انقسامات الداخل تعزز عودة حركة الشباب إلى قلب الصومال

السبت 13/سبتمبر/2025 - 02:00 ص
طباعة انقسامات الداخل تعزز حسام الحداد
 
تشهد منطقة هرارديري في إقليم مدج بالصومال توترات متصاعدة مع تزايد تحركات مقاتلي حركة الشباب خلال الأسابيع الأخيرة، ما جعل شهر أغسطس 2025 الأكثر نشاطًا للتنظيم في المنطقة منذ فبراير الماضي، بحسب بيانات موقع الحدث والصراع المسلح.
هرارديري، المدينة الساحلية التي استعادتها الحكومة الفيدرالية الصومالية خلال هجومها عام 2022، تمثل اليوم نقطة اختبار حرجة لسيطرة الدولة. فالمدينة لا تضم ميناءً متوسط الحجم فحسب، بل تشكل أيضًا عقدة مواصلات تربط الجنوب الغربي حيث تقع عاصمة المقاطعة "إل ديري" بولاية بونتلاند في الشمال الشرقي.

انتكاسة لمكاسب الحكومة
رغم الزخم الذي رافق الحملة العسكرية التي أطلقتها الحكومة الفيدرالية الصومالية بدعم مباشر من الولايات المتحدة بين عامي 2022 و2023، فإن النتائج الميدانية لهذا الهجوم الكبير تتآكل بشكل متسارع. فقد مثلت الحملة حينها أكبر عملية عسكرية ضد حركة الشباب منذ سنوات، واستعادت خلالها الحكومة عددًا من المدن والمناطق الحيوية في وسط الصومال، ما اعتُبر اختراقًا مهمًا في مسار الحرب ضد التنظيم. غير أن هذه المكاسب سرعان ما بدأت تتراجع مع عودة الحركة إلى تنظيم صفوفها واستغلالها هشاشة الوضع الأمني في المناطق المستعادة.
خلال العامين التاليين، تمكنت حركة الشباب من إعادة وصل مناطق نفوذها التقليدية في الجنوب بملاذاتها الآمنة في الوسط، وهو ما منحها مساحة جغرافية متصلة تسهّل تحركاتها العسكرية وتدعم شبكاتها المالية. ولم يقتصر الأمر على إعادة الانتشار فحسب، بل تجاوز ذلك إلى استعادة أراضٍ جديدة تفوق ما كانت تسيطر عليه قبل هجوم 2022، ما يجعل الحكومة في موقف دفاعي صعب ويطرح تساؤلات حول فاعلية استراتيجيتها العسكرية على المدى الطويل.
في خضم هذه التطورات، برزت مدينة هرارديري كرمز لاختبار قدرة الحكومة على الحفاظ على ما تبقى من إنجازاتها. فالمدينة، التي تشكل إحدى عاصمتي إقليم مدج، تعد اليوم واحدة من مدينتين فقط لا تزالان تحت سيطرة الحكومة بعد حملة 2022. خسارة هرارديري لصالح حركة الشباب لن تعني مجرد سقوط مدينة ساحلية، بل ستشكل ضربة استراتيجية تعني عمليًا انهيار معظم المكاسب التي حققتها الحكومة خلال العامين الماضيين، وعودة الحركة إلى موقع قوة يتيح لها توسيع نفوذها مجددًا.

تحديات داخلية تقوّض الأمن
رغم الانتشار العسكري الذي نفذه الجيش الوطني الصومالي على الطرق المؤدية إلى مدينة هرارديري في محاولة لتعزيز الدفاعات ومنع تقدم حركة الشباب، إلا أن هذه الجهود تصطدم بانقسامات داخلية عميقة. فغياب التنسيق الكامل بين القوات الحكومية والميليشيات المحلية يضعف قدرة الدولة على تثبيت الأمن في المنطقة، ويترك المدينة عرضة لاختراقات محتملة من قبل المتمردين.
تأتي على رأس هذه التحديات ميليشيا ماويسلي، وهي تحالف من جماعات المقاومة المحلية التي لعبت دورًا بارزًا في القتال ضد حركة الشباب وساهمت بشكل حاسم في نجاح الهجوم الحكومي عام 2022. غير أن هذه الميليشيا تشعر اليوم بالتهميش بعد أن فشلت الحكومة في الوفاء بوعودها المتعلقة بتوفير الإمدادات والرواتب للمقاتلين. وقد عبّر قادة الميليشيا بوضوح عن استيائهم، ملوّحين بالانسحاب من هرارديري ومناطق أخرى، وهو ما سيترك فراغًا أمنيًا خطيرًا يمكن أن تستغله الحركة بسرعة.
ولا يقتصر الغضب على الميليشيات فقط، بل يمتد أيضًا إلى مؤسسات الحكم المحلي. فقد انضمت إدارة ولاية هيرشابيل إلى قائمة المنتقدين، متهمة الحكومة الفيدرالية بعدم تقديم الدعم العسكري الكافي لقواتها في منطقة هيران، التي تشهد بدورها نشاطًا متزايدًا لحركة الشباب. هذه المواقف تعكس هشاشة التحالفات بين المركز والأطراف، وتكشف أن التحديات الداخلية قد تكون بنفس خطورة تهديدات الحركة المسلحة، ما يضع الحكومة أمام معركة مزدوجة: مواجهة المتمردين من جهة، وتجاوز أزمة الثقة مع حلفائها المحليين من جهة أخرى.

أهمية استراتيجية مضاعفة
تمثل مدينة هرارديري نقطة ارتكاز استراتيجية لحركة الشباب، إذ إن استعادتها ستمنح التنظيم منفذًا لوجستيًا مهمًا على الساحل يمكن من خلاله تأمين طرق إمداد بحرية وبرية. هذا الموقع يتيح للجماعة مرونة أكبر في التحرك بين قواعدها في وسط الصومال والعاصمة مقديشو إلى الجنوب الغربي، ما يعني أن الطريق الساحلي بأكمله قد يصبح مهددًا تحت وطأة هجمات متكررة أو سيطرة جزئية من قبل الحركة، الأمر الذي يعرقل حركة التجارة ويقوّض نفوذ الحكومة الفيدرالية.
الأهمية لا تقف عند هذا الحد، بل تمتد إلى القدرة على تعزيز الضغط على مدينة إل ديري، وهي العاصمة الإقليمية الوحيدة الأخرى التي استعادت الحكومة السيطرة عليها خلال حملة 2022 وما زالت صامدة حتى الآن. موقع هرارديري يجعلها قاعدة متقدمة لحركة الشباب يمكن استخدامها في محاصرة إل ديري وقطع خطوط إمدادها، وهو ما يضع القوات الحكومية هناك في وضع دفاعي معقد، ويزيد احتمالات سقوطها إذا لم تتلق دعمًا عاجلًا.
وتشير المعطيات الميدانية إلى أن التنظيم بدأ بالفعل في عزل إل ديري عمليًا، عبر قطع طرق الإمداد الحيوية القادمة من مدينة أدالي في إقليم شبيلي الوسطى، التي تمثل بدورها مدينة ساحلية استراتيجية. وقد شهدت أدالي خلال النصف الأول من عام 2025 نشاطًا غير مسبوق لحركة الشباب، حيث نفذ التنظيم هجمات تفوق في عددها مجمل عملياته بين عامي 2021 و2024. هذا التصعيد يكشف أن الحركة لا تتحرك بشكل عشوائي، بل ضمن خطة منهجية لإعادة السيطرة على المراكز الحضرية الرئيسية وربطها بممرات ساحلية تعزز نفوذها الإقليمي.

ارتباطات عابرة للحدود
لم يعد نشاط حركة الشباب محصورًا داخل الحدود الصومالية، بل بات يتجاوزها ليأخذ بعدًا إقليميًا يثير قلق المجتمع الدولي. فقد كشفت تقارير للأمم المتحدة عن وجود اتصالات متزايدة بين الحركة والحوثيين في اليمن، تتضمن تنسيقًا لوجستيًا وعسكريًا يتعدى حدود التعاون التقليدي بين الجماعات المسلحة. هذا التنسيق يشمل عقد اجتماعات مباشرة بين قيادات الطرفين، ما يشير إلى أن العلاقة لم تعد مجرد تبادل مصالح عابر، بل تحولت إلى شراكة استراتيجية متنامية.
أحد أبرز مظاهر هذا التعاون يتمثل في تدريب المقاتلين، حيث أشارت المعلومات إلى أن الحوثيين قاموا بتوفير خبرات ميدانية وعسكرية لعناصر من حركة الشباب، خصوصًا في مجال استخدام الأسلحة الحديثة وتقنيات القتال غير التقليدي. كما لعبت الموانئ التي تسيطر عليها الحركة جنوب الصومال دورًا محوريًا في استقبال شحنات أسلحة قادمة من اليمن، وهو ما يمنح التنظيم الصومالي مصادر تسليح خارجية تعزز من قدراته على مواصلة القتال في الداخل.
وتذهب بعض التقارير الاستخباراتية إلى أبعد من ذلك، إذ تطرح احتمال أن يكون التعاون بين الطرفين قد وصل إلى مرحلة تزويد حركة الشباب بأسلحة أكثر تطورًا، مثل الطائرات المسيّرة والصواريخ قصيرة المدى. مثل هذه التطورات، إن صحت، قد تغير قواعد الاشتباك في الصومال، حيث سيكون التنظيم لأول مرة قادرًا على استخدام تقنيات عسكرية تمنحه تفوقًا نسبيًا على القوات الحكومية وشركائها الدوليين. وهذا الاحتمال يعكس الخطر المتزايد لارتباطات حركة الشباب العابرة للحدود، التي قد تحولها من جماعة محلية الطابع إلى لاعب إقليمي مؤثر.

عودة شبح القرصنة
لا يقتصر خطر حركة الشباب على الجانب العسكري فحسب، بل يمتد أيضًا إلى المجال الاقتصادي عبر محاولات إحياء شبكات القرصنة الصومالية. فبحسب تقديرات بحثية حديثة – من بينها تقرير صادر عن مؤسسة كارنيغي – يسعى التنظيم إلى استغلال موقع ميناء هرارديري لتعزيز تعاونه مع قراصنة البحر، وهو الميناء الذي كان خلال العقدين الأول والثاني من القرن الحادي والعشرين قاعدة أساسية لأنشطة القرصنة في المحيط الهندي. هذه العودة المحتملة تثير المخاوف من أن يتحول الساحل الصومالي مجددًا إلى بؤرة تهدد التجارة العالمية.
من الناحية المالية، ترى حركة الشباب في القرصنة فرصة لتأمين مصادر دخل بديلة عن نظامها التقليدي القائم على فرض الضرائب والإتاوات على الأنشطة المحلية. فالقرصنة البحرية تدر عائدات ضخمة من خلال عمليات خطف السفن وطلب الفدى، وهو ما يمكن أن يرفد ميزانية التنظيم بمبالغ كبيرة تُمكّنه من تمويل عملياته العسكرية وتعزيز حضوره الميداني. وبذلك يصبح البحر، إلى جانب البر، ساحة جديدة للتمويل والتمدد.
المؤشرات الميدانية تدعم هذا الاحتمال، إذ شهدت المنطقة منذ عام 2023 ارتفاعًا ملحوظًا في حوادث القرصنة بعد سنوات من التراجع، حيث تم تسجيل 47 حادثة في خليج عدن وغرب المحيط الهندي مقارنة بصفر حادثة بين عامي 2020 و2022. هذا التصاعد ينسجم مع محاولات التنظيم إعادة الاندماج في شبكات القرصنة وتوظيفها ضمن استراتيجيته الشاملة للسيطرة والتوسع، ما يعيد إلى الأذهان سنوات الفوضى التي جعلت السواحل الصومالية أخطر ممرات الملاحة العالمية.

خلاصة
تحركات حركة الشباب في هرارديري ليست مجرد تقدم ميداني محدود، بل تعكس إعادة تموضع استراتيجي قد يغير ميزان القوى في وسط الصومال. فالمدينة تمثل شريانًا لوجستيًا وبوابة بحرية يمكن أن تعيد للتنظيم حضوره الإقليمي، وتضاعف تهديداته داخليًا وخارجيًا.

شارك