من بوكو حرام إلى «نصرة الإسلام».. الإرهاب ينهش نيجيريا

الخميس 06/نوفمبر/2025 - 04:57 م
طباعة من بوكو حرام إلى محمود البتاكوشي
 
أصبحت نيجيريا نفسها مجددًا في قلب جدل دولي معقد، بعدما أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول احتمال التدخل العسكري لحماية المسيحيين في البلاد عاصفة من المخاوف بشأن السيادة الوطنية، وفتحت جرحًا قديمًا يتعلق بمأساة العنف الديني والإرهاب الذي يعصف بالبلاد منذ أكثر من عقدين.

تصريحات ترامب التي ألمح فيها إلى إمكانية نشر قوات أمريكية أو تنفيذ ضربات جوية داخل نيجيريا، جاءت بزعم وقف ما وصفه بـ"المجازر ضد المسيحيين"، معتبرًا أن ما يجري "أمر لا يمكن السكوت عنه". 
هذا الخطاب، رغم طابعه الإنساني المعلن، فسر في الداخل النيجيري كمحاولة لتبرير تدخل خارجي في بلد يعاني أصلًا من هشاشة أمنية وصراعات داخلية متشابكة.

الرد النيجيري الرسمي حاول احتواء الأزمة عبر الترحيب بالتعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، شرط احترام وحدة الأراضي النيجيرية، لكن الجدل سرعان ما اتسع ليشمل التساؤلات القديمة حول قدرة أبوجا على السيطرة الكاملة على أراضيها، وسط تصاعد نفوذ الجماعات المتطرفة وتزايد الانتقادات الدولية لأداء الأجهزة الأمنية.

أرض مستباحة للتطرف

منذ مطلع الألفية، تحولت نيجيريا إلى إحدى بؤر الإرهاب الأكثر خطورة في القارة الأفريقية. فـ"بوكو حرام"، التي نشأت عام 2002 في شمال شرق البلاد على يد محمد يوسف، بدأت كحركة دينية رافضة للتعليم الغربي، قبل أن تتحول إلى تنظيم مسلح يسعى لإقامة "خلافة إسلامية" من خلال العنف والترويع.

شنت الجماعة منذ عام 2009 سلسلة من الهجمات الدموية استهدفت الكنائس والمدارس ومقرات الشرطة، وأسفرت عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص وتشريد الملايين، وفق تقديرات الأمم المتحدة. 

وقد تصاعدت شهرتها المأساوية عقب حادثة اختطاف أكثر من 200 تلميذة من بلدة شيبوك عام 2014، والتي أثارت استنكارًا عالميًا.

ورغم الضربات التي تلقتها من الجيش النيجيري، بقيت "بوكو حرام" قادرة على التكيف، خصوصًا بعد انشقاق جناح متشدد منها بايع تنظيم "داعش" وشكل فرعًا جديدًا باسم "داعش في غرب إفريقيا".

تنظيم "داعش" في غرب إفريقيا


يعد هذا التنظيم اليوم الأخطر في المشهد النيجيري، إذ استطاع تطوير تكتيكاته القتالية عبر هجمات مركزة على مواقع عسكرية في ولايات يوبي وبورنو وشمال نيجيريا. 

تشير التقارير إلى أن التنظيم نفذ خلال عام 2025 عدة عمليات واسعة، من بينها اجتياح قواعد للجيش والاستيلاء على عشرات المركبات والأسلحة، مستفيدًا من بنية تحتية ضعيفة ونقص الخدمات في المناطق النائية.

وبحسب تقديرات أمنية، يجني التنظيم نحو 191 مليون دولار سنويًا من الضرائب غير القانونية والابتزاز في المناطق التي يسيطر عليها، حيث يحاول تقديم نفسه كبديل "فعال" للدولة من خلال إدارة الخدمات وفرض نوع من النظام المحلي.

امتداد القاعدة إلى نيجيريا

ومؤخرًا، انضمت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، المرتبطة بتنظيم القاعدة، إلى مشهد العنف في نيجيريا بعد إعلانها تنفيذ أول هجوم داخل أراضي البلاد، ما يمثل تحولًا استراتيجيًا خطيرًا في نشاطها الذي كان محصورًا سابقًا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

الهجوم الذي أسفر عن مقتل جندي نيجيري واحد، اعتبر إشارة رمزية لبدء مرحلة جديدة من التمدد الجهادي نحو الجنوب، وتأكيدًا على أن الحدود بين دول الساحل لم تعد حاجزًا أمام تحركات التنظيمات الإرهابية.

بين السيادة والمصالح الدولية

تأتي هذه التطورات في ظل ضغوط أمريكية وأوروبية متزايدة على أبوجا لاتخاذ خطوات أكثر حزمًا ضد الإرهاب والعنف الطائفي، خاصة بعد تقارير منظمات دولية أكدت أن نحو 89% من المسيحيين الذين قتلوا في العالم عام 2023 كانوا من نيجيريا.

لكن وراء هذا الاهتمام الظاهر بقضايا الأقليات تكمن حسابات سياسية واستراتيجية معقدة، تتعلق بتنامي النفوذ الروسي والصيني في غرب إفريقيا، وتراجع الدور الأمريكي التقليدي في المنطقة.

 


شارك