إيران تسجل "أعلى معدل إعدامات شهرية" منذ ربع قرن وسط صمت دولي

الأحد 09/نوفمبر/2025 - 12:16 ص
طباعة إيران تسجل أعلى معدل محمد شعت
 

يواجه المجتمع الدولي حالة من الصدمة والإنكار إزاء الوتيرة المروعة لتنفيذ أحكام الإعدام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي بلغت مستويات غير مسبوقة منذ عقود. ففي غضون شهر واحد فقط، تحول المشهد القضائي الإيراني إلى "آلة قتل" لا تتوقف، وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان. 

وأعلنت منظمة حقوق الإنسان في إيران عن إحصائية مفزعة تشير إلى إعدام ما لا يقل عن 217 شخصًا خلال الشهر الماضي، وهو الرقم الذي وصفته المنظمة بأنه "أعلى معدل للإعدامات الشهرية خلال ما لا يقل عن 25 عامًا". هذا يعني أن السلطات في طهران نفّذت، في شهر أكتوبر  الماضي، حكم إعدام واحد كل ثلاث ساعات، في مؤشر واضح على تحول العقوبة القصوى إلى أداة قمع جماعية ومنهجية.

 إن الصدمة لا تكمن فقط في العدد الهائل، بل في التعتيم المتعمد الذي يحيط بهذه المأساة. فمن بين 217 حالة إعدام موثقة، لم تعلن وسائل الإعلام الحكومية رسميًا إلا عن 24 حالة فقط، وهو ما يمثل 11% من الإجمالي. هذا التستر يكشف عن نية واضحة لإخفاء المدى الحقيقي لحملة الإعدامات الجارية، مما يجعل السلطات متهمة بـ "القتل الصامت" خارج نطاق الشفافية والمساءلة. الضحايا، الذين يتم اقتيادهم إلى حبل المشنقة في جنح الظلام، غالبًا ما يختفون من السجل العام، مما يحوّل السجون إلى غرف إعدام جماعية بعيدة عن أي رقابة داخلية أو خارجية.

 

الإعدام كأداة قمع وتصفية عرقية

تحليل القائمة المفزعة لضحايا الإعدام خلال الشهر الماضي يكشف عن حقيقة مرة: النظام القضائي الإيراني يستخدم عقوبة الإعدام ليس فقط لمكافحة الجريمة، بل لتصفية حسابات سياسية وقمع الأقليات العرقية والمناطق المهمشة. لقد تصدرت اتهامات المخدرات المشهد، حيث أُعدم 99 سجينًا (أي ما يعادل 45 في المائة) بهذه التهم. وعلى الرغم من أن جريمة القتل العمد كانت مسؤولة عن إعدام 104 أشخاص (48 في المائة)، إلا أن الأرقام المتبقية تثير القلق البالغ حول استخدام المحاكم لتصفية المعارضين.

 

من بين الحالات الأخرى الموثقة: إعدام ستة سجناء سياسيين عرب بتهمة "البغي"، وهي تهمة فضفاضة تُستخدم لاستهداف النشطاء من الأقليات، إلى جانب سجين كردي واحد بتهمة "المحاربة من خلال التواصل مع جماعات سلفية". كما شملت القائمة إعدام شخص واحد بتهمة "التجسس لصالح إسرائيل"، وثلاثة أشخاص بتهمة "المحاربة عبر السرقة المسلحة". هذه التهم، التي غالبًا ما تُصدر بعد محاكمات تفتقر لأدنى معايير العدالة والمحاكمة العادلة، تضع النظام القضائي تحت طائلة الاتهام بـ تسييس القضاء وتحويله إلى ذراع بوليسي لـ "تطهير" المجتمع من أي معارضة محتملة.

 

الأبعاد العرقية  لهذه الموجة القاتلة لا يمكن تجاهلها. حيث أشارت المنظمة إلى إعدام ست نساء خلال الشهر الماضي، وهو ما يثير التساؤلات حول الظروف التي تدفع النساء في إيران إلى ارتكاب جرائم تؤدي إلى الإعدام، وغياب برامج إعادة التأهيل أو الأحكام البديلة. أما على المستوى العرقي، فقد كان نصيب الأقليات صادمًا: إعدام ثمانية من البلوش، وثمانية من الأكراد، وأحد عشر عربيًا، بالإضافة إلى إعدام 11 مواطنًا أفغانيًا. هذه الأرقام تؤكد أن الأقليات العرقية، التي تعيش في مناطق غالبًا ما تكون محرومة اقتصاديًا وتتعرض لضغوط أمنية متزايدة، تدفع الثمن الأكبر لهذه الحملة، مما يشير إلى وجود نمط ممنهج لاستهداف المجموعات المهمشة.

 

تصاعد الإعدامات والتحذيرات الدولية

إن الوتيرة الحالية للإعدامات ليست مجرد موجة عابرة، بل هي تفاقم مخيف لاتجاه بدأ يتصاعد بحدة منذ بداية العام. فقد وصل عدد الإعدامات منذ بداية العام الجاري إلى 1271 حالة على الأقل، وهو ما يمثل تضاعفًا تقريبًا مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، التي سُجل فيها 685 حالة إعدام. هذا الارتفاع الحاد يضع النظام الإيراني في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان.

 

في تعليق قوي ومباشر، قال محمود أميري‌ مقدم، مدير منظمة حقوق الإنسان في إيران: "نحن نشهد عملية قتل جماعي ومنهجي لأشخاص حُكم عليهم بالإعدام من قِبل نظام قضائي يفتقر إلى العدالة". وأكد أن على المجتمع الدولي والدول التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع طهران أن تجعل وقف الإعدامات أولوية فورية. هذا التصريح يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تحدث خلف جدران السجون الإيرانية.

 

التحذيرات لم تعد مقتصرة على المنظمات غير الحكومية. ففي أروقة الأمم المتحدة، ارتفعت الأصوات المطالبة بتحقيق جدي. فقد أشارت ماي ساتو، المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في إيران، خلال اجتماع اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى أن النظام الإيراني، من خلال تنفيذه للإعدامات الجماعية، يسلك مسار "الجرائم ضد الإنسانية". وفي الجلسة نفسها، صرحت سارا حسين، رئيسة لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، بأن النظام الإيراني يواصل قمع مواطنيه وتنفيذ الإعدامات بحقهم، مما يضيّق بشدة على الفضاء المدني ويحول دون أي حراك سياسي أو اجتماعي سلمي.

 

هذا القلق وصل إلى أعلى المستويات الدولية، حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في أحدث تقاريره المقدمة إلى الجمعية العامة، عن قلقه العميق إزاء الارتفاع الكبير في عدد الإعدامات في إيران. هذا التوافق الدولي في القلق يجب أن يترجم إلى ضغط دبلوماسي ملموس.

 

الخطر ليس مجرد إحصائية منتهية، بل تهديد وشيك يواجه عشرات الأشخاص. إذ يشير التقرير إلى أن نحو 70 سجينًا سياسيًا في سجون إيران يواجهون خطر تنفيذ أحكام الإعدام أو المصادقة عليها قريبًا، بينما يُواجه أكثر من 100 شخص آخرين خطر صدور أحكام إعدام بحقهم. هذا يعني أن "آلة القتل" لا تزال تعمل بكامل طاقتها، وأن الأسابيع والأشهر القادمة قد تشهد المزيد من الأرقام القياسية المأساوية.

 

شارك