيات في مصر على خلفية نشاط تنظيمي مشبوه، تحت ستار ما يسمى بـ"مشروع ميدان". وتساءل بمرارة: "من سيتحمّل دية القتل الخطأ؟ وهل بات استهداف الأبرياء جزءًا من الجهاد المزعوم؟". وألمح عبد المنعم إلى عمليات قديمة مشابهة، مثل حادثة مدرسة المقريزي، مشيرًا إلى تكرار نفس السيناريوهات تحت غطاء ديني مزيف.
حذر عبد المنعم من إعادة تدوير العنف باسم الدين، مؤكدًا أن هذه العمليات لا تستهدف السلطة فقط، بل تُهدد حياة الأبرياء وتزرع الفوضى في قلب المجتمع. كما دعا لجان الإخوان الإلكترونية إلى الكف عن ترويج الأكاذيب وتبرير العمليات الإرهابية بأنها "صنيعة الأجهزة"، معتبرًا أن الدماء التي تُسفك في الشوارع لا تحتاج إلى تفسيرات مؤامراتية بقدر ما تحتاج إلى صحوة ضمير.
تُظهر هذه العملية أن "حسم" لم تنتهِ تمامًا، بل تعيد تنظيم صفوفها، مستغلة أزمات إقليمية كالوضع في غزة لتبرير تصعيدها. لكنّ المعلومات تشير إلى أن التنظيم مكشوف أمنيًا، وأن اختراق بنيته المعلوماتية والتقنية بات ممكنًا. ومع ذلك، تظل خطورة الخلايا النائمة قائمة، ما يتطلب يقظة أمنية ومجتمعية مستمرة، مع دعم جهود المواجهة الفكرية.
دلالات العملية الأخيرة:
عودة حركة "حسم" إلى الواجهة ليست دليل قوة، بل مؤشر على اليأس السياسي والأيديولوجي داخل الجماعة الأم. فالمحاولة التي تم إحباطها في بولاق ليست إلا صدى لمحاولات قديمة فشلت في تحقيق أي مكسب حقيقي، لا سياسيًا ولا شعبيًا، بل زادت الجماعة عزلة وخسارة داخل المجتمع المصري.
اختيار منطقة شعبية مكتظة مثل بولاق لتنفيذ المخطط يحمل دلالة خطيرة على ازدراء هذه الجماعات لحياة المدنيين. فبينما تتحدث قياداتها من الخارج عن "التمكين" و"العدالة"، فإنهم يزرعون الموت بين الأبرياء، في أحياء لا تحتمل صدمة رصاصة واحدة، ناهيك عن اشتباك مسلح كامل.
إصرار التنظيم على استهداف شخصيات أمنية ورموز الدولة، يعكس أنه لا يزال أسير خطاب الانتقام، وليس لديه أي مشروع سياسي حقيقي. فما يُسمى بـ"تيار التغيير" داخل الإخوان، الذي تقوده وجوه مثل يحيى موسى، لا يحمل سوى أدوات التخريب، دون أن يمتلك تصورًا عقلانيًا للدولة أو المستقبل.
الرسالة الأخطر في هذه العملية أن التنظيم لم يختفِ بل يُعيد تموضعه في لحظات التوتر الإقليمي. وهذا يتطلب منّا جميعًا – مؤسسات وأفرادًا – ألا نتراخى في مقاومة هذا الفكر، سواء على المستوى الأمني أو الإعلامي أو الثقافي. فلا مواجهة مع الإرهاب بلا حصانة فكرية ومجتمعية حقيقية.
أكّدت وزارة الداخلية أنها لن تتهاون في التصدي لمحاولات جماعة الإخوان لإحياء نشاطها الإرهابي، وأن الأجهزة الأمنية ستواصل العمل لحماية أمن واستقرار مصر. ودعت الوزارة المواطنين إلى التعاون، وتحري الدقة فيما يُنشر من أكاذيب ومقاطع مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي. كما طالبت بتجفيف منابع التمويل، وتعزيز الأمن الفكري والثقافي داخل المجتمع.