الشيخ عبد المتعال الصعيدي حياة مجاهد في الإصلاح
الإثنين 10/نوفمبر/2025 - 10:34 ص
طباعة
روبير الفارس
يُعدّ كتاب "الشيخ عبد المتعال الصعيدي: حياة مجاهد في الإصلاح – مع مذكرات الشيخ التي تنشر لأول مرة" للدكتور عبد الباسط سلامة هيكل، إضافة نوعية للمكتبة الفكرية العربية المعنية بتراث النهضة والإصلاح الديني في مصر الحديثة. فالعمل يأتي ضمن مشروع فكري أوسع للكاتب يسعى إلى إعادة تقديم مدرسة الإصلاح والتجديد لا بوصفها نهاية مسار التفكير الديني، بل باعتبارها نقطة انطلاق جديدة في فهم خطاب النهضة وتطويره.
يركّز الكتاب على إعادة اكتشاف شخصية الشيخ عبد المتعال الصعيدي (1894–1966) بوصفه واحدًا من أبرز أعلام الفكر الإسلامي الذين سعوا إلى تجديد الخطاب الديني من داخل الأزهر، متمسكًا بأصول الدين ومنفتحًا في الوقت نفسه على قضايا العصر. وقد قدّم الدكتور عبد الباسط هيكل في هذا المؤلَّف قراءة متعمقة لمشروع الشيخ الإصلاحي، مع نشر مذكراته التي خطّها قبل وفاته بشهور قليلة، لتكشف عن جانب إنساني وفكري أصيل ظلّ مغيَّبًا عن كثير من الدراسات السابقة.
يُبرز الكتاب الدور النقدي الذي مارسه الصعيدي في مواجهة التيار الحرفي الجامد، كما يعرض خلافاته الفكرية مع بعض رموز المدرسة الإصلاحية ذاتها، مؤكدًا أنه كان عقلًا حرًا يزن الأفكار بميزان الشرع والعقل، لا بميزان التقليد أو التبعية. وتكتسب المذكرات المنشورة في هذا العمل أهمية خاصة لأنها تصوّب العديد من المعلومات المتداولة عن الشيخ وحياته، وتقدّم شهادة ذاتية صادقة عن مرحلة فكرية وسياسية واجتماعية حافلة بالتحولات في مصر القرن العشرين.
يُظهر الشيخ في هذه المذكرات حرصه على الجمع بين الإيمان العميق بالله والالتزام بالوطن، وبين الاجتهاد العقلي والنقد البنّاء للموروث. فهو يرى أن التضييق على حرية الفكر والاجتهاد أدى إلى جمود طويل الأمد أصاب الحياة الدينية والثقافية، حتى تقدّمت الأمم الأخرى بينما ظل المسلمون أسرى التقليد. ويقول في أحد مقاطع مذكراته:
"ليتعظ الذين أصبحوا حرباً على أصحاب الرأي في عصرنا، وضاقت صدورهم بكلّ جديد ولو كان صواباً... ولم يجنِ المسلمون من صخبهم إلا ذلك الجمود الذي خيَّم على الأفكار، ووقف عقبة في سبيل الإصلاح، فتقدمت الأمم وتأخّرنا، وضعف الدين، وفشا الإلحاد في بلادنا."
يُقدّم الدكتور عبد الباسط هيكل عبر هذا الكتاب شهادة فكرية وتاريخية عن أحد رموز الإصلاح الذين لم ينالوا ما يستحقونه من اهتمام. فالشيخ عبد المتعال الصعيدي لم يكن مجرد فقيه أو مفسّر، بل كان مجددًا ذا رؤية اجتماعية وإنسانية عميقة، حمل هموم أمته، ودعا إلى إصلاح التعليم الديني وإحياء الاجتهاد وإعمال العقل في فهم النصوص.
ولد الشيخ عبد المتعال بن حسن الصعيدي عام 1894 بقرية النخيلة في محافظة أسيوط، وتلقى تعليمه في الأزهر الشريف حيث برز بين زملائه بذكائه واستقلال فكره. عمل أستاذًا في الأزهر وتولى مناصب علمية وتدريسية متعددة، وكان من أبرز تلاميذ مدرسة الإمام محمد عبده، لكنه سرعان ما كوّن منهجه الخاص في التجديد، الذي يقوم على الاجتهاد الحر وربط الدين بحاجات المجتمع.
ألف الشيخ ما يزيد على أربعين كتابًا في الفقه والفكر والتفسير والأدب، من أبرزها "حرية الفكر في الإسلام"، و"الاجتهاد والرأي في الإسلام"، و"المجددون في الإسلام"، و"نقد نظام التعليم الديني". كما كان له نشاط واسع في الصحافة والكتابة العامة.
توفي الشيخ عام 1966 بعد حياة حافلة بالعطاء الفكري والجهاد الإصلاحي، تاركًا وراءه تراثًا غنيًا ما زال يشكّل مرجعًا مهمًا لكل من يسعى إلى فهم العلاقة بين الدين والعقل والإصلاح الاجتماعي.
بهذا الكتاب، يعيد الدكتور عبد الباسط سلامة هيكل إلى الواجهة صوتًا من الأصوات المخلصة التي آمنت بأن الإصلاح الديني هو شرط أساسي لنهضة الأمة وتقدمها.
