باماكو تحت الحصار.. هل تصبح أول عاصمة إفريقية في قبضة القاعدة؟
الثلاثاء 04/نوفمبر/2025 - 02:26 م
طباعة
تشهد مالي اليوم أحد أكثر المشاهد الأمنية خطورة في تاريخها الحديث، بعدما باتت عاصمتها باماكو على شفا السقوط في أيدي تنظيم "القاعدة" عبر ذراعه المحلي "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، في تطور قد يعيد رسم خريطة الإرهاب في القارة الإفريقية.
تقع باماكو، العاصمة وأكبر مدن مالي، على ضفاف نهر النيجر وتشكل القلب الاقتصادي والسياسي للدولة، لكنها تعيش منذ أسابيع تحت حصار خانق فرضته الجماعة المتطرفة التي منعت وصول الوقود والغذاء، ما تسبب في شلل شبه كامل للحياة اليومية، وانقطاع الإمدادات عن المستشفيات والمصانع، وتعليق الدراسة في المدارس والجامعات بعد نفاد الوقود، هذا الانهيار الخدمي دفع الولايات المتحدة ودولًا أوروبية إلى إجلاء موظفيها ورعاياها، في مؤشر على تدهور الوضع الميداني واقتراب العاصمة من مرحلة الانفلات الكامل.
تصاعد الخطر وتبدل الاستراتيجية
حذر تقرير أممي حديث من أن "نصرة الإسلام والمسلمين" بلغت مستوى غير مسبوق من القدرة العملياتية، بعد تطوير تكتيكاتها لتشمل استخدام الطائرات المسيرة والعبوات الناسفة المعقدة، وتنفيذ هجمات منسقة ضد ثكنات محصنة، لم تعد الجماعة تكتفي بالعمليات المسلحة، بل انتقلت إلى مرحلة التمترس السياسي، حيث تسعى لفرض شكل من أشكال الحكم المحلي في المناطق الخاضعة لها، من خلال عقد اتفاقات قسرية مع القبائل لضمان الولاء وتثبيت النفوذ.
الطموح المعلن للتنظيم – وفق التقرير الأممي – هو إقامة إمارة إسلامية تشكل تحديًا مباشرًا لشرعية الأنظمة العسكرية في الساحل الإفريقي، وفرض تطبيق الشريعة بالقوة، ويقدر عدد مقاتلي الجماعة في غرب إفريقيا بما بين خمسة إلى ستة آلاف عنصر، يتركزون في شمال مالي ويتوسعون نحو بوركينا فاسو والنيجر.
تداعيات الانسحاب الغربي
تدهور الوضع الأمني في مالي لا يمكن فصله عن انسحاب القوات الفرنسية والأمريكية خلال الأعوام الأخيرة، ما ترك فراغًا استخباراتيًا وعسكريًا استغلته التنظيمات الإرهابية لتوسيع نفوذها، فالقوات الغربية كانت تمتلك قدرات مراقبة جوية وأقمارًا صناعية توفر معلومات دقيقة ساعدت على احتواء الخطر لفترة طويلة، لكن مع رحيلها، فقدت باماكو شبكة الدعم التي كانت تتيح لها مواجهة الإرهاب بشكل منسق.
كما أن الانقلابات المتكررة في مالي منذ عام 2020 أدت إلى إضعاف مؤسسات الدولة وتآكل شرعيتها، بينما انشغل المجلس العسكري الحاكم بتثبيت سلطته على حساب بناء استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب، في المقابل، استثمرت الجماعات المتطرفة هذا الانقسام لتوسيع حضورها بين الفئات المهمشة التي تعاني من الفقر والبطالة وتراجع الخدمات.
نحو مشهد إقليمي أكثر اضطرابًا
احتمال سقوط باماكو في قبضة القاعدة لا يعني فقط انهيار دولة، بل انفجار أزمة إقليمية ستطال غرب إفريقيا بأكملها. فالعاصمة المالية تمثل عقدة جغرافية في قلب الساحل، وأي انهيار أمني فيها سيفتح الطريق أمام تمدد التنظيمات نحو النيجر وبوركينا فاسو، وربما شمال إفريقيا لاحقًا، كما أن استمرار الصمت الدولي حيال تطورات الموقف يمنح الجماعات المتطرفة مساحة إضافية للمناورة والتجنيد، في ظل انشغال القوى الكبرى بملفات أخرى.
سيناريوهات المستقبل
في ضوء ضعف الحكومة المركزية وتراجع الدعم الدولي، تبدو معادلة سيطرة القاعدة على باماكو ممكنة التحقيق، استمرار الحصار وشلل الإمدادات ينذران بانهيار تدريجي للسلطة، بينما تتقدم الجماعة عسكريًا باتجاه العاصمة في محاولة لتكرار سيناريوهات مشابهة لما حدث في أفغانستان، وإذا تحقق ذلك، فستكون مالي أول دولة إفريقية تدار فعليًا من تنظيم إرهابي، ما يشكل سابقة تهدد الأمن القاري والدولي على حد سواء.
