بعد مقتل الغماري... الحوثيون يعينون "مهندس الحروب" رئيسًا لهيئة الأركان

الجمعة 17/أكتوبر/2025 - 12:29 م
طباعة القيادي البارز يوسف القيادي البارز يوسف حسن المداني رئيسًا لهيئة الأركان العامة فاطمة عبدالغني
 
في خطوة تعكس عمق التبعية لإيران واستمرار نهجها العسكري، أعلنت ميليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لطهران، تعيين القيادي البارز يوسف حسن المداني رئيسًا لهيئة الأركان العامة خلفًا لمحمد عبدالكريم الغماري، الذي قُتل بغارات إسرائيلية في العاصمة اليمنية صنعاء، بحسب مصادر استخباراتية وتقارير متقاطعة. 
الإعلان، الذي جاء بعد أسابيع من التكتم، كشف حجم الارتباك والانكشاف الأمني داخل الجماعة، وأبرز هشاشتها الداخلية عقب فقدانها أحد أهم عقولها العسكرية.
محمد عبدالكريم الغماري، المعروف بكنيته "أبوهاشم"، كان يشغل منصب رئيس "المكتب الجهادي" للحوثيين، ويعد المهندس الأول للعمليات العسكرية التي استهدفت الداخل اليمني ودول الجوار منذ عام 2016. 
اشتهر الغماري بتنسيقه المباشر مع ضباط من الحرس الثوري الإيراني وخبراء من حزب الله اللبناني، وكان يقود عمليات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية التي طالت مواقع سعودية وإماراتية.
ولد الغماري في محافظة الحديدة، وتدرج في صفوف الحوثيين منذ الحرب الأولى في صعدة، ليصبح لاحقًا أحد أبرز القادة الميدانيين، عُرف بصرامته العسكرية وولائه المطلق لعبدالملك الحوثي، وكان من أوائل من تلقوا تدريبات في إيران وسوريا ولبنان، أدرجه التحالف العربي عام 2018 في قائمة المطلوبين برقم (4) ورصد مكافأة قدرها 20 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه.
شكّل مقتله ضربة قوية للهيكل العسكري الحوثي، لما مثّله من ثقل ميداني وتنظيمي، إذ كان مسؤولاً عن إدارة الجبهات الأكثر حساسية والإشراف على خطط الهجمات العابرة للحدود. 
ومع ذلك، جاء قرار عبدالملك الحوثي بتعيين يوسف المداني خلفًا له تأكيدًا على أن طهران ما تزال تملك اليد الطولى في هندسة القرار العسكري داخل الجماعة.
المداني، البالغ من العمر 49 عامًا، هو صهر زعيم الميليشيا عبدالملك الحوثي، ومعلم الغماري السابق، وأحد المقربين من قائد فيلق القدس الإيراني الراحل قاسم سليماني، الذي اختاره ليكون "همزة الوصل بين الحوثيين والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني". 
أدرجه مجلس الأمن الدولي عام 2021 في قائمة العقوبات، كما وضعته الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب في العام نفسه، فيما صنّفه التحالف العربي في المرتبة الثامنة ضمن قائمة الأربعين إرهابيًا الحوثيين، مع مكافأة قيمتها 20 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، بسبب سجله الوحشي ضد المدنيين.
ينحدر يوسف المداني من أسرة إمامية في محافظة حجة شمال غرب اليمن، وهو من أوائل الحوثيين الذين تلقوا تدريبات عسكرية في إيران وجنوب لبنان على أيدي خبراء حزب الله. 
وتصفه التقارير الاستخباراتية بأنه المؤسس الثاني للجناح العسكري للحوثيين بعد مقتل حسين بدر الدين الحوثي عام 2004، حيث لعب دورًا محوريًا في إعادة بناء القوة المقاتلة للجماعة وتأهيل أجيال جديدة من المقاتلين وفق العقيدة الخمينية.
وفي عام 2017، عينته الميليشيا قائدًا للمنطقة العسكرية الخامسة التي تشمل محافظات الساحل الغربي والمناطق الحدودية مع السعودية، ومن هناك تولى المداني إدارة عمليات تهريب السلاح عبر البحر الأحمر، مستفيدًا من الدعم الإيراني المباشر. 
وتشير تقارير إلى أن سليماني كلفه شخصيًا بالإشراف على تشكيل وحدات "كتائب المندب"، وهي ألوية متخصصة في العمليات البحرية والهجمات على السفن، تلقت تدريباتها في معسكرات تابعة للحرس الثوري في إيران ولبنان.
ويُعرف المداني داخل أروقة المليشيا بلقب "مهندس الحروب"، نظرًا لدوره في إدارة المعارك الكبرى منذ الحرب الأولى وحتى اليوم، إضافة إلى نفوذه داخل أجنحة صنع القرار العسكري والأمني، ورغم تعرضه في مراحل سابقة للتهميش السياسي من قبل عبدالملك الحوثي، إلا أن ارتباطه المباشر بفيلق القدس منحه مكانة استثنائية، خصوصًا بعد مقتل سليماني عام 2020، حيث أصبح المرجع الميداني الأول للحرس الثوري في اليمن.
ويرى المراقبون إن اختيار المداني لخلافة الغماري لا يعكس فقط محاولة الحوثيين سد فراغ قيادي، بل يؤكد تمسكهم بالنهج الإيراني القائم على عسكرة القرار السياسي وتعميق النفوذ الإقليمي لطهران عبر الأذرع المسلحة، ويشير المراقبون إلى أن المداني يمثل الجيل الأكثر ولاءً للمشروع الإيراني، وأن تعيينه في هذا المنصب الحساس يؤشر إلى مرحلة أكثر تصعيدًا في البحر الأحمر والممرات الملاحية، خاصة في ظل انخراط الجماعة في هجمات متزايدة ضد السفن الإسرائيلية والغربية.
ويرى خبراء في الشأن اليمني أن الحوثيين يسعون من خلال هذا التعيين إلى طمأنة طهران بأن ارتباطهم الاستراتيجي باقٍ ومتين، رغم الخسائر الميدانية التي تكبدتها الجماعة مؤخرًا، كما يعتقد آخرون أن مقتل الغماري وتعيين المداني سيعيد رسم موازين القوى داخل المليشيا، وقد يفتح الباب أمام صراعات خفية بين أجنحة النفوذ في صعدة وصنعاء، خصوصًا مع بروز شخصيات عسكرية أخرى تطمح للقيادة.
في المحصلة، يرى المراقبون أن تعيين يوسف المداني خلفًا لمحمد عبدالكريم الغماري لا يمثل تغييرًا في النهج، بل هو امتداد لمشروع إيراني متكامل يكرّس الحوثيين كذراع عسكرية في خاصرة الجزيرة العربية، ومع أن مقتل الغماري مثّل خسارة كبيرة للحوثيين، إلا أن صعود المداني — "ذراع سليماني في اليمن" — ينذر بمرحلة أكثر تطرفًا وتصعيدًا، تهدد الأمن الإقليمي والملاحة الدولية في البحر الأحمر، وتؤكد أن صنعاء باتت رهينة بالكامل للمشروع الإيراني العابر للحدود.

شارك