التحول الجيوسياسي: ترامب ينهي"لعبة الشيطان” مع الإخوان المسلمين
الجمعة 05/ديسمبر/2025 - 11:50 ص
طباعة
مسعد غنيم
تقييم مستقبل الإخوان المسلمين في سياق التحول الاستراتيجي الأمريكي
بدأت كتابة كتابي "هل ينهي الشيطان لعبته؟" من عام 2015 حتى 2020 حيث عرضه في معرض الكتاب الناشر المثقف المحترم علي عبد الحميد عبد القادر من خلال مركز الحضارة العربية للتنمية الثقافية، ومنذ ذلك الحين تسارعت الأحداث الجيوسياسية العالمي التي طالت الإخوان المسلمين "عين لعبة الشيطان"، ويبدو أن الوقت قد حان لرمي مشروع الإخوان الإيديولوجي في سلة زبالة التاريخ
وهذا البحث استغرق مني وقتا وجهدا ساعدني فيه أن جعلت جيميني يعتمد كتابي المشار إليه كمرجع أساسي في البحث عن مستقبل الإخوان بعد التحركات الأمريكية الجديدة نحو اعتبار تنظيم الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا"
المقدمة: نهاية نموذج "لعبة الشيطان"
إن الفرضية القائلة بأن الجغرافيا السياسية العالمية تشهد تحولاً عميقاً مدعومة بقوة بالإجراءات الحاسمة الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد جماعة الإخوان المسلمين. فعلى مدى عقود، استغلت السياسة الخارجية الغربية الإسلام السياسي ببراغماتية ساخرة، وهي الاستراتيجية التي اشتهرت بتسمية "لعبة الشيطان" على يد الصحفي الاستقصائي روبرت درايفوس. وقد تضمن هذا النموذج رعاية الجماعات الإسلامية كوكلاء استراتيجيين ضد التهديدات المتصورة مثل القومية العربية والشيوعية المدعومة من الاتحاد السوفييتي. ويشير المحور السياسي الأمريكي الأخير، الذي توج في عام 2025 بإجراءات تنفيذية لتصنيف فروع الإخوان المسلمين ككيانات إرهابية، إلى الانهيار الرسمي لهذه الاستراتيجية التلاعبية طويلة الأمد.
تحديد الفرضية الأساسية: لعبة الشيطان
كانت الفرضية التأسيسية لـ "لعبة الشيطان" هي الجهد المتعمد من قبل القوى الغربية للتدخل في الشرق الأوسط من خلال الاستخدام التكتيكي للأصولية الدينية. وقد وثق درايفوس بدقة أصول هذا النهج، متتبعاً إياها إلى أواخر القرن التاسع عشر عندما رعى البريطانيون شخصيات مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، اللذين وضعا الأساس للإسلاموية الحديثة. وقد وفر هذا الانخراط المبكر آلية – هي استراتيجية فرق تسد – لتحقيق الأهداف الاستعمارية عبر زرع الانقسام على أسس دينية وعرقية داخل المجتمعات المستعمَرة.
بعد الحرب العالمية الثانية، تبنت الولايات المتحدة هذه الاستراتيجية الساخرة، مستغلة الإخوان المسلمين في الخمسينيات كسلاح حاسم لزعزعة استقرار الحكومات القومية العربية الموالية للسوفييت، وأبرزها نظام جمال عبد الناصر في مصر. وكان هذا الدعم الأمريكي السري مدفوعاً بالضرورة الجيوسياسية القصوى لتأمين احتياطيات المنطقة النفطية الشاسعة والحفاظ على احتواء الاتحاد السوفييتي. ومع ذلك، كان التناقض الاستراتيجي حتمياً: فالجماعات التي تم نشرها "كبيادق لإحباط القومية والشيوعية" وجهت غضبها في نهاية المطاف ضد رعاتها الغربيين السابقين، مما ضمن مستقبلاً يتسم بـ "الأخطاء والعواقب الوخيمة". ويكشف هذا المسار التاريخي أن التحول الجيوسياسي الحالي هو، في الواقع، الإدراك المتأخر للمخاطر التي حذرت منها أجهزة الاستخبارات الأمريكية في وقت مبكر من عام 1953: حتمية انقلاب هذه الجماعات المستغَلة في نهاية المطاف ضد الولايات المتحدة.
نقطة الانعطاف الجيوسياسي (2025)
كان التحول من الاستغلال إلى المواجهة الرسمية مدفوعاً بتفاعل معقد من الأحداث الإقليمية والعالمية. فقد رفع الربيع العربي في عام 2011 الإخوان المسلمين من جماعة ضغط سرية إلى قوة سياسية علنية في دول مثل مصر، حيث حققوا نجاحاً انتخابياً مؤقتاً. وأظهر الفشل اللاحق لحكومة الإخوان المسلمين في مصر (2012-2013) للولايات المتحدة أن الإسلام السياسي لا يمكن أن يعمل بنموذج ديمقراطي-رأسمالي معتدل وموثوق (فرضية "المستقبل التركي" الفاشلة)، بل كان، بدلاً من ذلك، محفزاً رئيسياً للفوضى الإقليمية.
كان المحفز المباشر للتغيير الحاسم في السياسة هو هجوم 7 أكتوبر 2023، الذي كشف عن روابط مباشرة لا يمكن إنكارها بين فروع الإخوان المسلمين (خاصة في الأردن ولبنان) وحركة حماس المصنفة كإرهابية من قبل الولايات المتحدة. وقد وفر هذا الارتباط ذريعة الحرب اللازمة للإدارة الأمريكية، ولا سيما الجناح الجمهوري المتشدد، للتحرك بشكل حاسم ضد الشبكة العابرة للحدود. علاوة على ذلك، فإن الخطاب المتشدد الذي استخدمته شخصيات مثل السيناتور ماركو روبيو بخصوص "الاستراتيجية الإسلامية" طويلة الأمد للإخوان المسلمين من أجل "احتلال العالم" ليس مجرد كلام سياسي.
ويستمد هذا السرد تبريره من تفسير وثائق الإخوان المسلمين التي تم الاستيلاء عليها، مثل "المشروع" و "المذكرة"، والتي تؤطر نشاط الحركة في أمريكا الشمالية صراحة كاستراتيجية "جهادية حضارية" طويلة الأمد تهدف إلى تدمير الحضارة الغربية من الداخل عبر التمكين المؤسسي . وهذا التبرير الأيديولوجي القوي يُمكّن الجناح السياسي من المضي قدماً في تصنيف المنظمة كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO).
المحور السياسي لعام 2025: الدوافع، الآليات، والعوائق القانونية
يمثل جهد التصنيف في عام 2025 الإجراء الأمريكي الأكثر عدوانية وحسماً ضد شبكة الإخوان المسلمين منذ عقود ، منهياً رسمياً فترة الانخراط الحذر.
الزخم التشريعي والتنفيذي
اكتسبت الدفعة نحو التصنيف زخماً سريعاً على المستويين الفيدرالي ومستوى الولايات في عام 2025. فقد استخدم الرئيس دونالد جيه ترامب أمراً تنفيذياً في نوفمبر 2025 لبدء عملية مراجعة رسمية، يوجه تحديداً وزيري الخارجية والخزانة لتقييم وربما تصنيف فروع معينة من الإخوان المسلمين (أبرزها في لبنان ومصر والأردن) كمنظمات إرهابية أجنبية (FTOs) وإرهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص (SDGTs). وتوازى هذا الإجراء مع ضغط مستمر من الكونغرس، تجسد في قانون تصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية لعام 2025، الذي قدمه السيناتور تيد كروز، ويسعى لفرض التصنيف الكامل للحركة.
رمزياً، سبق هذا الزخم الفيدرالي إجراء حاكم تكساس جريج أبوت غير المسبوق على مستوى الولاية، حيث صنف الإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) كمنظمات إرهابية أجنبية، وحظر عليها قانونياً حيازة الممتلكات داخل تكساس. ورغم أن هذه الخطوة على مستوى الولاية غير ملزمة على المستوى الفيدرالي، إلا أنها رفعت بشكل كبير من الرهانات السياسية في واشنطن.
الأساس المنطقي: العلاقة بحماس والتسوية الاستراتيجية
يرتكز التبرير القانوني الذي يدعم الأمر التنفيذي على الروابط المادية والمالية بين فروع الإخوان المسلمين والكيانات الإرهابية المصنفة. ويشير الأمر صراحة إلى دعم الإخوان المسلمين لحماس، ملاحظاً أن قادة الإخوان المسلمين الأردنيين "قدموا دعماً مادياً للجناح العسكري لحماس منذ فترة طويلة". ويتجاوز الأساس المنطقي مجرد الروابط المالية، مجادلاً بأن هذه الفروع "تشارك في أو تسهل وتدعم حملات العنف وزعزعة الاستقرار" التي تهدد المصالح الأمريكية والاستقرار الإقليمي.
ويمثل قرار استهداف الفروع المحددة فقط (لبنان ومصر والأردن) بدلاً من المنظمة العابرة للحدود بأكملها تسوية سياسية حاسمة. يتيح هذا النهج المركز للإدارة فرض عقوبات شديدة وقطع الروابط المالية مع فروع حماس مع التخفيف من العواقب الدبلوماسية المتوقعة. إن الإدراج الشامل للمنظمة كمنظمة إرهابية أجنبية سيعقد بشدة العلاقات مع الحلفاء الإقليميين الرئيسيين مثل الأردن، حيث فروع الإخوان المسلمين (مثل جبهة العمل الإسلامي) هي أحزاب سياسية قائمة. ويقلل هذا التصنيف المستهدف من المخاطر الدبلوماسية مع زيادة الضغط على قدرة الإخوان المسلمين على تمويل العنف. ولذلك، فإن التحول في السياسة مدفوع بشكل أقل بـ"الضرورة التشغيلية"، أي حسب الظروف – حيث تم تصنيف العديد من الأفرع العنيفة بالفعل – وبشكل أكبر بالاصطفاف السياسي الاستراتيجي مع الأنظمة المناهضة للإخوان المسلمين في الشرق الأوسط (مصر والإمارات والسعودية) وإرضاء الفصائل المحلية المتشددة القوية.
الحجج المضادة الاستراتيجية والقانونية
واجهت جهود التصنيف معارضة وتشكيكاً فورياً، في المقام الأول من المحترفين في الاستخبارات ومسؤولي وزارة الخارجية، بسبب مخاوف استراتيجية وقانونية على حد سواء.
اللامركزية والصلاحية القانونية
التحدي القانوني الأساسي هو أن الإخوان المسلمين ليسوا كياناً موحداً بل حركة عابرة للحدود فضفاضة التنظيم ألهمت عدداً لا يحصى من المنظمات المستقلة على مدى ما يقرب من 100 عام. ولم تشارك غالبية هذه المنظمات الملهمة في العنف مطلقاً، مما دفع المسؤولين المهنيين إلى تقييم أن الحركة الإجمالية لا تستوفي معايير المنظمة الإرهابية بموجب الأطر القانونية الأمريكية الصارمة، التي تتطلب دليلاً واضحاً على مشاركة المنظمة في الإرهاب.
العواقب الجيوسياسية وتخصيص الموارد
لطالما عارضت وكالات الاستخبارات التصنيف الشامل كمنظمة إرهابية أجنبية، محذرة في وقت مبكر من عام 2017 من أن مثل هذه الخطوة "ستغذي التطرف" عبر إثبات السردية القائلة بأن الغرب يشن حرباً على الإسلام. كما يهدد هذا التصنيف باحتكاك دبلوماسي كبير نظراً لأن فروع الإخوان المسلمين متداخلة في النسيج السياسي للدول الحليفة. علاوة على ذلك، يجادل العديد من خبراء الأمن القومي بأن تصنيف شبكة الإخوان المسلمين بأكملها سيحول موارد مكافحة الإرهاب المحدودة بعيداً عن التهديدات الأكثر إلحاحاً ومركزية، مثل القاعدة أو داعش. ويفضلون النهج المركز والحصيف المتمثل في تصنيف الجماعات المنشقة العنيفة التي يمكن التحقق منها فقط، مثل حركة سواعد مصر (حسم) أو لواء الثورة، التي تم فرض عقوبات عليها سابقاً.
المسارات المستقبلية في الشرق الأوسط: مصر والتداعيات الإقليمية
يواجه الإخوان المسلمون كارثة هيكلية وأيديولوجية في قلب الشرق الأوسط، وهي أزمة تسارعت بشدة بفعل التصنيف الأمريكي الذي يضفي الشرعية على قمع الدولة في جميع أنحاء المنطقة.
مصر: أزمة وجودية وتشرذم داخلي
منذ التدخل العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسي في عام 2013، شهد الإخوان المسلمون في مصر واحدة من أشد فترات القمع الحكومي منذ تأسيسها في عام 1928، بهدف تفكيك شبكات دعمها الاجتماعي وبنيتها البيروقراطية. وقد أدى هذا القمع المستمر إلى انقسام تنظيمي، قسم الحركة إلى فصيلين رئيسيين بهياكل تنظيمية منفصلة ووجهات نظر متعارضة جوهرياً حول الانخراط مع النظام الحالي.
يلتزم أحد المعسكرين، وهو المعسكر السلمي، بالموقف البراغماتي والمحافظ المعتدل التاريخي للإخوان المسلمين، معتقداً أنه يجب على الحركة مواجهة حكومة السيسي بأساليب غير عنيفة. على العكس من ذلك، يدعو المعسكر الثوري إلى مسار أكثر راديكالية، يضفي الشرعية صراحة على العنف ضد الحكومة، وإن كان يميز أفعالهم عن إراقة الدماء العشوائية للجماعات الجهادية.
إن القيادة في المنفى، التي من المفترض أن تحافظ على استمرارية الحركة، منخرطة بدلاً من ذلك في "هرمية سامة" و "خلافات تافهة"، مما يوضح مرضاً عميقاً أصاب المنظمة التي كانت قوية في يوم من الأيام بالشلل. وتتعرض القيادات للانتقاد لسقوطها "بعيداً عن أفكارها المحفزة وقاعدتها الشعبية". ومن غير المرجح أن يتم حسم هذا الصراع المستمر بين المعسكرين قريباً. ومع ذلك، فإن القمع المستمر للجناح السلمي – الذي أصبح الآن مصدّقاً عليه عالمياً بالإجراء الأمريكي – قد يعزز رسالة المعسكر الثوري عن غير قصد بين التيار الإسلامي السائد الذي أصابه الإحباط، مقنعاً إياهم بأن الانخراط السياسي السلمي لا طائل منه.
التهميش الإقليمي: الأردن وتونس
يعكس الرد الإقليمي التحول الأمريكي، مؤكداً الرفض المنهجي لنموذج الإخوان المسلمين السياسي. لقد فشل الأمل في أن يتطور الإخوان المسلمون إلى نموذج عملي ومعتدل – فرضية "المستقبل التركي" – بشكل حاسم، مما دفع الخبراء إلى اقتراح إحالة أيديولوجية الحركة "إلى سلة مهملات التاريخ".
الأردن
حظر الأردن، وهو شريك أمني أمريكي حاسم، جماعة الإخوان المسلمين وصنفها كمنظمة محظورة في أبريل 2025 بسبب تورط أعضائها في مؤامرات عنيفة. وتؤدي الإشارة المحددة إلى الفرع الأردني للإخوان المسلمين في الأمر التنفيذي الأمريكي إلى زيادة الضغط بشكل كبير على الذراع السياسي للإخوان المسلمين، جبهة العمل الإسلامي (IAF). وتُجبر جبهة العمل الإسلامي، التي كانت تعمل كقوة معارضة مهيمنة، الآن على تعزيز تحالفاتها المحلية وإعادة تموضعها سياسياً لتجنب العقوبات الكاملة لمنظمة إرهابية أجنبية/إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص. ومن شأن عدم الامتثال أن يضع ضغطاً كبيراً على العلاقات الأمنية بين الأردن والولايات المتحدة.
تونس
تم تحييد حزب النهضة التونسي التابع للإخوان المسلمين، وهو لاعب رئيسي في الحكومات الائتلافية ما بعد عام 2011، بشكل فعال عبر الملاحقات القضائية والقيود الحكومية في ظل الرئيس قيس سعيد منذ عام 2023. ويظهر مصير النهضة وجبهة العمل الإسلامي استراتيجية إقليمية موحدة لإزالة الإخوان المسلمين كقوة سياسية مشروعة. ومن النتائج الحاسمة لهذا القمع الإقليمي إزالة الهوية السياسية للإخوان المسلمين (حزب)، مما يجبر الحركة على العودة إلى هويتها الدعوية (دعوة) السرية، التي يصعب مراقبتها وأقل قابلية للسيطرة عليها. ويشير هذا الناتج الاستراتيجي إلى أن الاستقرار قصير الأمد الذي تحققه الأنظمة الاستبدادية ينطوي على خطر تعميق التهديد طويل الأمد للتطرف اللامركزي.
الانتشار العالمي: التغلغل الاستراتيجي في الغرب
مع تعرض جوهر الإخوان المسلمين للقمع الشديد في الشرق الأوسط، من المتوقع أن تكثف الشبكة العابرة للحدود تركيزها على مسارح العمليات الغربية، معتمدة على استراتيجيات غير عنيفة متطورة في الولايات المتحدة وأوروبا.
الإطار الاستراتيجي: الجهاد الحضاري
تعرّف الاستراتيجية العالمية للإخوان المسلمين، الموضحة في وثائق رئيسية مثل "المشروع" (1982) و "المذكرة التفسيرية" (1991)، على أنها الجهاد الحضاري: وهو شكل طويل الأمد وغير عنيف من "الجهاد الأكبر في إزالة وتدمير الحضارة الغربية من الداخل". وتستغل هذه الاستراتيجية الحريات والمؤسسات الديمقراطية الغربية لتحقيق الهدف طويل الأمد المتمثل في التمكين (الترسيخ المؤسسي) ، ويعمل هذا الإطار الاستراتيجي على مبدأين رئيسيين:
• التمكين (الترسيخ المؤسسي): الهدف متعدد المراحل لترسيخ الهيمنة الإسلامية عبر وضع الإسلام كـ "بديل حضاري" متفوق ليحل محل الأنظمة الغربية.
• المرحلية (التكيف المرحلي): المرونة التكتيكية التي تسمح للإخوان المسلمين بتعديل خطابها وتشكيل تحالفات استراتيجية مع جماعات غير إسلامية، غالباً ما تتركز حول أهداف قصيرة الأمد مشتركة مثل السرديات المناهضة للاستعمار أو حقوق الإنسان، وبالتالي اكتساب الشرعية والتأثير في ساحات لا يمكن الوصول إليها لولا ذلك للمنظمات الإسلاموية الصريحة.
أوروبا: تهديد التغلغل الصامت
في أوروبا، أولى الإخوان المسلمون الأولوية للاختراق الأيديولوجي غير العنيف، والذي غالباً ما يسمى "التغلغل الصامت". ويحذر خبراء مثل الدكتورة فلورنس بيرجود بلاكير، الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي (CNRS)، من أن الإخوان المسلمين "أكثر تدميراً وخبثاً" و "أكثر خطورة تحديداً لأنه يعمل في صمت" مقارنة بالجهادية الصريحة. وغالباً ما تفشل الحكومات الأوروبية في معالجة هذا التهديد الأيديولوجي بسبب "الخوف من الإسلاموفوبيا" السياسي.
يوسع الإخوان المسلمون نفوذهم عبر أساليب تغلغل متطورة:
• الاختراق المؤسسي وجماعات الضغط (اللوبي): تعتمد الشبكة على "السرية والخطاب المزدوج للتغلغل في المؤسسات والمجتمع". ويُقال إن المنظمات المتحالفة مع الإخوان المسلمين، مثل مجلس المسلمين الأوروبيين والإغاثة الإسلامية العالمية، هي شركاء منتظمون للمفوضية الأوروبية، وتتلقى غالباً منحاً سخية.
• التعليم و الدعوة: يُشار إلى قطاع التعليم كأولوية للأسلمة الأيديولوجية، مستهدفاً المؤسسات والمشاريع الممولة من برامج مثل إيراسموس، وصُمم هذا التغلغل المؤسسي لتحقيق "الفتح السلمي" لأوروبا من خلال الدعوة (التبشير) والأيديولوجيا، بهدف تآكل القيم الأوروبية المشتركة مثل المساواة القانونية وحرية التعبير عبر الترويج لنظام اجتماعي مختلف جذرياً.
• الاستجابة الحكومية: على الرغم من أنه من غير المرجح أن يتبنى الاتحاد الأوروبي تصنيفاً شاملاً كمنظمة إرهابية أجنبية بسبب المعايير القانونية الصارمة، فمن المتوقع أن يؤدي التحول في السياسة الأمريكية إلى "تصلب المواقف" وزيادة الرقابة الحكومية في العواصم الرئيسية مثل باريس وفيينا. ويستهدف هذا الضغط الهيكل التنظيمي السري الذي يدير "مئات المساجد والمراكز التعليمية في فرنسا وألمانيا" ويعتمد بشكل كبير على شبكات مالية معقدة، بما في ذلك أموال الوقف والتمويل الأجنبي (مثل من قطر حتى عام 2019).
الولايات المتحدة: التصنيف والدعوة
في الولايات المتحدة، تستهدف جهود التصنيف بشكل مباشر الشبكات المالية والتنظيمية التي تدعم استراتيجية الجهاد الحضاري للإخوان المسلمين. ويظهر التصنيف السياسي للإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) في تكساس استعداداً لتحدي شرعية الجبهات الدعوية الرئيسية، مما يجبر هذه الجماعات على تكريس الموارد للدفاع القانوني والعلاقات العامة.
وستعتمد استراتيجية الإخوان المسلمين المستقبلية في الولايات المتحدة بشكل كبير على المرحلية: استخدام التحالفات مع جماعات غير إسلامية، وإتقان "فن ‘التحالفات،‘ وفن ‘الامتصاص،‘ ومبادئ ‘التعاون‘" ، والاستفادة من السرديات المناهضة للاستعمار للحفاظ على الشرعية في الحياة العامة. ومن شأن عقوبات المنظمة الإرهابية الأجنبية/الإرهابي العالمي المصنف بشكل خاص، إذا تم تنفيذها بالكامل ضد فروع معينة، أن تقيد بشدة قنوات التمويل المشروعة، مما قد يدفع الدعم المالي نحو شبكات أكثر مرونة، وربما غير مشروعة، على مستوى العالم. يمثل هذا السيناريو تحولاً نحو حرب غير عنيفة أيديولوجية/ثقافية غير متكافئة في الغرب، حيث تحمي القوانين الديمقراطية عن غير قصد التغلغل الأيديولوجي الذي تقمعه الدول الاستبدادية في الشرق الأوسط بقوة.
الاستشراف الاستراتيجي: المشهد الجيوسياسي لما بعد الإخوان المسلمين
إن التحول الجيوسياسي المتعلق بالإخوان المسلمين ليس طريقاً للسلام، بل هو تحول في طبيعة الصراع، يستبدل تهديداً سياسياً شبه منظم بتهديد أكثر لامركزية وجموداً أيديولوجياً.
عواقب قمع الإخوان المسلمين: فرضية التطرف
إن القمع واسع النطاق للأجنحة السياسية البراغماتية للإخوان المسلمين في جميع أنحاء الشرق الأوسط – وهي استراتيجية تدعمها وتصدق عليها الولايات المتحدة – ينطوي على مخاطر كبيرة من العواقب الوخيمة طويلة الأمد. إن إزالة المنافذ السياسية والديمقراطية للتعبير الإسلاموي يثبت بشكل غير مباشر التشخيص الأساسي للمعسكر الثوري للإخوان المسلمين: أن المشاركة السياسية السلمية لا طائل منها بطبيعتها. ويضفي هذا الناتج الهيكلي الشرعية على استخدام العنف ويدفع الأعضاء المحبطين، وغالباً المتطرفين، نحو جماعات ثورية وجهادية صريحة.
تاريخياً، يؤدي انهيار أو التهميش الشديد للحركات السياسية البيروقراطية الكبيرة مثل الإخوان المسلمين إلى التشرذم وزيادة الاضطراب التنظيمي. وعبر سحق أكبر حركة إسلامية ديمقراطية قائمة (وإن كانت فاشلة)، تخاطر الولايات المتحدة وحلفاؤها بخلق شكل من الإرهاب أكثر لامركزية وأقل قابلية للتنبؤ به وأكثر تصلباً أيديولوجياً، مستبدلين خصماً شبه منظم بخلايا مجزأة ومتطرفة للغاية.
الجغرافيا السياسية لعدم الاستقرار
يحدث التغيير في السياسة الأمريكية ضمن إطار أوسع لإعادة ترتيب الأولويات الاستراتيجية. فتركز الولايات المتحدة بنشاط على احتواء الصين وإدارة النفوذ المتزايد للقوى الأوراسية. وتتم إدارة الشرق الأوسط الآن في المقام الأول لضمان الاستقرار للحلفاء الرئيسيين (إسرائيل والمملكة العربية السعودية) ومنع التعطيل الفوري لإمدادات الطاقة، بدلاً من التلاعب السياسي عالي المخاطر الذي حدد "لعبة الشيطان" في عصر الحرب الباردة.
إن الاصطفاف الأمريكي/الإسرائيلي، ولا سيما المكون الأيديولوجي الذي يمثله الدعم الصهيوني المسيحي لشخصيات مثل ترامب (كما يتضح من خطوات مثل نقل السفارة في القدس) ، يخلق سرداً جيوسياسياً دينياً صريحاً. ويحاكي هذا الإطار ويبرر الجمود الأيديولوجي للمعسكر الثوري للإخوان المسلمين، مصدقاً على مفهوم المواجهة الكبرى بين الحضارات.
في نهاية المطاف، يتحول الصراع الجيوسياسي الأساسي من الولايات المتحدة مقابل الشيوعية/القومية العربية إلى الولايات المتحدة/إسرائيل مقابل الإسلام السياسي/إيران. وهذا التصنيف كمنظمة إرهابية أجنبية هو ببساطة تكتيك جديد في إدارة ديناميكية الصراع المستمرة هذه، مؤكداً التحليل القائل بأن السياسة الخارجية الأمريكية غالباً ما تخدم مصالح "سادة البشرية" – المجمع الصناعي العسكري والشركات متعددة الجنسيات – عبر إدامة حالة من الصراع الدائم وغير المتكافئ يضمن ارتفاع الإنفاق على الموارد وعدم الاستقرار المستمر. ويؤكد نجاح هذا النموذج غير المتكافئ بشكل مأساوي تكلفة هجمات 11 سبتمبر (المقدرة بـ 400 ألف دولار – 500 ألف دولار) مقابل تريليونات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة على "المغامرات طويلة الأمد عبر البحار" اللاحقة.
الخلاصة والتوصيات الاستراتيجية
يتضمن التغيير العميق في الجغرافيا السياسية فيما يتعلق بالإخوان المسلمين تحولاً من الاستغلال الاستراتيجي ("لعبة الشيطان") إلى المواجهة العالمية والتصنيف الصريح. ويشير هذا الإجراء، المدفوع بالضرورة الجيوسياسية والارتباط الذي يمكن التحقق منه بالفروع الإرهابية، إلى التخلي عن السياسة التي سعت إلى تلطيف الإسلام السياسي.
ملخص النتائج
1. التحول الجيوسياسي: إن التحول في السياسة الأمريكية هو رد فعل على العواقب الاستراتيجية وضرورة ما بعد 7 أكتوبر لعزل حماس عبر استهداف أذرعها المالية والتنظيمية في المنطقة (مصر والأردن ولبنان). ويتأثر هذا المحور بشدة بالفصائل السياسية المحلية (كروز/روبيو) التي تبرر السياسة باستخدام الإطار الأيديولوجي لاستراتيجية الإخوان المسلمين للـ "الجهاد الحضاري".
2. تشرذم الإخوان المسلمين وتطرفهم: إن الهيكل الأساسي للإخوان المسلمين في مصر ضعيف للغاية وغير فعال. ويضفي القمع الإقليمي الشرعية على تبني المعسكر الثوري للعنف، مما قد يزيد من التهديد طويل الأمد عبر توليد خصم أكثر لامركزية وتصلباً أيديولوجياً ويصعب تعقبه.
3. الاستراتيجية الغربية: من المتوقع أن يتحول شبكة الإخوان المسلمين العالمية هيكلياً، مع إعطاء الأولوية للتغلغل الأيديولوجي غير العنيف (التمكين) في المؤسسات الغربية في أوروبا والولايات المتحدة، المحمي بالحماية الديمقراطية والقانونية. وستؤثر جهود التصنيف الأمريكية بشكل أساسي على البنية التحتية المالية والشرعية العامة للجماعات الدعوية.
التوصيات الاستراتيجية
بناءً على هذا التحليل، يوصى بالمسارات الاستراتيجية التالية:
1. الحفاظ على الضغط المستهدف بدلاً من التصنيف الشامل: يجب على الولايات المتحدة مقاومة الضغط السياسي لفرض تصنيف شامل كمنظمة إرهابية أجنبية على حركة الإخوان المسلمين بأكملها. إن الاستمرار في النهج الضيق والمستهدف (إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص/منظمة إرهابية أجنبية للفروع العنيفة التي ثبت تورطها، لا سيما تلك التي تمول حماس) يزيد من الفعالية القانونية للعقوبات مع التخفيف من الخطر الاستراتيجي لتطرف الطيف السياسي غير العنيف بأكمله ومن خلق احتكاك دبلوماسي غير ضروري مع الدول الحليفة.
2. تطوير أطر متكاملة لمكافحة التغلغل في الغرب: يجب على الأطر الأمنية الأوروبية والأمريكية أن تعترف وتتصدى للتهديد الخفي المتمثل في التغلغل الأيديولوجي (التمكين) ، ويجب أن تتجاوز السياسة مجرد الخوف من "الإسلاموفوبيا" لمعالجة التخريب الأيديولوجي المتعمد للقيم الدستورية والتغلغل المؤسسي الموضح في وثائق استراتيجية الإخوان المسلمين. يتطلب هذا تعزيز الرقابة على الشبكات المالية والمنصات التعليمية العاملة تحت ستار الحرية الدينية.
3. معالجة الأسباب الجيوسياسية الجذرية: لكي تتمكن الولايات المتحدة حقاً من تقليص التهديد طويل الأمد للإسلام السياسي والعواقب الوخيمة اللاحقة، يجب عليها أن تأخذ بنصيحة المحللين الجيوسياسيين المخضرمين عبر معالجة المظالم التي تضفي الشرعية على السردية المتطرفة. ويظل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو جوهر الغضب الإقليمي والوقود الأيديولوجي الأساسي للتجنيد والتعبئة، ويجب حله على وجه السرعة. إن الفشل في معالجة هذا الصراع الأساسي يضمن استمرار وجود الوقود الأيديولوجي اللازم لإبقاء "لعبة الشيطان" نشطة بشكل دائم.
