ضربة مالية عابرة للحدود.. واشنطن تعلن أكبر حزمة عقوبات ضد الحوثيين
الجمعة 12/سبتمبر/2025 - 11:52 ص
طباعة

في خطوة نوعية هي الأضخم منذ بدء حملة الضغوط الاقتصادية على جماعة الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) عن فرض حزمة جديدة من العقوبات شملت 32 فردًا وكيانًا و4 سفن مرتبطة بأنشطة التهريب وغسل الأموال وتمويل شراء الأسلحة، وذلك ضمن مسعى متصاعد لتجفيف منابع التمويل الحوثية التي تُعد عصبًا رئيسيًا لقدرتهم على الاستمرار في الحرب، وتأتي هذه الخطوة في توقيت بالغ الحساسية، حيث صعّدت المليشيا من هجماتها البحرية ضد السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، مهددة خطوط الملاحة الدولية والتجارة العالمية، وهو ما جعل المجتمع الدولي أمام تهديد يتجاوز حدود اليمن ليمسّ الأمن الاقتصادي العالمي.
البيان الصادر عن وزارة الخزانة كشف تفاصيل دقيقة حول الآليات التي اعتمدت عليها جماعة الحوثي لبناء اقتصاد موازٍ داخل اليمن وخارجه، مستندة إلى شبكات مالية وتجارية عابرة للحدود، فقد أوضح أن الحوثيين استولوا بشكل مباشر على شركات استراتيجية مثل "شبام القابضة" و"كمران للصناعة والاستثمار"، وحولوها إلى أدوات لغسل الأموال وتوليد أرباح ضخمة يتم توجيهها إلى شراء الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والمعدات العسكرية المستخدمة في استهداف المدنيين والملاحة الدولية، كما أدرجت الوزارة أسماء بارزة مثل صالح الدبيش، وعبد الله مسفر الشاعر، وإبراهيم محسن السويدي، ممن لعبوا أدوارًا محورية في إدارة هذه الشبكات، إلى جانب شركات نفطية وملاحية متورطة في تهريب النفط الإيراني إلى اليمن عبر وسطاء في الصين والإمارات وجزر مارشال، في دليل إضافي على الطبيعة المعقدة والعابرة للحدود لهذه الأنشطة.
وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، جون ك. هيرلي، أكد أن هذه الإجراءات تأتي في إطار الالتزام الأمريكي المستمر بحرمان الحوثيين من الموارد المالية التي تمكّنهم من شن هجمات تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي، وأشار إلى أن التنسيق العسكري والمالي الوثيق بين الحوثيين والنظام الإيراني يضاعف من خطورة التهديد، خصوصًا في ظل استمرار الجماعة في تطوير قدراتها الهجومية باستخدام مكونات وتقنيات يتم تهريبها عبر شركات واجهة وموردين دوليين. ولفت هيرلي إلى أن هذه العقوبات تستند إلى الأمر التنفيذي رقم 13224 المتعلق بمكافحة الإرهاب، وتنسجم مع المذكرة الرئاسية للأمن القومي رقم 2، التي تركز على مواجهة إيران ووكلائها الإقليميين.
ومن جانبه رحب وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني بهذه العقوبات، واصفًا إياها بأنها "أكبر حزمة حتى الآن ضد مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران"، مؤكداً أنها تعكس جدية الإدارة الأمريكية في مواجهة الخطر الذي تمثله هذه الجماعة على الأمن الإقليمي والدولي، وأضاف أن هذه الخطوة تأتي امتدادًا للإجراءات السابقة التي اتخذتها واشنطن ضد الحوثيين، وتجسد مستوى التعاون الوثيق بين البلدين في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله ودعم الشعب اليمني في معركته لاستعادة الدولة وإرساء دعائم الأمن والاستقرار.
وأوضح الإرياني أن الحكومة اليمنية حذّرت مرارًا من خطورة الاقتصاد الموازي الذي أنشأته المليشيا، والذي نهبت من خلاله أكثر من 103 مليار دولار من أموال الدولة، إلى جانب استيلائها على شركات ومؤسسات تجارية وتحويلها إلى أدوات تمويل لعملياتها الإرهابية، واعتبر أن العقوبات الأخيرة تؤكد صدقية هذه التحذيرات، عبر استهداف شركات واجهة وشبكات غسل أموال ضخمة اعتمدت عليها الجماعة في شراء الأسلحة المستخدمة ضد اليمنيين وتهديد الملاحة الدولية.
كما شدد الإرياني على أن هذه العقوبات تكشف بوضوح حجم الفساد والنهب الممنهج الذي مارسته المليشيا الحوثية، وإثراء قياداتها على حساب معاناة اليمنيين، فضلًا عن دورها في تمويل عمليات عسكرية تصب في خدمة المشروع الإيراني التوسعي.
وحذر الوزير اليمني من أن بقاء هذه الجماعة دون مواجهة حاسمة يعني تصاعد المخاطر يومًا بعد يوم، بما يحمله ذلك من كلفة إنسانية وأمنية وسياسية باهظة على اليمن والمنطقة والعالم.
ودعا المجتمع الدولي، وعلى رأسه الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، إلى السير على خطى الولايات المتحدة في تصنيف المليشيا منظمة إرهابية وتجفيف منابع تمويلها وملاحقة قياداتها أينما كانت، دعمًا لجهود الحكومة الشرعية في إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة.
ويرى المراقبون أن هذه الحزمة العقابية تمثل ضربة قوية لشبكات التمويل الحوثية التي باتت أكثر انكشافًا أمام الرصد الدولي، لكنها في الوقت نفسه تكشف حجم التغلغل الذي حققته الجماعة في الاقتصاد الوطني والعابر للحدود، كما أن استهداف شركات وكيانات في دول متعددة يعكس إدراك واشنطن لحجم التعقيد الذي تتسم به شبكات الدعم اللوجستي والمالي للحوثيين، ويرى خبراء أن نجاح هذه العقوبات مرهون بمدى قدرة المجتمع الدولي على التنسيق لملاحقة هذه الشبكات وتجفيف مواردها، إذ أن الحوثيين أثبتوا خلال السنوات الماضية قدرة على المناورة والالتفاف على القيود الدولية.
ومع ذلك، فإن اتساع نطاق العقوبات وتعزيز التنسيق بين الولايات المتحدة والحكومة اليمنية يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الضغط المتصاعد، الذي قد يسهم في إضعاف المليشيا على المستويين المالي والعسكري، ويعزز فرص تحقيق الاستقرار في اليمن والمنطقة.