داعش والذكاء الاصطناعي.. تهديد مستتر في عصر التكنولوجيا الحديثة

الخميس 11/سبتمبر/2025 - 04:52 م
طباعة داعش داعش محمود البتاكوشي
 
رغم مرور أكثر من عقد على الهزائم العسكرية التي مني بها تنظيم داعش في معاقله التقليدية في العراق وسوريا، إلا أن التنظيم لم يهزم فكريًا أو تنظيميًا، إذ تكشف التقارير الأممية عن تحول نوعي وخطير في آليات عمل التنظيم، إذ أعاد تشكيل نفسه في صورة شبكة لامركزية متعددة الأذرع، تتوزع امتداداتها من الساحل الإفريقي إلى آسيا الوسطى، وتعتمد بشكل متزايد على أدوات التكنولوجيا الحديثة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، في تعزيز حضورها واستدامة خطرها.

قدم فلاديمير فورونكوف، رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، أمام مجلس الأمن تقييمًا قاتمًا لحجم التهديد الذي يشكله التنظيم، أكد أن التنظيم، رغم خسائره القيادية والتكتيكية، لا يزال يحتفظ بقدراته العملياتية، ويستند إلى شبكة مالية دولية وشبكات تجنيد ودعاية تعمل في بيئات رخوة أمنيًا، وتحديدًا في مناطق النزاع والفراغات الجيوسياسية مثل الساحل الإفريقي وسوريا وأفغانستان. هذه البيئات تمثل نقاط ارتكاز رئيسية في استراتيجية داعش الجديدة.

البؤرة الأخطر

منطقة الساحل الإفريقي تبدو اليوم البؤرة الأخطر من حيث توسع نفوذ التنظيم، فقد تمكنت فروع مثل "ولاية غرب إفريقيا" من تثبيت حضورها في مجتمعات منهكة بالفقر والصراعات، وشرعت في إنتاج دعاية إعلامية متطورة لجذب المقاتلين المحليين والأجانب. 
وأظهرت تقارير المراقبة الأممية أن هذه الفروع لا تتحرك ككيانات محلية معزولة، بل ضمن شبكات تنسيق دولية تتبادل التمويل والتقنيات والأساليب.
في أفغانستان، يواصل فرع التنظيم المعروف باسم "داعش – خراسان" نشاطه الدموي، مستغلاً السخط الشعبي، وضعف سلطات الأمر الواقع، وغياب أي حلول سياسية شاملة، في العراق وسوريا، ورغم الهزائم العسكرية الكبيرة، لا تزال خلايا التنظيم تحتفظ بنشاط واضح، خاصة في مناطق البادية السورية، مستغلة الفوضى والانقسامات بين الفصائل المسلحة، والثغرات الأمنية التي تركها انسحاب جزئي أو ضعف التنسيق الدولي.
من أبرز القنابل الموقوتة التي تهدد الأمن الإقليمي والدولي، ما أشار إليه التقرير بشأن معسكرات الاعتقال في شمال شرق سوريا، وعلى رأسها مخيم الهول، الذي يأوي عشرات الآلاف من النساء والأطفال، كثير منهم مرتبطون بعناصر داعش. هذا المخيم لا يمثل مجرد أزمة إنسانية، بل بات أرضًا خصبة للتجنيد والتطرف، في ظل غياب أي حلول مستدامة تضمن إعادة تأهيل أو محاكمة عادلة، أو حتى عودة آمنة للمقيمين فيه. 
ونبه فورونكوف إلى أن استمرار احتجاز الأطفال في ظروف غير إنسانية يخلق جيلًا جديدًا من المتطرفين، في ظل فراغ تربوي وتعليمي وإنساني.

تحول نوعي

الأخطر من ذلك كله، هو التحول النوعي الذي تشهده أدوات التنظيم، فقد أشارت إليسا دي أندا مادرازو، رئيسة مجموعة العمل المالي، إلى أن داعش بات يوظف التكنولوجيا الحديثة بطريقة متقدمة، تجمع بين أدوات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية المالية، التنظيم يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة شبكاته الدعائية، وتحليل البيانات، والتجنيد المستهدف عبر الإنترنت، وحتى في اختراق الأنظمة المالية وتوليد التمويل عبر العملات الرقمية، هذه الوسائل الجديدة أتاحت له بناء بنية تحتية اتصالية يصعب على أجهزة الأمن التقليدية اختراقها؛ ما يجعل التهديد أكثر مرونة وخفاءً وفعالية.
كما حذرت ناتاليا جيرمان، المديرة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب، من أن الإرهاب أصبح أكثر انتشارًا وتعقيدًا في زمن التحول التكنولوجي، ومع استمرار التوترات الجيوسياسية، فإن الجماعات المتطرفة تجد دائمًا بيئة خصبة تعيد فيها إنتاج خطابها، وتكيفه مع معطيات المرحلة، فالصراعات في الشرق الأوسط، والنزاعات الإثنية والطائفية في أفريقيا، كلها تغذي هذا النوع من التطرف المعولم.
في هذا السياق، تبرز الحاجة إلى مقاربات وقائية تتجاوز الردود العسكرية التقليدية فورونكوف أكد أن الوقاية تظل الخط الأول والأكثر فعالية في مواجهة الإرهاب. 
ويشمل ذلك معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، من تهميش اقتصادي، وتردي أوضاع التعليم، وضعف الدولة، والتمييز الطائفي، كما أشار إلى ضرورة تكامل الجهود الدولية، ليس فقط في ميدان الأمن، بل في التنمية وبناء المؤسسات المحلية والعدالة الاجتماعية.
ما يطرحه التقرير لا يقتصر على التحذير من عودة داعش، بل يبين كيف أن التنظيم لم يذهب أصلًا، بل أعاد صياغة نفسه وتكتيكاته، منتقلاً من نموذج "الدولة" إلى نموذج "الشبكة"، ومن خلال هذا التحول، اكتسب قدرة جديدة على البقاء، والانتشار، والاختباء داخل تعقيدات المشهد التكنولوجي والجيوسياسي المعاصر.

شارك