اعتقال قادة "أنصار المسلمين" يفضح تصاعد خطر التطرف في غرب إفريقيا
الجمعة 12/سبتمبر/2025 - 10:56 ص
طباعة

أعلنت السلطات النيجيرية إلقاء القبض على اثنين من أبرز قادة جماعة "أنصار المسلمين في بلاد السودان"، هما محمود محمد عثمان ومحمود النيجيري، وذلك خلال عملية عسكرية نوعية جرت في الفترة ما بين شهري يونيو ويوليو من عام 2025.
وقد أعاد هذا الحدث تسليط الضوء على واحدة من أخطر الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا، والتي تمثل امتدادًا لفكر تنظيم القاعدة، وتفرّعت عن جماعة بوكو حرام بعد انقسامات داخلية وصراعات حول طرق إدارة العنف، وتحديد الأهداف.
جماعة أنصار المسلمين
وتُعرف جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان، أو ما يعرف اختصارًا بـ"أنصارو"، بتبنيها خطابًا يركز على الجهاد ضد ما تسميه "أعداء الإسلام"، مع إظهار تمايز ظاهري عن جماعة بوكو حرام من حيث إعلانها عدم استهداف المدنيين المسلمين إلا للضرورة، وهي ذريعة كثيرًا ما تستخدمها الجماعات الإرهابية لتبرير أعمال العنف العشوائية.
ويُعتقد أن الجماعة تسعى لتصوير نفسها كتنظيم "أكثر نقاءً" من الناحية الأيديولوجية، مدعية التزامها بتعاليم الشريعة وضوابط الجهاد الشرعي.
ولكن الواقع على الأرض يكشف أن هذه الادعاءات لا تصمد أمام سجل الجماعة الحافل بعمليات الاختطاف، والتفجير، والاعتداءات الدموية، بما في ذلك استهداف البنية التحتية، والمنشآت الحكومية، والمواطنين الأبرياء.
وقد تأسست جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان في عام 2012، إثر انشقاق عدد من أعضاء بوكو حرام غير الراضين عن الأسلوب العنيف الذي تتبعه الأخيرة، خاصة في استهداف المسلمين داخل نيجيريا.
وقد اتخذت الجماعة من اسم "أنصار المسلمين في بلاد السودان" شعارًا لها، مستحضرة مصطلحًا تاريخيًّا يعود إلى فترة ما قبل الاستعمار حين كانت تُعرف منطقة غرب إفريقيا بـ"بلاد السودان"، في إشارة واضحة إلى سعي الجماعة للتمدد على رقعة جغرافية واسعة تشمل دولًا متعددة، بدءًا من نيجيريا، مرورًا بالنيجر ومالي، ووصولًا إلى مناطق أخرى من الساحل الإفريقي.
تحالفات عبر الحدود
الخطورة الكبرى في هذه الجماعة لا تقتصر على عملياتها داخل نيجيريا، بل تتعداها إلى تحالفاتها العابرة للحدود، إذ ترتبط "أنصارو" بعلاقات وثيقة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وقد أعلنت ولاءها الصريح له، مما جعلها تحظى بدعم لوجستي وتدريبي من قبل الجماعات القاعدية الأخرى، خاصة جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الناشطة في مالي والنيجر.
هذه التحالفات مكنتها من تنويع أساليبها القتالية، وتوسيع نطاق عملياتها في المناطق الحدودية، حيث تتسم الأجهزة الأمنية بالضعف، وتفتقر إلى التنسيق الفعّال.
وقد برزت الجماعة بشكل واضح في عدد من العمليات الإرهابية التي هزت نيجيريا خلال السنوات الماضية، كان أبرزها مشاركتها في اقتحام سجن كوجي في العاصمة أبوجا عام 2022، وهي العملية التي أدت إلى هروب مئات السجناء، بعضهم على صلة بجماعات متطرفة.
كما كانت الجماعة وراء تفجير خط السكك الحديدية بين أبوجا وكادونا في نفس العام، حيث أسفر الهجوم عن مقتل ثمانية أشخاص، واختطاف عشرات الركاب.
وتشير تقارير استخباراتية إلى أن هذه الهجمات كانت مدروسة بعناية، وهدفت إلى إرباك الدولة، وإظهار قدرتها على استهداف مؤسساتها الحيوية، بما في ذلك الأمن، والمواصلات، والخدمات العامة.
وبالرغم من ادعاء الجماعة بعدم استهداف المدنيين المسلمين، فإن الواقع يكشف عن عكس ذلك تمامًا، إذ إن العمليات التي تورطت فيها أنصارو لم تخلُ من ضحايا بين صفوف الأبرياء، سواء في مناطق الهجوم المباشر أو أثناء تبادل إطلاق النار مع القوات الأمنية.
وقد اتبعت الجماعة خلال السنوات الماضية تكتيكات الاختطاف من أجل التمويل، مستهدفة أجانب يعملون في مجالات النفط والبنية التحتية، خاصة في شمال نيجيريا، وقد تم توثيق عدد من عمليات اختطاف المهندسين والدبلوماسيين خلال الفترة من 2011 إلى 2013.
الإرهاب المقنع
وفي هذا السياق، شدد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على خطورة هذه الجماعة، معتبرًا أنها تمثل نموذجًا لما يمكن تسميته بـ"الإرهاب المقنع"، أي التنظيم الذي يسعى إلى الظهور بمظهر معتدل نسبيًا مقارنة بجماعات أكثر تطرفًا، بينما يحمل في جوهره نفس الأيديولوجيا المتطرفة، والأهداف التوسعية التي تهدد استقرار الدول والمجتمعات.
وقد أكد المرصد أن الاعتقالات الأخيرة لقادة الجماعة تُعدّ ضربة مؤثرة، لكنها لا تعني نهاية التهديد، بل قد تدفع الجماعة إلى تنفيذ عمليات انتقامية، مما يتطلب تعزيز الإجراءات الوقائية، خاصة في المدن الكبرى، والمراكز الأمنية الحساسة.
ويُلفت المرصد الانتباه إلى أهمية التفكيك الفكري لأيديولوجيا الجماعة، التي تعتمد على مفاهيم مشوهة مثل "الخلافة"، و"الجهاد"، و"الحاكمية"، لتجنيد الشباب، مستغلة مشاعر الغضب، والتهميش، والجهل الديني.
ويرى أن مواجهة هذه الجماعات لا يمكن أن تكون عسكرية فقط، بل يجب أن تشمل الجوانب الفكرية والتعليمية، من خلال مراجعة المناهج الدراسية، ونشر الوعي الديني الصحيح، وتحصين الشباب ضد الخطاب المتطرف الذي يتسلل عبر الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومنابر غير شرعية.
كما دعا المرصد إلى ضرورة التعاون بين المؤسسات الأمنية والدينية والتعليمية، سواء داخل نيجيريا أو عبر شراكات دولية، من أجل صياغة استراتيجيات شاملة لمحاربة الإرهاب، تقوم على المعالجة الفكرية، والتأهيل النفسي، ودمج العائدين من مناطق النزاع في المجتمع.
وأشار إلى أن التجارب السابقة أثبتت أن العنف لا يُهزم فقط بالسلاح، بل بالفكر، والتعليم، وفرص الحياة الكريمة.
منظومة القاعدة في إفريقيا
ويؤكد مرصد الأزهر أن الجماعات مثل "أنصار المسلمين في بلاد السودان" تستغل هشاشة الأوضاع الاجتماعية، وتراجع الدولة عن القيام بدورها في مناطق نائية، لتملأ الفراغ بالخطاب الديني المتشدد، ما يجعل من تعزيز قيم المواطنة، والعدالة الاجتماعية، والتعايش بين مكونات المجتمع، أحد أهم الأسلحة في وجه التطرف.
كما يشدد على أهمية ألا تتكرر الأخطاء التي وقعت مع جماعات أخرى، حين جرى الاكتفاء بالحلول الأمنية دون علاج جذور المشكلة.
وفي ضوء كل هذه المعطيات، يرى المرصد أن المواجهة مع الجماعة يجب أن تكون متعددة الأبعاد، تشمل دعم القوات الأمنية، وتكثيف الحملات التوعوية، ورعاية جهود العلماء والدعاة في توضيح المفاهيم الدينية الصحيحة، وتحفيز المجتمعات المحلية على التعاون مع الدولة، وتبني خطاب ديني وسطي يحاصر التطرف في منبعه، قبل أن يتحول إلى قنابل موقوتة تهدد الأوطان.
ويري مراقبون أن جماعة "أنصار المسلمين في بلاد السودان" ليست مجرد تنظيم مسلح عابر، بل هي امتداد استراتيجي لمنظومة القاعدة في إفريقيا، وتحمل بذور مشروع تكفيري عابر للحدود. ومواجهة هذه الجماعة لا تتعلق فقط بأمن نيجيريا، بل بأمن منطقة الساحل الإفريقي بأكملها، ومن ثم فهي مسؤولية جماعية تتطلب تنسيقًا دوليًا، وتضافرًا للجهود الفكرية والأمنية والإنمائية. فالمعركة ضد الإرهاب لم تعد تقليدية، بل هي معركة وعي بامتياز.