خليل الحية.. صوت الإخوان داخل حماس والوجه المثير للجدل في علاقتها مع مصر
الأربعاء 10/سبتمبر/2025 - 11:05 ص
طباعة

من أبرز وجوه الصف الأول في حركة حماس، عرف بخطابه الصلب ومواقفه المثيرة للجدل إقليميًا، وظل حاضرًا في واجهة المشهد السياسي والعسكري للحركة لأكثر من ثلاثة عقود. خليل الحية، القيادي الذي يجمع بين خلفية دينية أكاديمية وخط سياسي متشدد، لم يكن مجرد عضو في قيادة حماس، بل أصبح رمزًا للتيار الأقرب إلى جماعة الإخوان المسلمين والأكثر التصاقًا بالمحور الإيراني. وبين محاولات اغتيال متكررة وخسائر شخصية فادحة، برز اسمه كأحد الوجوه المرشحة لقيادة الحركة، وسط جدل دائم حول دوره في تعقيد علاقات حماس مع مصر ومحيطها العربي.
خليل إسماعيل إبراهيم الحية، الملقب بـ"أبو أسامة"، وُلد في مدينة غزة في 5 نوفمبر 1960. تلقى تعليمه في مجالات أصول الدين وعلوم الحديث، حيث حصل على بكالوريوس من الجامعة الإسلامية بغزة (1983)، وماجستير من الجامعة الأردنية (1989)، ثم دكتوراه من جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية بالسودان (1997). هذا التكوين الأكاديمي منح الحية حضورًا بارزًا في الخطاب الديني الذي وظّفه في خدمة مشروع حركة حماس منذ انطلاقها.
انخرط الحية في العمل الإسلامي في وقت مبكر متأثرًا بالشيخ أحمد ياسين، وكان من بين مؤسسي حركة حماس عام 1987. شغل عدة مناصب قيادية، منها عضوية المكتب السياسي، ورئاسة المكتب الإعلامي، كما أصبح رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية في الحركة. منذ يناير 2006، مثّل مدينة غزة في المجلس التشريعي الفلسطيني، ثم ارتقى إلى موقع نائب رئيس المكتب السياسي للحركة في أغسطس 2024 خلفًا لصالح العاروري.
علاقته المباشرة بجماعة الإخوان:
منذ بداياته السياسية، ظل خليل الحية على ارتباط وثيق بجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها المرجعية الفكرية والتنظيمية لحركة حماس. فقد شارك في لقاءات معلنة وغير معلنة مع قيادات الإخوان في قطر وتركيا، وعُرف بدفاعه المستمر عن الجماعة في خطابه السياسي والإعلامي، معتبرًا أن ما تتعرض له من تضييق في مصر أو غيرها هو جزء من "المعركة على الهوية الإسلامية". هذا الموقف عزز صورته كأحد أبرز الأصوات التي تحمل البصمة الإخوانية داخل حماس.
وتكشف تحركات الحية الخارجية عن هذا البعد بوضوح، إذ حرص خلال زياراته لمصر في فترات سابقة على إظهار وحدة الصف مع الإخوان، كما استغل لقاءاته في الدوحة وأنقرة لتأكيد أن "المشروع الإسلامي لا يعرف حدودًا جغرافية"، في إشارة إلى وحدة الحركة الإسلامية عابرًا للدول. هذه اللغة لم تكن مجرد تنسيق سياسي، بل تعبير عن عمق التبعية الأيديولوجية التي تجعل حماس امتدادًا طبيعيًا للإخوان.
أما على مستوى الخطاب، فينسجم الحية مع أدبيات الإخوان التي تقوم على ثلاثية "المظلومية" و"الشرعية الدينية" و"التمكين". فهو دائم التأكيد على أن حماس "حركة شرعية تستمد مشروعيتها من الدين والتضحيات"، ويصوّر خسائرها المتكررة في غزة كجزء من رواية المظلومية التي تعزز مكانتها في الشارع العربي والإسلامي. كما يكرر أن هدف الحركة النهائي هو التمكين وإقامة الدولة الفلسطينية على نهج إسلامي، وهي لغة تتطابق مع المفردات التي اعتمدتها أدبيات الإخوان منذ نشأتهم.
وتبرز تصريحاته كمثال واضح على هذا التوجه، إذ قال في أحد لقاءاته الإعلامية بعد حرب غزة 2014: "المقاومة واجب شرعي، وهي طريقنا نحو التمكين وإقامة الدولة الإسلامية على أرض فلسطين". كما صرّح في 2023 أن "المقاومة اليوم تعيد للأمة عزتها، وتؤكد أن مشروع الإخوان المسلمين لا يزال حيًا في مواجهة الظلم والاستبداد". هذه العبارات تعكس بشكل مباشر استلهامه للمفردات الإخوانية التي تقوم على الدمج بين البعد الديني والمشروع السياسي، وتجعل منه أحد أهم حاملي هذا الخطاب داخل قيادة حماس.
دوره في الخطاب الإعلامي:
لعب خليل الحية دورًا محوريًا في توجيه الخطاب الإعلامي لحركة حماس عندما تولى رئاسة مكتبها الإعلامي، حيث عمل على تحويل الإعلام إلى أداة دعائية تعزز رواية الحركة في الداخل والخارج. ركّز الحية على إبراز صورة حماس باعتبارها "الممثل الشرعي للمقاومة"، مستخدمًا خطابًا عاطفيًا يربط بين الدين والتضحية والصمود، وهو خطاب يتناغم مع أدبيات الإخوان التي توظف الإعلام لتكريس صورة "المظلومية" في مواجهة "الطغيان".
وفي فترات الحرب والتفاوض، استخدم الحية المنابر الإعلامية لتوجيه رسائل مزدوجة: من جهة يحفّز الشارع الفلسطيني على الصمود وتحمّل الخسائر تحت شعار "الدماء طريق التحرير"، ومن جهة أخرى يوجه رسائل ضغط إلى إسرائيل والمجتمع الدولي، مؤكدًا أن أي تسوية أو تبادل للأسرى لن يتم إلا وفق شروط حماس. بهذا الأسلوب، أسس الحية لخطاب إعلامي يجمع بين التحشيد الداخلي والدعاية الخارجية، مما جعله أحد أبرز مهندسي الصورة الذهنية التي أرادت الحركة ترسيخها لدى جمهورها وأنصارها.
لم يقتصر خطاب خليل الحية الإعلامي على مواجهة إسرائيل فقط، بل امتد ليشمل هجومًا غير مباشر على مصر في أكثر من مناسبة، خاصة في ما يتعلق بإدارة معبر رفح. فقد استغل المنابر الإعلامية ليُحمّل القاهرة مسؤولية الأوضاع الإنسانية في غزة، مستخدمًا نفس المفردات التي درج عليها خطاب الإخوان في اتهام الدولة المصرية بالتقصير أو "التواطؤ". هذا التوجه وضعه في مواجهة مباشرة مع القاهرة، وأظهر كيف وظّف الإعلام كمنصة لتصدير خطاب يتجاوز حدود غزة ليعيد إنتاج سرديات الإخوان حول "محاصرة المشروع الإسلامي"، وهو ما زاد من حدة التوتر في العلاقات المصرية ــ الحمساوية.
دوره في المفاوضات:
الحية لعب دورًا محوريًا في ملفات التفاوض، حيث ترأس وفود حماس في محادثات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في القاهرة أعوام 2012 و2014 و2024، كما شارك في لقاءات خارجية مثيرة للجدل، أبرزها زيارته إلى دمشق عام 2022 للقاء الرئيس السوري بشار الأسد. في المقابل، تعرض لمحاولات اغتيال إسرائيلية متكررة، أبرزها قصف منزله عام 2007 الذي أسفر عن مقتل سبعة من أفراد عائلته، واستهداف منزل ابنه أسامة عام 2014 الذي خلّف عشرات الضحايا من عائلته، إضافة إلى غارات لاحقة في 2023.
شخصيًا، دفع الحية ثمنًا باهظًا لموقعه القيادي، إذ فقد اثنين من أبنائه، حمزة (2008) وأسامة (2014)، إلى جانب زوجة ابنه وأحفاده. ورغم هذه الخسائر، حافظ على موقعه كأحد الوجوه الأكثر تشددًا داخل حماس، خاصة في ملف الأسرى، حيث كرر مرارًا أن أي صفقة تبادل لن تتم إلا بوقف العدوان الإسرائيلي والانسحاب من غزة.
الدور السياسي:
من الناحية السياسية، يُعد الحية من جناح حماس المرتبط بشكل وثيق بالمحور الإيراني ــ حزب الله، وهو ما ظهر جليًا في زيارته إلى طهران ولقائه بالمرشد علي خامنئي عام 2025، ومشاركته مع إسماعيل هنية في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني. هذه العلاقة عززت صورته كقيادي يعكس التوجه الأيديولوجي الأقرب إلى جماعة الإخوان المسلمين، باعتبار حماس أحد فروعها.
أثار الحية جدلاً واسعًا بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، حيث دافع بشراسة عن أهداف الحركة في تغيير معادلة الصراع مع إسرائيل. لكن أكثر المواقف حساسية جاءت في 2025 عندما هاجم دور مصر في إدارة معبر رفح، وهو ما اعتبرته القاهرة مساسًا مباشرًا بدورها الإقليمي. دفع هذا الموقف الحية إلى زيارة القاهرة لتهدئة التوترات، إلا أن تصريحاته كشفت عن الوجه السياسي الذي يضع الحركة في انسجام مع خطاب جماعة الإخوان المسلمين في مهاجمة مصر والتشكيك في دورها.
بعد مقتل يحيى السنوار في أكتوبر 2024، برز اسم الحية كأحد أبرز المرشحين لقيادة الحركة، خاصة أنه ضمن القيادة الخماسية المؤقتة التي تدير حماس حاليًا. ويظل موقعه مثار جدل دائم، بين كونه قياديًا متشددًا يصر على المواقف الصلبة، وبين كونه وجهًا يثير توترات في علاقات حماس مع محيطها العربي، وعلى رأسه مصر.
خاتمة:
يمثل خليل الحية نموذجًا لقيادات حماس التي تجسد التداخل بين الخطاب الديني المتشدد والانتماء التنظيمي العابر للحدود. فخلفيته العلمية في علوم الحديث، والتي وظّفها في سياق سياسي، عكست توجهًا واضحًا نحو تعزيز الشرعية الأيديولوجية للحركة كامتداد لجماعة الإخوان المسلمين. ومن هنا جاء خطابه الناقد لمصر، الذي يُقرأ في سياق الموروث الإخواني الذي طالما اتسم بالتصادم مع الدولة المصرية.
في المقابل، يكشف حضوره المتكرر في طهران ودمشق عن عمق الارتباط بالمحور الإيراني، وهو ارتباط يبدو براغماتيًا من جهة دعم المقاومة، لكنه ألقى بظلاله على استقلالية القرار الفلسطيني، وجعل من الحية أحد أبرز رموز هذا التوجه داخل الحركة.
هكذا، يعكس مسار الحية الشخصي والسياسي جدلية حماس بين كونها حركة مقاومة محلية وبين تبعيتها الفكرية والتنظيمية للإخوان المسلمين، وارتهانها السياسي للمحور الإيراني. وهذه الجدلية تفسر جانبًا من التوتر الدائم في علاقتها مع القاهرة، حيث يظل الحية من أبرز الأصوات التي تُجسّد هذا التناقض.