تصعيد حوثي خطير يهدد التجارة العالمية ويقرب الجماعة من قوائم الإرهاب الأوروبية

السبت 04/أكتوبر/2025 - 11:06 ص
طباعة تصعيد حوثي خطير يهدد فاطمة عبدالغني
 
في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، برزت اليمن مجدداً كأحد بؤر التوتر التي تثير قلق المجتمع الدولي، ففي خطاب جديد بثه زعيم جماعة الحوثي عبدالملك بدر الدين الحوثي، تحدث بإسهاب عن ما وصفه بـ"المكاسب الاستراتيجية" التي حققتها جماعته في البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية.
 وأكد أن العمليات العسكرية التي تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل أسهمت في تعطيل ميناء أم الرشراش الإسرائيلي وضرب الاقتصاد الإسرائيلي بصورة مباشرة، معتبراً أن هذه الهجمات تندرج ضمن "الجهاد المشروع لنصرة الشعب الفلسطيني" وتستند – حسب وصفه – إلى مبادئ دينية وإنسانية، وأضاف أن هذه الهجمات لا تمثل فقط ضغطاً عسكرياً على إسرائيل، بل تحمل بُعداً عقائدياً يكرس موقف الجماعة في مواجهة ما تسميه "العدو الصهيوني"، مشيراً إلى أن التضحيات البشرية والمادية الناجمة عنها تمثل "مكاسب كبرى في الدنيا والآخرة".
تصريحات الحوثي جاءت بعد يوم من إعلان جماعته مسؤوليتها عن عملية جديدة استهدفت سفينة الشحن الهولندية "مينيرفاجراخت" أثناء مرورها في خليج عدن، ووفق البيانات الرسمية فقد أصيبت السفينة بصاروخ كروز أدى إلى اندلاع حريق واسع النطاق في أجزائها وتضررها بشكل بالغ، كما أسفر الهجوم عن إصابة اثنين من أفراد الطاقم بجروح متفاوتة وإجلاء بقية الطاقم المكون من 19 بحاراً. 
الشركة المالكة للسفينة ومقرها أمستردام أكدت أن الهجوم وقع أثناء الإبحار في المياه الدولية، واعتبرت أن استهدافها يشكل تهديداً مباشراً لأمن الملاحة البحرية العالمية. 
في المقابل، اعتبرت جماعة الحوثي أن العملية تأتي ضمن قرارها الاستراتيجي الرامي لمنع السفن المرتبطة بإسرائيل من دخول الموانئ الإسرائيلية، ما يؤكد مضيها في التصعيد دون اكتراث بالتبعات الدولية.
ردود الفعل لم تتأخر كثيراً، إذ سارعت هولندا إلى إدانة الهجوم بشكل رسمي، ودعا وزير خارجيتها ديفيد فان فيل الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات مباشرة على جماعة الحوثي، محذراً من أن تساهل المجتمع الدولي مع هذه الاعتداءات قد يؤدي إلى تقويض الأمن البحري العالمي. 
وأكد في بيانه أن الحوثيين يشكلون "تهديداً خطيراً ومستمراً لحرية الملاحة الدولية"، مشيراً إلى أن الهجوم على سفينة هولندية يرقى إلى مستوى الأعمال الإرهابية التي تستهدف تقويض التجارة العالمية.
الاتحاد الأوروبي بدوره أصدر بياناً رسمياً أعرب فيه عن إدانته الشديدة للهجوم على السفينة "مينيرفاجراخت"، واعتبره "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وتهديداً خطيراً للتجارة العالمية".
 وأضاف البيان أن مثل هذه الاعتداءات لا تؤثر فقط على أمن الملاحة، بل تعرقل أيضاً الجهود الإنسانية والسياسية الرامية إلى إحلال السلام في اليمن، كما شدد الاتحاد على ضرورة التزام الحوثيين بقرار مجلس الأمن رقم 2768 الصادر مطلع عام 2025، والذي يطالبهم بوقف جميع الهجمات البحرية فوراً.
أما الحكومة اليمنية الشرعية، فقد رأت في الحادث دليلاً إضافياً على خطورة المشروع الحوثي المدعوم إيرانياً، حيث أكد وزير الإعلام معمر الإرياني أن الهجوم يكشف الوجه الحقيقي للجماعة باعتبارها "أداة تخريبية بيد النظام الإيراني"، محذراً من أن استمرار التراخي الدولي إزاء هذه الاعتداءات سيشجع الحوثيين على التمادي. 
وأكد أن هذه الممارسات لا تمثل تهديداً لليمن وحده، بل تهدد منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي برمتها. وطالب بتصنيف الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب الدولية واتخاذ خطوات عملية لوقف جرائمهم.
وتأتي هذه التطورات في وقت بالغ الحساسية بالنسبة للتجارة العالمية، إذ يشكل البحر الأحمر وخليج عدن ممراً استراتيجياً تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة الدولية وإمدادات الطاقة.
 وبحسب تقارير اقتصادية، فإن أي اضطراب في هذه الممرات ينعكس مباشرة على الأسواق العالمية ويرفع تكاليف الشحن والتأمين بشكل كبير، ما قد يزيد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية المتوترة أصلاً في أوروبا والعالم.
فالهجوم على السفينة الهولندية ليس الأول من نوعه، بل يندرج ضمن سلسلة من الاعتداءات البحرية التي كثفها الحوثيون منذ أواخر عام 2023، فقد سبق للجماعة أن استهدفت سفن شحن تجارية مرتبطة بإسرائيل وأخرى تابعة لشركات أوروبية وأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، ما أدى إلى اضطراب واسع في حركة التجارة العالمية. 
ووفق تقديرات اقتصادية، فإن هذه الهجمات تسببت في رفع تكاليف التأمين والشحن بنسبة تجاوزت 300% لبعض الخطوط الملاحية، وأجبرت شركات كبرى على تحويل مسارات سفنها عبر رأس الرجاء الصالح، وهو ما يضيف ما لا يقل عن 15 يوماً إلى زمن الرحلة ويضاعف التكاليف بشكل كبير، كما أن هذه التطورات دفعت دولاً مثل الولايات المتحدة وبريطانيا إلى إطلاق عمليات عسكرية بحرية لمواجهة التهديد الحوثي وحماية الملاحة الدولية، غير أن هذه الجهود لم تحقق ردعاً كاملاً للجماعة التي واصلت هجماتها بوتيرة متصاعدة.
ولا يقل البعد الإقليمي خطورة عن البعد الاقتصادي، إذ يرى خبراء أن استمرار الهجمات الحوثية يمثل جزءاً من استراتيجية إيران لتوسيع نفوذها عبر وكلائها في المنطقة، واستخدام البحر الأحمر كورقة ضغط في الصراع الأوسع مع الغرب، فالممرات المائية التي تربط آسيا بأوروبا عبر قناة السويس تمثل شرياناً حيوياً للاقتصاد العالمي، وأي اضطراب فيها ينعكس مباشرة على أمن الطاقة وسلاسل الإمداد، وهو ما يجعل التهديد الحوثي ليس شأناً يمنياً أو إقليمياً فحسب، بل قضية عالمية بامتياز.
ويرى مراقبون أن استهداف سفينة أوروبية في هذه المرحلة يمثل نقطة تحول في الموقف الأوروبي تجاه الحوثيين، ففي السابق اكتفى الاتحاد الأوروبي بالإدانة والتحذير، لكنه بات الآن أمام تحدٍ مباشر يمس مصالحه الحيوية، ما قد يفتح الباب أمام إدراج الحوثيين في قوائم الإرهاب الأوروبية وفرض عقوبات اقتصادية مشددة عليهم، كما قد يؤدي هذا التصعيد إلى بناء تحالف دولي جديد أكثر شمولية لمواجهة التهديدات الحوثية في البحر الأحمر، خصوصاً مع ارتفاع الأصوات التي ترى أن الاكتفاء بالتصريحات لم يعد كافياً وأن المطلوب خطوات عملية لحماية الملاحة وضمان استقرار التجارة العالمية. 
وفي هذا السياق، يؤكد المحللون أن الحوثيين بإصرارهم على التصعيد لم يضعوا أنفسهم في مواجهة مع اليمنيين وحدهم، بل مع المجتمع الدولي بأسره، وهو ما قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع تتجاوز حدود اليمن إلى معادلات الأمن الإقليمي والدولي.

شارك