القرن الإفريقي على حافة الانفجار.. عودة حركة الشباب وإرهاصات فوضى جديدة

الخميس 16/أكتوبر/2025 - 03:23 م
طباعة حركة الشباب حركة الشباب محمود البتاكوشي
 
تتجه منطقة القرن الإفريقي بصمت نحو مشهد أكثر اضطرابًا، يعيد إلى الأذهان سقوط كابول بيد طالبان عام 2021 فالهجوم الواسع الذي شنته حركة الشباب في فبراير 2025، والمعروف باسم “عملية رمضان”، كشف أن التنظيم الإرهابي استعاد أنفاسه مجددًا بعد سنوات من التراجع، متمكنًا من بسط نفوذه على مساحات واسعة في أقاليم شبيلي الوسطى والسفلى وهيران وبنادر، واقترب أكثر من العاصمة مقديشو ورغم الغارات الأمريكية والدعم التركي، فإن الحكومة الصومالية لم تنجح في شن هجوم مضاد فعال، ما جعل كفة الميدان تميل بوضوح لصالح الحركة.

وراء هذا الصعود تكمن أزمة صومالية مركبة تعكس حالة الجمود السياسي الناتجة عن تأجيل الانتخابات، وضعف الثقة بالمؤسسات الفدرالية، وإرهاق المانحين الدوليين الذين باتوا أقل استعدادًا للتمويل، فضلًا عن التوترات العشائرية التي أضعفت تماسك الدولة في المقابل، تواجه بعثة الاتحاد الإفريقي “أوصوم” نقصًا حادًا في التمويل والعتاد، بينما تتعرض الميليشيات العشائرية المتحالفة مع الحكومة لضغوط ميدانية كبيرة، وتعاني قوات “داناب” المدعومة من واشنطن من تقليص ميزانيتها وهكذا، في ظل هذه المعادلة المختلة، استعادت حركة الشباب زمام المبادرة في لحظة ضعف سياسي ومؤسسي غير مسبوقة.

قدرات استثنائية

تكمن خطورة الحركة في قدرتها الاستثنائية على بناء اقتصاد مواز يمكنها من تمويل أنشطتها بشكل مستقل عن أي دعم خارجي فهي تجني سنويًا ما بين 100 و200 مليون دولار من خلال منظومة مالية معقدة تشمل تجارة الفحم غير المشروعة، وفرض الضرائب على السكان والشركات، واستغلال الزكاة كضريبة إجبارية تفرض على رؤوس الأموال وليس الأرباح كما تعتمد الحركة على شبكات تهريب واسعة النطاق تمتد إلى كينيا واليمن، وتحقق أرباحًا ضخمة من تجارة السكر والماشية ومرور القوافل التجارية عبر نقاط التفتيش التي تسيطر عليها هذا الاقتصاد الأسود حول الحركة إلى كيان شبه دولتي، يمتلك بيروقراطية مالية وإدارية تفوق في فعاليتها مؤسسات الحكومة نفسها.

 سلطة محلية متماسكة

وعند مقارنة حركة الشباب بنظيراتها من التنظيمات الإرهابية، يتضح أنها تمثل نموذجًا هجينا يجمع بين عناصر متعددة من طالبان وداعش والقاعدة فهي تتبنى أيديولوجيا القاعدة العابرة للحدود، وتستفيد من مرونة داعش المالية وقدرته على إدارة موارد ضخمة، كما تستنسخ من طالبان قدرتها على بناء سلطة محلية متماسكة عبر تحالفات قبلية واجتماعية هذا المزيج جعلها أكثر قدرة على البقاء والاستمرار، وأقل اعتمادًا على التمويل الخارجي أو السيطرة الرمزية، ما يمنحها خطورة استراتيجية على المدى الطويل.


تتجاوز تداعيات هذا الصعود البعد المحلي إلى الإقليمي، إذ تشير تقارير إلى تنامي التعاون بين حركة الشباب والحوثيين في اليمن ضمن علاقة براغماتية هدفها تبادل المصالح لا الأيديولوجيا فالحوثيون يمدون الحركة بالأسلحة والتقنيات، ولا سيما الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع، مقابل تكثيف الأخيرة لهجماتها البحرية في خليج عدن لتشتيت الانتباه عن شحنات السلاح الحوثية هذا التنسيق يعيد رسم خريطة الخطر في البحر الأحمر، ويهدد بتحويله إلى ساحة صراع مزدوجة تجمع بين الإرهاب والقرصنة المنظمة، بما له من انعكاسات خطيرة على أمن الملاحة العالمية.

استراتيجية مستدامة لمواجهة الخطر

في مواجهة هذا التهديد المتصاعد، كثفت الولايات المتحدة خلال النصف الأول من عام 2025 من غاراتها الجوية ضد مواقع الحركة، فارتفع عدد الضربات إلى أكثر من أربعين عملية مقارنة بعشر فقط في العام السابق كما بدأت بعثة الاتحاد الإفريقي الجديدة “أوصوم” مهامها بقوة تقارب 12 ألف عنصر من دول شرق إفريقيا ومصر غير أن محدودية التمويل واستمرار الفساد داخل المؤسسات الصومالية يجعلان هذه الجهود أشبه بمحاولات لتأجيل الانهيار أكثر من كونها استراتيجية مستدامة لمواجهة الخطر.
يجعل الموقع الجغرافي للصومال من أي انهيار جديد كارثة عابرة للحدود فالملاحة عبر خليج عدن، التي تمر عبرها بضائع تقدر قيمتها بأكثر من تريليون دولار سنويًا، قد تصبح رهينة للتنسيق بين الحوثيين والشباب، ما يؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد العالمية والطاقة كما يمكن أن يتحول الساحل الصومالي الممتد على أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر إلى قاعدة آمنة للتنظيمات الإرهابية والقرصنة، فيما تتعرض كينيا وإثيوبيا لضغوط متزايدة جراء التسلل والعمليات الحدودية، ما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.

المواجهة العسكرية لا تكفي

في ضوء هذه المعطيات، تبدو المواجهة العسكرية وحدها غير كافية، بل تحتاج إلى مقاربة شاملة تعيد بناء الدولة الصومالية من الداخل، عبر إصلاح مؤسساتها، ومكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية المالية لوقف تسرب الأموال إلى الحركة كما يجب توسيع التنسيق الدبلوماسي الإقليمي بين الصومال وجيرانه ودول الخليج لتشكيل جبهة أمنية موحدة، إلى جانب استمرار الدعم العسكري والاستخباراتي الدولي دون تكرار أخطاء الاعتماد الكلي على الخارج.

غير أن السيناريو الأسوأ يبقى قائمًا فالتجارب السابقة، من كابول إلى مقديشو عام 1993، تؤكد أن الاعتماد على المساعدات الأجنبية دون ترسيخ قاعدة محلية صلبة يؤدي في النهاية إلى انهيار سريع حال تراجع الالتزام الدولي وإذا ما انسحبت بعثة الاتحاد الإفريقي أو خفضت المشاركة الأمريكية، فقد تتمكن حركة الشباب من حصار مقديشو تدريجيًا وإعادة بناء سلطتها من القرى إلى المدن، مستخدمة المحاكم الشرعية ومجالس الشورى لإدارة الحياة العامة، تمامًا كما فعلت طالبان قبل استيلائها على كابول وعندها يجد العالم نفسه أمام نسخة إفريقية جديدة من "إمارة إرهابية" تملك المال، والسلاح، والموقع الاستراتيجي، ما يعيد الصومال إلى مربع الدولة المنقسمة ويهدد بانفجار فوضى جديدة تمتد إلى القرن الإفريقي بأكمله.

شارك