مقتل رئيس هيئة أركان الحوثي.. يهز البنية القيادية للميليشيات ويكشف التخبط داخل صفوفها

الجمعة 17/أكتوبر/2025 - 11:51 ص
طباعة محمد عبدالكريم الغماري محمد عبدالكريم الغماري فاطمة عبدالغني
 
تلقت مليشيات الحوثي ضربةً موجعةً تركت آثاراً عميقة في بنيتها القيادية والعسكرية بعد مقتل رئيس هيئة أركانها محمد عبدالكريم الغماري وعدد من قادتها في غاراتٍ نسبت إلى إسرائيل، لتكشف الحادثة عن هشاشة البنية الأمنية والارتباك داخل صفوف الجماعة. وقد جاء اعتراف الحوثيين بمصرع الغماري بعد خمسين يومًا من الغارات، في خطوةٍ فُسّرت بأنها محاولة لاحتواء الصدمة، والحفاظ على تماسك المعنويات، بعدما أصبح واضحًا أن المليشيا تواجه أزمة داخلية متصاعدة في قيادة صفوفها العسكرية والسياسية والإعلامية.
من هو رئيس هيئة أركان جماعة الحوثي الذي استهدفته الغارات الإسرائيلية؟
محمد عبدالكريم الغماري، المكنى بـ"أبوهاشم"، وُلد عام 1984 في بلدة "ضاعن" بمديرية وشحة محافظة حجة، ترسخت ولاءاته في بيئة الحواضن الطائفية التي أنتجت قيادات الجماعة، تلقى تدريبه الأيديولوجي على يد مرجعيات الجماعة، ومن ثم اكتسب خبراته الميدانية عبر مشاركات تدريبية في سوريا ولبنان وإيران. 
وكانت انطلاقته الميدانية منذ 2004، حين قاد أول فرق زرع الألغام والعبوات الناسفة، ومن ثم شغل مناصب ميدانية عدة، بينها مشرف على محافظة حجة وتأسيس تشكيلات انتحارية أوائل العقد الأول من الألفية.
صعد اسم الغماري على الساحة العسكرية الحوثية، فقد منحه التنظيم رتبة "لواء ركن" ووصفه برئيس هيئة الأركان وقائد القرار العسكري الفعلي داخل هياكل المليشيات. برز اسمه بقوة خلال الهجوم البري على مأرب عام 2021، وارتبط دوره بتوسيع قدرات الجماعة على إطلاق الصواريخ الباليستية وتأسيس معامل لصناعة الذخائر والعبوات، فضلاً عن تنسيق وجود خبراء من إيران وحزب الله لتدريب وتسليح تشكيلات تابعة للجماعة، كذلك أشرفت مصادر على عمله في بناء محطات استخباراتية في دول القرن الأفريقي ودول مجاورة لليمن منذ منتصف 2024.
ظروف استهدافه وتأخر الاعتراف:
تعرض الغماري لهجمات متكررة، حيث أشارت مصادر يمنية مطلعة إلى أنه كان هدفًا لضربة إسرائيلية سابقة في 15 يونيو أصابته، ثم قُتل وفق ما ذكرت المليشيات مع عدد من مرافقيه ونجله حسين خلال غارات استهدفت مقرّ حكومة الجماعة في 28 أغسطس. 
مع ذلك، ظلت الجماعة متكتمة طويلاً عن إعلان وفاته، حتى بعد مضي نحو خمسين يومًا على الغارات، قبل أن تعترف رسميًا بمصرعه. 
خبراء وباحثون يمنيون أوضحوا أن التأخر في الإعلان عن مقتل الغماري جاء نتيجة عوامل متعددة: سياسية وعسكرية وخوف من انهيار ثقة القواعد لدى عناصر المليشيات، إذ شكل الإعلان المبكر بخسارة أبرز قيادييها خطرًا على صلابة "القداسة العسكرية" داخل التنظيم ومعنويات المقاتلين.
وتعليقًا على  اعتراف الحوثيين المتأخر  بمقتل الغماري قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، إن "إقرار مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران بمصرع قائد جناحها العسكري المدعو محمد عبدالكريم الغماري بعد شهرين من مقتله، يفضح حجم الانكشاف الأمني والخلل القيادي الذي تعيشه، والذي يعكسه تخبطها وارتباكها وتضارب رسائلها وإدارتها الفوضوية للمشهد السياسي والإعلامي". 
وأضاف الإرياني أن "هذا الاعتراف المتأخر، واستمرار إخفاء أسماء قيادية أخرى، يكشف منهجية المليشيا في إدارة خسائرها بالتكتم، وإعادة تدوير أسماء قادتها القتلى في بيانات سياسية وتهاني شكلية، لإخفاء الحقيقة عن مقاتليها وأنصارها وحماية ما تبقى من معنوياتها المتهاوية".
وأشار الوزير إلى أن "المعلومات المؤكدة تؤكد أن الأشهر الماضية شهدت تصفيات وضربات دقيقة استهدفت مراكز القيادة في الصفين الأول والثاني في المليشيا الحوثية، وأدت إلى تصدع واضح في هرمها العسكري والسياسي والإعلامي"، مؤكداً أن "المليشيا اليوم تبدو في حالة انهيار متسارع، تتخبط في قراراتها، وتتصارع أجنحتها، وتفقد السيطرة على خطابها، فيما تتكشف أوراقها أمام الداخل والخارج، في مؤشرات قوية على أن العد التنازلي لتآكل هذا المشروع الإرهابي قد بدأ فعلياً.
ردود فعل الجماعة.. التحجيم وإيجاد كباش فداء:
وفي أعقاب الإعلان عن مقتله، سارعت قيادة الجماعة إلى تبرير إخفاقها الأمني وشيطنة أطراف خارجية ومحلية، باتهام موظفين تابعين لمنظمات أممية بالمسؤولية عن استهداف اجتماع حكومة الجماعة في 28 أغسطس، وادعت العثور على "خلايا تجسسية" منسوبة إلى منظمات إنسانية، من بينها برنامج الغذاء العالمي ويونيسف. 
وزعم القيادي عبدالملك الحوثي أن موظفاً للبرنامج اسمه "عمار ناصر" متورط، وأن الخلايا نقلت معلومات إلى "العدو الإسرائيلي" — مزاعم اعتمدت كوسيلة لإيجاد كبش فداء لتفسير الإخفاق الأمني وتحويل الانتباه عن الاعتراف بمقتل قيادتها البارزين. 
مراقبون اعتبروا هذه الخطوة محاولة لحفظ ماء الوجه أمام القواعد وتحويل الرأي العام المحلي عن الأزمة الحقيقية المتمثلة في خسارة قيادات عليا.

شارك